سوريا دولة التفريخ والتفخيخ
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ليست معرفة من هو المجرم، ومن هي الجهة المدبّرة لحوادث الاغتيال المتتابعة في لبنان، تحتاج إلى ذكاء شديد ومهارة كبيرة في التحليل والتفسير.
فبكل بساطة، علينا أن نسأل أنفسنا دائماً، من هو المستفيد من هذه الاغتيالات، وغياب رموز من 14 آذار اللبناني خاصة؟
هل هي إسرائيل، أم سوريا؟
وهل مصلحة إسرائيل في اغتيال رموز من حركة 14 آذار ذات الأكثرية البرلمانية، وذات التوجه الغربي والأمريكي خاصة، أم أن مصلحتها في اغتيال رموز المعارضة، ومن ضمنها رموز عدوها اللدود 'حزب الله' وزعمائه؟
ولماذا لم يتم حتى الآن اغتيال أي رمز من رموز المعارضة الموالية لسوريا وإيران من قبل إسرائيل، منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان 2005، ولا نقول انسحاب سوريا.
فسوريا بعد انسحاب جيشها رغماً عنها في ابريل 2005 من لبنان، أصبحت في لبنان أقوى مما كانت عليه قبل هذا الانسحاب، من خلال الأحزاب اللبنانية المؤيدة لها، ومن خلال جهازها الأمني الذي ما زال في لبنان يعبث ويقتل أبناءه كما لم يفعل من قبل. فعدد السياسيين والمواطنين اللبنانيين الذين قتلتهم سوريا بعد انسحاب جيشها من لبنان، يفوق عدد الذين قتلتهم سوريا في سنوات احتلالها للبنان طيلة قرابة ثلاثين عاماً (1976-2005). ورغم هذا، فما زال جيشها غير النظامي باقٍ الآن في لبنان، متمثلاً في حزب الله (20 ألف مقاتل و30 ألف صاروخ)، وفي مليشيات الأحزاب السياسية اللبنانية المسلحة الأخرى التي تؤيدها وتساندها. وهذا الجيش أقوى من جيشها النظامي (14 ألف جندي) السابق، وأكثر رعباً للشعب اللبناني.
أم أن الأمن اللبناني قادر على مقاومة عمليات اغتيال إسرائيل لرموز السياسة اللبنانية، ولا يستطيع مقاومة سوريا في هذه الاغتيالات؟
ومن هنا يتبين لنا بأن النظام السوري الذي خرج من لبنان (أندلس الشام) عسكرياً وبقي فيه خالداً - ما خلُد النظام السوري الحالي - سياسياً وأمنياً وحزبياً، لن يترك لبنان لحاله أبداً.
وتعهُد بشار الأسد، بأن يحرق لبنان بعد انسحاب جيشه النظامي منه، قد كفّى وأوفى.
كيف لسوريا أن تنسى 'أندلس الشام'؟
ما زال العرب حتى الآن - وبعد مضي أكثر من خمسة قرون - على خروجهم من أندلس اسبانيا، يبكون الأندلس، ويتحفزون للرجوع إليها، رغم أنهم كانوا أجانب مستعمرين لها،
فسوريا ما زالت تعتبر لبنان جزءاً من سوريا، كما كان قبل أن يتشكل لبنان الكبير عام 1920، وينفصل عن سوريا الأم سياسياً فقط، برغبة من المسيحيين الكاثوليك، وبمساعدة فرنسا الكاثوليكية، ومعارضة من المسلمين. والدليل على ذلك، أن كل دول العالم اعترفت بالدولة اللبنانية، وأقامت علاقات ديبلوماسية معها، ما عدا سوريا. كما رفضت سوريا منذ عقود وحتى الآن ترسيم الحدود بينها وبين لبنان. فلا حدود واضحة ودولية بين سوريا ولبنان حتى الآن.
فكيف تقيم سوريا علاقات ديبلوماسية مع جزئها المُقتطع (لبنان)؟
وكيف ترسّم سوريا الحدود مع جزء من كبدها المسلوخ (لبنان)؟
كيف للحَمَل النوم في حضن الذئب؟
منذ أن اجتاحت سوريا النظم الديكتاتورية بعد الاستقلال عام 1945، ولبنان مهدد، وفي علاقة مضطربة مع سوريا.
والسبب أن لبنان الديمقراطي له جار ذو نظام ديكتاتوري.
وأن لبنان ذا الاقتصاد الرأسمالي الحر له جار ذو نظام اقتصادي اشتراكي مقيّد.
وأن لبنان ذا الإعلام الحر له جار ذو نظام إعلامي حكومي رسمي.
وأن لبنان بلد التداول السياسي، في حين أن سوريا بلد الثبات السياسي، وفيه الحاكم من القصر إلى القبر.
ولبنان يترشح لرئاسته في كل دورة ما لا يقل عن خمسة مرشحين، بينما مرشح الرئاسة السوري واحد أحد، ويستطيع أن يورّث أبناءه وأحفاده من بعده إذا شاء، كما هو الحال الآن في سوريا، التي أصبحت ملكاً عضوضاً، كما كان حالها في العهد الأموي قبل 14 قرناً من الزمان.
وأن لبنان المسالم الذي يعتمد على قوته الاقتصادية والثقافة فقط وهي قوة ناعمة، له جار يعتمد على قوته البوليسية والاستخباراتية. وأصبح جاره هذا في المدة الأخيرة، أكبر دولة في الشرق الأوسط، خبيرة بتفخيخ السيارات في لبنان والعراق، وأكبر دولة في الشرق الأوسط خبرة ودراية في تفريخ عناصر الإرهاب في المنطقة، وإدارتها، وتدريبها، وتصديرها إلى دول الجوار عبر الحدود المفتوحة.
فكيف يأتلف هذان الضدان (الحَمَل والذئب)، وكيف يمكن لهما أن يعيشا بسلام إلى جانب بعضهما بعضاً؟
وكيف للحَمَل أن ينام في حضن الذئب آمناً، أو يكون له جارٌ؟
الحل الوحيد لأمن لبنان واستقراره الدائم هو بين خيارين:
إما طلب الحماية العسكرية والأمنية من فرنسا (الأم الرءوم)، للبنان كما كانت تُدعى في السابق، لأن فرنسا (الداية، أو القابلة القانونية) هي التي اخترعت لبنان عام 1920، وهي التي فصلته عن سوريا (الأم القومية والتاريخية)، وهي التي ساهمت مساهمة كبيرة في بناء الدولة اللبنانية، والجيش اللبناني، والنظام الديمقراطي اللبناني، ووضعت الدستور اللبناني، ولغتها هي لغة المسيحيين اللبنانيين. ولبنان - حضارياً وثقافياً - أقرب إلى فرنسا من قربه إلى سوريا، أو من أية دولة عربية أخرى.
وإما إسقاط النظام السوري الحالي والمجيء بنظام ديمقراطي، يتوافق ويتماشي مع الديمقراطية اللبنانية، التي تحرصُ على تداول السلطة.
فلبنان ليس بحاجة إلى ديمقراطية توافقية داخلية (لأن التوافقية تلغي الديمقراطية، بل هي ديمقراطية عشائرية) بقدر ما هو بحاجة إلى ديمقراطية توافقية مع سوريا. وهذا لن يتحقق إلا بإقامة نظام ديمقراطي في سوريا على غرار النظام اللبناني (وذلك أضعف الإيمان)، لكي يتم التكافؤ والتكامل السياسي بين لبنان وسوريا. وتحلُّ العقدة السورية المستعصية من جرّاء تفوق لبنان على سوريا سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعلمياً.
السلام عليكم.
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه