كتَّاب إيلاف

أمير الشعر

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

جائزة "أمير الشعر"، قد تقررت بعدما سبقتها مسابقة كبرى، لإختيار " لشاعر المليونير". كان من المفترض قبلاً، كما رشحَ لنا، أن تكون الخطوة التالية، المنطقية، هي تتويج " الشاعر الملياردير". على أنّ إعتبارات، معينة، حالت دون ذلك. إذ حرن المليارديرية، من أعاريب وأضرابهم، وهددوا وتوعدوا اللجنة المشرفة على المسابقة الشعرية: "يا وَل، هل أصبتم معاً بعمى البصر والبصيرة؟ ألم تقرأوا أسماءنا في الصحف والانترنيت، وهي متصدرة لائحة "أغنى أغنياء العالم"، السنوية؟". حسنٌ. لم نعد بحاجة، والحالة تلك، لشاعر ملياردير. ما العمل، إذاً؟ وماذا سنقول لهذا السيل العرمرم من الشعراء، بين الخليج والمحيط، المتكاثرين مثل.. الخ الخ!؟ قعدنا نتفكر وضربنا أخماساً بأسداس، خصوصاً وأن يوم الخامس من حزيران، الجاري، قد أعاد لنا ذكرى حرب الأيام الستة وعارها القومي. ومن غير الشعراء الأقاح بقادر على محو العار والشنار ؟ وكان أن قرأ أحدنا، مصادفة، قصيدة في غاية الركاكة لشاعر ـ أو سمه ما شئت ـ يدعى أحمد شوقي. وما هذا، أيضاً ؟ تصوروا على ضحالة الذائقة الشعرية، لدى أسلافنا في القرن الماضي: فقد منحوا إمارة الشعر، بعظمتها وهيبتها، لذاك الرجل الذي لا تعرف قرعة أبيه من أين؛ فتارة يقولون لك أنه كرديّ الأصل، وتارة تركيّ فيونانيّ فشركسيّ.. فلا عروبة في دمه ولا يحزنون.
أحدُنا هذا، تعزز يقينه الموصوف بمغتصب الإمارة ذاك، حينما قرأ مختارات من الشعر الكذا؛ ولم يكن فيها إسمه. واضع المختارات، بدوره، أضحى شاعراً كبيراً وتحديداً بعدما الدنيا قامت عليه لأنه أصرّ على إهمال إسم أمير الشعراء. " يا أخي، لو لم يكن واثقا من نفسه، لما تجرأ على فعلته. فأكيد أنه أشعر من الأول، ولو كان من جيله لإنتزع منه الإمارة بل والمملكة كلها! "، كان الناس آنذاك يرددون فيما بينهم. عال. ما دام الأوائل قد إنتخبوا أميراً للشعراء ـ وبغض النظر عن سوء أو صواب إختيارهم، فلنجرب نحن الجيل الجديد إنتخاباً مماثلاً. مصر، لم تعد تصلح الآن لإنتخاب الأمراء، لأنّ نظامها جمبري.. أعني، جمهوري! أمير الشعر، مكانه لدينا هنا في إمارة " زعيفص "؛ وهيَ من أغنى إمارات العالم وأشهرها. حسن أدائنا في المسابقة الأولى، "الشاعر المليونير"، قد شجعنا على التفاؤل في هذه المرة أيضاً. الفنادق ذات النجوم والأقمار، جميعاً في خدمة المتسابقين والضيوف، فضلاً عن قوافل الرولزرايس و... كل هذا، صدقوني، ليس هماً في الإمارة الأغنى وعاهلها الأكرم. إهتمامنا كان منصباً على إختيارنا، الصحيح، للفائز. يجب التفكير، ملياً، بلجنة التحكيم. نريدها لجنة قومية، بإمتياز، كيلا نكرر خطيئة الأسلاف وننتخب كردياً أميراً للشعر العربي: أما يكفي غصتنا بإسم جلال الطالباني، الذي خلف حامي البوابة الشرقية وسيف العروبة ؟
أعزائي، أنقل إليكم ما جدّ في هذا اليوم، ما قبل الأخير، من المسابقة. أقول لكم، وبلا مبالغة شعرية، أنه كانت ثمة مفاجأة عاصفة، أطاحت بجميع التوقعات. ستسألونني، وهل تقدمَ اردوغان للمسابقة؛ هو الذي فاز بإنتخابات بلده وأضحى له إسم طنان في عالمنا العربي، الذي ينتظر تحريره لأراضينا المحتلة بحسب التغطية الإعلاكية.. أعني، الإعلامية!؟ كلا، ليست المفاجأة هنا . مع أن السياسة، بل والمقاومة، كانا حاضرَيْن بقوة في قلب هذه المفاجأة. يا سيدي، إنفرجت ستارة الاستديو عن صبيّة من ذوات الخدر، المحصنات بدروع مضادة للإغراء والإغواء والشهوات والنزوات. وقد قابلها الجمهور بإستقبال مدو؛ هيَ القادمة فضلاً عن ذلك من جارتنا، السلطنة السعيدة. تقدمتْ بخفر، وسط أضواء الكاميرا وألوف الهاندي، المسلطة على وقارها وحشمتها؛ وتقدم معها رنينُ خلاخيلها وأساورها وخواتمها وعقودها وجنازيرها، الفضية والذهبية والماسية والبلاتينية. فقل أنها صندوق صيغة، متحرك! بتلويحة شاعرية، لملت شاعرتنا أوراقها وما إشتط من أطراف حشمتها. حجابها، يا أخي، قصيدة عصماء، لوحده. للباروكة، عادة ً، لون واحد أو إثنان أو عشرة.. إنما لحجابها هذا، ربما مائة لون ولون. فكيف، إذاً، لن ينصرع بها الجمهور ويصرعنا أيضاً:
" بغددددددددداد! وما لي أراكَ عصي الدمع، شيمتكَ العطرُ!
بغغغغغغغغغغداد! وقالت، الحبّ عليكَ هوَ المكتوب أيها البَطِرُ!
بغداااااااااااااااااااد! وأحنّ إلى أمي وقهوة أمي، وتكبُرُ وأكبُرُ والله أكبَرُ!! "
عاصفة من الأكف المصفقة ومن التهليل وخفق الأعلام وبوارق الأضواء، إستقبلت المقطع الأخير، ذاك، من القصيدة العصيدة. بدورها، إنحنت شاعرتنا للجمهور وهيَ تتململ بالغبطة والنشوة في أريكتها الوثيرة؛ حتى وبلغ من تأثرها أن إنحدرت دمعتان بلون أخضر من عدستيْ عينيها. قلنا، أنّ كل شيء قد هدأ على الأثر، وراحت الأعين تترقب بقلق ردة فعل لجنة التحكيم وقرارها. وبما أننا نبتدأ باليمين وإليه لراجعون، فبالأحرى أن يتكلم أولاً صاحب الدشداشة والعقال: " لا رأيَ لديّ. بما أنّ شاعرتنا أنثى، وكل مؤنث لا يعوّل عليه ـ بحسب علماء الذرة.. أعني، علماء اللغة! "، قال الرجل بنبرة حقد غير خافية. زميله، الذي يليه، كان من الجزائر. توجه للشاعرة، قائلاً بلكنة فرنجية: " هيواه، نحنُ نذهبوا إلى ان قصيدتكِ فيها هالات عديدة، وخاصة في الوزن المتكئ على بحر الكذا! ". من جهتي، أعتقد أنّ أحداً من الحاضرين، في اللجنة، لم ينتبه إلى عثرة زميلهم في نطق كلمة " هالات " بقصد " هنات "؛ أيْ أخطاء! وجاء دور صاحبنا، العضو المصري، ليصرخ بالشاعرة مستنكراً: " كيف تقولين في قصيدتك، وأنتِ المؤمنة الملتزمة: " تزوجنا مراتٍ هذا الطريق " ؟ ألا تعلمين حكم الشرع في هكذا مسائل، وأن المرأة تتزوج مرة واحدة وليس حالها كحال الرجل القوام، الذي يثني في نكاحه ويثلث ويربع وما ملكت أيماننا؟ ". شاعرتنا، للحقيقة، كانت في أسوأ حالاتها. ومن ألوان هيئتها وتبرجها جميعاً، ما عاد بمحله غير اللون الأصفر. بيدَ أنّ الأمور، إلى الأخير، ما كان لها إلا التحول. فها هوَ العضو، السوري، في اللجنة الموقرة، يستشيط غضباً متناهضاً للدفاع عن الشاعرة، المسكينة: " أعذروني، أيها الزملاء، إذا قلت أنه غاب عنكم الشيء الأهم في هذه القصيدة؛ ألا وهو نبضها المقاوم: بغداد!! نعم، بغداد الجريحة، بغداد المغلولة بأيدي الغزاة الأنكلوأمريكان، والتي شاءت شاعرتنا أن تذكرها وبالرغم من أنها تتغزل بحبيبها الزرقاوي.. أعني، الأزرق العينين! ". عاصفة، عاصفة وحسب. هي المفردة الوحيدة، التي توجز ما إعتمل في الإستديو من حماس منقطع النظير. رونق الشاعرة عاد إلى سابق ألوانه، الفاقعة، وحتى لألاء أسنانها بان وتجلى. هكذا، بين ليلة وضحاها، باتت الشاعرة المسلطنة هي المرشح الأوفر حظاً للفوز بالجائزة، وتراجعت حظوظ الجنس المذكر. الأروع هنا، أنه في حال أن فلانة حملت لقب " أميرة الشعر "، فإننا لا بدّ ونبادر لتنظيم مسابقة اخرى، بعنوان "أمير الشعر". سنشغل وقتنا حينئذٍ، ونتسلى.

Dilor7@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف