النظام السورى وسياسة فيها لأخفيها!!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عندما كنا صبية نلعب فى الحارة كان هناك صبيا أكبر منا سنا وأكثر ضخامة، وبصراحة كان "واد مفترى"، وكان معرفته بكرة القدم لا تتعدى كثيرا معرفتى باللغة اليابانية، وبالرغم من ذلك كان يصر على أن يلعب معنا، وكان يحضر ونحن نلعب ويحاول أن يوقف اللعب ويقول: عاوز ألعب
فيقول له الشجعان منا: أيوه يامحمود إحنا دلوقت فى نص الماتش، إيه رأيك تلعب الماتش الجاى؟
فيرد محمود بكل صلافة: لأ أنا عاوز ألعب دلوقت!
فيرد عليه الأقل شجاعة وأصحاب الحلول الوسط (مثل حالاتى): طيب إيه رأيك تقف جون؟
فيرد بصلافة أقل: أنا ما بأعرفش أقف جون، أنا عاوز ألعب راس حربة!!
فيرد عليه صبى متهور بدون عمل أى حساب للعواقب: هو إنت بتعرف تلعب خالص، كتر خيرنا إللى حنخليك تقف جون.
فيسب ويلعن محمود كل من فى الحارة شاملا بالشتائم كل أفراد عائلاتنا ويجرى وراء الصبى المتهور (والذى أفرد ساقيه للريح) ويقول: كده وحياة أمك... طيب "فيها لأخفيها".
وتعبير "فيها لأخفيها" يعنى أنه لن يكون هناك لعبا بدون مشاركة محمود مشاركة إيجابية، كما وأنه يرفض أن يقف "جونا". وهذا كان يضعنا أمام خيارين، إما أن نستسلم "لإبتزاز" و"فتونة" و"زعرنة" محمود أو نقف له بالمرصاد كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وكنا فى أغلب الحالات نكتفى بالحل الأول والأسهل وأن ندعه يلعب "فيها" أفضل من أن "يخفيها".
ولست أدرى لماذا أتذكر محمود كلما جاءت سيرة النظام السورى فى الأخبار، فدائما كنت أتسائل ما هو سر تأثير النظام السورى فى المنطقة فى نصف القرن الأخير من القرن العشرين، دائما يعمل له ألف حساب أكبر من حجمه بدون مبرر منطقى:
النظام السورى ليس وراءه ثقل سكانى أو عسكرى مثل مصر أوثقافى مثل لبنان ومصر.
النظام السورى ليس وراءه ثقل مالى أو بترولى مثل بلدان الخليج والعراق وإيران وليس له ثقل دينى مثل السعودية وإيران.
النظام السورى ليس وراءه ثقل تقاليد ديموقراطية مثل لبنان أو إسرائيل
......
ما ساعد النظام السورى حقيقة هو أنه إعتبر نفسه مخترع القومية العربية، بداية من ميشيل عفلق منظر حزب البعث. وبعد صدام عبد الناصر مع الغرب فى أزمة السويس وبعد أن تغذى بالإخوان المسلمين قبل أن يتعشوا به ركب موجة القومية العربية مع حزب البعث وفى نفس الوقت ركب حزب البعث عبد الناصر (كحصان طروادة) ليستفيد من شعبيته الطاغية، وكان أقصى ماوصل إليه النظام السورى فى تحقيق فكرة القومية العربية هو الوحدة بين مصر وسوريا والتى إستمرت إقل من أربع سنوات بالرغم من أن الجميع إعتبرها "وحدة لا يغلبها غلاب"، وبعد فشل تجربة الوحدة لم يتخل النظام السورى عن علم الوحدة (أبو نجمتين)، بالرغم من أن مصر قد تخلت عنه، ومش مهم الوحدة، المهم العلم أبو نجمتين!!
وظل النظام السورى يحمل لواء القومية العربية فى الشرق حتى بعد الهزيمة القاسية لأنظمة القوميين العرب فى عام 1967، وظلت "دمشق الشرق" تذود عن علم القومية العربية بالرغم من ظهور أمين جديد للقومية العربية فى "طرابلس الغرب"، والذى كفر مؤخرا بالقومية العربية ولبس بدلة بيضاء عليها علم أخضر لأفريقيا!! لذلك فأصبح النظام السورى هو المتعهد الوحيد فى المنطقة للقومية العربية!!
.....
وبعد أن شارك الجيش السورى فى نصر أكتوبر مع مصر، وكان (فيها ولم يخفها)، توقع الجميع أن يشترك النظام السوري مع مصر (السادات) فى محادثات السلام مع إسرائيل، ولكن النظام هذه المرة رفع شعار "مش فيها ولسوف أخفيها"، و أصر على أن يكون "فيها" عندما رفض حضور مؤتمر فندق (مينا هاوس) بالرغم من إرتفاع العلم السورى (أبو نجمتين) على بوابة الفندق، كما أنه فشل فى أن "يخفيها" بعد أن إستمر السادات فى طريقه وعادت لمصر أراضيها كاملة وتمت إزالة مستوطنات سيناء بالرغم من سياسة الرفض والمقاطعة والتى قادها حزب البعث فى كلا من سوريا والعراق ضد مصر وهللت لها منظمة التحرير الفلسطينية، وبالطبع ثبت للجميع بعد نظر السادات، وجاء النظام السورى إلى مائدة المفاوضات مع إسرائيل فى مدريد، وبالطبع أفشلت السياسة السورية تلك المفاوضات، وعاد النظام السورى إلى تبنى سياسة "اللاسلم واللاحرب"، بالرغم من أن أصحاب القضية الأساسية إعترفوا بوجود إسرائيل فى معاهدة أوسلو وتمت المصافحة الشهيرة فى حديقة البيت الأبيض برعاية الرئيس الأمريكى كلينتون بين الرئيس عرفات والرئيس رابين، ومرة أخرى حاول النظام السورى إلى تبنى سياسة "فيها لأخفيها"، فحاول ضم كل العناصر الفلسطينية الرافضة لإتفاقية أوسلو، مثل الجبهة الشعبية، وجورج حبش، وأبو جلمبو وغير من منظمات "الأبو"، وفشل الجميع فى إفشال إتفاقية أوسلو، حتى وجد النظام السورى غايته فى خالد مشعل قائد منظمة حماس (فرع الإخوان المسلمون الفلسطينى) بالرغم من أن المواطن السورى لا يستطيع الإنضمام لجماعة الإخوان المسلمين السورية إلا إذا أراد أن يقضى بقية عمره مسجونا، ولكن النظام السورى تبنى (الأخوان الفلسطينين) فى سوريا لكى (يخفى) معاهدة أوسلو (لأنه لم يكن فيها)، وقد نجح هذه المرة وخاصة بعد أن أوصلت إتفاقية أوسلو نفسها منظمة حماس إلى حكم فلسطين، وسبحان مغير الأحوال، ولا أدرى لماذا يصمت خالد مشعل على معامل "إخوانه المسلمين" السوريين تحت عينه فى دمشق، ربما لأنه وجد حلفاء جدد فى كلا من دمشق وطهران، ولكنها تلك السياسة اللعينة، صاحبة المقولة الدائمة:"إللى تغلب به... إلعب به".
....
وكانت من المفاجْات الكبرى للنظام السورى هو إنضمام بعض القوات السورية إلى قوات التحالف مع الأمريكان فى حرب الخليج الأولى لطرد صدام حسين من الكويت، ونجح النظام هذه المرة أن يكون "فيها" ولم يحاول أن "يخفيها"، وأقول لكم الحق أنا عجزت عن معرفة سر إنضمام القوات السورية إلى الأمريكان جنبا إلى جنب فى تلك الحرب، سوى أن النظام السورى لا بد وأن يشارك فى كل أحداث المنطقة سواء كانت تعنيه أو لا تعنيه.
...
أما أكبر دليل لأتباع النظام السورى لسياسة "فيها لأخفيها" فكانت سياسته فى لبنان الجميل، فلا شك أن الدور السورى كان إيجابيا فى وقف الحرب الأهلية اللبنانية وتحقيق قدر معقول من الإستقرار، ولكن يبدو أن "القعدة" قد إحلوت فى لبنان وقرر النظلم السورى أن "يبلط" هناك، وعندما وقع النظام تحت الضغط الأمريكى من ناحية وتحت ضغط شعب لبنان من ناحية أخرى (وخاصة بعد إغتيال رفيق الحريرى) قرر أن يرحل من لبنان، وعندما لم يستطع أن يكون "فيها" فقد قرر أن "يخفيها"، وفجأة إزدادت الإغتيالات والإنقسامات وأصبحت تنذر بحرب أهلية أخرى، وأصبح النظام وبتأييد من حليفه الجديد فى طهران له وجود فى لبنان على شكل حزب الله لصاحبه حسن نصر الله، ورأينا أسلحة فى حوزة حزب الله لا مثيل لها لدى الجيش اللبنانى، وأصبح لحزب الله دولة داخل الدولة وجيش "ملاكى" داخل الدولة لا يخضع لأى سيطرة من الحكومة الشرعية اللبنانية ولا يسيطر عليه سوى" سيدى" حسن نصر الله.
وحلاوة النظام السورى أنه لا يحرك ساكنا أمام عدوه الحقيقى المزعوم إسرائيل فقد حرك القوات السورية لتحرير الكويت و"طنش" عن تحرير الجولان والتى قررت إسرائيل ضمها من سنين عديدة ومنحت سكانها السوريين الجنسية الإسرائيلية، وقامت إسرائيل بغزو لبنان أكثر من مرة ولم تحرك القوات السورية سيارة جيب ضدإسرائيل، وفعلت إسرائيل ما فعلت بلبنان من مذابح فى الصيف الماضى على مرأى ومسمع القوات السورية ومرة أخرى "طنش" النظام السورى، وإخترقت الطائرات الإسرائيلية حاجز الصوت فوق قصر الرئيس فى دمشق، و"طنش" النظام السورى عن تلك المداعبات والمشاغبات الإسرائيلية لأن هدفه أكبر من هذا ألا وهو حماية القومية العربية بالرغم من تبنيه هذه الأيام القومية "الفارسية".
samybehiri@aol.com
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية