كتَّاب إيلاف

بعث الشّجن في احترام الوطن!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تحضر الفتاوى بوصفها توقيعًا عن "ربّ العزّة والجلال"، كما هو تعبير العلّامة ابن القيّم عندما أصدر كتابه المعنون بـ(إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين)!
ولك أن تتخيّل أنّ الفتوى تدخل في كلّ شأن من شؤون الحياة، صغيرها وكبيرها، جِلّها ودقيقها، فحتّى عندما تقف أمام رمز بلادك "العَلَم"، وتؤدّي التّحيّة العسكريّة فإنّ الفتوى تلاحقك، وتتشبّث بفعلك، غير تاركة لك حريّة التّصرّف في شأنك!
فإن أردت الوقوف على ذلك، فدونك كتاب "فتاوى علماء البلد الحرام"، سمِّ الله مستعيذًا به من وساوس ومخانس الشّيطان الرّجيم، ثمّ اقرأ ما ورد من استفسار حول هذا الشّأن في السّؤال: هل يجوز الوقوف تعظيمًا لأيّ سلام وطني، أو عَلَم وطني؟
أمّا الإجابة فهي مُعتمدة من اللّجنة الدّائمة للبحوث العلميّة والإفتاء، طيّ الكتاب أعلاه تحت فتوى رقم "32"، حيث يقول الجواب: ( لا يجوز للمسلم القيام إعظامًا لأيّ علم وطني، أو سلام وطني، بل هو من البدع المنكرة، التي لم تكن في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا في عهد خلفائه الرّاشدين رضي الله عنهم، وهي منافية لكمال التّوحيد الواجب وإخلاص التّعظيم لله وحده، وذريعة إلى الشّرك، وفيها مشابهة للكُفّار وتقليدهم في عاداتهم القبيحة، ومجاراة لهم في غلوّهم في رؤسائهم ومراسيمهم، وقد نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن مشابهتهم أو التّشبّه بهم.)
إنّ صورة الوطن غير متبلورة، وليست واضحة في أدبيّات الخطاب السّلفي، فعموم الفتاوى لا تُعطي للوطن قيمة، ولا للمكان مكانة، لأنّها تنظر نظرة أُمميّة للعالم الإسلامي، وتعتبر الوطن وعَلَمه وحدوده والاهتمام بها من مُحدثات الأمور المبتدعة، وجديدات الظّواهر المجترحة. أكثر من ذلك، هذه الأقطار في نظر أصحاب الفتاوى مجرّد كيانات أوجدها تقسيم الاستعمار، وصنعها منتجو سياسة "فرق تَسُد"، وما العَلم والوقوف له، واتّخاذه شعارًا لدولة ورمزًا لكيان إلّا من قبيل البدع والخرافات!
إنّ من يقرأ الفتاوى بشأن الأوطان وتشريعاتها يشعر بمرارة حمراء، إذ كيف يُنظر إلى "الأعلام" التي تدلّ على الانتماء، والتي أصبحت شأنًا كونيًّا، بهذا التّحقير وذاك التّسفيه؟!
وكيف يكون السّلام الوطني أو عَلَمه "منافيًا" لكمال التّوحيد، ومُخلاً بإخلاص التّعظيم لله وحده؟!
من هو ذلك الجاهل الذي يجعل "قطعة" قماش، أو أنشودة وطنيّة تزاحم عقيدة المرء، وتفتّ من عضد إخلاصه، وتنخر في "كمال توحيده"؟!
إنّ مثل هذا الزّعم في أقصى درجات تفسيره لا يعني أكثر من أنّ "العقيدة" شعور خفيف نحيف طارئ، قد يطير في أيّ وقت، ويذهب مع كلّ صوت.
كفانا إذًا تشدّقًا بوصف الإسلام بالسّماحة والصّلاحيّة لكلّ زمان ومكان، مادمنا نطرح نصوصه في كلّ شيء لتكون عائقًا وحاجزًا عن التّطوّر والارتقاء والتّنظيم. فإن أردنا فعلاً تنزيل هذه "الصّلاحيّة" لأرض الواقع يلزمنا كذلك أن نقرأ النّصوص بعقل مفتوح يعرف مقتضيات الواقع، وقادر على مسايرة الحاضر دون مصادمة أو تحجّر.
إنّ ديننا أرقى بكثير من هذا الذي يُقال، وهو فوق ما يُحاول أن يرسمه بسطاء المعرفة، ودراويش الفتوى، الذين لا همّ لهم إلّا النّظر بريبة صفراء إلى كلّ شيء طارئ، وكلّ عملٍ جديد..
فلنحترم عَلم بلادنا، ولنتغنَّ لوطننا، ولنعبد ربّنا الذي أطعمنا من جوع، وآمننا في وطننا من الخوف، فلا تصادم ولا تقاطع بين هذه وتلك إلّا عند المستثمرين في أسواق التّخويف، السّاكنين في كهوف الرّيبة، من يرون الظّلام في رائعة النّهار..
والله من وراء القصد.
Arfaj555@yahoo.com

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف