ثقافة العمل الخيري
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
غالبا ما يقتصر العمل الخيري في الدول العربية و الإسلامية على تمويل المساجد و التعليم الديني من خلال مؤسسات الوقف، مما يفقد مجالات العلوم و التكوين المهني و الخدمات الصحية موارد هامة، كان بإمكانها معاضدة مجهود الحكومة. و هنا تأتى المفارقة الكبرى مع التجربة الأمريكية الرائدة، التي تؤكد قدرة العمل الخيري على لعب دور أساسي في تمويل عدد من الأنشطة بقيت في الدول الأخرى حكرا على القطاع العام.
يعتبر الأمريكيون اندرو كارنيجي و جون روكفلر و هنري فورد اكبر المحسنين في العالم خلال النصف الأول من القرن العشرين. تم انشاء مؤسسة كارنيجي بنيويورك عام 1911 بوقف يساوي 136 مليون دولار لدعم المكتبات العلمية و توفير نظم التقاعد لأساتذة الجامعات. و قامت مؤسسة روكفلر الخيرية بتمويل الأبحاث الطبية لتطوير اللقاح ضد الأمراض المستعصية آنذاك، بالإضافة للبحوث الزراعية التي رفعت من مردود زراعة القمح و الأرز، و ساعدت بذلك على تلافي المجاعة في دول العالم الثالث. كما تأسست مؤسسة فورد سنة 1936 برأسمال يفوق 11 مليار دولار لمعالجة مسائل عالمية معقدة مثل إيجاد الحلول للصراعات الإقليمية و دعم الديمقراطية و حقوق الإنسان.
شجع نجاح هذه المؤسسات الخيرية الجيل الجديد من المحسنين على التبرع بثرواتهم للعمل الخيري، و في مقدمتهم رئيس شركة مايكروسوفت بيل جايتس الذي خصص اكثر من 25 مليار دولار لإنشاء " مؤسسة بيل و ميليندا جايتس للعمل الخيري ". و الخاصية الأولى لهذا الجيل الجديد، بالإضافة إلى ضخامة المبالغ المالية التي تبرعوا بها، توجههم لمعالجة آفات عالمية مثل أمراض فقدان المناعة المكتسبة و الملاريا، و الفقر و الأمية في العالم الثالث.
و بيل جايتس ليس وحيدا في هذا المجال، إذ حصلت مؤسسته على معظم هبة الــ 40 مليار دولار التي تبرع بها ثاني أثرياء العالم وارن بوفيت، و هو مبلغ يفوق ما خصصه بيل جايتس نفسه لمؤسسته عند إنشائها. كما جاء في نتائج استبيان لــ 91 ثري أمريكي في 2005 بان 65% منهم ينوون تخصيص جل ثرواتهم للعمل الخيري، قبل و فاتهم. و يوجد حاليا اكثر من 68 ألف مؤسسة خيرية في أمريكا و هو ضعف عددها في بداية التسعينات من القرن الماضي.
من أهم عوامل نجاح مؤسسات الجيل الجديد من المؤسسات الخيرية مرونة طرق عملها و عدم تأثرها بالعوامل السياسية، بالإضافة إلى الحد من النفقات الإدارية مما يساعد على تحقيق الأهداف بأكثر جدوى، مقارنة بالحكومات و المؤسسات المالية العالمية. و كل هذا يصب في صالح فقراء العالم، إذ تخصص مؤسسة بيل جايتس، على سبيل المثال، 60% من أموالها للصحة في مختلق مناطق العالم و 25% للتعليم بما فيه التعليم في الأحياء الفقيرة في المدن الأمريكية.
من المهم التنويه انه لا توجد اوجه تقارب في مجال العمل الخيري بين الولايات المتحدة الأمريكية و مناطق أخرى ثرية مثل أوروبا و اليابان، مما يعني أهمية العنصر الثقافي الذي يجعل الأثرياء الأمريكيين الأكثر إحسانا على مر التاريخ. و لعل الدرس الأهم بالنسبة للدول العربية ضرورة اعتماد التشريعات المشجعة. و هذا هو الدرس الأهم من تجربة تركيا التي اعتمدت بداية الثمانينات من القرن الماضي قانون "المؤسسات الجامعية" الذي يشجع رجال و مجموعات الأعمال على إنشاء جامعات خاصة بهم، و الذي أدى إلى إنشاء ما يزيد على 26 جامعة خاصة من طراز عالمي كان لها اثر كبير على النهضة العلمية و الاقتصادية التي تشهدها تركيا حاليا. و هي تجربة لا بد من اعتمادها في الدول العربية بغية تحقيق نفس النتائج.
كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن.
Abuk1010@hotmail.com
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلافتسبب ملاحقة قانونية