توظيف الدِّين لمصلحة المُتسغِلِّين!!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يعمد القلم إلى النّبش في بطون الكتب، وأفخاذ المخطوطات، وصدور المجلّدات التّراثيّة، ليحرث في أرض المعرفة، في محاولة لاستخراج ما يثبت أنّ الدّين كان وما زال وسيستمر بوّابة لاستغلال المُستغِلِّين، ومطيّة مطاوعة لانتهاز المُنتهِزين، ومركبة يسيرة لتمرير أهداف المتنفّذين!
وفي ذلك - أعني نبش التّراث- يتحقّق أمران مهمّان، أوّلاهما: تأصيل المسألة بحيث يتأكّد القارئ بأنّ الفساد والاستغلال قديم قِدم الإنسان، وثانيهما: تصبح الفكرة في مأمن من قلم الرّقيب الذي يجحظ عينيه باحثًا عن جريمة لفظيّة، أو غمزة لُغويّة، تشير إلى فساد المجتمعات المعاصرة!
والأمر الجديد بالتّخطيط هنا أنّ أهل القرون الأُولى كانوا أرحب منّا صدرًا، وأوسع منّا أُفقًا، وشواهدهم دالّة على ما كانوا يتمتّعون به من سماحة وقبول!
حسنًا.. "لنخش" في الموضوع:
كم كانت كلمات خالتي ترنّ في أذني، عندما كانت تريدني أن آخذها لمشوار، فتترجّاني قائلة: (يا ولدي مالك إلا الأجر)! حتّى لو كان هذا المشوار لحضور زواج فيه طرب وغناء، أو "منكرات" - كما تقول أشرطة الصّحوة الإسلاميّة الغاربة"! والتي تؤمن بها خالتي العزيزة!
أكثر من ذلك.. تروي كتب التُّراث أنّ أحدهم قال: مررت بقوم، قد اجتمعوا على رجل يضربونه، فقلت لرجل يجيد الّضرب و"يعشقه": ما بالك تضرب هذا؟ قال: والله لا أدري لماذا، ولكنّي رأيتهم يضربونه، فضربته معهم، طلبًا للثّواب والأجر!
وللقارئ أن يلاحظ كيف ينفّس الضّارب والعاشق للضّرب عن موهبته تحت "مظلّة حبّ الأجر والثّواب"!
ويروي أيضّا أنّ رجلاً سكرانًا كان يحبّ الضّرب كثيرًا، مرّ بمؤذّن رديء الصّوت، فطرحه على الأرض وأخذ يدوسه بقدمه ويضربه، فاجتمع عليه النّاس وسألوه عن السّبب، فقال: والله لرداءة صوته، هذا الصّوت القبيح سيجعل اليهود يشمتون بالمسلمين!
ومن استغلال "التّنابل" للأديان عمومًا ما رُوي عن أحدهم أنّه قال: ليتني مسلم لكي لا أعمل يوم الجمعة، وليتني يهودي كي لا أشتغل يوم السّبت، وليتني مسيحي حتّى لا أعمل يوم الأحد، وليتني حلّاق لكي لا أشتغل يوم الاثنين، وأخيرًا ليتني من أهل حمص، لأنّهم لا يشتغلون يوم الأربعاء.
والإنسان بطبعه يسخّر الأمور - بما فيها الدين - على مزاجه، ويجرّ النّاس لقرصه المحمر، ومن ذلك ما يُروي أنّ أحد العامّة قال لأحد القضاة: (إنّ الكلب قد بال على الحائط؛ فقال الفقيه: يُهدم، ويُبنى سبع مرّات؛ عندها قال السّائل: إنّه الحائط الذي بيني وبينك يا فضيلة القاضي.. فقال القاضي على الفور: إذن قليل من الماء يطهّره، ولا حاجة لهدمه!!
ولتنظر سيِّدي القارئ ستجد آلاف الجداران والحوائط التي كانت ستهدم لولا لطف الله، وتدخل القضاة لحماية مصالحهم!
وتروي كتب التُّراث أنّ جماعة قالوا للإمام الزّاهد الحسن البصري: هلّا تُصلِّي، فإنّ أهل السّوق قد صلّوا؟ فقال - قاصدًا أهل السُّوق -: أولئك قوم إن تحرّكت سوقهم أخّروا الصّلاة، وإن كسدت عجّلوها!
من هنا من الممكن أن تقول: "دخل الآن وقت صلاة الظُّهر حسب التّوقيت المحلي لمدينة الحركة والكساد"!
وتروي الكتب أيضاً أنّ جحا سرقت منه شنطة كان يحملها، فأراد قومه أن يُلهوه بمعاتبتهم له لينسى مصيبة سرقة الشّنطة فقالوا له: لو أنّك علّقت عليها آية الكرسي لما سُرقت! فردّ جحا على الفور قائلاً: كان المصحف كاملاً فيها ومع هذا سُرقت!
هذه طائفة عطرة من ملامح استغلال الدِّين وتطويعه ليصب في حوض المصالح الشّخصيّة، ليكون الدّين بذلك عصا للضّرب، وسوطًا للجلد، فكلّ من عنده "عقدة" أو "عاهة نفسيّة" يجد أنّ استغلال الدّين خير وسيلة للتّنفيس عن هذه العقد وتلك العاهات!
وكلّ الرّغبات النّفسية لا تخرج عادة عارية، بل تتدثّر بملابس الدّين، وتتعذّر بتطبيق الشّريعة والانتقام لحدود الله.. ولله درّ العوام في نجد عندما قالوا: "من عجز عن درب الرُّجولة يتجه للدّين)!
Arfaj555@yahoo.com
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلافتسبب ملاحقة قانونية