كتَّاب إيلاف

شعوبنا المرتعبة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

قال المفكر جان جاك روسو: "ولد الانسان خيـّرا بطبعه لكن المجتمع هو الذي يفسده"

لا يخفى على احد ماللخوف من تأثير على فكر البشر وحياتهم وامكانية نمو وعيهم وقدراتهم العامة في كل مجالات الحياة، الخوف ذاك الرعب المتمثل في سلطة جبارة قاسية، او سلاح فتاك لا ُيرد، او كارثة لا دخل للانسان بها، لكننا نحن الشعوب العربية، تقهرنا دكتاتوريات وأجهزة مخابرات وعسس وجماعات مسلحة، وايديولوجيات تعتمد العنف وتغذيه وتقاليد بالية من عصور سحيقة تفسد علينا أي خطوة صوب التقدم.
كل هذا يورث الخوف الذي يجعل فكر الانسان العربي في تراجع وتقهقر على غير ما هو في العالم كافة، فالبشر ينظرون للمستقبل، ونحن لازلنا نتعارك على الماضي. البشر يتأملون في ماهو جديد في العلم والطب والبناء والحياة الاجتماعية ، ونعود نحن للبحث عن دفاتر وكتب قديمة اكل الدهر عليها وشرب ولم تعد نافعة في عصر التكنلوجيا والالكترونيات وثورة المعلومات والانفتاح على الحضارات..
إن اي باحث اجتماعي وعالم نفس يدرك تماما جبروت الخوف وامكانياته في تحطيم وشل قدرة الانسان مهما كان واينما كان، حيث يتحول شعور الخوف الى شعور مَرَضي يربك المرء ويوقعه بالاخطاء بسبب من عدم تعامله المنطقي مع الاشياء والاحداث..
من هنا نستطيع ان نقول ان أول مفتاح للخروج من أزمات المجتمعات العربية هو الخلاص من الخوف متعدد الأشكال، والمسلط على الناس من قبل جهات وحركات وسلطات وموروثات قديمة تتسع اكثر مما تضيق كلما تطور الزمن وكلما اكتشف العلم وسائل تمدنا بالثقة وحرية التعبير.
فحينما يتذكر احدنا العصا التي يحملها اغلب المعلمين، وذلك الفرح الذي يغمرنا بسماع اخر دقة جرس لنتوجه نحو المنزل، يدرك تماما ان المدارس التي علمتنا لم تكن الا انصاف سجون، ولم يكن معلمونا سوى جلادين الا القلة منهم والذين يحسب لهم وصولنا الى السوية واستمرارنا في تلك المدارس واستطاعتنا على تعلم اللغة واستيعابنا لبعض مادرسناه، لهذا نرى اغلب طلبة المدارس العربية ينسون كل ماتعلموه بعد الحصول على الشهادة والوظيفة، وكأنما العقل الباطن يرفض الاحتفاظ بكل ماتعلمه الطالب بأجواء القسر والواجب والفرض حيث لم تكن المدارس العربية رغبة التلميذ وخياره على اكتساب العلم كما هي عند الشعوب الاخرى. فالخوف الذي يتعرض له ملايين الطلاب بمدارس العالم العربي، هو اول مكان يتعلم به الطفل الاذلال وعدم استطاعته الرد حتى وان كان مظلوما، وهو المكان الذي يتعلم به الكذب على الاهل، فكم من طالب يكذب بنتائج امتحاناته على اهله، بذات الوقت الذي يكذب على المدرسة ساعة يتأخر وساعة يخطيء، فالمدرسة تصبح البيت الاخر الذي تضيع اخطاء الطالب بينه وبين منزل الاهل..ولان العلاقة لم تؤسس على اساس الثقة والعطف والرغبة بالتعاون مع الاهل لبناء شخصية الطفل وايصاله الى شاطيء الامان والاستقرار النفسي..
ففي مدارسنا الابتدائية نتعلم أول نظرات الشك والارتياب ، الشك الذي نراه بعيون المعلم ساعة نقول ماعندنا من عذر حقيقي ، ولان المعلم في بلداننا يملك الحقيقة المطلقة امام التلميذ دائما، وحيث هو وحده القادر على القرار وتحديد العقوبة ، يضطر التلميذ ابعادا للشك والغضب للبحث عن كذبة ما للخلاص ..
عندها يكون الهدف المراد من التربية والتعليم قد اخطأ مساره، بسبب الخوف الذي افسد على التلميذ اخلاقه وقدرته على استيعاب الدروس..
وهناك الخوف الذي تسلطه التقاليد العتيقة على المرأة في المنزل والشارع والذي يربك تحركاتها ويربك تفكيرها واختياراتها فتقع فريسة اخطاء تؤثر على كامل حياتها وحياة اطفالها، فكل شيء في البيوت العربية مشتبك بالخوف وملتف به جاعلا الحياة صعبة والتفاهم مفقودا، فالخوف سيد العلاقات خارج المنزل وداخله، يسيطر على كل المواقف تحت مسميات الدين والتقاليد التي تزداد وتتعقد تحت عناوين الفروض والفتاوى في الاسلام الجديد الذي يقوده شيوخ التطرف، تلك التقاليد التي لا تعرف المنطق والحضارة لا من بعيد ولا من قريب..
اما الخوف الذي يتعرض له المرؤوس امام رئيسه، والتعسف الذي يمارسه صاحب ابسط سلطة على العاملين لديه، فهو اكبر من كل خوف اذ يهدد بقطع شريان المعيشة الذي غالبا مايكون لا بديل له، مما يبني علاقة قائمة على الريبة والخيانة والتلصص والاحقاد التي تصل حد التآمر والمعارك الخفية بين دفات التقارير والملفات وتفرخ احيانا مالا مختلسا يدخل الجيوب من دون الاحساس بضرورة الحفاظ على المال العام، ممايسبب انتشار الفساد وخراب المؤسسات بعد خراب القيم الذي سيتبعه حتما خراب اكبر.
وهناك الخوف الذي يتعرض له البسطاء من قبل الارهابيين من متطرفي الدين، الذين ينتشرون كالنار بالهشيم بمدننا الفقيرة والمهملة، يسلطون رعبهم ناشرين الموت بكل مكان ، اضافة الى دأب الشيوخ والمشعوذين على زرع الخوف بين ألازواج أو بين الرجل وجسده وبين المرأة وجسدها، وتشكل قداسة الدين رعبا للافراد يخشون معه الموت في الحياة والعقاب من بعدها، أو الوقوع بالذنوب كبيرها وصغيرها، فكم من افسد الخوف عليه حياته العاطفية والجنسية، وكم من وقع فريسة زيف الشيوخ الذين ابتزوه وتركوه مريضا نفسيا، يائسا من الحياة الطبيعية، خائفا من الذهاب لطبيب نفسي بسبب خوفه من تقاليد الناس ورميهم له بالجنون؟ والمتتبع لبعض برامج التلفزيون التي تفتح خطها المباشر للناس لطرح اسئلتهم على رجال الدين، يدرك حجم الخوف الذي يلف اعداد كبيرة من العرب بسبب من عدم فهم الحلال من الحرام.
مع كل هذه المخاوف ومع كل هذا الرعب الذي يتدخل بحياة الانسان بكل تفاصيلها، هل ننتظر من الانسان العربي ان يعرف الكرامة دون الاذلال؟ ويعرف الهدوء دون العصبية ؟ ويعرف المحبة دون الحقد ؟ ويعرف الثقة بالنفس دون الغيرة القاتلة ؟ هل ننتظر منه التفكير بشكل صحيح؟واختيار القرارات الصائبة؟ وهل ننتظر منه ان يعطي الاوطان ماتحتاجه من البناء والتطور في عصر التفاوت الحضاري بين الشعوب التي نشكل نحن ادنى مستوياتها واضعفها ؟
من هنا لابد من ثورة تربوية تغير المناهج واساليب التربية والتعليم، ترافقها ثورة اجتماعية وثقافية نبتديء بها في المدارس والجامعات قبل كل شيء لتنتقل الى كل مكان، ولابد من فصل الدين عن الدولة دستوريا اولا ليكون الشعار الاول" الدين لله والوطن للجميع" وليعبد الله من يشاء وعلى طريقته دون اللجوء الى العنف، وحتى لايفرض بعض الشيوخ عقدهم وامراضهم على المجتمع، والا سوف تبقى شعوبنا مرتعبة ابدا وسوف لن نستطيع تنشأة جيل سوي نستطيع الاعتماد عليه في تغيير واقعنا المأساوي...

balkis8@gmail.com


أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف