كتَّاب إيلاف

أنس الفقي.. وإعلام كوكو واوا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

وزير المصادفات السعيدة أنس الفقي، المسؤول الأول عن الإعلام الحكومي المصري، يشكل حالة نموذجية لملامح الجيل الجديد من الساسة المرتقبين لحكم مصر، واللافت أن أبناء هذا الجيل ورثوا كافة أمراض أسلافهم، وبالإضافة إلى ذلك فإنهم يفتقدون أيضاً إلى الكفاءة المهنية، وأبسط أدوات السياسي المبتدئ .
أقول هذا بمناسبة "قصة الشائعات" عن صحة الرئيس حسني مبارك، وما اكتنفها من ملابسات واجتهادات وتحقيقات ونكات لا يتسع المقام لسردها، فقد كان بوسع وزير الإعلام أنس الفقي أن يخمد هذه القصة في مهدها، لو أشار على الرئيس بضرورة ظهوره عبر الشاشة، وأن يكلف التلفزيون ببث استقبال الرئيس للعاهل الأردني على الهواء مباشرة خلال زيارته الأخيرة للإسكندرية، بدلاً من الانتظار غير المبرر حتى بعد الظهر ليبث لقطات قصيرة بينما كان الملايين في مصر وخارجها يترقبون هذه الصور .
نحن هنا نتحدث عن "مواءمات سياسية" اقتضت التعامل مع الشائعة بطريقة واضحة وسريعة وحاسمة، ولا يستساغ أن نلقي باللوم على الصحافة، ونرسم "خطة طريق" لغلق الصحف وإسكات الأصوات في زمن لم يعد ذلك مقبولاً، بل ينبغي محاسبة وزير الإعلام على الطريقة المرتبكة التي عالج بها التلفزيون الحكومي هذه المسألة، خاصة وأننا لا نعرف مهمة أخرى للوزير غير الإشراف على أداء الإذاعة والتلفزيون .
لكن يبدو ـ والله أعلم ـ أنني ومعي كل الزملاء الذين سبق وانتقدوا صفوت الشريف مدينون لهذا الرجل بالاعتذار، فها نحن نتحسر على يوم من أيام "وزير الريادة والسموات المفتوحة"، بعد أن اعتلى الأخ أنس الفقي عرش ماسبيرو، في صعود غير مبرر وغير مفهوم لهذا الرجل الذي كانت تغمره السعادة عندما يلتقي صحافياً أومسؤولا من الدرجة الثانية قبل سنوات حين كان يبيع سلسلة كتب الأطفال (إقرأ لطفلك)، حتى قفز عدة مرات في الحقل السياسي خلال زمن قياسي، ليصبح رئيساً لهيئة قصور الثقافة، ثم وزيراً للشباب، حتى استقر به المقام على "عرش ماسبيرو" وزيراً للإعلام، ليصبح المسؤول الأول عن سياسات الإعلام المصري، ومنذ هذه اللحظة يكاد لا يغيب عن أية فعاليات أو سفريات للرئيس .
ولأن كل إمرئ ميسر لما خلق له، فإن الطريقة التي جرى استوزار الفقي بها، لا تجعلنا نتوقع منه أن يتصرف في الأمور بغير ذهنية "مندوب المبيعات الشاطر"، وبالفعل ظهرت أولى كراماته أثناء الاستفتاء على تعديل الدستور، إذ تحولت كافة محطات التلفزيون المصري إلى "مشتمة" فجة للمعارضة، وتسابق "الرداحون" على توجيه أقذع الألفاط والنعوت للمعارضة، من اتهامها بالخيانة إلى السلبية مروراً بالانفصال عن قواعد الجماهير، بل وافتقارها أساساً للجماهير، دون أن يذكر الشتامون والرداحون أن سيطرة الحزب الحاكم من يومه على كل مفاصل الدولة، وهيمنته على كل أدواتها، لابد أن تهمش الآخرين، فلن يكون بوسع شخص أو جماعة أو حزب أن ينافس آلة الدولة الممعنة في مركزيتها.
هذا فضلاً عن أن إضعاف المعارضة الشرعية باستمرار، سيفرغ أحزاب المعارضة من الشخصيات المحترمة، التي ستنأى بنفسها عن الملاحقات والتهديدات، ليبقى في النهاية الأفاقون والمستفيدون، كما أن ضرب المعارضة الشرعية لن يصب سوى في صالح الجماعات المحظورة والتنظيمات الدينية الإرهاببية وفي الصدارة منها جماعة "الإخوان المسلمين"، التي باتت بالفعل أقوى منافس للحزب الوطني الحاكم .
ونبقى مع وزير المصادفات السعيدة وبركة دعاء الوالدين، القادم من "بيزنس كتب الأطفال"، والذي تنحصر خبراته في مهارات البيع وطرق إقناع العملاء، فلم يعرف عنه مثلاً أي نشاط سياسي سابق، وليست له مواقف سياسية من أي نوع، كما لم يضبط مرة متلبساً بممارسة دور إعلامي، ولا يستوعب المرء كيف يمكن لرجل قادم من هذه الخلفية أن يدير واحدة من أضخم آلات الإعلام في الشرق الأوسط، فهي رغم ترهلها وتراجع مستواها خلال السنوات الأخيرة، لكنها تظل من أهم المؤسسات الإعلامية بالمنطقة، ولديها مئات الكوادر والخبرات ما قفز بمحطات مثل "الجزيرة"، و"العربية" وغيرهما إلى مواقع الصدارة الإعلامية.
كما لا أفهم أيضاً كيف يراهن النظام الحاكم على شخص لا تتجاوز مؤهلاته "السمع والطاعة"، ولا تتجاوز خبراته دائرة "الماركنتج" وتوزيع كتب الأطفال على المكتبات، ليحيي عظام الإعلام المصري وهي رميم، بينما يتصور الوزير أن بوسعه أن يفعل شيئاً بالخواجات الذين أتى بهم ليلقنوننا مبادئ "الفكر الجديد"، ويعلموننا كيف نحب مصر، وكيف نرفض الغرب ومعوناته ومنتجاته الحضارية، خاصة السياسية منها .
وكل عام وأنتم بخير
Nabil@elaph.com

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف