هذا وقت للتجرؤ الفلسطيني...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هذا وقت الجرأة والتجروء فلسطينياً. في أستطاعة الفلسطينيين أن يندبوا حظهم ومصيرهم ويلطموا صدورهم ألى ما لا نهاية كما في أستطاعتهم الغرق ألى ما فوق رؤوسهم في اسر الشعارات التي أدت ألى "النكبة" و"النكسة" ثم النكبات المتتالية، تلك الشعارات التي ينادي بها أولئك الذين تاجروا بهم دهراً. لكنّ في أستطاعتهم أيضا التأكيد للقريب والبعيد أن هناك شيئاً اسمه القرار الفلسطيني المستقل والأنطلاق في أتجاه الأستفادة من الفرص المتوافرة في هذه الأيام على الرغم من أنها ضيقة ومحكومة بعامل الوقت. الخيار واضح كلّ الوضوح أنه بين السقوط في البكاء والعويل والندب ولطم الصدور ألى ما شاءالله من جهة وبين السعي ألى تجاوز الواقع الأليم من منطلق أن هناك أساساً يمكن الأنطلاق منه من جهة أخرى. يمكن الأنطلاق من هذا الأساس في محاولة جدّية لأقامة دولة فلسطينية مستقلة "قابلة للحياة" عاصمتها القدس الشرقية تكون مرجعية الشعب الفلسطيني المنتشر في كل أرجاء العالم، بما في ذلك مخيمات سوريا والأردن ولبنان.
تبدو القيادة الفلسطينية على رأسها رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس السلطة الوطنية السيد محمود عباس مدعوة ألى الطلاق مع أي نوع من المساومات التي لا معنى لها والتي تؤخر ولا تقدّم. في الأمكان على سبيل المثال اعتبار سيطرة "حماس" على قطاع غزة وأخراجه من تحت عباءة السلطة الوطنية أمراً مفيداً. ماذا ستفعل "حماس" بغزة؟ هل ستحولها ألى أمارة أسلامية؟ هل ستحولها ألى قاعدة لأطلاق الصواريخ على أسرائيل؟ هل ستحولها ألى رأس حربة للمحور الأيراني - السوري الذي يتحكم بقرار "حماس"؟ هذه مشكلة أسرائيلية وليست مشكلة فلسطينية. لقد عملت أسرائيل في السنوات الأخيرة، خصوصاً منذ تولي أرييل شارون موقع رئيس الوزراء في العام 2001، كلّ ما تستطيع من أجل تدمير مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية. وذهبت حتى ألى تدمير مؤسسات كانت قائمة قبل أحتلالها الضفة الغرية في العام 1967 وذلك بهدف أزالة كل ما من شأنه أن يؤسس لدولة فلسطينية مستقلة. عاجلاً أم آجلاً سترتد السياسة الأسرائيلية على أسرائيل. ستكتشف الدولة اليهودية أن الحلف غير المعلن الذي أقامته مع "حماس" لمنع قيام دولة فلسطينية سيجلب لها الويلات. ستخدعها "حماس" تماما كما خدعت "أبو مازن" بتوقيع أتفاق مكة في شباط- فبراير الماضي. وتبين لاحقاً أن أتفاق مكة لم يكن سوى وسيلة أستغلتها "حماس" لتهدئة الرئيس الفلسطيني وطمأنته بهدف كسب الوقت. وبالفعل أستفادت "حماس" من الهدنة مع "فتح" والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية كي تعد نفسها عسكريا، عبر الميليشيا التابعة لها، للأنقلاب الذي نفّذته بنجاح منقطع النظير في حزيران -يونيو الماضي والذي كشفت من خلاله أنها تسعى ألى السلطة ولا شيء آخر غير السلطة.
ليس هناك أي ظلم ل"حماس" لدى القول أنها تسعى ألى السلطة فقط، ألى السلطة أوّلاً وأخيراً. الدليل على ذلك أن ليس لديها أي مشروع أو برنامج سياسي تستطيع طرحه على العالم. حبذا لو زار توني بلير مبعوث اللجنة الرباعية غزّة في جولته الأخيرة وألتقى السيد أسماعيل هنية رئيس الحكومة المعترف به من "حماس" للأطلاع منه على طرحه السياسي. هل الهدنة الطويلة التي تقترحها "حماس" في مقابل أنسحاب أسرائيل ألى خطوط الرابع من حزيران - يونيو 1967 برنامج سياسي قابل للحياة يمكن تسويقه في العالم، أم أنه مجرد ذريعة يمكن أن تستخدمها أسرائيل للقول لكل من يعنيه الأمر أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه، ولذلك ستستمر في مشروعها الأستعماري المتمثل في ضم جزء من الضفة الغربية بشكل نهائي؟
يفترض في القيادة الفلسطينية أن تلملم أوضاعها وأن تستغل الأنقلاب الذي نفّذته "حماس" كي تمارس حريتها في التصرف بما يخدم قضية الشعب الفلسطيني المهددة بالضياع. قطاع غزة فلسطيني وسيظل فلسطينياً مهما فعلت "حماس" ومهما أستثمرت في عملية تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني على غرار ما يفعله "حزب الله" التابع ل"الحرس الثوري" الأيراني في لبنان. هناك أجواء دولية مساعدة مبنية على بداية وعي لأهمية أيجاد تسوية في فلسطين على أساس مشروع الدولتين، على أن تكون هناك دولة فلسطينية مسالمة "قابلة للحياة" ألى جانب أسرائيل. ولا شك أن الملك عبدالله الثاني لعب دوراً أساسياً في أقناع القوى الدولية على رأسها الولايات المتحدة بضرورة العودة ألى معالجة قضية فلسطين والأهتمام بها. وكان في غاية الوضوح في هذا الشأن في الخطاب الذي ألقاه أمام مجلسي الكونغرس في آذار - مارس الماضي، وهو خطاب لم يعجب كثيرين في واشنطن خصوصاً أولئك الذين يدعمون السياسة الأسرائيلية القائمة على تكريس الأحتلال. وقد بذل مزيداً من الجهود في هذا الأتجاه خلال لقائه الأخير بالرئيس بوش في البيت الأبيض قبل أيام. وهذا يتماشى مع وجود سياسة أردنية ثابتة تدعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
بغض النظر عن رأي المواطن العربي العادي بالرئيس بوش الأبن، فقد عبر الرئيس الأميركي أخيراً عن رغبة واضحة في العمل من أجل تسوية بعدما أكتفى في الماضي بالحديث عن مثل هذه التسوية في المطلق تاركاً لأسرائيل حرية التصرف من دون حسب أو رقيب. والأكيد أن تعيين توني بلير مبعوثاً للجنة العربية يعكس ألى حد كبير وجود رغبة قوية لدى المجتمع الدولي في الدفع في أتجاه التسوية ورمي الكرة في الملعب الأسرائيلي. أكثر من ذلك، هناك للمرة الأولى تنسيق بين معظم العرب من أجل تسويق مبادرة السلام التي أقرت في قمة بيروت في العام 2002 بدل الأكتفاء بالأعلان عن أن هناك مثل هذه المبادرة، وكأن أهمية المبادرات بالأعلان عنها وليس بأيجاد آلية لتنفيذها. ولهذا الغرض، زار أسرائيل وزيرا الخارجية الأردني والمصري السيدان عبدالأله الخطيب ومحمد أبو الغيط مكلفين من جامعة الدولة العربية وليس بصفتهما ممثلين للأردن ومصر. وهذا حدث تاريخي في حدّ ذاته.
لا يمكن بالطبع تجاهل أن هناك جوا عدوانياً في أسرائيل وهناك رغبة لدى أيهود أولمرت في متابعة بناء "الجدار الأمني" الذي يبتلع القدس الشرقية والضفة الغربية. في المقابل، لا يمكن التقليل من أهمية الدور الذي يستطيع المجتمع الدولي، على رأسه الولايات المتحدة، لعبه من أجل تحقيق تسوية أو التأسيس لمثل هذه التسوية على الرغم من العقدة الكبيرة المتمثلة بقضيتي القدس واللاجئين. لكن ذلك يجب ألا يمنع القيادة الفلسطينية من الأقدام عبر أتخاذ خطوات جريئة تحرج الأسرائيليين. يجب ألا تكون هناك مشكلة في الحديث عن تبادل للأراضي في حال كان مطلوباً الربط بين الضفة وغزة، نظراً ألى أنه لم يكن هناك ربط بري بين المنطقتين قبل حرب 1967. أمور كثيرة يمكن أن تعالج متى توفرت النيات ومتى تحلى الجانبان بالجرأة والأقدام. في النهاية، أستطاع الفلسطينيون والأسرائيليون التوصل ألى تفاهمات كثيرة في المفاوضات التي جرت بينهما في الأشهر الأخيرة من العام 2000 ومطلع العام 2001 بعد فشل قمة كامب دايفيد بين الرئيس كلينتون وياسر عرفات وأيهود باراك. كلّ ما تحقق لم يؤد ألى نتيجة ملموسة بسبب عدم أدراك الجانبين لأهمية عامل الوقت ولخطورة العمليات الأنتحارية لتي نفذتها "حماس" في أسرائيل، مستهدفة المدنيين، بهدف أيصال أرييل شارون ألى رئاسة الحكومة. وهو ما حصل بالفعل في شباط - فبراير من العام 2001. وشكل ذلك وقتذاك أنتصاراً للحلف القائم بين المتطرفين من أسرائيليين وعرب وغير عرب في وجه كلّ ما لع علاقة بعملية السلام.
نعم، هناك حالياً فرص ولو محدودة للتوصل ألى تسوية. أمام الفلسطينيين والأسرائيليين ألى آخر السنة تقريباً لوضع الأسس للتسوية. مرة أخرى، ثمة حاجة ألى جرأة وتجرؤ لدى الفلسطينيين وألى التخلص نهائياً من عقدة "حماس" التي لا تسعى سوى ألى أبقاء الشعب الفلسطيني وقوداً يستخدم في النزاعات الأقليمية على حساب قضيته. ليكن شعار المرحلة المقبلة "ربّ ضارة نافعة". هناك حالياً حكومة فلسطينية حرة برئاسة الدكتور سلام فيّاض قادرة، في ظل رئيس للسلطة الوطنية يبدو أنه تخلى عن تردده، على أتخاذ مبادرات بدل حكومة وطنية أقرب ألى حكومة شلل وطني من أي شيء آخر! هل يستخدم الفلسطينيون، رئاسة وحكومة، حرية التحرك هذه التي أسمها عودة ألى القرار الفلسطيني المستقل؟