كتَّاب إيلاف

جيمي شو وشائعات مرض مبارك

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تشهد مصر هذه الأيام حالة من الترقب والتوجس غير مسبوقة، إذ يجد الملايين أنفسهم حائرين بين شائعات انتشرت على نحو واسع عن اعتلال صحة الرئيس حسني مبارك، ولقاء نجله جمال بطلبة الجامعات المصرية، الذي بدا مثيراً على نحو ما، فبعيداً عما قد يظنه مخرجو هذه اللقاءات المسرحية من حداثة وابتكار، فقد اكتنف المشهد استعراض وخيلاء رغم ادعاء البساطة في المظهر، كما بدا الأمر أقرب إلى "الدويتو الدعائي" بين الشاب الصاعد الواعد نجل الرئيس، ورجل المهام الصعبة عبد اللطيف المناوي، رئيس قطاع الأخبار بالتلفزيون الحكومي، الذي لا أفهم علاقته بتقديم لقاء من هذا النوع .
وعلى الرغم من المظهر الغربي لهذا الاجتماع، فقد بقي المضمون منتمياً لثقافة الاتحادين القومي والاشتراكي، مع حفنة من التوابل والمقبلات التي صنعت في النهاية مشهداً مضحكاً يشبه عرضاً للباليه على ضفاف ترعة "أبو شوشة" في صعيد مصر، وأمام جمهور مصطنع ليس لديه أي خيار.
وتزامن هذا اللقاء مع شائعات عن مرض الرئيس مبارك، كانت هي الأوسع انتشاراً من نوعها، واستمرت محور حديث ملايين المصريين على الرغم من الإنكار الرسمي لصحتها، ولعل انتشار الشائعات هذه يكشف انعدام ثقة الناس بالإعلام الحكومي، ويؤكد فشله الذريع في معالجة مسألة تبدو بسيطة، قياساً بالمجهول القادم، الذي يتحسب له الملايين حال غياب مبارك، وما قد يترتب على ذلك من فراغ في ظل عدم وضوح الرؤية للمشهد السياسي من جهة، وحجم الصراعات المتوقعة بين أجنحة الحكم من جهة أخرى .

نيولوك
نعود لمشهد لقاء الطلبة، وقد وقف الشابان الأربعينيان (جمال والمناوي) في دائرة الضوء وهما يرتديان "الكاجوال"، والحق أن قميص جيمي "البلوجينز" كان أنيقاً على بساطته، كما كان أيضاً حذاؤه الإيطالي الذي لم يتعفر بتراب القرى والعشوائيات فاخراً، وكذلك كان الشاب "تيفا" أنيقاً و"كوول" بقدر من التحفظ على طريقة مواطنيه البريطانيين، ولم تنتقص من أناقته تلك الصلعة الوقور، التي أخشى أنها بدأت تنافس صلعة كفيله الوزير أنس الفقي، ولم يكن ينقصهما حتى يكتمل "النيولوك"، سوى سلسلة فضية تتدلى منها "حظاظة" باعتبار أن الذهب محرم على الرجال الأتقياء ولو حتى على سبيل "الروشنة".
راح جمال يقطع المسرح جيئة وذهاباً ـ لكن والحق يقال ـ فقد التزم المناوي دائرة ضيقة لم يتجاوزها، مؤكداً بذلك إدراكه العميق لحجمه ومكانته ودوره في هذا "الشو"، الذي تحولت معه القاعة إلى مسرح فاخر، لكنه "دايت" خالٍ من الدسم، إذ بدا المتفرجون كأن على رؤوسهم الطير، فقد أجبروا على ارتداء قمصان ملونة موحدة، تؤكد دقة الترتيبات والتنظيم، التي امتدت بالطبع لانتقاء نوعية الجمهور على طريقة "نحن نرضي كل الأذواق"، فكانت هناك المحجبة والمسدلة والمتحررة، وهناك الروش طحن والملتحي، ليكتسب المشهد سمتا مسرحياً، يغلب عليه الافتعال أكثر من التلقائية، التي طالما كانت تتسم بها لقاءات طلبة الجامعات بكبار المسؤولين قبل حقبة الفكر الجديد.
كما يذكر أيضاً للمناوي أنه التزم حرفياً بنظرية "خالتي عندكم" في نوعية الأسئلة التي طرحها والمحاور التي مهد لها، أثناء قيامه بدور "السّنيد"، فلم يتطرق بالطبع إلى أي أسئلة مزعجة من نوع مستقبل السلطة في مصر، خاصة وأن هذه اللغز محور أي حديث عن الشأن العام في مصر، كما لم يسمح للشيطان أن يراوده عن نفسه بسؤال عن مدى شرعية هذا اللقاء وسنده القانوني، وماهي صفة جمال التي يجتمع بموجبها مع طلبة الجامعات المصرية وليست جامعات طيب الذكر الحزب الوطني، فوفقاً للمعلومات المعلنة عن خارطة المناصب الحكومية، فإن جمال لا يتقلد أي موقع تنفيذي يؤهله للاجتماع بالطلبة أو الفلاحين أو حتى العمال من غير أعضاء الحزب الحاكم، الذي يشغل موقع قلبه النابض عبر رئاسة "لجنة السياسات"
ولا تتسق قواعد الديمقراطية التي تشدق بها الشابان "جيمي وتيفا" مع نشاط يفتقد للمشروعية، بينما لا تتحقق لمنافسيهما على الساحة السياسية فرصة مماثلة، فهل يسمح القائمون على الأمور مثلاً، باجتماع الحاج أحمد الصباحي مع طلبة الجامعات، ولن نقول مهدي عاكف ولا عصام العريان حتى لا نتهم بالترويج للجماعة المحظورة، التي يمثلها 88 نائبا في البرلمان، ولها مقر علني تتلقى عليه مراسلاتها، وتلتقي فيه بشخصيات مصرية وأجنبية في وضح النهار، رغم كونها محظورة.
السؤال ببساطة هو: هل يسمح المسؤولون لقادة أحزاب المعارضة بلقاء طلبة الجامعات، أسوة بالفرصة التي نالها جمال مبارك بصفته أحد قادة الحزب الوطني؟
وإذا كرر بعض الببغاوات ما قاله جمال بأن الجامعة لن تكون مسرحا للتجاذب السياسي، فبأي صفة التقى الشاب الصاعد بالطلبة، وألا يشكل مثل هذا اللقاء استقطاباً سياسياً وترويجاً للحزب الذي يمثله؟
قصارى القول، يكون النظام في محنة حقيقية إذا تخيل أولو الأمر أن البسطاء يمكن أن تنطلي عليهم مثل هذه المسرحيات الهزلية، وتصل المحنة لأبعد مدى حين لا يجدون أفضل من "تيفا" وأمثاله لإخراجها.
Nabil@elaph.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف