كتَّاب إيلاف

أسلمة الانتحار!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لقد هجمت على النّاس من العرب والمسلمين "لوثة الأسلمة"، فعمدوا إلى كلّ فنٍّ غربي محاولين إلباسه "حجابا إسلاميًّا، وفق مواصفات ومقاييس الدعوة الإسلاميّة كما يفهمونها!
فبتنا نسمع بالإعلام الإسلامي الهادف، والصُّحف الإسلاميّة، والشّريط الإسلامي، والزّواج الإسلامي، والسّوق الإسلاميّة، والجرس الإسلامي- الذي بدلاً من أن يرنّ في معرض التّنبيه صلصلة، نراه يصرخ في تحويره الجديد محيّيًا "السّلام عليكم"!
ولم يكتفِ القوم بهذا، بل حتّى "الأدب الجاهلي" أسلموه، فها هو الشّاعر يوسف العظيم يعمد إلى "سلخ" كلّ المعلّقات مبدّلاً ديباجة أبياتها ممّا هي عليه إلى رؤية جديدة على الطّريقة الإسلاميّة، ولم يجد أدني حرج في أن يُسمّى ديوانه "لو أسلمت المعلّقات"، فإن كان هذا "غريبًا" فالأغرب منه أن بعضهم تمادى أكثر من ذلك ودخل بنا في تفاصيل "الجماع الإسلامي".
ولم يقف الأمر عند هذا، بل إفتنّ البعض بفكرة نسف التّجارب الغربيّة من خلال البحث عن جذور كلّ فكرة غربيّة في القاموس الإسلامي، ليثبت أنّ الإسلام قد سبق الأمم الأخرى بهذا الميدان.
وإليك بعض الأمثلة من حصيلة هذا "النّبش":
عندما انتشرت الاشتراكيّة في أزمنة وازدهرت، كتب شاعر الأمراء أحمد شوقي قصيدة عصماء في مدح المُصطفى صلّى الله عليه وبارك يقول في إحدى أبياتها:
الاشتراكيّون أنت أمامهم...!!
ولمّا جاء الغرب بفكرة الدّيمقراطيّة، لم ينتظر دعاة الأسلمة كثيرًا ولم يتردّدوا، فأخرجوا لنا مصطلح "الشّورى"، وعندما جاءت كلمة "القانون" أسلموها بكلمة مقابل "الشّريعة"، ولمّا حلّت كلمة "وطن، تنادى دعاة الأسلمة بكلمة "أمة"، وحين وصلنا إلى مفردة "مواطن" استبدلوها بـ"مسلم"، ولمّا وصلنا إلى مفهوم "العولمة"، جاءوا يركضون حاملين معهم "عالمية الإسلام"!.
ولما جاءت مفردة الحكومة قالوا هي "الخلافة"..
هكذا تمّت تسوية الأمور، في قضيّة يرفض الطّرفان الرّضا بها والقياس عليها، فلا الوطن يرضى بأن يكون عالمًا إسلاميًّا، ولا العالم الإسلامي يرضى أن يكون "وطنًا له ضوابطه"، لنكون في نهاية الأمر أمام لغتين مختلفتين، تتحدّثان عن مفهومين معروفين متضادّين، لكنّهما يعيشان معًا في سلام مفتعل، وتزاوج إجباري، عبر مساحة طويلة اسمها العالم العربي.
ولعل آخر موضات الأسلمة هي "أسلمة الانتحار"، وبها أعني تلك العلميّات التي يقوم بها مجموعة من المرضى النّفسيين المأزومين.. وهنا تجدر الإشارة بإعجاب كبير إلى موقف سماحة الشّيخ عبدالعزيز آل الشّيخ مفتي المملكة العربيّة السعوديّة الذي كان أوّل عَالِم يقف ضدَّ هذه العمليّات مصدرًا فتوى بتحريمها عندما كانت محصورة في فلسطين، ولم تكن وصلت بلادنا الحبيبة - حفظها الله من كل سوء -، ولقد لقي سماحته ردود فعل غاضبة، لكنّه ثبت على قوله، وهاهم خصومه بالأمس يستبدلون الآن مسمّى "العمليّات الاستشهادية" بـ"العمليّات الانتحاريّة" كما هي تسمية سماحته منذ سنوات.
والسّؤال الذي كان قائمًا في الذّهن: لماذا لا نتبيّن الأمور إلّا بعد فوات الأوان ومرور الأزمان، بعد أن تهلك النّاس والأوطان؟.
لقد كنّا وما زلنا نُعيّر الغرب بالانتحار، وهاهو الانتحار يأتينا، ولكن بقميصٍ إسلامي فضفاض براق اسمه "الاستشهاد".. لقد كان الغربي ينتحر وحيدًا و"ينكسر وحيداً" طلبًا للرّاحة، ولكنّ المرضى النّفسيّون عندنا يموتون بأحزمة نافسة، تُميتهم وتميت غيرهم، ولا يهمّ ذلك طالما أنّ هذه العملية "هي أقرب الطُّرق إلى الوصول للحور العين". والله من وراء القصد.

Arfaj555@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف