كتَّاب إيلاف

ستار أكاديمي الحقيقي - مقالة إيجابيّة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

طالما سمعت من أصدقاء أقرباء أو من قرّاء أبعداء عن أنّي كثيرًا ما أميل إلى إبراز السّلب في حياتنا العربيّة. وقد يكون جميع هؤلاء على حقّ فيما يقولونه. إنّ الهدف من وراء الإشارة إلى الأمور السّلبيّة لا غاية منه سوى تدارك هذه الأمور ابتغاء إصلاحها. ولأنّي لست نائبًا في برلمان، وزيرًا في حكومة أو مسؤولاً في مكتب حكومي أيًّا كان، فما من سبيل أمامي سوى الكتابة والتّنبيه. لست غبيًّا لدرجة أظنّ فيها أنّ الكتابة، وعلى وجه الخصوص باللغة العربيّة، قد تُقدّم شيئًا في هذا الفضاء العربي وفي هذه الحال العربيّة المأزومة، ثقافيًّا، سياسيًّا، اجتماعيًّا ودينيًّا. لكن، ما العمل وقد أضحت الكتابة ضرورة حياتيّة، مثلما هي رسالة فرديّة، سلعة، تُعرض في السّوق. من يجد فيها ضالّته بوسعه أن يقتنيها، ومن لا يجدها فيها يتركها مطروحة على قارعة السّوق.

***
وها أنذا أشذّ الآن عن تلك القاعدة بمقالة إيجابيّة، وذلك ابتغاء زرع بصيصٍ من أمل في أذهان القرّاء المتذمّرين.ولكن وقبل ذلك، ولأنّنا في موسم الصّيف المشرقي "القارس" هذا، وهو موعد المهرجانات والغناء وقضاء الإجازات وما إلى ذلك من مرفّهات، دعونا ننظر إلى ما يشغل بال الأجيال العربيّة في هذا الأوان. لقد تحوّلت المهرجانات وما شابهها من برامج الفضائيّات بدءًا من برامج الواقع وانتهاءً ببرامج النّجوم و"ستار أكاديمي" إلى ما يشبه الأفيون لدى هذه الشّعوب. وهو أفيون تطرحه الأنظمة الفاسدة وزبانيتها من مرتزقي الثّقافة من خلال شركات تتحكّم بها مصالح العولمة، لكي تشكّل هذه البرامج عظمة تتلهّى بها الشّعوب المغلوب على أمرها. وهكذا يتحوّل الغناء الهابط بتخطيط من شركات بيع الأوهام النّجوميّة منجمًا لجني الأرباح لأرباب تلك الشّركات من جهة، كما يتحوّل هؤلاء المغنّون المطربون، وأغلبهم من الهابطين فنًّا وغناءً ونصوصًا، إلى آلهة تُقلّد أوسمة، يقلّدها ايّاها أبناء النّشء الجديد الحالمين بهالات نجوميّة فضائيّة معولمة عربيًّا. ولكنّها في نهاية المطاف كاذبة، وسرعان ما يلفّها النّسيان.

***
ولأنّي وعدت قرّاء إيلافبمقالة إيجابيّة، فها أنا أودّ الإشارة إلى نجم من نوع آخر، إلى "ستار أكاديمي" بحقّ وحقيق.لقد شاهدته أكثر من مرّة، متنقّلاً بين موقع هنا وموقع هناك، كاشفًا عن خبايا ظلّت قرونًا طويلة طيّ الكتمان، حتّى جاء هو وصحبه من زملاء مسكونين بحبّ التّقصّي والاستطلاع. أستمع إليه يتحدّث بحماس وبلهفة عن عمله، عن أسرار تنجلي هنا وأسرار تنكشف هناك. نعم، شاهدته أكثر من مرّة في برامج للناشيونال جيوچرافك، يجول في وادي الملوك أو وادي الملكات. كما رأيت مدى اللّهفة الّتي تلفّه وهو يقف ليشرح عمل الرّوبوط الصّغير الّذي بني خصّيصًا لكي يدخل في نفق صغير في الهرم لا يدري أحد من البشر في هذا العصر ماذا يُخبّئ في نهايته. شاهدت فرحته لاكتشاف باب صغير كشفته كاميرا الرّوبوط في نهاية النّفق. ماذا يُخبّئ هذا الباب الصّغير وراءه؟ هل هنالك سرّ لم يجاوز أولئك الّذين عملوا على بناء الهرم؟ وهل كان مصير هؤلاء البنّائين "غير الأحرار" كمصير سنمّار؟ إذن، كيف لا يقف المرء مشدوهًا إزاء ذلك، وكيف لا يحتار؟
نعم، إنّه نهمُ البحث والتّقصّي. إنّه نهم الفهم لهذا الفضاء الّذي نعيش فيه، بعد أن عاش فيه أجداد عريقون تاركين لنا هذه المآثر. إنّه فضاء آخر غير فضاء الفضائيّات البخيس والرّخيص. هذا هو النّجم الحقيقي الّذي أتحدّث عنه الآن، إنّه الأستاذ زاهي حوّاس، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر. لقد حصل الأستاذ حواس على الكثير من الجوائز، بينها، جائزة الدرع الذهبية من الأكاديمية الأمريكية للعام 2000، كما اختارته مجلة تايم الأميركيّة ضمن قائمة أهمّ مائة شخصيّة في العالم.
وها هو الأستاذ زاهي حواس يُطلق دعوة إلى المجلس الأعلى للآثار بمصر قائلاً إنّه: "على أتم الاستعداد لعمل شراكة تكون نواة فيما بعد لمشروع كبير يضم جميع البلدان العربية، وبالتنسيق مع جمعية الأثريين العرب، وذلك لعمل خريطة أثرية واحدة للوطن العربي توضع عليها جميع المناطق الأثرية على اختلاف الحقب التاريخية التي تنتمي إليها هذه المواقع، واستخدام أحدث تقنيات التكنولوجيا الحديثة لتسجيل هذه المناطق وعمل قاعدة بيانات "Data Base" لآثار الوطن العربي يساعد على صيانة وحماية مواقعنا الأثرية". ثمّ يختتم كلامه محذّرًا: "إن ما تتعرض له بلدان وطننا من حروب وصراعات تهدد تراثنا الحضاري تدعونا إلى الإسراع فى تسجيل هذا التراث باعتباره تراثا إنسانيا لا يجوز التعدي عليه بأي شكل من الأشكال باعتباره ذاكرة الوطن. وكلنا مسؤولون عن الحفاظ على ذلك التراث وحفظه للأجيال القادمة كخطوة على طريق حفظ هويتنا وميراثنا الحضاري." (عن: الشّرق الأوسط، 2 أغسطس).

***
أمّا أنا أضمّ صوتي إلى هذه الدّعوة الّتي انطلقت من عند الأستاذ الجليل زاهي حواس. ألا تلاحظون الفرق بين هؤلاء المشاهير الّذين امتلأوا زيفًا معولمًا في شاشات الفضائيّات العربيّة، وبين من يكدّون ليل نهار منكبّين على عملهم في البحث والتّنقيب وكشف مجاهيل الماضي. لذلك، فإنّ زاهي حواس، ومن هم على شاكلته هم بنظري نجوم "ستار أكاديمي" الحقيقيين.
ألم أقل لكم إنّها مقالة إيجابيّة؟

salman.masalha@gmail.com

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلافتسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف