ثورة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952م
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
من يريد أن يعرف أسرار الفترة الخفية في الانقلاب العسكري الناصري فليقرأ كتاب (حسن العشماوي) عن علاقة عبد الناصر بالإخوان، أو السيرة الذاتية للفيلسوف المصري (عبد الرحمن بدوي)، الذي فر من فرعون إلى باريس، فمات هناك في غرفة وحيدا شريدا طريدا مدحورا..
وجيلنا عاش تجربة الوحدة الناصرية فكان حماس الناس كبيرا وهم ينصبون فرعون بسماتيك الأول، حتى شعروا بالمقلب بعد حين، فكانت نهايته مثل نهاية إبراهيم باشا.
وبعد بسماتيك الأول، يجري حاليا تنصيب بيسماتيك الثالث، ويهيء الرابع، بدون أمل بالخروج من نفق التيه والخوف والظلمات..
و(محمد علي باشا) كاد أن يحتل الأستانة حتى عرف أن مصيره في يد المدفعية البريطانية..
وهي قصة قديمة للمماليك البحرية والبرجية ومماليك الشراكس، في تملك الرقاب بحد السيف..
وما زلنا في نفس المرحلة فانتقلنا بالبريد المضمون من يدي المماليك البرجية إلى يد المماليك الناصرية والبعثية..
وأمة تفقد قدرة تقرير المصير كما يقول الفيلسوف الألماني(أوسفالد شبنجلر Oswald Spengler) ليس أمامها إلا أن تتحول إلى (بضائع) للاستيراد والتصدير..
ولسوف يكتب التاريخ أننا كنا من الملعونين..
وقبل أيام احتفل البعض بمناسبة ثورة الضباط الأحرار في مصر، وحزن آخرون للمصيبة، كما هو الحال في (يوم المحزنة) في 8 مارس ـ آذار 1963م في بلاد الشام، ودخول البلاد نفق الانقلابات العسكري..
فإذا هم فريقان يختصمون؟
هل كانت ثورة عبد الناصر مصيبة ولعنة على الأمة؟ أم كانت فتحا مبينا؟؟
هناك من احتفل بالفتوحات الناصرية أنها كانت فترة الصعود والصمود العربي؟
وهناك من يلطم الخدود ويشق الجيوب؟
فهل كانت ثورة الضباط نعمة من السماء وحرية وازدهارا؟ أم كانت لعنة من الجحيم وبوارا وتبارا؟؟
لقد ذكر العشماوي في كتابه (الإخوان والثورة) أن عبد الناصر خلد اسمه على نحو ما؟
ولكن هل خلد نقشه في سجل الخالدين؟ أم سجل في قيد المجرمين؟
هناك إحداثيات في الحكم على الأشخاص، وليس مثل التاريخ حكما سواء بإنزال حكم المقصلة، أو الرفع لأعلى عليين.. أو الخسف في أسفل سافلين؟
من يقول بالفتوحات الناصرية يذكر الخلاص من عائلة فاروق الفاسدة؟ ولكن هل جاء بعد الفاسدين من هو أصلح أم أفسد؟
فولدت مزرعة أورويل بحاشية أدهى وأمر؟؟
وهناك من ينشد أغاني عبد الحليم حافظ في بناء السد، ولكن الفيلسوف البدوي يكتب في مذكراته أنه تحصيل حاصل.
ولو بعث الفرعون امنحوتب الرابع وبيبي الثاني لفعلوا ما فعله عبد الناصر، فليس من جديد.
وهناك من تنتفخ أوداجه، ويقول كانت أيام عبد الناصر فتحا مبينا، وهزيمة لثلاث دول عام 1956م، منها اثنتان من القوى العظمى: فرنسا وبريطانيا؟
ولكن (الملك حسين) كشف الغطاء عن سر مرعب، أن حرب 1956م هي التي فتحت الطريق لامتداد إسرائيل مثل نصل سيف حتى شرم الشيخ في البحر الأحمر ومعها أفريقيا؛ فبعد أن كان إسرائيل تطل على بحر واحد، مكنها عبد الناس بالتمدد على ظهرها إلى بحرين..
ولولا تهور عبد الناصر في تأميم القناة ـ التي كانت في طريقها لذلك كما كتب البدوي في سيرته الذاتية ـ وتحريض بريطانيا للحرب، لما فتح الطريق لإسرائيل إلى البحر الأحمر، لتكون سببا لاحقا لكارثة سيناء وهزيمة 1967م.
ومن الغريب أنه لم يكن أحد يفتح فمه عما حدث من مصيبة؟؟
ثم جاءت (مسرحية الاستقالة) وبكاء جماهير عمياء عوراء صماء، من قوافل وطوابير من البرص والعرج، في مسيرة من الكذب والدجل، منظمة من الباب للمحراب بأيدي شياطين الأنس والجان، من كل صنوف المخابرات ودهاة المخبرين السريين، من الاسكندرانية حتى الصعيد..
ثم جاءت حرب اليمن التعويضية بدون تعويض؟؟
وقبلها كارثة قتل العائلة المالكة العراقية وسفك دمها وسحلها على الطريقة العراقية كما جاء في مذكرات يونس البحري...
سيقول المدبجون للأغاني الناصرية؛ أنه نفخ في القومية العربية، ولكن ليس أنتن من الروح القومية، فأولها نتن شوفيني، وأوسطها بغضاء وإحن ومحن، وخاتمتها حرب الكرد والعرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر..
لا شك أن عبد الناصر قاد إلى هزيمة، يدفع العرب فاتورتها حتى قيام الساعة، ولا شك انه رسب في الامتحان، فأعلي شأنه وتمت المحافظة عليه كصنم هبل، في صبيانية وضبابية السياسة العربية.
وأمم تحترم نفسها تستقيل قياداتها لأساب أتفه، ولكنها في العالم العربي مقلوبة لأنها بين أمم تمشي على رأسها، كما حصل مع حافظ الأسد وتسليم الجولان قبل أن يسلم، فارتفع مقامه من وزير دفاع إلى رئيس جمهورية.
ومن يمشي على رأسه يفقد رأسه ورجليه معا..
إن هزيمة 1967م كانت صدمة للصحو فلم يصحو أحد.
ولا شك أنها كانت انعطافا في تاريخ العرب الحديث، بمصيبة لا تبق ولا تذر لواحة للبشر..
ولا شك أنها فتحت العيون على الهزيمة الحضارية، لتبدأ معركة الحضارة الفعلية بدون مخابرات وأحمد سعيد، ولكنها كانت مثل نخس مريض مسبوت في العناية المركزة..
والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون..
ولا شك أن عبد الناصر فتح الباب إلى جهنم المخابرات والتجسس، ولا شك أنه رسخ النظام الديكتاتوري، وساهم في تأسيسه على طول العالم العربي وعرضه، بدء من القذافي وانتهاء بصدام المصدوم، والبعث بدون بعث، وآخر من شكله أزواج...
وخلاصة القول إذا نظرت من جانب قرأت سيرة شيطان رجيم، وإذا قرأت سيرة مختلفة خرجت بنسخة من صلاح الدين الأيوبي بدون حطين، بل معكوسة بتسليم القدس..
وفي جو من الهرج والمرج، وعدم النضج السياسي، يصعب الحكم على الأشخاص والخوض في سيرتهم بدون أن ينال الإنسان السوء من القول والتهديد بالقتل، كما قتل سعيد رمضان في المسجد وهو يصلي في لندن، وكما قتل من قبل علي كرم الله وجهه في المسجد وهو يصلي بسيف مسموم، وإذا سمعتم نعيي برصاصة كما قتل غاندي بيد مهووس متعصب فهو أمر طبيعي..
لحين يقظة الأمة وصحوتها العقلية..
يقول مالك بن نبي إن الشخص يمر في ثلاث مراحل في طفولته فيتعرف على الأشياء، ثم الأشخاص، ثم الأفكار.
والأمر كذلك في المجتمعات فهي تبدأ من الأوثان، لتمر بدور بطولة الأشخاص، قبل أن تبزغ شمس الأفكار، وتتهاوى الأصنام الحية والميتة...
وبيننا وبين الشروق ليل طويل، ضرب فيه الشيطان على قافية رؤوسنا: عليك ليل طويل فارقد...