كتَّاب إيلاف

أسلوب حكم العراق والعراقيين..فّن الممكن الصعب

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

معنى فن الممكن الصعب
عالجنا في المقال السابق غياب اي مشروع عراقي وطني مع فتح الابواب اما انقسام العراق وفقدان فن القيادة السياسية، ولعل من اهم الذين اكدوا على فن القيادة السياسية هو العلامة الالماني ماكس فيبر في نظريته السياسية الشهيرة بعد الحرب العالمية الاولى، معّبرا عن تعريف للقائد السياسي ليس المحترف حسب، بل والجذاب الذي يحقق لنفسه ظاهرة الكاريزما في قلوب الجماهير، ونجاحه في استقطاب ما اطلق عليه بـ " الريادة السحرية ". ان من يصل الى هكذا مرتبة من الحكام والرؤساء والملوك والمسؤولين وحتى المفكرين والفنانين والمبدعين.. فهو فنان حقيقي في ادارة فن الممكن الصعب.. وينطلق اسمه في الافاق ليس الوطنية، بل حتى الاقليمية والدولية. ان اي حاكم ان استطاع ان يمتلك مواصفات كالتي سنتحدث عنها، فسيملك ولاء كل الاجيال.

التشظيات العراقية
ان المشكلة في اساسها معقّدة، وقد ازدادت تعقيدا وستزداد تعقيدا مع مرور الايام والسنين، ذلك ان ثمة انقساما حادا بين العراقيين انفسهم، وقد تبلور هذا الانقسام منذ زمن بعيد، وهو ليس وليد اليوم، ولكنه ازداد تشظيا ولظى.. انقساما سياسيا مهترءا انتقل ليغدو تشظيا اجتماعيا دمويا.. انقساما كان خفيا ومركبا، فقد كان اغلب العراقيين يصفقون للنظام السابق وهم يخفون كل الاحقاد ضده.. ولم يواله الا المستفيدون منه.. أما معارضيه سياسيا، فهناك من كانت له علاقات خفية معه ويقبض منه ويستفيد من وجوده، واليوم انقلبت الصفحة رأسا على عقب !! لقد كان هناك من يجاهر بشيئ ويخفي اشياء ! كان الشعب وقت ذاك يمّثل ( وحدة وطنية ) تبدو صلبة، ولكنها هشة ومائعة للغاية.. وما ان دخل الامريكان بغداد حتى اختفى النظام الحديدي من الوجود ظاهرا، ولكن انقلبت الصفحة تماما على بطنها، فثمة من يمثّل ادواره اليوم بوجه وهو يمتلك اوجها اخرى من اجل السلطة تارة ومن اجل اي مصالح اخرى تارات.. وثمة من يعلن عن ولاء للعراق وهو يعمل ليل نهار على قتل العراق، ولكن العراق لكل العراقيين اذا اردنا تبنّي اي مشروع وطني باستثناء من قتل العراقيين وآذاهم وباستثناء من يلعب على الحبلين ايضا ! ان القادة الجدد من العراقيين الذين نعرفهم منذ زمن بعيد لكل واحد تاريخه وسيرته المعروفة وعلاقاته وارتباطاته .. فلعل اهم عنصر من عناصر التقييم ان يعترف الانسان بتاريخه، وان لا يتهرب من قول الحقيقة مهما كانت الاثمان ! اما ان يتغّير هذا لمتغيرات الظرف او الزمن فمن الصواب ان يتعّلم اي سياسي من تجارب الاخرين ولكن بشرط ان لا يغدو حجر عثرة في سبيل مصالحنا العراقية الاساسية وشتم من شاء له من العراقيين. واريد القول ايضا ان من يريد الانقسام من العراقيين ليعلن ذلك على رؤوس الاشهاد بلا اي حياء، ولكن ان تستخدم الديماغوجية الى هذا الحد خوفا، فان معنى ذلك هو الخوف من الجماهير، اذ اعتقد ان العراقيين حتى هذه اللحظة لم يقتنعوا ابدا بالانقسام الذي يروّج له البعض.. وسواء اقدمت اميركا عليه ام لا، فان العراقيين لا يمكنهم ان يعيشوا منقسمين ابدا لاسباب كنت قد وضحتها في مفالات سابقة !

اختفاء الاساليب السياسية وتفاقم الصراع
ربما كان هناك من القادة الجدد من يعّبر عن آلام عشرات بل مئات الضحايا التي سقطت ابان العهد السابق، ولابد ان يعترف الناس بذلك اعترافا تاريخيا، ولكن من اصعب ما يمكن تخيله ان يأتي قائد معين لينسف كل تاريخ ضحاياه وهو يجرح مشاعر الناس ويستفزهم اذ يطعن بهذا المذهب وهذه الطائفة وهذه القبيلة.. القائد السياسي عليه ان يتحّلى بالحلم والذكاء ليس في مواقفه حسب، بل في خطاباته وتصريحاته ! انك ان جرحت مشاعر اي مواطن عراقي في دينه او معتقداته او مذهبه او طائفته.، فلقد ارتكبت خطيئة لا تغتفر ! لم اسمع ان حاكما حكم العراق من قبل ونال من جماعة او مذهب او دين باستثناء واحد او اثنين قاما بارتكاب هكذا خطيئة توسخ بها عهدهم الى ابد الابدين ! لا يمكن ان نقول بأن المصيبة كلها من الامام الفقيه الفلاني ! لا يمكن ان تقول بأن الفئة الفلانية سوف لا تحكم العراق ابدا ! لا يمكن ان تقول بأن ليس للعرق الفلاني اي حقوق ! ليس من الذكاء ان تقول : لا حكم في العراق لهؤلاء العلمانيين ! لا يمكن ان تقول لهذا وذاك من العراقيين : تعالوا نحاصص بعضنا بعضا كما هو حال اللبنانيين، وانظروا ما حال الاخوة اللبنانيين وهم في متاهة الطائفية ؟ لا يمكن ان تقول ان هؤلاء واولئك ليسوا بعراقيين وتجردهم منها والعراق منخور منذ زمن طويل ! لا يمكن ان تقول ان هؤلاء هم الذين حكموا العراق وكأنك لا تدرك كم شارك الاخرون في حكم العراق.. ان التاريخ سيكتب بأن الشعب كله لم يكن مسؤولا عن قرارات يصدرها جلاد ولا عن مراسيم يرسمها ضباط، ولا عن خطط يدبرها عملاء، ولا عن مآس وكوارث يخطط لها دخلاء ! لنعلم ان العراقيين كانوا ضحايا كلهم لمشروعات من الصعب ان اتهم جماعة او طائفة او مذهب او عشيرة او دين بها..

لا تستفزوا مشاعر العراقيين ولا تلهبون المواقف
ان استفزاز المشاعر يلهب العراقيين ويجعلهم جميعا وقودا لنار حامية ! ان الاساءة التي تأتي من قائد سياسي او مسؤول اداري وهو يعّمم كلامه على اناس من دون آخرين فهذا منتهى الغباء.. ان البقاء في لعبة التحالفات القائمة على المحاصصة الطائفية والجهوية من دون اي مبادئ وطنية يؤمن بها الجميع، فان ذلك لا يخدم العراق ابدا.. فاما ان تقّدم عراقيتك على كل اجندتك وتنطلق فاعلا، واما ان تبقى في تخندقك والخوازيق تدور من حولك الى ما لانهاية حتى تدميك وتقضي عليك.. ولا يمكن لأي طرف يعلن انسحابه او يعلن مشاركته الا ضمن آليات عمل وطني مشترك وضمن اشتراطات واضحة وعملية.. اما ان تساهم يوما وتنسحب يوما آخر فهذا منتهى الغباء ايضا، انكم بذلك تزيدون من التمزق الاجتماعي.. واريد القول ايضا لكل القيادات العراقية لا تحلمون بأنكم قد جمعتم ولاء من تريدون الاستحواذ على مصالحهم وآمالهم وأمانيهم تحت غطاء اي مشاعر طائفية او عصابية او شوفينية او سياسية.. فلقد اثبتت الايام القليلة الماضية من العام 2007 ان العراقيين يتوحدون في لحظة تاريخية واحدة من اقصى شمالهم حتى اقصى جنوبهم ! وان العراق من الصعب ان ينقسم بعد كل هذه البشاعات في حقه والتي يدبرها هذا الطرف او ذاك في عمق الدار !

وأخيرا : اذا الشعب يوما اراد الحياة ؟
واقول للاخوة من القادة العراقيين الجدد ان الاوراق التي تشتغلون عليها اليوم والتي تستغلون بها سذاجات البعض ومشاعر البعض واحقاد البعض غباء البعض ومصالح البعض وشعارات البعض.. لا تساعد ابدا في تقديم اي حلول عملية.. فما عليكم الا ان تراجعوا انفسكم سواء كنتم في السلطة ام كنتم بعداء عنها، وتعلنوا عن مبادئ جديدة تقدمّون العراق فيها قولا وفعلا، وان من اول شروط اي مشروع وطني تخليكم عن مبدأ المحاصصة وتقفوا بوجه كل المليشيات.. عليكم ان تتمتعوا بالسماحة لتزرعوا الثقة وان تتخلوا جميعا عن اساليب الردح ولا تحملوا على بعضكم البعض.. وان تعيدوا حساباتكم ليس مع انفسكم او مع الامريكان.. بل مع شعبكم العراقي، فالشعب صبره يطول ولكن صبره سينفذ في يوم من الايام، وان ارادة الحياة معه وحده لا معكم مهما كانت التجارة السياسية والشعارات رائجة .. وسيتبلور موقف الشعب في اي لحظة تاريخية مناسبة وعند ذاك لا ينفع الندم !

www.sayyaraljamil.com

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلافتسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف