كتَّاب إيلاف

القنبلة المدمرة...... الصهيونية العالمية.... وحكماء العرب

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

لقد شد انتباه بعض أساتذة الجامعات اليابانية المهتمين بشؤون الشرق الأوسط القرار الصادر من اجتماع المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي العربي الأخير. فقد طالب هذا القرار بانضمام إسرائيل لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وإخضاع كافة منشئاتها لنظام التفتيش الدولي، التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل، وبحق دول المنطقة في امتلاك الطاقة النووية السلمية، وضمن إطار الاتفاقيات الدولية. وقد أكد الاساتذة بأنه لو توفرت الحكمة والرغبة الدولية لتنفيذ هذا القرار سيختفي شبح الحرب النووية المحتملة عن المنطقة والتي يتوقع، أن حدثت يوما ما، أن تقتل أكثر من ربع مليار، ولن تفرق بين عربي أو إيراني، تركي أو إسرائيلي. فلنناقش عزيزي القارئ هذه المعضلة المعقدة.
لقد عاشت الديانات السماوية الثلاث بتناغم جميل تحت راية الحضارة الإسلامية. فقد كتب الصحفي الإسرائيلي اوري افيناري يقول " استمتع يهود الأندلس بالازدهار... فقدا كانوا وزراء وشعراء وعلماء... كما أبدعوا العلماء اليهود والمسيحيين والمسلمين حينما ترجموا فلسفة الإغريق وعلومهم... وقد كان فعلا العصر الذهبي... وحينما أضطر اليهود لترك الأندلس استعدت أحضان العرب لاستقبالهم في دولهم العربية." كما كتبت المؤرخة البريطانية كارين ارمسترونج تقول، " استطاعت المسيحية واليهودية والإسلام أن تعيش بتناغم، ولمدة ستة قرون في الأندلس." والواضح بأن العرب واليهود عاشوا بسلام، وبعدما ترك العرب الأندلس تعرض اليهود للاضطهاد، فانتقل بعض منهم مع العرب، وبقت مجموعة أخرى في أوربا، وبدءوا التفكير في حلول تخلصهم من معاناة التفرقة.
وقد صدر في عام 1896 كتاب، الدولة اليهودية، للمحامي تيودور هرتزل، الذي تصور بأن جمع شمل يهود العالم بدولة خاصة بهم، ستنهي معاناتهم. وأقترح أن تكون هذه الدولة ارض فلسطين، وقال مقولته المشهورة، "ارض بلا شعب، لشعب بلا ارض." وبداءت الحركة الصهيونية بالعمل لإنشاء وطن لليهود. ففي السادس عشر من مايو عام 1916 حددت معالم الشرق الأوسط بعد الحرب، حينما وقعت بريطانيا وفرنسا على معاهدة سيكس بيكو. وفي عام 1917 أعلن وزير الخارجية البريطاني بلفور عن رغبة بلاده بإنشاء دولة لليهود على ارض فلسطين. وفي عام 1920 وافقت عصبة الأمم الانتداب البريطاني على فلسطين. كما أقرت الأمم المتحدة في عام 1938 مبدأ الدولتين، وأعلن ديفيد بن جوريون تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948.
ولنحاول عزيزي القارئ أن نكتشف ما سر القنبلة النووية الإسرائيلية، ولماذا أصرت الصهيونية بتوفيرها لإسرائيل. فقد صدر كتاب في إسرائيل يكشف بعض الأسرار بعد مرور أكثر من خمسين عاما على إنشاء الدولة العبرية. فقد كتب مايكل كاربن، في مقدمة كتابه كتابه، القنبلة في القبو، يوصف رئيس الوزراء الأول لإسرائيل، ديفيد بن جوريون، بأنه، وبتوجهاته الماركسية، تصور بأن "الفلاح العربي الجاهل قد استغل من قبل الأغنياء، وبأنه سيتعاون مع العمال اليهود للقضاء على الرأسمالية." وصرح بأن العرب لن يستطيعوا بناء بلدهم لوحدهم، كما أنهم ليسوا أقوياء بحيث أن يرفضوا اليهود، فيجب أن يتعاونوا مع العمال اليهود كرفاق عمل. وقد بدأت مشاكل الأراضي حينما راوغت بريطانيا في وعودها، بعد إعلان هنري مكهون بإعطاء الشريف حسين حكم معظم بلاد الشرق الأوسط، بشرط مشاركته في قيادة ثورة البدو ضد العثمانيين.
وقد أقتنع بن جوريون بعد معركة الحائط المبكي عام 1929، بأن هناك حركتي تحرير وطنية تتصارع على بلد واحدة. وحينما زار ألمانيا في عام 1948، وشاهد بقايا المحرقة النازية، وتذكر هزيمة اليابان بالقنبلة النووية، أستوعب أهمية الردع النووي لبقاء إسرائيل. وفي عام 1952، أنشاء مركز للأبحاث بوزارة الدفاع الإسرائيلية. ومن الجدير بالذكر بأن بن جوريون اعتزل العمل لفترة، ورجع بعد استقالة وزير الدفاع في عام 1954، حينما اعترفت خلية سرية إسرائيلية عن مسئوليتها عن الهجوم على المؤسسات الثقافية الأمريكية والبريطانية في مصر، بهدف منع بريطانيا من أعطاء مسؤولية قناة السويس للحكومة المصرية.
وقد أستغرب علماء الذرة أوبنهيمر وأدور تيلور، الأب الروحي للقنبلة الهيدروجينية، حينما أكتشفوا بطموحات إسرائيل النووية، بعد ان دعاهم بن جوريون للطعام في بيته. وقد علق شمعون بيرز على معارضتهم قائلا، "لقد أقلقنا العلماء الأجانب حينما أخبرونا بأننا لا نملك الإمكانيات اللازمة لإنتاج القنبلة النووية، وبأنها رفاهية للدول العظمى، وبأن بلد صغيرة وحقيرة كبلدنا لا يمكن لها أبدا أن تتسلق لهذا الارتفاع الشاهق."
وفي عام 1953، أعلن الرئيس أيزنهاور عن برنامجه، قنبلة السلام، مما سهل لإسرائيل الحصول على المفاعلات النووية الصغيرة. وقد علق أحد المسئولين الاسرائيلين على الاتفاقية الأمريكية الإسرائيلية النووية السلمية عام 1955 قائلا، "قرئنا الاتفاقية، ولم نجد بها أية أخطاء. فلم تقيد تعاوننا مع الدول الأخرى ولم تحدد استعمالاتنا للطاقة النووية." كما أستطرد قائلا، "لا يمكن أن تعتمد على دولة صغيرة كدولتنا، في لحظة اليأس، وحينما ترصع بظهرها في الجدار، أن تقاوم استعمال السلاح اللا إنساني." وقد زادت ثورة يوليو في مصر قلق بن جوريون، وشجعت طموحاته النووية، وصرح لزملائه يقول، rdquo;سيستمر العرب في الاعتداء على إسرائيل مرة تلو الأخرى، ولكن لو انتصروا مرة واحدة ستكون هي نهاية إسرائيل الأبدية."
وفي عام 1954، حينما بدأت القلاقل على الحدود مع مصر والأردن وسوريا، وشكل احمد بن بيلا جبهة التحرير الوطنية الجزائرية في القاهرة، كما كانت فرنسا تعاني من الثورة الجزائرية وتعاونها مع مصر، قرر بن جوريون تبادل السلاح الفرنسي بالمعلومات المخابراتية الإسرائيلية عن التعاون الجزائري المصري. فحينما اجتمع في عام 1955 وزير الداخلية الفرنسي مع بيرز قال، "يذكرني ناصر بهتلر، فهو متطرف يوظف النهج الارهابي ويفتن بخطابته العاطفية." فرد عليه شمعون بيرز ليؤكد له أهمية السلاح لإسرائيل، "أن الوقت صعب لتاريخنا، فقد نمحى من سطح الأرض. فان لم نحصل على الطائرات والأسلحة التي نحتاجها، لن نستطيع محاربة عبد الناصر وسيقضى علينا."
وقد أغلقت مصر في ذلك الوقت مضيق تيران، كما أعلن عن شراءها أسلحة سوفيتية بقيمة مائتي وخمسين مليون دولار. وقد علق بن جويون على الوضع وهو يدرس خارطة الشرق الأوسط مع أحد مساعديه قائلا، "يتزاك، أنظر لهذه الدول التي حولنا. كيف نستطيع الوقوف أمامهم؟ وكيف سنستمر في بقائنا؟"
وفي عام 1956 تشكلت حكومة فرنسية جديدة صديقة لإسرائيل، كما ساء الوضع في الجزائر، فوجدتها إسرائيل نافذة مناسبة للتعاون، وأرسل شمعون بريز لفرنسا لشراء الطائرات. ووافقت الحكومة الفرنسية ببيع الأسلحة لإسرائيل، وأبدت استعدادها للتعاون النووي ولكن بشرط أن تغزو إسرائيل قناة السويس. فقد كانت بريطانيا محرجة في مساعدة فرنسا للسيطرة على قناة السويس، إلا إذا خلقت ظروف دولية تبررها. فاتفقت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على أن تقوم إسرائيل بغزو سيناء، وتثبيت مواقعها على الضفة الشرقية من القناة، وبعدها تطالب بريطانيا وفرنسا من الجميع الانسحاب، على أن توافق إسرائيل، وطبعا سترفض مصر، وحينها تقوم بريطانيا وفرنسا بالهجوم على مصر وتحرير القناة والاستيلاء عليها. وقد تمت الخطة بفشل كبير، ولكن حصلت إسرائيل مفاعلها النووي عام 1956 بطاقة عشرة ميغاوات، لتستطيع تنقية البلوتونيوم من اليورانيوم لإنتاج قنبلتها النووية.
وقد علق مايكل كاربن مستنتجا يقول، "منذ عام 1970 تملك إسرائيل القنبلة النووية، وبذلك ضمنت سر بقائها في منطقة الشرق الأوسط. ولن يستطيع العرب إلقاءها في البحر كما كان يكررها بعض من زعمائهم. وقد أحتاج تحقيق هذا الإنجاز النووي السرية الكاملة لإخفاء هذا السر عن عيون العالم، ومنع إثارة فضول اللجنة الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، ولم تكن السرية اقل صعوبة من إنتاج القنبلة نفسها. وحينما اكتشف السر كان على إسرائيل أن تقنع العالم بأنها حالة خاصة، وبأن القنبلة النووية تملك سر استمرارها وبقائها. وقد أصبحت إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي أقنعت العالم بضرورة امتلاكها للقنبلة النووية."
كما أكد ذلك وزير الدفاع الأمريكي السابق رامسفيلد حينما سؤل عن سبب سكوته عن الأسلحة النووية الاسرائلية فقال، " إنا متأكد بأنك تعرف الجواب قبل أن أرد عليك. كما يعرفه العالم بأجمعه. فنحن استلمنا العالم كما وجدناه، وإسرائيل دولة صغيرة وسكانها قلة. وهي دولة ديمقراطية متواجدة بين عدد من الدول المجاورة التي أعلنت مرارا بأنها تفضل عدم وجودها، وتريد أن تلقيها في البحر. وقد قررت إسرائيل بأنها لا تريد أن تلقى في البحر، ولذلك وعلى مدى عقود، عملت لكي لا تلقى في البحر." وقد أكد مايكل كاربن بأن مذكرة التفاهم التي وقعتها إسرائيل والولايات المتحدة في عام 1998، أعطت من خلالها الولايات المتحدة لإسرائيل الإذن والحق في استخدام القنبلة النووية في أي وقت تجد بأنها في خطر من هجوم خارجي.
فتلاحظ عزيزي القارئ كيف عانى اليهود من النازية والفاشية، وكيف جمعت الصهيونية شملهم وعملت بإنشاء المؤسسات التكنولوجية الأكاديمية، وطورت خبراتهم البشرية، وعملت بخلق الأصدقاء المخلصين في معظم دول العالم وبخطط مدرسه، وعملت بهدوء وسرية تامة، واستفادت من صراخ بعض الزعماء بإلقائها في البحر كسبب هام لتحقيق مشروعها النووي، وتآمرت مع بعض الدول بحروب مدروسة لتحافظ على بقائها وديمومتها.
والسؤال لعزيزي القارئ هل سنستفيد من الدراسة المتأنية لهذه التجربة؟ وهل الصراع العربي الصهيوني معركة عسكرية أم صراع معرفي؟ وهل سنكسب هذه المعركة بتوجيه جميع طاقاتنا نحو العنف والإرهاب؟ وهل الصهيونية العالمية مستعدة لمقايضة السلام بسلاحها النووي؟ وكيف سيتعامل حكماء العرب مع الواقع الصهيوني العالمي في الألفية الثالثة؟

سفير مملكة البجرين باليابان

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف