الذكرى العشرون لغياب حنظلة: الفنان والسلطان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حلّت قبل أيام، الذكرى العشرون لاغتيال ورحيل الفنان، رسام الكاريكاتير السياسي الفلسطيني الشهير ناجي العلي في 29/8/1987 . فنعته في ذلك الوقت، وكتبت عنه الصحافة
مأساة فنان.. مأساة أمة
تتلخص سيرة الفنان ناجي العلي(1936- 1987) بأنه كان قاضي تحقيق سياسي، عيَّنه الفقراء والمشردون نيابة عنهم للتحقيق في أحوال البلاد وتصرفات العباد. وهو هنا يُذَْكِِرنا بقاضي التحقيق كينيث ستار في فضيحة مونيكا - كلينتون. فالعلي، كان محققاً، ينشر
فأين ناجي العلي الآن، وأين كينيث ستار..؟
إن هذين الموقفين يلخصان مأساة ناجي العلي ومأساة الأمة التي انتمى إليها. مأساته أنه عاش في أمة ما زالت تُفكر وتحكم وتتصرف وتعيش في مضارب خيام الماضي البعيد، رغم كل ما يحيط بها من قشور ومظاهر الحياة الحديثة. وامتطى ريشة في ميادين سباقها المليئة بالألغام والحفر والمطبات والمصائد. ورغم كل هذا فعل ناجي العلي ما فعل. ومن هنا جاءت فرادة ناجي العلي وندرته الفنية.
صوت الفنان وسوط السلطان
كانت نكسة حزيران 1967 من الآلام الكبيرة والعميقة التي أصابت غُسان قلب العلي، وهو الذي آمن بعبد الناصر، ومشى خلفه، وردد شعاراته، ورسمه في أجمل ما رُسم عن الزعماء العرب. ملخصاً موقفه من عبد الناصر وموقف عبد الناصر "الميتادور" من الثور اليهودي في لوحة موجزة مليئة بالمعاني السياسية التي تُلخِّص استراتيجية عبد الناصر بعد حرب حزيران. والتي رسمها العلي بعد عام من هزيمة 1967، وفيها يبرز أن الدعوة إلى الحل السياسي، لا يلغي العمل العسكري إذا كان ذلك بمقدورنا. بل إن العمل العسكري يظل هو
"إن الفترة التي جرت فيها أحداث هذه القضية هي أسوأ فترة مرت بها مصر طيلة تاريخها القديم والحديث. فهي فترة ذُبحت فيها الحريات، ووطئت فيها أجساد الناس بالنعال، وأقرّ الرجال فيها بالتسمّي بأسماء النساء، ووضعت ألجمة الخيل في فم رب العائلة وكبير الأسرة، ولُطمت الوجوه والرؤوس بالأيدي، كما رُكلت بالأقدام. وهُتكت أعراض الرجال أمام بعضهم، وجيء بنسائهم أمامهم وهددوا بهتك أعراضهن على مرأى ومسمع منهم، ودُربت الكلاب على مواطئة الرجال. والمحكمة لا يسعها إلا أن تُسجل أن المخلوق الذي ينسى خالقه، ويأمر الابن أن يصفع وجه أبيه أمام الناس، هو مخلوق وضيع وتافه".
قادة ماجنون
وكذلك، فقد كان من أسباب الهزيمة ضعف عبد الناصر أمام عبث ولهو وطيش مساعديه وأركان حربه وقادة جيشه، وعلى رأسهم عبد الحكيم عامر. فقد قال الدكتور سامي محمود في كتابه (السلطة والجنس) أن التحقيقات التي أجرتها محكمة الثورة في أعقاب هزيمة يونيو 1967 كشفت أن ldquo;المشير عبد الحكيم عامر كان يقضي سهراته الخاصة في فيللا تقع على الترعة المريوطية في الهرم مع الفنانة برلنتي عبد الحميد وظل مختفياً هناك. وفشلت جميع المحاولات في العثور عليه. ذلك أن لا أحداً يعرف مكانه. وهو الذي
الرعونة السياسية
كما كان من أسباب الهزيمة رعونة عبد الناصر السياسية التي وضحت عندما لم يسمع نصيحة أقرب أصدقائه وحلفائه (الاتحاد السوفييتي) بضبط النفس وتجنُّب حرب 1967. وهذا ما ذكره محمد حسنين هيكل في كتابه (أبو الهول والمفوَّض - نهضة وسقوط التأثير السوفياتي في الشرق الأوسط) من أن كوسيغين رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي نصح شمس بدران، وزير الدفاع المصري، في العام 1967 ldquo;بضبط النفس وعدم إعطاء إسرائيل أو القوى الاستعمارية أية ذريعة لإشعال نيران صراع مسلحrdquo;. والتاريخ العربي الموضوعي الحديث غير المنحاز مليء بهذه الأسباب وبهذه التفاصيل، التي أدت إلى هزيمة حزيران.
ومن الحب ما غَفَر
لكن ناجي العلي وهو المُحب لعبد الناصر والمدافع عن نظامه، واعتباره إياه الورقة الوحيدة الشريفة الباقية في يد المقاومة الفلسطينية المسلحة، نسي كل هذا. ولم يوجه لعبد الناصر أياً من هذه الانتقادات لا قبل العام 1967 ولا بعد العام 1967. وكان كعين الرضا عن كل عيبٍ من عيوب عبد الناصر خفيضة. وصبَّ جام غضبه على الرجعية العربية، وعلى اليمين العربي، ومن ضمنه السلطة في الكويت. علماً بأن الكويت كانت من أكثر دول اليمين وقوفاً وتضامناً مع القضية الفلسطينية بتبرعها السخي، وفرضها ضريبة خمسة بالمائة على العاملين من الفلسطينيين كمساهمة في المجهود الحربي الفلسطيني. كما كانت الكويت من أكثر دول اليمين العربي تهاوناً وتسامحاً ورحابة صدر واتساع أفق تجاه المعارضة في كلِمِها وفي
والكويت هي اليمين العربي المتفتح، الذي دعم عبد الناصر في محنته المالية والعسكرية، وفتح له خزائنه بكرم مشهود، كما فتح أبوابه لمئات الآلاف من العاملين المصريين ولم يلقهم يوماً في الصحراء وخارج حدوده كما فعل الطاغية معمر القذافي في الماضي، وكما يفعل الآن. وهي اليمين العربي الذي كان من أشد المناصرين للقضية الفلسطينية برفضها لقرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في العام 1967، والذي يعتبر القضية الفلسطينية مجرد قضية لاجئين، في حين قبل عبد الناصر بهذا القرار، وقبلت به الأردن كذلك.
ولكن ناجي العلي كفنان كان يُعبّر عن رأيه في اليمين العربي بعواطفه لا بعقله. وروجر فراي (1866 - 1934) الرسام والناقد الفني الإنجليزي قال مرة:
"الفن عبارة عن عاطفة، وإلا فهو لا شيء".
السلام عليكم.
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه