في الفجوة العسكرية بين العرب وإسرائيل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"ما إن نكون في علاقات سلطة، فإننا لا نكون في القانون أو في السيادة، بل نكون في الهيمنة" ميشيل فوكو يجب الدفاع عن المجتمع
التفوق السياسي بين الدول والحضارات يقاس بالأساس بمدى إحرازها لتفوق عسكري وحربي ويتمظهر في التقدم التكنولوجي في الآلة الحربية لتلك الدول والحضارات وجاهزية الجيوش للكر والفر والتدخل السريع وقد عملت إسرائيل منذ تشكلها على أرض فلسطين للمحافظة على هذا التفوق العسكري من أجل الاستمرارية في الابتزاز السياسي والضغط والتخويف بالنسبة للدول المجاورة نظرا لأن العلاقات بين الدول علاقات قوى وليس علاقات قيم ولأن من يمتلك قوة الردع هو الذي يهيمن بشكل فعلي على المنطقة ولذلك خصصت عدة دول ميزانية كبيرة للتسلح العسكري بالإنتاج والتصنيع والتوريد والتصدير وكانت اسرائيل في مقدمة الدول التي اعتنت تنظيما وتطويرا بالآلة العسكرية التي تمتلكها وقد حافظت على الدوام على أسبقية في هذا المجال وأمام نية بعض الدول العربية إبرام صفقات سلاح مع بعض الشركات الغربية ردت الولايات المتحدة الأمريكية بأنها سترفع من مساعداتها لصديقتها اسرائيل بنسبة 25% حتى تحافظ على الفجوة بينها وبين الدول المعادية لها، فماهي حقيقة هذا الموقف الأمريكي؟ وهل يلمع هذا الموقف صورة أمريكا في العالم العربي الإسلامي؟ ولماذا تشتري الدول
العربية أسلحة لا تستعملها وإنما تلقي بها في مزبلة الصحراء بعد أن تتقادم وتتآكل؟ وماهو دخل ايران في هذا الموضوع؟ فهل تتسلح الدول العربية لتحقيق التوازن العسكري مع ايران وليس لمواجهة اسرائيل؟ وهل ينبغي أن ننظر إلى ايران كعدو أم كحليف استراتيجي؟ وكيف نفسر اعتراضها على صفقات شراء السلاح التي يبرمها العرب مع الغرب؟
في الواقع إن ما صدر عن الولايات المتحدة الأمريكية ليس جديدا ولا مستغربا فهي واصلت نفس سياسة المكيالين التي دأبت على إتباعها فيما يتعلق بالصراع بين العرب وإسرائيل لأنها دائما ما تنتصر لصالح طرف على طرف آخر وهو بالطبع اسرائيل وحتى رعايتها لمبادرات السلام والمصالحة فهو كثيرا ما يتنزل في إطار الحرص على صيانة أمن دولة اسرائيل الفتية واقتلاع مشاعر الكراهية من قلوب جيرانها أما بخصوص العرب فهي تتعامل معهم كمجال لتحقيق مصالحها وليس كأصدقاء بما فيهم العرب المعدلين ومن بين المصالح ضخ النفط نحو العالم الرأسمالي الصناعي بأبخس الأثمان وبشكل دائم، إذ مازالت تنظر إليهم على أنهم سوق غنية لترويج ما تنتجه بعض الشركات من أسلحة وآليات حربية وعادة ما تكون غير متطورة وباهضة الثمن ولا يقدر العقل العربي على استعمالها ومرفقة بكراس شروط وتقييدات في التنفيذ والتوزيع وتنازلات سياسية لصالح اسرائيل على حساب قيم السيادة والاستقلالية الذاتية في القرار.
أما اسرائيل فإنها حصلت منذ تكونها ككيان مصطنع على مساعدات مالية كبيرة من الدول الغربية طلبا للمغفرة والصفح مما حصل في الهولوكوست أيام الحقبة النازية على الرغم من تشكيك بعض المؤرخين والفلاسفة في أرقام المحرقة والاضطهاد أو اعتقادا وإيمانا في ضرورة تدعيم دولة أرض الميعاد أو التعامل معها كقاعدة أمامية لنمط الإنتاج الرأسمالي الذي ينبغي أن ينتشر في العالم بأسره،كما واكبت كل التطورات والثورات التي تحصل في مجال التصنيع العسكري والتقدم التكنولوجي في الغرب وبذلك فهي لم تكتف بشراء المعدات الغربية بالمال الغربي المبعوث إليها في شكل هبات ومساعدات وفي بعض الأحيان قروض ميسرة بل دخلت مجال الإنتاج والتصنيع العسكري ونافست في هذا المجال أكبر الشركات العالمية وبدأت مرحلة التصدير والبيع والاستثمار في هذا الأمر وحققت بذلك سبقا منقطع النظير بالمقارنة مع الدول العربية التي اكتفت بالاستهلاك والتوريد رغم ما يكلفه ذلك من عجز في ميزانياتها وضرر باقتصادياتها وحتى الدول التي حاولت التصنيع فإنها اضطرت في النهاية إلى الخضوع إلى الإملاءات الغربية وتفكيك برامجها ومصانعها كما حصل مع ليبيا وبرنامجها النووي
السلمي في خطوات مذلة ومتعارضة مع مبدأ الكرامة العربي وقد وصل الأمر ببعض الدول الإسلامية مثل تركيا إلى التعاون مع اسرائيل والحلف الأطلسي في المجال العسكري وتنفيذ مناورات مشتركة من أجل الاستفادة من خبراتها في هذا الموضوع وبالطبع وظفت اسرائيل هذا الأمر من أجل تسريع نسق التطبيع.
إن ماهو معلن من صفقات السلاح التي أبرمتها بعض الأنظمة العربية المعدلة مع بريطانيا وفرنسا وأمريكا وخاصة من طرف السعودية والبحرين والكويت وقطر هو مواجهة المد الإيراني المتغلغل في المنطقة وما يخيف الدولة العبرية أن هذا السلاح يمكن أن يقع في أيادي غير معدلة فيوجه إليها وتكون الكارثة، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية طمأنت الرأي العام الإسرائيلي بتحكمها في الوضع من جهة وبمضاعفتها المساعدات العسكرية من ثانية وبالتالي حرصها أن تبقى اسرائيل هي المتفوقة المتحكمة في المنطقة بأسرها. أما بخصوص ايران الصديق اللدود بالنسبة للعرب فإنها قد انتهجت حديثا سياسة غامضة تجاه عمقها الحضاري فهي تتدخل بشكل سافر في الوضع في العراق ونرى موقفها غير بعيد عن موقف واشنطن ومطامعها غير مخفية في ثروات العراق ونفطها وتستعمل بعض الميليشيات الشيعية من أجل هذا الغرض ولكن تحت غطاء الولاء للمرجعية الدينية حينا وتحت مبدأ حسن الجوار وتأمين الحدود ومحاصرة الأنشطة المعادية التي تقوم بها منظمة مجاهدي خلق حينا آخر ونراها كذلك تهدد البحرين وتحتل جزر أبو موسى الإماراتية وتسمي الخليج العربي تسمية فارسية دون أي مبرر
حضاري وأخلاقي وباعتداء سافر على التاريخ ولكن من جهة ثانية نراه تقف في جبهة الممانعة والصمود وتدعم النظام السوري والمنظمات الفلسطينية المقاومة مثل حماس والجهاد والجبهة الشعبية القيادة العامة ووقفت مع لبنان وقفة بطولية عندما شنت عليها اسرائيل حربا بربرية وكانت الأسلحة والصواريخ المتطورة التي أعطتها لحزب الله واحد من عوامل النصر إضافة إلى الإرادة الصلبة للمقاتلين اللبنانيين الأبطال في تلك الملحمة التي نحتفل الآن بمرور سنة عليها وجعلت صورة دبابة الميركافا تحترق وأسطورة الجيش الذي لا يقهر تتلاشى وقد اعترفت اسرائيل بفشلها وعجزها وقامت بمراجعات نقدية كبيرة وحاسبت المتسببين في الهزيمة حسابا عسيرا بينما فوت العرب بالسياسة ما كسبه الأبطال في الحرب وعوض أن تتسع دائرة الممانعين والمرابطين اتسعت دائرة المطبعين والمعدلين بحجة الخضوع للأمر الواقع وصعوبة المرحلة وتقدم العدو فماذا عساهم يفعلون أمام حرص أمريكا الإبقاء على الفجوة العسكرية بينهم وبين اسرائيل؟
إن الخطر هو أن يلجئ البعض من المعدلين إلى تعويض مؤسسة الجيش النظامية ببعض الميليشيات المرتزقة وشركات الخدمات العسكرية وفق نموذج فرسان مالطة مثل جيش الإسلام وجند الشام من أجل الحفاظ على عروشهم وكراسيهم ولحسم الخلافات الداخلية بلغة السلاح فيزيدون من إشعال نار الفتنة والتشرذم ويساهمون في إضعاف الأمن القومي العربي واندلاع حروب أهلية،إذ لا ندرى ماذا سينجر عنها، والمخيف أيضا أن يستعمل الريع المالي العائد من النفط في شراء أسلحة لا تغني ولا تسمن من جوع تزيد في الجهل والضعف عوض أن تزيد في القوة والمنعة وبالتالي نخسر تلك الأموال التي كان من اللازم أن تذهب من أجل التنمية والتطير من أجل بناء الانسان وذلك بالاعتناء بالغذاء والصحة وتوفير الشغل والسكن والثقافة والتعليم للجميع عوض الاهتمام العبثي بالجيوش والقصور والمشاريع الرنانة. المفروض أن لا يتدخل أي طرف سواء اسرائيل أو ايران أو أمريكا في العلاقة الممكنة بين العرب والحالة العسكرية لأن ذلك أمر يتعلق بالأمن القومي العربي ويدخل ضمن حق سيادة الشعوب العربية على أراضيها وحريتها في تقرير مصيرها وتدبيرها لمنظومتها الدفاعية بل من حق الدول
العربية دون استثناء أن تمتلك الطاقة النووية لأغراض سلمية تنموية خصوصا أن النفط في طور النضوب واستشراف مسالك لطاقة بديلة أصبح ضرورة ملحة.
واذا كان من اللازم أن نختار بين أمريكا وإيران فإننا نختار الشراكة مع المجتمع المدني الأمريكي والجمعيات غير الحكومية ونناهض عولمتها الاختراقية والفوضى الخلاقة التي تصدرها على أساطيلها وبوارجها الحربية ونختار سياسات ايران المنصفة للوطن العربي والمعترفة بالحقوق العربية في الدفاع عن الثوابت والمقدسات ونرفض سياساتها التوسعية ونعارض أطماعها في الخليج وفي الثروات العربية واضطهادها لعدة ملايين من السكان في إقليم عربستان،ورغم كل شيء تبقى بوصلة العرب من أجل الترقي والثبات متجهة نحو الشرق حيث ماليزيا واندونيسيا وإيران والهند والصين واليابان وربما باكستان وتركيا عوض اسرائيل والعالم الغربي لردم الفجوة العسكرية معها طالما ظل العالم يحكمه قطب واحد هو القطب الأمريكي،فمتى نرى عالما متعدد الأقطاب يكون للعرب فيه حق الوجود ويفعل فيه مبدأ العيش المشترك؟
كاتب فلسفي