كتَّاب إيلاف

كتاب الله والإنسان: بحث في إنطولوجية القران من داخل القرآن!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

هوية الكتاب
الله والإنسان في القرآن / علم دلالة الرؤية القرآنية للعالم
اليف: توشيهيكو إيزوتسو، ولد في طوكيو، درّس في جامعة كيو في معهد الدراسات الإسلامية في جامعة مكجيل، من تآليفه : الوجود مفهومه وواقعه، وإنجازات أخرى في حقل الفلسفة والتصوف واللغة.
ترجمة: الدكتور هلال محمّد الجهاد.
مراجعة: فضل الرحمن إستاذ متخصص في اللا هوت الاسلامي.
توزيع: مركز دراسات الوحدة العربية.
الطبعة الاولى: بيروت بيروت سنة 207.
يقع لكتاب في (400) صفحة من القطع المتوسط، يتضمن مقدمة في اربع صفحات للمترجم، ومراجعة للسيد فضل الرحمن تعرضت بالنقد المركز للجوهر المضموني للكتاب، وملحق بعنوان (الثبت التعريفي) يقدم تعريفا مركزا لبعص المصطلحات التي بعضها من نحت المؤلف نفسه. ومن دون الرجوع إلى هذا الثبت قد يصعب فهم الكتاب بشكل جيد ومعمّق.

القرأن كتاب إنطولوجي
أعلن الكاتب عن نيته من تصنيف هذا الكتاب بشكل واضح، وهي تقديم رؤية قرأنية للعالم وذلك في ضوء علم الدلالة الذي يعتبر من العلوم الجديدة في عالم الفكر، ولذلك خص هذا العلم بجهد وافر من التعريف والتحليل، مؤكدا أن العلم المذكور تحولت مهمته من قراءة الدلالة في ابعادها المعجمية والعلاقية القريبة إلى رؤية فلسفية تتطلع لفهم العالم والحياة بصيغهما الكلية، فهو ليس علما لغويا بحتا، بل تشارك في صياغته علوم كثيرة، بما في ذلك علم تشريح الاعصاب. وفي سياق إستعراضه يشخِّص ان هناك نوعين من علم الدلالة، أحدها السكوني الذي يتناول معنى الكلمة في وقت محدد، فيما هناك علم الدلالة ا لتعاقبي، الذي يستعرض تاريخا سجاليا لمعنى الكلمة، ضمن تحولاّتها العنيفة عبر أحقاب من الزمن المحتشد بالجديد، وفي الأثناء يفرز علما دلاليّا خاصّا للقران في صياغة نظرته إلى الكون، ممّأ يصبغ هذه العلم بنكهة إنطولجية خاصة، بل هو فعلا إنطلوجيا خاصّة بهذا الكتاب، ولكنها أ نطولوجية لها روحها المميزة، فهي (عيانية حية حركيّة، لا ذلك النوع نم الأنطولوجيا النظامية السكونية التي يقيمها الفيلسوف على أرضيّة تجريدية من التفكير الميتافيزيقي) / ص 33 /.

الكلمات / المصطلحات المفتاحية
منهج الكاتب وفي ضوء إيمانه القوي والراسخ بقدرات علم الدلالة يقوم على معاينة مجموعة من المصطلحات أو الكلمات القرآنية التي يعدها كلمات أو مصطلحات (مفتاحية)، والكلمة المفتاحية هي (كل كلمة ذات أهمية خاصة ويؤطرها حقل دلالي بعينه ضمن النظام المفهومي الكلي، وتؤدي دورا حقيقيا حاسما في تشكيل البنية المفومية لرؤية العالم) / ص 374 /، فكان من اللازم أن يقع إ ختياره على رزمة من هذه الكلمات أو المصطلحات المفتاحية، ومنها بل وفي مقدمتها الله، ومنها (الغيب / ا لشهادة، ا لكفر/ الإيمان، الهدى / الضلال، العلم / الجهل....)، ويرى الكاتب أن الرؤية المفهومية القرآنية للعالم تتشكل ليس من هذه الكلمات وكل كلمة محتفظة بإقنومها القاموسي الخاص، بل من خلال علاقة التضاد بين هذه الكلمات، والتضاد الأول كان بين (الله والانسان) ثم يليه التضاد (بين الغيب والشهادة) وبعد ذلك يتسلسل حسب إجتهاده الشخصي لتسطير كم محدود من هذا الثنائيات المتضادة، بإعتبارها تشكل جوهر القرآن ولب تصوراته وأهدافه وغاياته.
يرى الكاتب أن الكلمة أو المصطلح يبقى هو... هو... في معناه الأولي، ولكنه يأخذ مسارات جديدة وذات طبيعة ربما تكون إنقلابية من خلال علاقة الكلمة بغيرها، وضمن سياقات الإستعمال المطعّم بفكر معين، وتصورات مشخصّة، بحيث قد تؤول إلى هجران أو نسيان المعنى الأول، ومن هنا كان تركيزه على السياق والمسار العلاقي للكلمة بقدر إستفادته من المعجم الخام [ يكون المعنى (الأساسي) لكلمة ما شيئا متأصلا في ا لكلمة نفسها، تحمله معها أنّى ذهبت، فإن المعنى (العلاقي) شي إ ضافي يتم إلحاقه وإضافته إلى الأول بإتخاذ الكلمة موقعا خاصا في حقل خاص، مرتبطة بعلاقات متعدّدة الأشكال بكل الكلمات المهمّة الأخرى في ذلك النظام) / ص 45 /.
لقد أجهد نفسه كثيرا في رسم حقول لكل كلمة مفتاحية كي يُظهِر تشابكها الحي في سياق التواصل من أجل منظومة مفهومية، فالحقل الدلالي (لا يقل عن المعجم من حيث كونه كلا منظّما، إذ هو مجموع تام من الكلمات التي نُظّمت في نموذج ذي معنى ويمثل نظاما من المفاهيم المرتبة والمبنية على أسس المنظومة المفهومية) / ص 55 / وهكذا يحشد حول كلمة الله كل ما يتصل بالذات العلية من أسماء في الكتاب الكريم ليشكل منها حقلا دلاليا، ثم يقوم بعملية تحليل لهذا الحقل ليستخرج لنا منه تصورا عن الكون، كان قد تشكل في أحشاء هذا الحقل.

ثلاث مراحل حاسمة
يرى الكاتب إن كل كلمة من هذه الكلمات المتاحية (الكلمة ــ المركز) مرّت في ثلاث مراحل، أو يجب دراستها من خلال ثلاث مراحل، الأولى ما قبل نزول القرآن، والثانية في القرآن نفسه، والثالثة ما بعد القرآن ويسميها أ نظمة علوم الدين مثل الفلسفة وعلم الكلام والتصوف وغيرها، فإن أي كلمة من هذه الكلمات (الله، الهدى، الغيب،الشهادة، الجهل، العلم، الكرم...) هي ذاتها من حيث البنية الاولى، من حيث هي كلمة مجرّدة، ولكن لكل كلمة من هذه الكلمات معناها الخاص في كل نظام من هذه الأنظمة، ففي وقت كان فيه الله تلك القوة المركزية المهيمنة على العالم والمسؤولة عن عملية الخلق في بعض أدبيات العصر (الجاهلي) فإن الله نفسه هنا يطرح نفسه ليس خالقا وحسب، ليس قوة تتمركز في العالم لتديره وتحييه وتوجهه، بل ليدخل في صميم الحياة الإنسانية، فالله في ذهن البدوي أو العربي كان مجرّد قوة مهيمنة، بينما في القرآن تحول إلى شبكة من الحضور الهائل في حياة الإنسان، يتداخل مع ضميره وأحساسيه ويعيش بين جنبيه، يجزيه ويحاسبه، ويرسم له مصير سلوكه في هذه الدنيا، ولكن ما أن تشكلت علوم النظام الإسلامي من علم كلام وتصور وفلسفة حتى دخل الله مسارات جديدة من التصور والطرح، فلم يعد الله في الفلسفة هو الله في أيات القران الكريم، كذلك في علم الكلام، وأيضا في التصوف، ذلك أن الكلمة خضعت لنظام التغيير والتحول ضمن التعامل المختلف معها تبعا لنظم أخرى من التفكير والتصور والتحليل. وهكذا في كل الكلمات المفتاحية التي يراها مداخل أساسية لفهم أو لإكتشاف (علم دلالة الرؤية القرآنية للعالم). لقد كان للعربي الجاهلي معجمه الخاص، كذلك للقرآن، كذلك للفلسفة، رغم أن الكلمة بقيت تحافظ على معناها المعجمي الاصلي. ففي الوقت الذي كان فيه (العقل) يدل على الذكاء العملي في معجم العربي الجاهلي، إنتقلت في تضاعيف الزمن القرآني [ لتعني القدرة العقلية والروحية للذهن الإنساني التي تمكّن الإنسان من فهم (الآيات) التي بيّنها الله برحمته للبشر ليدركوا مضامينها الدينية العميقة) / ص 114، ثم لتدخل نفسها ـ أي كلمة عقل ــ في (الفلسفة الإسلامية ثانية كواحدة من مصطلحاتها المفتاحية، لكن مضمونها الدلالي، أي بنية المفهوم الذي ترمز إليه الكلمة، لم تعد نفسها، لأن رؤية العالم المتضمّنة كلها مختلفة تماما، لكونها شيئا أجنبيا عن رؤية العرب التقليدية للعالم بشكل جوهري) / ص 115 /

علاقة رباعية الوجوه
كان الموضوع الجوهري الذي اضطلع به المؤلف وهو يستعرض تصوره تصوره عن علم الدلالة القرآني للعالم يتركز حول (العلاقة بين الله والإنسان) وكذلك كان عنوان الكتاب (الله والإنسان في القرآن)، وقد أقامها على إربعة مستويات هي كون الله خالق الإنسان، وهي العلاقة الوجودية بين الله والإنسان (الفصل الخامس)، ثم العلاقة التواصلية بين الله والإنسان، التواصل غير اللغوي، مادته أو آليته هي (الآيات الكونية)، أي ما يزخر به الوجود من دلائل الحكمة والتدبير والقصد والغائية (الصل السادس)، وبعد ذلك التواصل بين الله والإنسان، التواصل اللغوي، ويتجسد بالوحي، ومن هنا يستطرد في كلامه عن الوحي ليفرد له معنى قرآنيا خاصا به، حيث يتناول ما يتصل بهذا المصطلح من مصطلحات أخرى، تتواصل معه على نحو التقارب المعنوي، وفي سياق من الاتهامات المتبادلة بين محمد وأعدائه، فنجد سجالا رائعا عن الجن والملائكة والشاعر والكاهن والحجاب والسجع، وغيرها من كلمات ذات صلة خفية منبثقة من دلالاتها المعجمية وما تعارف عليه الجاهليون من معاني وتصورات وتداعيات تخص هذه الكلمات، لينتهي بنا إلى إعطاء صياغة نهائية لمعنى الوحي في القران [ وخلاصة القول إن (الوحي) بمعناه الضيق ـ الديني على نحو خاص ـ هو نوع خصوصي من التواصل اللغوي الذي يحدث بين الله والإنسان في الإتجاه النازل : من الله إلى الإنسان.إن الانسان يوجّه كلماته إلى الإنسان، مباشرة إلى الرسول، وبصورة غير مباشرة إلى البشر عموما) / ص 301 /.وقبل كل هذه المستويات تتعين كلمة (الله) بإعتبارها [الكلمة ــ المركز العليا في النظام القرآني التي لا تفوقها كلمة أ خرى في المكانة والاهمية، إن الرؤية القرآنية للعالم ذات مركزية إلهية بشكل جوهري، وطبيعي تماما أن يهمن مفهوم (الله) في نظام كهذا على كل شي نم الا على،ويمارس تأثيرا عميقا في البنية الدلالية لكل الكلمات ا لمتفاحية) ص 157.
وبالنظر بهذه العلاقة الرباعية تتشكل الجماعة المؤمنة وقبل ذلك الجماعة المسلمة، فهي نتاج هذا التواصل بين الله والإنسان بالانساق السابقة.

مصادر الكتاب
اعتمد الكاتب على مجموعة كبرة من المصادر، بعضها عربية وأخرى أجنبية، ولكن مما يلفت النظر حقا أن الغالب على مصادره العربية هي عيون وأسفار الشعر الجاهلي، وليس في ذلك غرابة لأن جوهر بحثه يعتمد على استقصاء معاني الكلمات في وقتها السابق على القرآن، وما طرا عليها من تحولات عنيفة فيما بعد، ولذا يجب أن يحفر في تضاعيف المعنى في أزمنة تداولها الخام، أي قبل أن يستعيرها القرآن لتكوِّن مفاتيح نظامه الدلالي عن العالم، وهنا يسجل الباحث نقطة نقدية حادة في خصوص هذا المنهج، ذلك أن وثاقة أو وثوقية هذه الأشعار محل نزاع عنيف بين المفكرين والكتاب عربا ومستشرقين، ولذك كنت أتصور من الاجدر بالكاتب أن يثبت أصالة تلك الاشعار، وكونها ثابتة فعلا كي يعتمد عليها هذا الا عتماد الذي يكاد أن يكون كليا وجوهريا.
ولا يعني أن الكاتب على حق بالضرروة في طرحه لنماذج من التضاد بين ما اختار من كلمات مفتاحية حسب تعبيره، إذ يبقى الأمر خاضع للأجتهاد الشخصي، فليس من المؤكد أن كلمة الله مثلا تشكل طرفا مضادا لكلمة الإنسان، ليشكل ثناية (الله ــ الإنسان)، خاصة وإن الله كما هو في القرآن مصدر القرأن بالذات، فيما الإنسان هو محور القرآن، ولست أتفق مع الكاتب بطرح الله محور أو (الكلمة ـ المركز) في بنية الكتاب الكريم، بل (الإنسان) هو من يحتل هذا الموقع الخطير الذي يترجمه المؤلف على شكل المعادلة الجميلة (الكلمة ــ المركز)، فالله غني عن العا لمين بنص الكتاب،والانسان هو غايته في وحيه ونبيه وكل رسله وكتبه وتعاليمه، من هنا كان الإنسان محور القرأن فيما الله مصدر القرأن، ومن الصعب أن يتقابل المصدر مع المحور. وبعد هذا، هناك إعجاب منقطع النظير من لكاتب بعلم الدلالة، ولكن هل حقا وصل هذا العلم إلى درجة يمكن معها الإعتماد عليه بالعمق الذي ذهب إليه المؤلف؟ وهل هو كأي علم من العلوم التي تنتمي في النهاية إلى العلوم الانسانية التي ما زالت تعاني من الاتهام بإنها ليست علما با لمعنى الدقيق للكملة؟
ومهما يكن يشكل الكتاب ثورة منهجية رائعة في فهم القرآن من داخل القران، ولنا أمل أن تتظافر الجهود على إنجاز مثل هذه ا لأعمال الرائعة.

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف