هجرة الاقليات و الانهيار الاقتصادي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
نشرت "لوسيتا لاجنادو" بصحيفة " وول ستريت "، عدد 4 يوليو الماضي، مقالا يعرض لزيارتها الأخيرة للقاهرة و ذكرياتها عن المدينة التي غادرتها منذ اكثر من 40 سنة، و ما لاحظته من انهيار كبير في مختلف المجالات. و لعل أهم ما جاء في التقرير، الدور الذي لعبته هجرة أو بالأحرى " التهجير القسري" للاقليات، كعامل أساسي للانهيار الاقتصادي و الاجتماعي.
جاء في المقال : "انخفض معدل دخل الفرد في مصر من 80% مقابل اليونان و 45 % مقابل إيطاليا، بداية الخمسينات من القرن الماضي، إلى 11% و 6% اليوم، على التوالي... و بالرغم من الاعتقاد السائد آنذاك بضرورة أن تقرر الدولة الجديدة مصيرها بنفسها، كانت النتيجة عكس ما كان متوقعا.
كان يعيش قي مصر اكثر من مليون أوروبي، من بينهم أربعين ألف فرنسي عملوا على نشر لغتهم التي أصبحت اللغة الثانية للطبقات المحظوظة. كما نشطت الأقلية اليونانية و قوامها قرابة 400 ألف، في مجالات الفنادق و تجارة المواد الغذائية، و الإيطاليون (قرابة 150 ألف) في مجالات التجارة الخارجية و المال و الأعمال. أما الأقلية الأرمينية (قرابة 100 ألف ) فقد اشتهرت في مجال الحرف و التجارة.
مع هذا كان هناك شعور عام ضد الإنجليز الذين حاولوا السيطرة على العملية السياسية في البلاد منذ القرن التاسع عشر. و اندلعت مظاهرات " السبت الأسود " في يناير 1952، حيث تم حرق مظاهر الوجود الأجنبي في القاهرة. و هو الشعور الذي استغله عبد الناصر عند وصوله للحكم بانقلاب عسكري عام 1954، إذ لم يترك للاقليات خيارا غير مغادرة البلاد، بعد أن قام بتأميم المصانع و الاستيلاء على مختلف المشاريع الاقتصادية... و كانت النتيجة هجرة الأقلية اليهودية التي كان عددها 80 ألفا و معظم الاقليات الأخرى، و في مقدمتها الجاليات الأوروبية. (انتهى)
الحقيقة إن الانهيار الاقتصادي هو نتيجة حتمية لهجرة الاقليات مهما كانت الأسباب. فالاقليات، خصوصا في الدول العربية و الإسلامية، هي قوة طليعية تزدهر في مجالات حيوية عدة كما جاء في الأمثلة أعلاه، و فقدانها يصعب تعويضه حتى لو تم توجيه المواطنين -من الأغلبية الباقية في البلاد - و تدريبهم في هذه المجالات. و لعل الخسارة الاقتصادية الأكبر تأتى من الدور الذي تلعبه الاقليات في مجال التعليم حيث تنشط في بناء مدارس تعتمد المناهج الغربية المتطورة مقارنة بالمناهج الوطنية، و من دورها الطبيعي كهمزة وصل مع الخارج، مما يساعد على تطوير الصادرات و جلب الأفكار الأجنبية و تطبيقها بخلق مشاريع جديدة.
كما لا بد من التأكيد هنا على أن الهجرة العربية خلال العقود الخمسة الماضية لم تقتصر على الاقليات التي تنحدر من أصول أجنبية، بل طالت الأقلية المثقفة أيضا صاحبة الكفاءات العليا و التي ما كانت لتهاجر بالأساس لولا حصولها على فرص مغرية في الخارج.
و يؤكد هذا على أهمية أن تعتمد الدول العربية اليوم سياسات معاكسة تؤدي إلى استقدام الكفاءات المهاجرة و الخبرات الأجنبية. بإمكان تسهيل إجراءات الأعمال أن تجلب المهاجرين على الاستثمار في مشاريع داخل البلاد، حيث المنافسة اقل بكثير مما هي عليه في دول إقامتهم في الغرب. كما يجب إلغاء العراقيل على الاستثمار الأجنبي بما فيه الخدمات المتعلقة بالسياحة ( مثل الفنادق و المطاعم )، إذ أن ضعف هذه الخدمات في الوقت الحالي ينعكس سلبا على السياحة التي تعول عليها معظم الدول العربية لرفع نسبة النمو الاقتصادي و الحد من البطالة.
كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن
Abuk1010@hotmail.com
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلافتسبب ملاحقة قانونية