كتَّاب إيلاف

قراءة في كتاب جيوبوليتيك البترول

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

توضيح للمفاهيم

علم الجيوبوليتيك هو من أصول أوربية، استخدم كقاعدة لتعريف و توضيح أهداف الدولة لاسيما في ألمانيا. يستخدم هذا العلم لدعم الخطاب الإستراتيجي،إنه خطاب الأقوياء أو الباحثين عن القوة. اخترع المصطلح " جيوبوليتيك" السويدي Kjellen في القرن التاسع عشر في مؤلف له بعنوان" القوى العظمى في الحاضر". طبعا تعريفه لهذا العلم يشبه علم السياسة عندما يرى أن الجيوبوليتيك" علم الدولة كبنية جغرافية أو كيان ضمن فضاء معين، أي الدولة كإقليم، مجال، أو بشكل أدق، الدولة كحكم". يعود الجيوبوليتيك ليقترب من الجغرافية السياسية مع الجغرافي الألماني الشهير Friedrich Ratzel حيث يعتبر الأب المؤسس للجيوبوليتيك الألماني. حيث يحلل الدولة من خلال علاقتها مع الجغرافية،فضاؤها،موقعها، ويرى أن الدولة " كائن حي" في كتابه " الجغرافية السياسية" عام 1897. ثم جاء البريطاني Mackinder، في مقاله الشهير" المحور أو المكانة الجغرافية للتاريخ" عام 1904، أما في فرنسا فقد كان التنظير الأول لهذا العلم تنظيرا نقديا، ولكن فيما بعد سيلقى اهتماما كبيرا على يد الجغرافي الشهير " إيف لاكوست". إننا نعتقد بأن الجيوبوليتيك " ومن الخطأ تعريفه بأنه الجغرافية السياسية لوجود فروق منهجية وعلمية كثيرة"، هو أكبر من أن نضع له حدودا وهو علم منفتح على بقية العلوم بشكل كبير وعميق. فقد أنتج لنا علوما جديدا مثل الجيوإكونومي geacute;oeacute;conomie أو الجيواستراتيجية geacute;ostrateacute;gie لا بل geacute;oculture. ويمكن أن نحدد ثلاثة مدارس أساسية لهذا العلم:
المدرسة الألمانية أو " الجيوبوليتيك الألماني " die Geopolitik. المدرسة الأمريكية مع الجيوبوليتيكي الأمريكي الأميرال Alfred Mahan [ 1840 ـ1941 ] أو الصحفي و البروفيسور في العلوم السياسية Nicholas Spykman [ 1893 ـ1943 ]. المدرسة الإنكليزية مع الأميرال البريطاني Halforf Mackinder [ 1861 ـ 1947 ] الذي يدرك ويرى أن العالم " كلّ مركب من خلال محيط عالمي " أو كما يسميه الجزيرة العالمية. وقبل الهيمنة على العالم لابد من الهيمنة على هذه " الجزيرة العالمية" و بالتحديد على قلب هذه الجزيرة الممتدة من قلب أوربا الوسطى حتى سيبيريا الغربية باتجاه حوض البحر الأبيض المتوسط، الشرق الأوسط و من ثم آسيا الجنوبية. ( هذا التوضيح للمفاهيم من مقدمة لترجمة الكتاب إلى العربية التي قام بها د. صلاح نيوف).

يؤكد أحد كبار العاملين في الأوساط البترولية " دانييل يرجن، رئيس قسم الطاقة في جامعة كمبردج" أن: " البترول هو 10% من الاقتصاد و 90% من السياسة". ثم يؤكد مجددا أنه " لا يوجد مادة أولية لها علاقات حميمة جدا و قوية مع الجيوبوليتيك كما هو البترول". إنه على حق، فنحن نشاهد ذلك في الشرق الأوسط، روسيا، الصين، أمريكا اللاتينية وفي جميع أنحاء العالم، كل هذا يؤكد الأهمية المتعاظمة للعامل الجيوبوليتيكي في الرهانات البترولية. تغيرات بنيوية كثيرة أصابت سوق الطاقة، لكن التبعية للبترول مازالت قائمة وقوية. وفق التقرير السنوي " للوكالة الدولية للطاقة" في عام 2003،الاستهلاك الطاقي العالمي يتوزع كالتالي : 35% بترول، 21،1 % غاز طبيعي، 23،3 % فحم، 11% محروقات متجددة، 6،9 طاقة نووية، 2،2 هيدروكهربائي، 0،5 أنواع أخرى متجددة مثل الشمس أو النبات مثلا. ضمن مفهوم الحاجة إلى الطاقة، القضية البترولية تجاوزت الشأن السياسي الداخلي إلى رهان جيوبوليتيكي كبير على المستوى الكوني. من خلال زيادة الفاعلين و زيادة التبعية البترولية بين الدولة المنتجة والدول المستهلكة، وطرف ثالث هو الشركات البترولية العالمية و المحلية.
من هنا تأتي أهمية الكتاب الذي وضعه " فيليب سيبيل لوبيز" كاشفا الجذور العميقة والأسباب غير الاقتصادية لأهمية البترول في العالم و الصراع من أجل السيطرة على نقاط القوة في عملية استخراج، نقل و استهلاك هذه المادة الأسطورية.
يقع الكتاب في ثمانية فصول كبيرة ( 484 صفحة، دار نشر أرموند كولان، باريس)، بالإضافة إلى مدخل موسع يتناول لمحة تاريخية و أهمية الدراسة و طرق التحليل والبحث المستخدمة في الكتاب. مدخل بعنوان ( بترول و جيوبوليتيك)، الفصل الأول (المحيطات، التدفقات البترولية و المضائق : المخزونات العالمية: جيوبوليتيك نقاط العبور الإستراتيجية)، الفصل الثاني (الولايات المتحدة : رؤية جيوبوليتيكة كونية لمصادر الطاقة )، الفصل الثالث (القارة الأمريكية مصدران أساسيان للولايات المتحدة)، الفصل الرابع (أفريقيا،الطموحات الأمريكية الجديدة في أفريقيا )، الفصل الخامس (آسيا الوسطى و القوقاز)، الفصل السادس (روسيا)، الفصل السابع (الصين الحاجات الصينية من الطاقة)، الفصل الثامن (الشرق الأوسط). ملحق ( جداول، خرائط ).
1 ـ منهج البحث: ( من هذه الفقرة وما بعد مأخوذ من الكتاب حرفيا)
كل التوترات الجيوبوليتيكية، حقيقية أم كامنة،حتى ولو كان بعضها مبالغ فيه و مستغل من قبل العديد من العمليات، فإنها تشكل مع ذلك تهديدات يكون لها وزنها على السوق النفطية الدولية في الوقت الذي يعاني فيه النظام البترولي أزمة بنيوية. ضمن هذا السياق، الاستعانة بالتحليل الجيوبوليتيكي كما يرى المؤلف، يسمح بفهم أفضل للرهانات حول القضية البترولية،بالأخذ بعين الاعتبار التبعية المتبادلة بين الدول من أجل تفهم أفضل لدور مختلف الفرقاء، و الذي لا يتوقف أو يتحدد على الشركات العالمية أو الوطنية للبلدان المنتجة والبلدان المستهلكة. أكثر من ذلك، القضية البترولية، كما هو الحال مع الغاز، فإن استمرارها في جزء منه يتعلق بشكل مباشر بالسلطات السياسية للدول و يؤثر بشكل قوي على العلاقات بين الدول، من هنا جانب جيوبوليتيكي سيكون معمقا لفهم الأزمة الحالية و المستمرة و التي سنعود إليها.
تعريفنا للجيوبوليتيك يتعلق، إضافة للجانب الكلاسيكي الملازم للعلاقات الدولية،بالمنافسة بين السلطات و القوى الدولية و علاقات السيطرة و الصراع على إقليم ما، و هذا يعني الصراع بين الدول الذي يسيطر على مناطق كبيرة أو صغيرة، و لكن أيضا سلطات متعددة تدخل في تنافس على المستوى الدولي و على المستوى المحلي، من أجل السيطرة، مباشرة أو غير مباشرة، على بلد ما أو على جانب في داخل هذا البلد ذاته.
لأن الإقليم نفسه كما رهانات السلطة له أبعاد متعددة، التحليل الجيوبوليتيكي يفرض علينا اللجوء إلى مستويات مختلفة من التحليل ذي الأوجه المتعددة في الاتساع و المدى، و ضمن نطاقات متعددة من الاختبار حول نفس الإشكالية الجيوبوليتيكية. هذه المقاربة المنهجية تتم تكملتها من خلال تحليل متعدد المجالات و الفروع و الذي يستخدم بشكل كبير الجغرافية، التاريخ، علم الاجتماع وبشكل أشمل و أكبر العلوم الإنسانية. فهذه الفروع المتعددة للعلم تسمح بإكمال الإطار الناقص للعلوم السياسية و الاقتصادية، و التي عليها نستند أحيانا بشكل مفرط في العديد من التحليلات و التي تقدم بلا وجه حق على أنها علوم جيوبوليتيكية. مع البترول، و من خلال استخداماته المتعددة و بطابعه الضروري المتعلق بتوظيف كل أشكال الاقتصاد متطورة أو غير ذلك و خاصة في النقل والدفاع، نحن نتعرض إلى إشكالية جيوبوليتيكية ضخمة، و التاريخ المعاصر يذكرنا بأن البترول أيضا هو سلاح سياسي.

أفكار أساسية في الكتاب :
-سلاح البترول، يرى المؤلف أن البترول وسيلة لتفادي الصراعات و أخرى لخدمتها ونشوبها. و الولايات المتحدة كانت أول من استخدم البترول كسلاح دبلوماسي في عام 1931، حيث بعد الاحتلال الياباني لمدغشقر و الهجوم على الصين في عام 1937، قررت الولايات المتحدة تخفيض إمدادها البترولي لها و الذي كان قد وصل إلى 80% من استهلاك اليابان من البترول. ثم تم حظر البيع نهائيا بسبب عقيدة التوسع اليابانية في آسيا. البترول كان أيضا حاضرا في قلب الاتفاق الألماني / السوفييتي في عام 1938. بواسطة هذه الاتفاقية، هتلر حقق بالتأكيد السلام في شرقي الحدود الألمانية أثناء اجتياحه لأوربا الغربية، و لكنه أيضا حصل على أكثر من ذلك، البترول الروسي اللازم لهذا الاجتياح. من عام 1939 حتى عام 1941، موسكو ستزود برلين بأكثر من 65 مليون برميل من البترول. لأن واحدة من أكبر نقاط الضعف في ألمانية الهتلرية كانت التبعية البترولية و التي ستحدث بشكل مباشر هزيمة " روميل " في أفريقيا الشمالية من خلال الحاجة إلى الوقود. و من أجل البترول أيضا، جيوش هتلر و بعد إلغاء الاتفاق مع السوفييت، ستتجه نحو القوقاز و نحو الاحتياطي الكبير في آبار " باكو"، قبل أن يتم توقيفه في معركة ستالين غراد، و التي ستحول مجرى الحرب العالمية الثانية على المسرح الأوربي. ومن أجل الصراع ضد الهيمنة التي تمارسها الشركات الخمس الكبرى [ إكسون موبيل، شيل، بي بي، شيفرون تيكساكو، توتال ] الدول المنتجة و المصدرة عمدة إلى إنشاء منظمة خاصة بها تضمن بشكل مبدئي، العراق، الكويت،العربية السعودية، و فنزويلا. ففي مواجهة " كارتيل " الشركات التي تهيمن على المسرح البترولي منذ بداية تاريخ صناعة البترول، ينشأ " كارتيلا " خاصا بالدول المنتجة للبترول.
ـ حروب البترول، مع " حرب الغاز " الثانية في بوليفيا في ربيع 2005 بين الأقلية البيضاء وثلثي سكان البلاد، نحن في حضور رهان جيوبوليتيكي و في نفس الوقت وطني، على المستوى الإقليمي و القاريّ أيضا. سبب الحرب إعلان تصدير الغاز للولايات المتحدة عن طريق تشيلي التي كانت دائما هدفا للقوميين البوليفيين. ضمن هذا الجيوبوليتيك الجديد للطاقة و بشكل خاص للبترول، عدة مناطق من العالم، كما في خليج غينيا أو الآبار الجديدة حول بحر قزوين، ترى مصالحها البترواستراتيجية دائما تتزايد وتتعمق من خلال ضرورة تنشيط عرض البترول عالميا وذلك لتلبية التزايد الكبير و الضخم للطلب، بعد فترة من الاستقرار النسبي في أواسط التسعينات. حتى ولو أن هذه المناطق " الإلدورادية " الجديدة ليس لديها احتياطي الشرق الأوسط، فإنها و بسبب عدم الاستقرار المتنامي في الشرق الأوسط، حتى ولو كانت ثانوية تصبح أكثر أهمية مما كانت عليه في الماضي. في إيران، و مع انتخاب رئيس جديد يعتبر محافظا جدا في أيار 2005، أزمة جديدة وقعت بين هذا البلد و الولايات المتحدة الأمريكية وذلك بسبب الأزمة النووية الإيرانية. و يضاف ذلك إلى الحصار الاقتصادي المفروض سابقا من قبل الأمريكان ضد إيران منذ عام 1995 و 1996 و بعد خمسة وثلاثين عاما من التوتر الدبلوماسي بين البلدين و منذ قيام الثورة الإيرانية. هذا السياق يخاطر بالتكذيب و الطعن على الأقل ولو لفترة قصيرة بما جاءت وتنبأت به بعض مراكز البحث حول البترول الأمريكية أو الدولية بأن إنتاج إيران من النفط سيرتفع من 4،1 مليون برميل في اليوم في عام 2005 إلى 5،4 مليون برميل في اليوم في عام 2010 و 8 مليون برميل في اليوم عام 2020. فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، فقد أصبحت و بشكل معلن منذ عام 2003، هدفا معلنا وواضحا لأسامة بن لادن و الحركات الإرهابية التي تؤيدها القاعدة، من هنا يأتي التهديد المستمر و المباشر لأول منتج و مصدر عالمي للبترول و البلد الوحيد يفترض انه قادر على حل الأزمات النفطية. مع العراق، هذه الدول الثلاثة تشكل 43 % من الاحتياطي العالمي للبترول بحصة قدرها 21 %، إذا الاحتياطي هو موجود و بشكل كبير ولكن يجب أن تتوفر الشروط السياسية و التي يجب أن تجتمع مع هذا الاحتياطي.
ـ المال و الجيوبوليتيك ممثلان للبترول: فيما يتعلق بالبترول، هناك منطقان يتعايشان، يستندان على ممثلين للمنتج و لأسواقه : من جانب، إنه مادة أولية ضرورية حيث الاستغلال للمادة يستند على استثمارات ضخمة، من هنا الاستعانة الضرورية بأسواق المال هو شيء طبيعي، وهذه تمثل رؤية اقتصادية / مالية ليبرالية حيث المبدأ و المنطق فيها هو الربح، من جانب آخر، البترول هو مصدر تزداد أهميته الإستراتيجية بشكل متصاعد حيث أن الطلب يوازي العرض، وهو سلطة وقوة متنامية بأيد الدول المنتجة و شركاتها الوطنية في مواجهة الشركات العالمية و البلدان المستهلكة. بالنسبة للجانب الثاني يكون أحيانا مكرسا للعلاقات السياسية التي تدخل في القضايا و الشؤون البترولية. التناقض الكامن في هذه الحالة أنه يعطي امتيازا، كما سنرى في مراحل متقدمة، الحدود الاقتصادية لقوانين السوق البترولية في جزء كبير مسيطرة عليها من قبل السوق المالي العالمي، و هذا ما يعيق أحيانا السلطة البترولية للدول المنتجة. مثال : في إدارة بوش الابن، الرهان كان مؤسسا على 1،75 مليار برميل احتياطي تحوز عليه شركة "يونوكال" يتمركز بشكل جوهري في جنوب شرق آسيا، خليج المكسيك و في إقليم بحر قزوين، من هنا تأتي أهمية الجيوبوليتيك في هذه العملية. حتى ولو أن هذه الاحتياطات البترولية لا تشكل سوى نسبة قليلة جدا من 1188 مليار برميل من الاحتياطي العالمي وفق الإحصائيات البترولية لعام 2005، لكنها تسمح وفق المحافظين في واشنطن للصين أن تتحكم بالاحتياطي القريب من أراضيها، وهذا ما قد يأتي بالضرر على الأمن الوطني الأمريكي.
ـ البترول : واحد من نقاط الضعف النادرة في القوة الأمريكية، بينما 294 مليون أمريكي يمثلون 4،5 % من البشرية، فإنهم يمتصون حوالي 25 % من الاستهلاك العالمي للبترول و الغاز. البترول ومشتقاته إذا يكون واحدة من أهم أركان قوة الدول الاتحادية الأمريكية، ولكن أيضا واحدة من أركان ضعفها. في الواقع، تبعية الولايات المتحدة نحو البترول و منتجاته المستوردة لا تتوقف عن الازدياد منذ ربع قرن. إن التبعية الأمريكية الخارجية على الصعيد البترولي تمثل من الآن فصاعدا أكثر من 60 % من الاستهلاك بالنسبة للبترول الخام، وعليه نضيف استيراد المنتجات المكررة. الولايات المتحدة يجب إذا أن يكون لديها فيما يخص هذه الأسئلة رؤية سياسية دولية. فمواضيع الطاقة بما فيها بالتأكيد الغاز و البترول تشكل أولى اهتمامات إدارة الرئيس بوش الابن منذ وصوله إلى البيت الأبيض في بدية عام 2001. و لكن كما سنرى، إدارة بوش لن تنتظر تبني النص من قبل الكونغرس من تطبيق العديد من التنظيمات و الأحكام و المبادئ فيما بتعلق بالسياسة الوطنية للطاقة في سياستها الخارجية منذ عام 2001. فالتدخل الأمريكي / البريطاني في العراق أكد " الفكرة " على الأقل كما كان في ملاحظات أجهزة الإعلام في العالم أو أمام الرأي العام، بالعلاقة القوية بين البترول و الجيوبوليتيك. بالتأكيد هذه العلاقة توجد حيث يكون الأمر يتعلق بمصدر للطاقة هو حيوي من أجل الاقتصاد العالمي و احتياطاته متمركزة " جغرافيا" بشكل كبير، من هنا تأتي هذه الأهمية الكبيرة للجيوبوليتيك. ولكن التدخل الأمريكي في العراق، هل كان بهدف تأمين مخزونها و احتياطاتها من الطاقة ؟ بشكل غير مباشر يمكن أن يكون الجواب بنعم، ولكن هذا الهدف كان جزئيا حيث أن العراق يشكل وسيلة لتوازن العرض البترولي العالمي أكثر مما هو هدف بحد ذاته. الولايات المتحدة في الواقع حصلت على وسائل أخرى من أجل الوصول إلى هذا الهدف، وسائل أقل تكلفة و أقل خطرا. في الواقع إن مصادر الطاقة و بشكل تدريجي تتركز في مناطق فيها درجة عالية من القلق السياسي، من بحر قزوين إلى خليج غينيا عبر آسيا الوسطى و من ثم أمريكا اللاتينية. ضمن هذه الحالة، نحن نعرف أن نقطة التوازن في السوق البترولية العالمية تتواجد مسبقا في الشرق الأوسط. و قريبا جدا، النمو والتطور من جهة الشرق الأوسط فيما يتعلق بالإنتاج العالمي للبترول هو أمر لا مفر منه. فيما يتعلق بالغاز، أكبر احتياطاته موجودة في الشرق الأوسط وروسيا. و من جهة أخرى، بعد اعتداءات 11 سبتمبر، فقد ظهر لدينا أن الأنظمة السلطوية و الشمولية العربية لا تشكل أي مانع أو حاجز قوي وفعّال ضد صعود التيارات الإسلامية المتطرفة. لذلك كان من الواجب تغيير حالة " السكون " هذه في الشرق الأوسط و تجريب تأمين هذه المنطقة من أجل المستقبل. ضمن هذا السياق، ثروات الشرق الأوسط، و تعاون الأنظمة القائمة فيه، هي أمور حيوية اليوم أكثر من أي وقت مضى. في العراق مع صدام حسين، إنه من الواضح أنه كان من المستحيل أن نظام صدام سيحتوى أمريكيا. من هنا حرب، نظريا، يجب أن تكون سهلة و ستعطي مثلا ودرسا للأنظمة في الشرق الأوسط الكبير، قبل أن يتم تغيرها من جديد. الرسالة فهمت من قبل الكثيرين في المنطقة. سنرى أن هذه الاعتبارات، من بين اعتبارات أخرى هي أيضا إستراتيجية و تهم بشكل خاص أمن إسرائيل، لن تكون غائبة عن تفكير المحافظين الجدد بتفضيلهم للحرب على العراق في 2003. إذا كان البترول يشكل واحد من أهم نقاط الضعف النادرة للقوة العظمى الأمريكية، الولايات المتحدة هي اليوم مع ذلك القوة الوحيدة التي تمتلك بوقت واحد سياسة للطاقة ووسائل اقتصادية وعسكرية لهذه السياسة على الصعيد العالمي، فيما يتعلق بالمخزون كما هو على صعيد تأمين طرق نقله. لهذه الأسباب و مع الأخذ بالحسبان الأهمية التاريخية للولايات المتحدة على صعيد المسائل البترولية العالمية، إن الولايات المتحدة ستبقى في قلب جيوبوليتيك البترول، و هذا ما يشكل خطا أحمرا بالنسبة لها.
ـ الولايات المتحدة : رؤية جيوبوليتيكية كونية لمصادر الطاقة: عندما الرئيس بوش بدأ مهامه في بداية 2001، لم تكن أولويته الأولى بعد في السياسة الخارجية الحرب ضد الإرهاب أو الصراع ضد تزايد و انتشار سلاح الدمار الشامل، ولا توسيع الديمقراطية و اقتناص الطغاة عبر العالم. هذه الأهداف لم تطرح في الإستراتيجية الأمريكية إلا بعد اعتداءات 11 أيلول 2001. بالنسبة لإدارة بوش، منذ بداية فترة حكمه الأولى، الأولوية الأولى و الوحيدة هي ضرورة زيادة تدفق البترول و موارد الطاقة الأخرى نحو الولايات المتحدة. قبل تنصيب بوش جوبهت الولايات المتحدة بنقص في البترول والغاز في أجزاء من الدولة، بل في عام 1998 تجاوز استيراد البترول الخام أكثر من 50 % من الاستهلاك الوطني، محدثا القلق الكبير فيما يتعلق بمستقبل المخزون من الطاقة للدولة و لوقت طويل. جورج بوش أعلن أن أزمة الطاقة الوطنية كانت مهمته الأولى و الأكبر كرئيس للولايات المتحدة. اعتبر مع مساعديه و مستشاريه، أن المخزون البترولي كوّن عنصرا جوهريا للصحة والقدرة التنافسية للصناعة الأمريكية. لقد عرفوا أن كل نقص في الطاقة سيكون له نتائج كارثية على وسائل النقل العامة، السيارات، النقل الجوي، البناء، البتروكيماويات، الزراعة...الخ. لقد عرفوا أن البترول بشكل خاص كان حيويا من أجل الاقتصاد من وقت ما مثّل أو شكّل الخمسين من مجموع الطلب على الطاقة للدولة الأمريكية، أكثر من أي مصدر آخر للطاقة. بالإضافة لذلك، البترول يزود بالتأكيد قطاعا مهما هو النقل، جانب مهم في دولة عظمى مثل الولايات المتحدة. مستشارو الرئيس بوش عرفوا أيضا أن هذا البترول كان جوهريا من أجل الأمن الوطني المحقق عبر الطيران، الدبابات، الهيلوكبتر و السفن و حاملات الطيران التي تشكل العمود الفقري للجهاز العسكري للولايات المتحدة في أربعة زويا أو أماكن من العالم. لأن البترول يخدم أيضا في الحروب. من أجل كل هذه الأسباب و بشكل أقوى و أولى بعد 11 أيلول، الولايات المتحدة عجلت في إعادة نشر وتوزيع سياساتها الخارجية.هذه السياسة كانت قد بدأت في عهد الرئيس " رولاند ريغان "، لا سيما مع تقوية و تعزيز القدرات فيما يتعلق بالاحتياطي الاستراتيجي. و لكن مع الرئيس بوش الابن و منذ عام 2001، ستصبح إعادة التوزيع و الانتشار هذه للسياسة الخارجية ستصبح بشكل حقيقي أولوية وطنية. كذلك، في آذار 2001، " سبينسر أبراهام "، سكرتير الدولة لشؤون الطاقة أعلن : " الولايات المتحدة تواجه أزمة مهمة وحقيقية في الطاقة في العشر سنوات قادمة. كل إخفاق في مواجهة وتقييم هذا التحدي سيهدد ازدهارنا الاقتصادي الوطني، بما فيه أمننا الوطني و سيغير بشكل كامل أسلوب وطريقة حياتنا ".
من أجل الإجابة على هذا التحدي، الرئيس بوش يؤسس مجموعة أو فريقا للعمل يسميه " المجموعة الوطنية لتطوير سياسات الطاقة ". هذه اللجنة أو الفريق أسس من أعضاء من مستوى عال في الحكومة، مكلفين بإعداد وتحقيق مخطط على المستوى الطويل من شأنه إحصاء الحاجات الطاقية للدولة. الرئيس بوش يعطي إدارة هذه المجموعة إلى أقرب مستشار له، نائب الرئيس " ريتشارد تشيني". شخصية مهمة في الحزب الجمهوري وسكرتير سابق للدولة في مجال الدفاع في أثناء حرب الخليج الأولى، ريتشارد تشيني كان رئيسا و مديرا عاما للشركة الشهيرة " هاليبورتون "، شركة للخدمات شبه البترولية لها اتساع وعمل على المستوى العالمي، قبل أن يلحق بالحملة الانتخابية لجورج بوش و بالورقة الرئاسية في عام 2000. في قلب هذه الفريق ريتشارد تشيني و حوله حاشية بمثابة المستشارين، بقايا من مدراء لشركات تعمل في قطاع الطاقة، من بينهم كوادر قيادية في الشركات البترولية أو سماسرة ووسطاء في مجال الطاقة كما هو حال " إنرون". إنه الحضور الغير مباشر لشركات من قطاع الطاقة في عملية إقامة و صياغة السياسة الطاقية للولايات المتحدة.

(يتبع)
يتبع

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف