جيوبوليتيك.. بترول.. وديمقراطيـة (2/2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قراءة في كتاب جيوبوليتيك البترول الصراع بين المصالح من جهة، إرهاب و أسلحة تدمير شامل من جهة أخرى، و نضيف إليهما البترول، كل هذا أسس لمحورين ضخمين من محاور الإستراتيجية الأمريكية في خدمة هيمنتهم على ما تبقى من العالم أو، بأكثر دقة، وضعهم كدولة عظمى في غاية القوة و لا يمكن معارضتها: إعادة الانتشار الاستراتيجي و تحقيق الأمن الطاقي. كما قالته بكل بساطة " كوندوليزا رايس "، عندما كانت مستشارة أمنية للرئيس بوش ، و أثناء مؤتمر صحفي:" بماذا سيخدمنا إذا كنا القوة العظمى الأولى في العالم إذا لم نستخدم هذه القوة ؟ ". من خلال هذه المواربة، الولايات المتحدة تدرك و تسعى لإبقاء وضعها المرتاح و المهيمن، كل ذلك و هي تراقب و تسيطر على نشؤ قوى جديدة محتملة أو منافسة. ضمن هذه الحالة، التبعية في مسألة الطاقة و بشكل خاص فيما يتعلق بالبترول، هي من النقاط الضعيفة النادرة لهذه القوة العملاقة.
المقصود بإعادة الانتشار الإستراتيجي هو توضيح التقاربات القوية على الصعيد الجيوبوليتيكي بين مختلف المحاور ذات الأولوية في السياسة الخارجية و الأمن للولايات المتحدة الأمريكية، لمعرفة، من جهة، الحرب ضد الإرهاب و الصراع ضد تسرب و انتشار أسلحة الدمار الشامل، توسيع و نشر الديمقراطية و اصطياد الطغاة، و من جهة أخرى، البحث عن المصادر الهيدروكاربوراتية. سنلاحظ، أنه على الصعيد المدني، و العالمي، تجييش أجهزة الدولة في خدمة الصراع ضد الإرهاب، أرادت واشنطن فرضه بشكل كبير على شركائها، محدثتا بشكل غير مباشر ما يمكن أن نسميه التجريم عابر القوميات أو التجريم العالمي. إذا الولايات المتحدة بحثت عن إصلاح و ضعها العسكري في الخارج قبل 11 أيلول 2001، فإنه من هذا التاريخ بالتحديد قد بدأ تطور إعادة تمركزها العسكري في العالم، و ذلك متابعة لإعادة توجيه الإستراتيجية الأمريكية في مواجهة التهديدات الجديدة للقرن الواحد والعشرين.
في أوربا، الانتشار العسكري الأمريكي مازال يستجيب لمنطق الحرب الباردة مع شبكة من القواعد العسكرية في المملكة المتحدة، ألمانيا و إيطاليا، مستندا على تحالف مع حلف " الناتو "، من أجل مواجهة التهديد السوفييتي. في آسيا، منذ قدوم الصين الشيوعية في عام 1949 و الحرب الكورية في عام 1953، القوات الأمريكية كانت مرابطة في كوريا الجنوبية، من أجل مواجهة اقتحام مفاجئ من قبل كوريا الشمالية، أو من اليابان. في هذا الأخير، الحضور الأمريكي مؤرخ منذ عام 1945، و ذلك بعد سقوط اليابان و هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، و لكن في نفس الوقت سمح بحماية أمن اليابان، و مشاركا في سياسة منع من امتداد الشيوعية في آسيا.
أما بالنسبة للقواعد في منطقة الخليج العربي و المحيط الهندي، وجدت من أجل وظيفة حماية المخزون البترولي للولايات المتحدة. بشكل كلي، ووفق البنتاغون في عام 2001، الولايات المتحدة امتلكت تجهيزات وقواعد عسكرية في 38 بلدا و إقليما في الخارج. لكن هذا الرقم سيكون 44 إذا حسبناه مع الأقاليم الأمريكية خارج الخمسين دولة التي تشكل دول الاتحاد الأمريكي، (هذا العدد وفقا لإحصائيات وزارة الدفاع الأمريكية في عام 2001). و إذا وضعنا في الحساب القوات الأمريكية المتمركزة منذ 11 أيلول ضمن نطاق العمليات في أفغانستان و في العراق، الولايات المتحدة ستكون من الآن فصاعدا حاضرة عسكريا في 59 بلدا و إقليما. بالإضافة لذلك، الولايات المتحدة تمتلك وفق البنتاغون اتفاقيات عسكرية موقعة أو ستوقع من أجل إقامة قواعد عسكرية مع 93 بلدا، لاسيما في أفريقيا. فإذا كان هناك تقليصا بحجم القوات المنتشرة من حيث العدد، فإن إعادة الانتشار هذه لم تنتظر اعتداءات 11 أيلول و الحرب على العراق من أجل أن تبدأ. ففي الأيام التي سبقت 11 أيلول و دائما وفق البنتاغون، العسكريون الأمريكيون كانوا حاضرين في درجات مختلفة في أكثر من 100 دولة و إقليم.
ومن أجل الفهم الجيد للانتشار الاستراتيجي للولايات المتحدة، يجب التوقف لحظة مع تنظيم القوات الأمريكية المحاربة، و التي تعتمد من الآن فصاعدا، من أجل توظيفها العملاتي، على تسع قيادات كبيرة رئيسة:
خمسة منها موزعة جغرافيا:
ـ القيادة الشمالية: تم إنشاؤها في 1 تشرين أول 2002، بعد 11 أيلول 2001. مقرها العام يقع في كولورادو سبرينغ في ولاية كولورادو. مكلفة بالأمن و الدفاع الجوي ، البحري و الأرضي للولايات المتحدة الأمريكية. منطقتها التابعة لمسؤولياتها تغطي كل أمريكيا الشمالية " كندا، الولايات المتحدة، المكسيك ".
ـ القيادة الجنوبية: أنشأت في تشرين الثاني 1947. مسؤولة عن العمليات العسكرية في منطقة النصف الجنوبي من الأمريكيتين، تتمركز في القاعدة الجوية بمنطقة " ماك ديل " في فلوريدا. هذا النصف الذي تغطيه يصل إلى 32 بلدا.
ـ قيادة الباسيفيك: " باكوم " أنشأت في كانون الثاني من عام 1947. تتمركز في " هونولولو" . منطقة المسؤولية التي تخصها تغطي 169 مليون كيلومتر مربع و 60 % من سكان العالم. تمتد من منطقة "أركتيك " في " أنتاركتيك "، من الساحل الغربي للولايات المتحدة إلى السواحل الشرقية لأفريقيا، تغطي الصين، الهند و اليابان.
ـ القيادة الوسطى: " سونتكوم " أنشأت في كانون الثاني من عام 1983. تتمركز أيضا في القاعدة الجوية " ماك ديل " في فلوريدا. تمتد من القرن الأفريقي حتى تخوم آسيا الوسطى و تغطي 25 بلدا. إنها القيادة الوسطى التي كانت مكلفة إلى حد كبير بالعمليات في أفغانستان عام 2002 كما في العراق عام 2003. هيكلها القيادة العملاتية ترك العربية السعودية من أجل التمركز في قطر، حول قاعدة " العبيد " و فيها حوالي 20000 جندي أمريكي.
ـ القيادة الأوربية: " أوكوم " أنشأت في عام 1951. إنها تغطي جزئيا أوربا الغربية و منذ نهاية الحرب الباردة، تمتد إلى 93 بلدا، من " غرون لاند " إلى أفريقيا الجنوبية و ايرلندا حتى روسيا، إسرائيل، لبنان، سوريا أيضا هي تابعة لتغطية هذه القيادة. مركزها في ألمانيا في " شتوتغارت ". رئيسها هو أيضا رئيس قوات التحالف في أوربا أو " الناتو ".
أربع قيادات موحّدة، و موزعة وظيفيا:
ـ القيادة الإستراتيجية: أنشأت في عام 1946. و قد تحولت بشكل جذري بعد الحرب الباردة، لاسيما عند مراجعة " المخطط القيادي الموحد " لعام 2001، عندما تقرر دمج القيادات القديمة " الإستراتيجية و الحيوية ". إنها مكلفة، بالإضافة للقوة النووية الأمريكية، بالعمليات العسكرية الفضائية و كل العمليات التي لها علاقة " بحرب المعلومات ". تتمركز في قاعدة " أوفوت " في " نيبراسكا ".
ـ قيادة النقل: أنشأت في نيسان عام 1987. تضم كل وسائل النقل الجوي و البحري العسكري. الولايات المتحدة، في الواقع، محاطة بالمحيطات و القوى التي تنشرها في البحار يجب أن تستقبل التعزيزات بالإنسان و العتاد في ظروف العمليات العسكرية واسعة النطاق. تتمركز في القاعدة الجوية " سكوت " في منطقة " إللينواز ".
ـ قيادة العمليات الخاصة: تضم كل القوات الخاصة الأمريكية و هي حوالي 40000 شخص. تتمركز في القاعدة الجوية " ماك ديك " في فلوريدا.
ـ قيادة قوات الاتصال: أنشأت في تشرين الأول من عام 1999. تتمركز في " نورفولك " في ولاية فيرجينيا. مهمتها هي تسهيل تنقلات و تحركات القوات المسلحة الأمريكية، تجريب المفاهيم الجديدة، التدريب بين وحدات الجيش و على العمليات المشتركة بين وحدات الجيش الأمريكي نفسها و مع القوات الحليفة.
من أجل تغطية "الشرق الأوسط الكبير"، الولايات المتحدة تستعمل حاليا، " قيادة أوربا " أو " أوكوم" المتمركزة في " شتوتغارت " و القيادة المركزية " سونتكوم "، التي تغطي أيضا أفريقيا الشمالية. إذا "سونتكوم " تبقي يدها العليا على الدول البترولية في العالم الإسلامي و الطرق الرئيسة لسير البترول و الغاز من هذه المنطقة.
بالنسبة للأمن الطاقي، إذا الولايات المتحدة تجرب جيدا، الوضع على القدم، إستراتيجية عالمية للبترول و الغاز، فأن هذه الإستراتيجية أولا، وقبل كل شيء، هي لتمديد و استمرار سياستها الداخلية ضمن هذا المجال. ليس المقصود هنا هو تحليل شامل لحالة الطاقة في الولايات المتحدة، ولكن لإعطاء رؤية عامة، مكملة لما قلناه عن الموضوع في مكان آخر. إذا الولايات المتحدة كانت المستهلكة الأولى للطاقة في العالم، فهي ليس المنتج الأول. هذه السنوات الأخيرة، استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة استقر وسطيا إلى حوالي 84 % من مجمل الطاقة: 38% بترول، 23 % غاز، و 22،5 % فحم. الطاقة النووية تشكل 8،5 % و الطاقة المتجددة بما فيها " الهيدرو ـ كهربائية " حوالي 6 %. في عام 2000، استهلاك الطاقة الكامل في الولايات المتحدة بلغ 98،9 مليون تريليون من " بي. تي. يو " و هي [الوحدة الحرارية البريطانية ] و 97،5 مليون " بي.تي.يو " في عام 2002.
ضمن هذا السياق و المعطى، و المتميز بزيادة التبعية المتنامية، كل بئر، متمركز على أرض الولايات المتحدة له أهميته. و هذا هو حال أكثر من 500000 بئر صغير جدا، في غاية القدم و بعائد ضعيف جدا، يصل إلى 10 برميل في اليوم. بالنسبة للشركات البترولية، فقط حوالي مائة شركة حقيقة يمكن أن ندعوها شركات بترولية إذا عدنا إلى المعايير الدولية، و أيضا هناك قسمة موزعة بين الشركات الكبرى و الوسطى في الولايات المتحدة. الفارق هنا أيضا مهم بين هذه الأخيرة، حيث العدد نقص أيضا بعد موجة جديدة من الاندماج. (عائلة جورج بوش هي منحدرة من وسط الشركات الصغيرة في تكساس ).
إدارة الرئيس بوش رغبت، منذ فترة رئاسته الأولى، بتوسيع الاستكشاف و التنقيب و الإنتاج البترولي إلى جزء من المنطقة الشهيرة " أرستيك ناشيونال وايلدلايف ريفيوج " [ من مناطق القطب الشمالي خاصة بالأحياء البرية ] وهي محمية طبيعية تتمركز في شمال / شرق ألاسكا و تم تصنيفها كمحمية منذ عام 1960. هذا المشروع لم يستطع التحقق بسبب عدم وجود الأغلبية في مجلس الشيوخ، لكن إدارة الرئيس جورج بوش عادت لطرح المشروع بعد انتخابات 2004. استطاعت أن تحقق تبنيا لهذا المشروع، مبدئيا، في مجلس الشيوخ، في 15 آذار 2005، 51 صوتا مقابل 49، وقد تم إصدار المشروع على صيغة قانون مالي، وهذا ما أعاق الديمقراطيين في محاولتهم معارضة وتعطيل القانون و المشروع.
بالنسبة للغاز، الولايات المتحدة لم تستهلك، إذا استطعنا القول، إلا 24،3 من الإنتاج العالمي في عام 2003، 24 % في 2004، علما أنها أنتجت 3،3 % في عام 2004، وفق منشورات 2004 و 2005 لمجلة " ستاتيستيكال ريفيو ". من 646 مليار متر مكعب مستهلكة في 2004 في الولايات المتحدة، 120 مليار منها هي مستوردة، و التي منها 80 % من كندا. مع احتياطات مكتشفة حوالي 5،29 مليار مكعب، بداية 2005، أو الاحتياطي السادس على المستوى العالمي، الولايات المتحدة لا تملك مع ذلك سوى 2،9 % من الاحتياطي العالمي من الغاز. و من خلال استهلاكها، هي بالمقابل، بالنسبة للغاز، في حالة ستترجم بوقت قصير بتبعية متزايدة للخارج. الولايات المتحدة تمتلك أيضا أكبر احتياطي في العالم من الفحم مع 25،4 % من الاحتياطي العالمي، بنسبة بعيدة أمام روسيا 15،9 % و الصين 11،6 %. إنه إذا من الممكن أن هذه الطاقة ستلعب مع الوقت دورا مغايرا أكثر قوة، خاصة عندما يصبح الاستثمار في هذه الطاقة أقل ضررا على البيئة فيما يتعلق بغاز الكربون.. بشكل عام وفيما يتعلق بالثروات الباطنية، الولايات المتحدة في حالة مقلقة، لكن غير فاقدة للأمل. تبعيتها " الهيدروكربورية " للخارج هي بالمقابل واضحة وصريحة و من هنا تأتي أهمية الإستراتيجية الأمريكية، في كل مكان من العالم، من أجل حماية و تأمين المخزونات من الطاقة.
أمريكا الجنوبية
إنه من غير شك أيضا لأن دول أمريكا الجنوبية، التي تمتلك 8،5 % من الاحتياطات المكتشفة عالميا من البترول، و لكن مركزة في 75 % منها في فنزويلا، تبحث عن تنمية ثرواتها الباطنية. هناك مشروع عملاق أمريكي مشترك للربط عبر أنابيب الغاز انطلاقا من فنزويلا يدرس حاليا من خلال شركة "بتروباس". إنه من الممكن، إذا تم تخفيض فاتورة الطاقة للعديد من دول أمريكا "المخروط" الجنوبي، هذا سيساعد على تخفيض تبعيتهم تجاه بترول الشرق الأوسط. الشركات البترولية الوطنية الجنوب الأمريكية كانت سابقا وقعت عدة عقود مع كبرى الشركات العالمية الغربية و مجددا مع نظيراتها الآسيوية من أجل الاستثمار في المناطق غير الشاطئية، و من بينها الشركات الصينية، كما سنرى فيما بعد. لكن الشركات البترولية الوطنية الجنوب أمريكية، و لاسيما " بتروباس، بدأت أيضا الاهتمام ببعض الدول العربية. الدول الجنوب أمريكية تعلم أنه عاجلا أم آجلا، كما بقية العالم، لن تستطيع الهرب من التبعية البترولية للشرق الأوسط.
أفريقيا
في نهاية 2004، امتلكت أفريقيا 112،2 مليار برميل من البترول الاحتياطي المكتشف، أو 9،4 % من الاحتياطات العالمية، هذا يعني أكثر بقليل من العراق التي تستحوذ على الاحتياطي العالمي الثالث. و لكن بلدين، كلاهما عضو في الأوبك، ليبيا و نيجيريا، يستحوذان كليهما على ثلثي الاحتياطي الأفريقي.
البترول الأفريقي، يتمركز بشكل رئيسي في إقليم " خليج غينيا " و يشكل اليوم 16 % من مستوردات الولايات المتحدة، أو كما هو موجود في إقليم العربية السعودية. حسب " مجلس الطاقة الوطني " أفريقيا الغربية ستورّد 25 % من مستوردات البترول للولايات المتحدة الأمريكية في أفق عام 2015، حتى يتم تخفيض الاعتماد على منطقة الخليج العربي الغير مستقرة والتي تعاني دائما من الاضطرابات و تخفيض التبعية لمنظمة " الأوبك " جشعة كثيرا.
نيجيريا هي في نفس الوقت البلد الأكثر أهمية في أفريقيا من حيث إنتاج البترول و البلد الأفريقي الوحيد من جنوب الصحراء عضو في الأوبك مع، فضلا عن ذلك، قدرات إنتاجية لم تستغل، هذه الصفات الثلاث قادت الولايات المتحدة لطلب أو لتشجيع في عام 2002، انسحاب نيجيريا من منظمة الأوبك.
ولكن كان هذا دون حساب الروابط القوية التي تجمع عدة مقاطعات مسلمة أرستقراطية من " الهوسا " من شمال نيجيريا، و التي تسيطر من بعيد على عائدات البترول المتجمعة في جنوب البلاد، مع جامعة الدول العربية و خاصة منها العربية السعودية.
آسيا الوسطى والقوقاز
الحرب في العراق كان لها أسباب عديدة في عقل المحافظين الجدد: تأمين أو الحفاظ على الموقف المهيمن للولايات المتحدة، في العراق أو / و حول الخليج العربي و إيران، من أجل الحصول على وسيلة إقليمية لأسباب أخرى، ضرورية جدا، هدفها الحصول على منفذ متميز إلى المصادر البترولية العراقية و حماية موقع إسرائيل في المنطقة، الحليف الإقليمي الرئيسي في هذه المنطقة. هذه الحرب كانت أيضا رسالة موجه إلى الصين، روسيا، سوريا و إيران، و بطريقة أخرى إلى أوربا. عند العديد من المحافظين الجدد، المعميين من خلال عقيدتهم الإيديولوجية مع بعض نسب من الجهل أحينا، كان هذا التصرف عرفا أو قاعدة تعودوا عليها. لقد اعتقدوا أن القوات الأمريكية ستستقبل دائما بالورود و الزهور و كأنها قوات تحرير. و عند البعض الآخر، أكثر برودة، هذه الحرب سيتم وضعها ضمن عملية أشمل و أضخم من أجل تأكيد الهيمنة و السيادة الأمريكية على وسط " الحدود " الأورو / آسيوية، باتجاه heartland أو " أوراسيا "، من أجل أخذ و تطبيق قاعدة " ماكيندر " الجيوبوليتيكية الشهيرة في بداية القرن العشرين. لكن أحدا من المناصرين لهذا التدخل الأمريكي لم يتخيل أو يتصور الشكل الذي ستسير فيه الأحداث. ولكن لماذا هذا الإقليم و لماذا الآن؟
أنه في جزء من الإجابة، لأن هذا الإقليم، الذي يمتد من الشرق الأوسط إلى بحر قزوين، يشكل قطعا ناقصا استراتيجيا و عالميا بالنسبة للبترول، مع تقريبا 70 % من الاحتياطات البترولية العالمية. ضمن هذا الوضع، في عقلية الاستراتيجيين، البترول ليس فقط مصدرا للطاقة، إنه أيضا أداة من أجل السلطة و الحكم. ووفق هؤلاء الاستراتيجيين، الذي يسيطر على المصادر البترولية في الخليج العربي و إيران سيسيطر على الاقتصاد العالمي و يمتلك من خلال هذا، أكبر وسائل القوة في الضغط على كل قوة منافسة محتملة أو كامنة. [ من أجل التوسع بهذه الفكرة يمكن العودة إلى بحث منشور في The Monthy Review و هو بعنوان The New Geopolitics بقلم Michael Klare، العدد 55، رقم 3، تموز ـ أب، 2003 ].
روسيا
يفهم مستقبل روسيا من خلال الجانب البترولي فيه انطلاقا من عملية الإصلاح في الاقتصاد الروسي. لأن الاستعمال الذي سيكون للبترول و الغاز الروسي يعتمد قبل كل شيء على حاجات " الكرملن " و بالتالي مستويات الاقتصاد الروسي أكثر مما هو الاعتماد على أسعار البترول. هنا بشكل طبيعي يطرح السؤال حول عودة قطاع البترول و الغاز إلى يد " الكرملن ".. روسيا هي في المرتبة الثانية في الاحتياطي العالمي من الفحم بعد الولايات المتحدة، وعلى مستوى الغاز فهي تمتلك الاحتياطات الأولى عالميا و المركز السابع دوليا من حيث الاحتياطي البترولي المكتشف. التقديرات للاحتياطات البترولية هي متغيرة بشكل كبير وذلك وفق الجهة التي تصدرها. بالنسبة لقسم الطاقة في الولايات المتحدة، الاحتياطات المكتشفة في روسيا وصلت إلى 60 مليار برميل، أو 5،7 % من الاحتياطي العالمي، بينما وفق الوكالة الدولية للطاقة هذا الاحتياطي هو 137 مليار برميل أو 15 % من الاحتياطي العالمي. رغم هذه التقديرات، روسيا هي فاعل دولي كبير.
الشرق الأوسط
في الشرق الأوسط، علينا فقط أن نتذكر أن خمسة بلدان، المملكة العربية السعودية، إيران، العراق، الإمارات العربية المتحدة و الكويت تمتلك تقريا ثلثي 61% من الاحتياطي العالمي المكتشف من البترول. ولكن إذا كان شكوك موجودة حول أهمية هذه الاحتياطات جميعها، فإنه أربعة بلدان ( من غير العراق )، شكلت في عام 2004، مع 19،7 مليون برميل من البترول يوميا ربع ( 24،6 % ) الإنتاج العالمي. و هذا ما يجعلها " أقلية معطلة " على الصعيد العالمي و قوة لا يمكن تجاوزها في داخل المنظمة العالمية للدول المصدرة للبترول ( أوبك )، هذه البلدان الثلاثة لديها في هذه المنظمة الثلثين من الإنتاج.
في النهاية نستطيع القول أن الكتاب يحلل إستراتيجية الولايات المتحدة في السعودية، إيران و العراق وبقية أنحاء العالم.و يرى الكاتب أن طموحات هذه الإستراتجية ليست لتحقيق التحول الديمقراطي في الإقليم بل الإقليم نفسه ليس إلا أداة لتحقيق الطموحات الأمريكية. أما البترول و الجيوبوليتيك في الشرق الأوسط هما بالنسبة له خليطا متفجرا. و في غياب العناصر الجديدة على الصعيد الجيوبوليتيكي. بالتالي فيما يتعلق بهذه النقطة، أخطار عدم الاستقرار هي متعددة في العديد من البلدان المنتجة، كما يبين هذا الكتاب.
إن العالم وفق نظرية الكاتب يسير باتجاه نفوذ الاقتصاد، و الأولوية هي في مراقبة تطور أسعار البترول الخام من غير طرح الكثير من الأسئلة هنا وهناك، ولكن تحليلات و تعليقات المتخصصون في الاقتصاد الدولي أو قطاع الطاقة هي أمر مهم ويشكل معلما لنا لكنه غير مطمئن. أما سعر برميل البترول ليس إلا الترجمة الأخيرة لعقلية العاملين في هذا المجال و لديهم كل شيء ممكن.
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية