الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية – الشعائر السياسية والحربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
دأب كثير من (الدعاة)- يقول الشيخ خليل عبد الكريم*- على وصف الفترة السابقة على البعثة المحمدية بنعوت بشعة وأوصاف كريهة، كي يرسخ في الأذهان أن تلك الحقبة لم تكن سوى ظلام وجهالة وانحلال، وأهلها حفنة من الأغبياء عديمي الفكر، غلاظ القلوب، فاسدي الأخلاق، تمكنت منهم العلل والأمراض السياسية والاجتماعية والخلقية والاعتقادية.
كل ذلك ظنا من هؤلاء (الدعاة) أن ذلك يخدم الإسلام، ويظهر عظمته. لكن ظنهم ليس صحيحا، وليس صحيحا أن العرب قبل الإسلام، كانوا في أدنى دركات الجهل، وفي غاية الانحطاط. ولو كانوا كذلك لما جادلهم القرآن، ولما نزل مخاطبا إياهم، ولما استطاعوا- أي لو كانوا كما ادعى الدعاة- أن يبدعوا بعد الدعوة الإسلامية. لآن تطور الأشخاص لا يتم فجأة، بل هو نتيجة إرث واختمار طويل بطيء.
الشعائر السياسية
أكد الصحابي الجليل سلمان الفارسي أن الرسول علمهم كل شيء، حتى ما يفعلونه داخل الخلاء، وهذا أمر طبيعي لأن الطهارة مقدمة للصلاة. بمعنى أنه لم يترك- صلى الله عليه وسلم- صغيرة أو كبيرة من شؤون الحياة إلا وأرشد أصحابه، والمسلمين من بعدهم، كيفية التعاطي معها، بما في ذلك ارتداء الملابس وانتعال الحذاء، وعلى أي جنب ينامون، ومن أي مكان يبدأون الطعام في الصحاف، وكيفية الجلوس في الطريق، وصيغة السلام على المسلمين، وأهل الكتاب. ولم يُغفل آداب دخول الفراش مع الزوجة الحرة، أو ملك اليمين، وما يقولونه، وما يفعلونه أثناءها، وكيف يسلكون عند زيارة المريض، وإتباع الجنازة...الخ. ويطول بنا المجال إذا حاولنا تعداد تعليمات وإرشادات الرسول صلى الله عليه وسلم في شؤون الحياة، لكننا- يقول الشيخ خليل عبد الكريم- ورغم كل هذه الإرشادات والتعليمات لمختلف شؤون حياة الإنسان، لا نجد له (صلى الله عليه وسلم) حديثا واحدا يبين فيه كيفية تنصيب الخليفة، أو عن نظام الحكم في الإسلام.
ويرى الدكتور محمد أجمد خلف الله في مفاهيم قرآنية: (أن الشريعة الإسلامية خلت من أي نص ينص على ذلك، لحكمة يريدها الله، وهي أن المسألة يجب أن تُترك للعقل البشري يجتهد فيها بحسب ظروف الزمان والمكان، وبحسب تطور الفكر البشري في وعيه بمسؤوليات رئيس الدولة أو الخليفة).
ولكن السؤال- يقول الشيخ خليل عبد الكريم- لماذا وردت نصوص مقدسة في أمور حياتية، ومسائل معيشية أقل أهمية وأدنى خطورة من مسألة نظام الحكم، ولم يكلها الرسول إلى عقول البشر يجتهدون فيها بحسب موجبات الحياة والزمان والمكان؟ لماذا تحدث الرسول في أمور مثل البيوع والإيجارات والشركات والشفعة، ولم يدعها للمسلمين يسنون فيها القواعد والأحكام بما يتلاءم مع بيئتهم وظروفهم؟ إذن المسألة ليست كما قال الدكتور خلف الله. أي ليس صحيحا أن الإسلام يترك أمور الحكم ونظام الحكم لاجتهادات البشر، بينما يقيدهم في أمور يومية عادية ليست بذات أهمية، وليست بذات خطر قياسا بالحكم وأموره!
أن النبي الذي نشأ في مكة، وينتمي إلى قريش إحدى قبائل العرب الكبرى، وفي الذروة السامقة منها، قد قال عن نفسه (إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد في مكة). والإنسان مهما كانت فرادته أو تمييزه بملكات خارقة للمألوف، بالغا ما بلغت من العظمة والسمو والعبقرية، فإنه لا بد أن يتأثر بالنسق الاجتماعي، والنظام الحضاري، السائدين في مجتمعه. وعظماء الناس مثل الأنبياء، لا شك أنهم ليسوا كباقي البشر العاديين، ولهم بلا جدال تأثير وفاعلية على محيطهم الاجتماعي. ولكن بالمقابل لا بد أن يتأثرون بالمجموع أو الجماعة. فالعلاقة بين الفرد- مهما سمى قدره- والمجتمع والجماعة، علاقة تبادلية تنتج بين الطرفين تكامل عضوي ديناميكي.
وقد جرى التقليد في قبائل الجزيرة العربية أن يتولى شيخ القبيلة وأكابر القوم (أهل الحل والربط) شؤون القبيلة، وشؤون أفرادها وحياتهم. وقد أطلق الدكتور حسين فوزي النجار في "الإسلام والسياسة" على هذا النوع من الحكم اسم (الحكم الأبوي الممثل في شيخ القبيلة) ويضيف الدكتور النجار: أن العرب قبل الإسلام قد تمرسوا بالقدرة على هذا النوع من الحكم. ويضيف أيضا: "إن المسلمين لم يشعروا بتغيير يُذكر بين ما كانت عليه إدارة شؤونهم في الجاهلية، وما أصبحت عليه في الإسلام، إلا من حيث القيم التي حكمتهم، وأصبحت تحكمهم. فما كانت قيادة محمد للجماعة الإسلامية لتختلف عن قيادة جده قصي لقريش". ومن المعلوم أن مسألة القيم هي مسألة أخلاقية، لا تنظيمية ولا سياسية، ولا بد أن تتحسن القيم لأن تهذيب الأخلاق هي المهمة الرئيسية للدين- أي دين- بالإضافة إلى الاهتمام بشؤون المعاد أو الآخرة.
إذن ظل هيكل النظام كما هو. ولذلك ينتهي الدكتور النجار إلى النتيجة الحاسمة التالية: (ولم يشر النبي على المسلمين بما يتبع في حكم المجتمع الإسلامي الذي يتسع ويمتد ولم يضع قواعد ثابتة لنظام الحكم، ولم يغير شيئا مما كان عليه القوم في إدارتهم لشؤونهم).
الشورى
وأمرهم شورى بينهم- الأنفال آية 38
وشاورهم في الأمر- آل عمران آية 159
وقد عرف العرب الشورى، قبل الإسلام. بل إن مجتمعهم القبلي هو الذي ابتدعها وعمل بها، إذ كانت القبيلة العربية تنقسم إلى قسمين: (الملأ) و (القبيل).
أما (الملأ) فهم الذكور الذين جاوزوا سن الأربعين، وهم من وجهاء القبيلة والمتنفذين فيها. ويفسر الراغب الأصفهاني في (المفردات) الملأ: بأنهم من يملأون العين مهابة وجلالا، وقد استعمل القرآن الكريم كلمة الملأ في هذا المعنى، ووضع مقابلهم الأرذال.
أما (القبيل)- القسم الآخر من القبيلة- فهم أفراد القبيلة سواء من أهلها، أو مواليها. وغالبا ما يكونون من الفقراء والضعفاء والهمل. وهؤلاء لا يحق لهم الجلوس في مجلس الشورى.
وقد تواترت الأخبار أن عرب ما قبل الإسلام عرفوا الشورى بالصورة عينها التي وجدت في الإسلام، لأن هذه الأخيرة نسخ (نقل) للصورة القديمة. وأقرب مثل تاريخي في هذا المضمار هو (دار الندوة) التي أقامها قصي الجد الأعلى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة، إذ كان الملأ من قريش يجتمعون فيها للتشاور في كافة الأمور. وكان لا يُعقد لواء (في الحرب) إلا فيها. ولا تخرج قافلة (في التجارة) إلا منها. ولا يُعقد نكاح أي زواج (من الناحية الاجتماعية) إلا فيها.
إن نظام الشورى هو نظام عربي أصيل، وأحد أعراف القبائل العربية قبل الإسلام. وقد وُجد لاستخراج أفضل الآراء، بعد التداول في مجلس الشورى. وأفضل الآراء يقررها شيخ القبيلة الذي له مطلق الحرية في الأخذ بهذا الرأي أو ذاك، أو أن يضرب عرض الحائط بالآراء جميعها، إذا كانت شخصية ذلك الشيخ قوية مهابة. ولهذا لا نقرأ في التاريخ السياسي الإسلامي أنه كان يوجد بجانب الخليفة مجلس يدعى مجلس شورى له هيمنة وفعالية على الخليفة، فالصديق أبو بكر أمضى رأيه في شن الحرب التي تُعرف ب (حروب الردة) رغم مخالفة الذين استشارهم (كيف تحارب قوما يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وكذلك عندما قرر عمر بن الخطاب أن لا يوزع أرض السواد على جنود الفتح، رغم وجود آية صريحة في ذلك، ورغم سنة من النبي عندما قسّم أرض خيبر، وأيضا رغم معارضة عدد من أكابر القوم، منهم صحابة، ومنهم مبشرون بالجنة.
إنه لمن الخطأ الجسيم، الادعاء أن الشورى هي الديمقراطية. فالفرق بينهما واضح جلي. فالديمقراطية تعني الأخذ برأي الأغلبية، وهي ملزمة للحاكم. بينما الشورى لا تعني الأخذ برأي الأغلبية، وهي ليست ملزمة للخليفة. وكلمة شورى في العربية تدل على استخلاص أفضل الآراء. و(شار العسل) تعني استخرجه. و(الشارة والشورة) بمعنى: الحسن والجمال، الهيئة، اللباس، الزينة. و(شار الدابة) راضها، ركبها ليختبرها. (استشار) لبس لباسا حسنا. (شاور في الأمر) طلب منه المشورة. "أنظر قواميس اللغة".
لقد كان مجلس الشورى في الخلافة الراشدة يتكون من كبار المهاجرين وكبار الأنصار، ومع ذلك فقد كان الخليفة يستشير خاصته أو حاشيته، وقد سماهم الفقه السياسي الإسلامي: (أهال الحل والعقد) و(أهل الاختيار)- "أنظر الماوردي في الأحكام السلطانية، وأبو يعلى الفرّاء". مما يقطع أن عملية (الشورى) موكلة تماما إلى الإمام أو أمير المؤمنين. إن شاء عقد المجلس، وإن شاء أخذ برأيه، وإن شاء رمى به عرض الحائط. فهل من شك إذن أن الشورى هي ميراث من القبائل العربية السابقة على الإسلام؟
الشعائر الجزائية
في نطاق الشعائر الجزائية أو الجنائية، هناك الكثير من الموضوعات التي كان بالإمكان اتخاذها أمثلة على مدى تأثير الأعراف القبلية العربية على الشريعة الإسلامية. ولكننا تحاشينا ذلك باعتبار أن هذه العقوبات تكاد تكون مشتركة بين الشرائع كافة، خاصة وأن اليهودية كانت متفشية في يثرب وخيبر وبعض القبائل مثل الأوس والخزرج، وشريعتها تنص على (العين بالعين والسن بالسن...) ولهذا سنقتصر على مثلين كانا يتسمان بالصبغة العربية القبلية الخالصة، لأن الجزاءين الواردين فيهما ينبعان من طبيعة البيئة العربية، وموجبات الحياة فيها، دون غيرها من المجتمعات. وهاتان الشعيرتان الجزائيتان هما:
1- العاقلة
وهي الدية التي تتحملها عشيرة أو قبيلة (القاتل) في حالة القتل الخطأ أو شبه العمد (إذا وجبت الدية بنفس القتل الخطأ أو شبه العمد، تتحملها العاقلة. وعاقلة الشخص هي قبيلته التي هو منها- أحمد فتحي البهنسي- مدخل الفقه الجنائي الإسلامي). وهذا العرف كان مستقرا في القبائل العربية قبل الإسلام. إذ أن القبيلة تعتبر وحدة واحدة، ينعم جميع أفرادها بما تناله من خير، أو يشقون بما يصيبها من شر وبلاء. وهي تتكاتف في السراء والضراء.
ولما جاء الإسلام أخذ تقليد أو عرف (العاقلة) فأصبح جزءا من التشريع الإسلامي. وأورد الفقهاء المسلمون في مؤلفاتهم أحكام العاقلة، بعد أن صاغوا لها القواعد، ومنها (إذا كان الجاني فقيرا، ولا عاقلة له، أو كانت عاقلته فقيرة لا تستطيع تحمل الدية، فإن الرأي أن بيت المال يتحملها- أحمد فتحي بهنسي- مدخل الفقه الجنائي الإسلامي). وغير ذلك من القواعد التي لا تنفي أصلها القديم، وأنها كانت أعرافا مستقرة معمولا بها لدى القبائل العربية السابقة على بعثة النبي.
2- القسامة
والقسامة من القسم، وهي (حلف خمسين من أهل المكان الذي وُجد فيه القتيل الذي لم يُعرف قاتله، يختارهم ولي القتيل، فيحلفون بأنهم ما قتلوه، ولا عرفوا من قتله، ثم يُحكم بالدية على أهل المكان جميعا- محمد أحمد طنطاوي- المدخل إلى الفقه الإسلامي- مكتبة وهبة بمصر). ويقول الشيخ محمد أحمد طنطاوي: (إن العرب قبل الإسلام عرفوا نظام القسامة وطبقوه). وروى البخاري في صحيحه في باب القسامة، واقعة عن رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش ثم قتله، تقطع بأن القسامة كانت معروفة لدى عرب ما قبل المبعث.
ولما جاء الإسلام أقر عقوبة القسامة، وفي هذا يقول الأستاذ أحمد أمين في فجر الإسلام (وقد تعرض الإسلام للقانون الجاهلي، وبعبارة أخرى أعراف العرب وتقاليدهم في الجاهلية، فأقر بعضا وعدل بعضا، ومثال ما أقره، القسامة) وقد روي عن زياد بن أبي مريم أنه قال: (جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله إني قد وجدت أخي قتيلا في بني فلان. فقال عليه الصلاة والسلام: اجمع منهم خمسين، فيحلفون بالله ما قتلوه ولا علموا له قاتلا. فقال: يا رسول الله ليس لي من أخي إلا هذا؟ فقال: بل لك مائة من الإبل). ويقول الدكتور أحمد فتحي البهنسي في مدخل الفقه الجنائي الإسلامي: إن هذا الحديث يدل على وجوب القسامة على المدعى عليهم، وهم أهل المحلة التي وُجد بها القتيل، وعلى وجوب الدية عليهم مع القسامة. (وأخرج مسلم والنسائي عن رجل من أصحاب النبي: أن رسول الله أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية، وقضى بها بين ناس من الأنصار في قتيل إدعوه على يهود خيبر- أحمد أمين - فجر الإسلام).
ومن هذا نتبين أن القسامة والمسؤولية الجنائية كانت عرفا أو حكما مستقرا قبل ظهور الإسلام بين عرب الجزيرة، فأقره الإسلام بحذافيره.
ملاحظة الكاتب: القسامة شعيرة يهودية، وهي تحدد كيفية التصرف حيال القاتل المجهول. فقد جاء في سفر التثنية (تثنية الاشتراع) الفصل (21) ما يلي: إذا وجد قتيل في الأرض مطروحا في الحقل، لا يُعرف من قتله. فليخرج شيوخك وقضاتك ويقيسوا المسافة منه (أي من القتيل) إلى المدن التي حول القتيل. فأي مدينة كانت أقرب إليه، يأخذ شيوخ تلك المدينة عجلة من البقر لم يُحرث عليها ولم تُجر بالنير وينزل بها شيوخ تلك المدينة إلى وادٍ... ويكسرون عنقها في الوادي، ثم يتقدم الكهنة بنو لاوي، وبكلامهم تُفصل كل خصومة وكل ضربة، وأما جميع شيوخ تلك المدينة القريبة من القتيل، فإنهم يغسلون أيديهم على العجلة المكسورة العنق، ويصرّحون ويقولون: أيدينا لم تسفك هذا الدم، وعيوننا لم تر شيئا. اغفر لشعبك الذي فديته يا رب، ولا تجعل دما بريئا وسط شعبك.
الشعائر الحربية
1- السلب
يقول الدكتور أحمد الشرباصي في المعجم الاقتصادي الإسلامي "السلب: ما يأخذه المجاهد ممن قهره أو قتله، ما يكون معه، كالثوب والسلاح والجواد".
ويقول محمد جاد الله بك وإخوانه في أيام العرب في الجاهلية: "خرج هوذة والأساور والعير، من هجر، حتى إذا كانوا بنطاع، بلغ بنو تميم ما صنع هوذة، فساروا إليهم وأخذوا ما كان معهم، واقتسموه، وقتلوا عامة الأساورة وسلبوهم" "ثم إن رياحا أخذ رمحي القتيلين وسلبيهما وانطلق"
من هذين النصين اللذين يحكيان عن واقعتين حدثتا قبل ظهور الإسلام، نستدل على أن العرف قد استقر في القبائل العربية التي سبقت ظهور الإسلام على أن من حق القاتل في غارة أو غزوة أو معركة أن يستولي دون غيره من المقاتلين على سلب الذي قتله أو صرعه. أي على ما على القتيل من ثياب وسلاح، ودابته.
هذا العرف العربي القبلي انتقل كما هو إلى الشريعة الإسلامية مثله مثل الصفي، وقد (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السلب للقاتل، ولم يخمسه- رواه أبو داوود في سننه عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد).
وعن سلمة بن الأكوع قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين- أي جاسوس من المشركين- وهو في سفر، فجلس مع أصحابه يتحدث، ثم انفتل، أي الجاسوس. فقال النبي (ص): اطلبوه فاقتلوه. قال: فقتلته، فنفلني سلبه- الشيخ السيد سابق - فقه السنة- الجزء الثالث.
2- الصفي
وهو ما كان يختاره رئيس الجيش من الغنيمة، ويأخذه لنفسه قبل القسمة. ويقال له الصفية، والجمع صفايا- الدكتور أحمد الشرباصي في المعجم الاقتصادي الإسلامي. وعرفه الجرجاني بأنه "شيء نفيس كان يصطفيه النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، كسيف أو فرس أو جارية- التعريفات ص76 دار الشؤون الثقافية العامة- بغداد.
وحدثنا هشيم بن بشير عن طريف الشعبي، أنه قال: كان للنبي (ص) صفي من كل مغنم، عبد أو أمة أو فرس- الإمام أبو عبيد القاسم. والصفي هو ما يستصفيه الإمام من الغنيمة قبل القسمة. وقيل أن (صفية) رضي الله عنها إحدى زوجات الرسول محمد (ص) كانت من الصفي. كما طلب النبي (ص) "خمس المغنم، وسهم النبي الصفي" من صيفي بن عامر من بني ثعلبة، ومن عمرو بن معبد الجهني، وبني الحرقة من جهينة، وبني الجرمز، وبني زهير بن أقيش من بني عكل. وكذلك في كتابه إلى الحارث ونعيم والنعمان اليمانيين (من كتاب الوثائق السياسية في عهد الرسول تأليف حميد الله، نقلا عن كتاب الدولة في عهد الرسول- صالح أحمد العلي).
وكان الخمس والصفي قبل الإسلام من حق رؤساء القبائل، ومطالبة الرسول (ص) به يرمز إلى رئاسته العليا، وهو رمز وتعبير أكثر منه مصدرا للأموال، لأن القتال بين الجماعات توقف بعد الإسلام.
3- خمس الغنائم
كان لرئيس القبيلة أو قائدها في الغزوة، أو أميرها في الغارة، أن يأخذ ربع الغنيمة (وجعل حصين لخثعم ثلث المرباع، والمرباع ما يأخذه الرئيس، وهو ربع الغنيمة- أيام العرب في الجاهلية- محمد أحمد جاد المولى بك). وفي حديث عدي بن حاتم الذي قاد جيشا في الجاهلية، وقاد جيشا في الإسلام: (ربّعت في الجاهلية، وخمّست في الإسلام- الدكتور أحمد الشرباصي- المعجم الاقتصادي الإسلامي).
ولما جاء الإسلام أبقى نصيب الرئيس أو القائد أو الأمير، ولكن خفضه من الربع إلى الخمس (واعلموا إنما غنم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل...- الأنفال آية 41).
وعن ابن عباس أن الخمس لله وللرسول ولذي القربى سهم واليتامى والمساكين وابن السبيل ثلاثة أسهم. وعن محمد بن إسحاق عن وعن جبير بن مطعم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسّم سهم ذوي القربى على بني هاشم وبني عبد المطلب- القاضي أبو يوسف صاحب الإمام الأعظم أبي حنيفة في الخراج). وفيما بعد أصبح خمس المغانم يرسل للخليفة لصرفها عملا بالآية (41) من سورة الأنفال.
* الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية- الشيخ خليل عبد الكريم- دار سينا للنشر. الطبعة الثانية 1997
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه