مشروع وطني أم انقسام علني؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
القادة العراقيون الجدد متى يتعلمون درس التاريخ ؟؟
مقدمة : فن القيادة
على مدى اربع سنوات من متغيرات العراق الصعبة قفزت الى الواجهة السياسية وجوه لا تعد ولا تحصى، ومنها من وصل الى القيادة العراقية من خلال عمله رفقة الامريكيين، ومنهم من صعد على اكتاف هذا او اقدام ذاك، ومنهم من غّير جلده ولبس الاقنعة مرات ومرات.. وقام الامريكيون بمؤازرة بعض الحركات السياسية المعارضة دون أخرى، واعتمدوا على اسماء معينة دون اسماء اخرى.. ثمة من كان قد عرف بنضاله ومعارضته للحكم السابق، وثمة من لم يكن معروفا ابدا لا في العير ولا في النفير.. وفجأة يجد نفسه في السلطة او في حواشيها واذيالها، علما بأن هناك من الاسماء وقد اندفع اصحابها باسم معارضتها ونضالها، ولكنها لم تلق اي تأييد من الامريكيين ولا من الشارع فاختفت عن المسرح السياسي وتلاشت.. وخشبة المسرح السياسي العراقي اليوم حبلى بالاحداث وهي تتمرجح في غاية الصعوبة، ولكن هناك من يتلاعب باوراق مقامرة في ادوار غير محسوبة ابدا، ولكن من دخل العملية السياسية بصورتها التي افرزتها الاوضاع بعد السقوط الكبير، او بالاحرى بعد الاعلان عن تجربة مجلس الحكم سيئة الصيت، فلقد رضي عن قناعة بالمبادئ ( الجديدة ) التي يعمل بها الحكم الجديد وهي مبنية على اساسيين اثنين : الوجود الامريكي وآلية المحاصصة ..، فاذا كانت لدينا القناعة بأن الوجود الامريكي سيزول في يوم من الايام، فان آلية المحاصصة ليس من السهل ازالتها ان استطاعت ان تنغرس جذورها في حياة ( العراق الجديد ).. واعتقد أنها مرتبطة بالاساس الاول الذي استطاع ان يبلورها ويدفع باتجاهها سياسيا واعلاميا.. ولكن ؟
من رضي بالانخراط في التمثيل القيادي ولا اقول بالقيادة الحقيقية، فان عليه ان يدرك انه جزء لا يتجزأ من مجمل صناعة هذه الحقبة التاريخية الصعبة من تاريخ العراق.. اما من يبّرر غير ذلك لاسباب مهما تنوعت ومهما تباينت، فهو ينافي الحقيقة ويجافي حركة التاريخ، فالتاريخ سيكتب ان من ساهم في صناعته هم التالية اسماؤهم ادناه الى ابد الابدين ! ان العراق من البلاد الصعبة التي هي بأمس الحاجة الى قادة بمنتهى الكياسة والحزم وفن الادارة واحترام كل التنوعات والاطراف او كما يسمونها بـ " المكونات ".. وان من يتجّرد لحكم العراق عليه ان ينزع عنه كل البسته واقنعته ونزعاته واهوائه ولا يلبس الا العراق.. وسواء وصف بالمثالية او بغيرها، فهو يؤدي واجبا تاريخيا ليس بحق المواطنين، بل بحق الاجيال القادمة التي لا نريدها وفي اي شبر من تراب العراق ان تتشّتت وتتمزق وتعاني اكثر بكثير مما هي عليه اليوم، وبما يفوق التصور ! ان العراق سيواجه اعتى الاحداث وهو في طريق الانقسام، وسيشهد حربا ضمن صراعات متنوعة ستطول كثيرا ان وجدت الادارة الامريكية ان مصالحها سيؤمنها الانقسام حسب ما طرحه جوزيف بايدن.. ولكن الانقسام لا يمكنه ان يبقى، لأنه سينهي وجود العراق ! وساعالج افكار جوزيف بايدن قريبا.
ماهية المشروع الوطني
هنا، يمكننا القول ان الصراع الداخلي بين مختلف الفرقاء السياسيين العراقيين اليوم لا اجدها تنطلق أبدا من " مشروع وطني " كالذي عاشته كل من النخب والاحزاب السياسية في مختلف بلدان العالم ومجتمعاتها التي مرّت بمحن ومصاعب تاريخية كالذي وجدناه في المانيا واسبانيا واليابان وايطاليا وتركيا وفرنسا.. وغيرها ولكن في العراق، كما يبدو حتى يومنا هذا، فان المشروع الوطني مغّيب تماما لصالح اهداف الانقسام بحيث كلّ يعمل على هواه، وان الجميع يستخدم ( شعارات وطنية ) مزيفة لاغراض واهداف شتى.. وان الرؤية التي اعتمدها الاميركيون في بناء ما اسمي بـ ( العراق الجديد ) جاءت في غير زمنها ولا في محلّها ابدا وليست متجانسة مع اناس انتدبتهم لا يصلحون لهكذا مهمّة، وربما لديها تصّور من نوع آخر..
ان بلدا خرج من كوارث مأساوية وحروب دامية ودكتاتورية بشعة لا يمكنه ان يدخل مباشرة عملية سياسية سريعة كالتي اراد لها الامريكان وصفق لها بعض العراقيين الذين ترجموا معاناتهم وآلامهم وفرقتهم ونضالاتهم او اهدافهم وطموحاتهم وافكارهم ( وحتى تآمرهم وعمالتهم لمختلف الاطراف ) من خلالها، فكان ذلك هو مجال فعّال لتفجير الاحقاد وتوليد الكراهية وزرع النقمة وفقدان الثقة، بل كانت " الخطابات " و " الخطابات المضادة " كافية لانتاج الفوضى وجذب الارهاب بأعتى صورهما.. وكثيرا ما نادينا منذ العام 2003، بأن كل الابواب موصودة اذا ما مشيتم بهذا السبيل يا قادة العراق الجدد، فلم يسمع منكم احد ولم يفكّر منكم احد ولم يستأنس منكم بذلك احد، بل انتقدتونا نقدا لا مبرر له.. واليوم بدأت الهوة تزداد بين الحكم الجديد وبين الجماهير التي لم تجد اي لحظة تاريخية تشبع بها حاجاتها في الحياة ولا تجد اي بصيص لتحقيق آمالها في العراق، بل ولم تجد اي مأوى عراقي تأمن فيه على دمها ومالها وعرضها !
التمزقات وليدة انعدام الثقة
كم كنت ولم ازل اتمنى صادقا على كل من وصل الى سدة الحكم والادارة في العراق من العراقيين ان يستأنس بكل التجارب الماضية لحكام عراقيين سابقين على امتداد القرن العشرين، ليتعلم الدروس الصعبة التي تفيده جدا في حكم العراق وادارته وخصوصا مع وجود محتل امريكي لا يمكن التعامل معه بسهولة ابدا.. ومع مجتمع اقليمي له تجارب تاريخية مريرة مع العراقيين وله اطماع لا اول لها ولا آخر.. وقد توضّح لكل العالم كم هو ذلك " الموقف " الاقليمي مناوئ للعراق والعراقيين.. ومع مجتمع دولي لا يهتم الا بمصالحه الاستراتيجية.. ولكن وجدت في اغلب القادة العراقيين هنات واخطاء لا يمكن السكوت عليها ابدا، والمشكلة انهم لا يعرفون كيف يتفاهمون مع انفسهم، بل ولا يدركون ان ما يضرّ العراق سيضر مصالحهم هم بالذات.. ان مشكلتهم الحقيقية، انهم فرقاء في الاستحواذ على مصالح جهوية وفئوية وطائفية وعشائرية وعرقية يعلنونها ولا يخفونها ابدا.. فالمصلحة العامة لا تشغل اي حيّز في قاموسهم او حتى تفكيرهم وضمائرهم، ومتى ما تحدثّوا عن العراق فهم يتحدثون عن انفسهم او عن ذاتهم او عن اقاليمهم لا عن المجموع العام بكل تنوعاته وفسيفسائه.. وهذه خطيئة لا تغتفر وصلتهم من خلال احزابهم التي تربوا في احضانها !
واخيرا اقول :
ولعّل من ابرز الاسباب التي تجعلهم هكذا ما يجدونه في دوائرهم وبيئاتهم من تأييد فئوي او طائفي او عرقي او جهوي او محلي او حتى من مستشاريهم الذين لا يمكن وصفهم الا بنوق الله وسقياها.. او حتى ثمة ارتباطات للبعض بجهات اخرى وبمستشارين اجانب غير عراقيين أتوا من بلدان لا يمكنهم أبدا ان يخدموا العراق بمشروع وطني. ان ما يعلن فقط على الالسنة من تصريحات وخطابات تجعلنا نقول بأن هناك من الساسة والقادة العراقيين من يثق بما هو امريكي او ايراني او تركي او عربي اكثر من ثقته بمن يشاركه مواطنته وأرضه ووجوده ومصيره.. أي اكثر بكثير من ثقته بأي عراقي، ومن البديهي لأي عراقي ان فقدان الثقة هذي لا يمكنها ان تبني وطنا بناء سليما، ولا يمكن ان تخّفف من حدة الاحتراب الداخلي، فاذا كان هذا وضعهم اليوم، فكيف سيكون حالهم عندما تسحب الولايات المتحدة وبريطانيا جيوشهما من العاصمة بغداد والمدن الرئيسية في العراق !
للمقال صلة (انتظر المقال القادم بعنوان : اسلوب حكم العراق والعراقيين : فن الممكن الصعب )
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلافتسبب ملاحقة قانونية