كتَّاب إيلاف

الدكتاتوريات.. حينما تُـدجّن الشعوب

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عندما نتابع مواقف بعض الشعوب من المآسي والكوارث التي تصيب شعب اخر او مجموعة بشرية ما، نعجب كثيرا للفارق في المواقف بين شعوب متحررة ومتحضرة تتضامن مع الشعوب الاخرى على انه واجب ومسؤولية انسانية لا يمكن تجاوزها والسكوت عنها، وبين شعوب لا تلتفت لما حولها من معاناة شعب ما مهما كان قريبا عليها، وكأن البشر لا يعنونها او انهم لا يشبهونها و لايشاركونها الارض التي تعيش عليها كل الكائنات. لكننا حينما نتذكر اساليب الدكتاتوريات في تدجين الشعوب ومنها شعوبنا العربية، يزول العجب وتنجلي الصورة لنعرف اسباب اللامبلاة والانتهازية والخنوع والطاعة العمياء التي تصبح بمفاهيم البعض قمة الاخلاق والفضيلة، كما في موروثاتنا الدينية المقدسة. فالطاعة والتنفيذ دون الاعتراض عبادة وهي غاية كل الأديان التي استخدمتها جميع السلطات الدكتاتورية في التأريخ ليسهل عليها تدجين وقيادة الشعوب واللعب بمقدراتها كما تحب وتشتهي، ولم تكن يافطة الدين وحده حجتها الوحيدة في ذلك انما استعمل البعض الانتماء القومي، والعروبة، او التراث والتأريخ المشترك والدم الواحد، وما الى ذلك من شعارات برزت بعد ان حصلت الدول العربية على استقلالها الجغرافي والذي بقي جغرافيا فقط.
ما دعاني لكتابة هذا المقال هو مرور اليوم العالمي لضحايا دارفور على البلدان العربية والاسلامية قبل ايام مرور الكرام، دون ان يحركوا ساكنا للتضامن مع ضحايا العنف والحرب الدائرة هناك والتي راح ضحيتها اكثر من 300 الف قتيل واكثر من مليوني مهجر، بعد ان تفاقمت المآسي لتلتهم البشر في المجاعة والاوبئة فيجد الموت الف حجة وحجة مزهقا الاف الارواح التي لا ناقة لها ولا جمل في كل مايدور من اختلافات سياسية وحسابات عرقية واثنية واخرى معلنة او غير معلنة.
لقد شاهدنا على شاشات التلفزيون التظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات التي قامت بها منظمات مدنية مهتمة بقضايا حقوق الانسان ومنظمات انسانية ودينية كثيرة من اجل التضامن مع الضحايا ومن اجل ايجاد حل يوقف المجازر والمعاناة التي تزداد يوما بعد اخر، لكن الملفت للنظر ان جميع هذه التظاهرات كانت في بريطانيا وفرنسا واسبانيا وبروكسل والولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب بالوقت الذي تتناساهم الشعوب العربية التي تسميهم الاشقاء، ولم نر ان الشعوب الشقيقة تحمست للوقوف مع هؤلاء ولا نراها سمعت صراخهم وشمت رائحة موتهم المرعب،..
لماذا؟
اليس هؤلاء الضحايا من البشر؟
الا يستحقوا ان يفزع كل مسلم وعربي لهم؟
الم ينتموا لدولة اسلامية غالبيتها عربية؟
ماهو ذنب هؤلاء الفقراء والاطفال في دار فور والذين يبادون بشكل همجي ليموتوا هكذا وبدون ان يلتفت اليهم قانون او دين او عرف اجتماعي في كل البلدان الرافعة راية العروبة والاسلام؟
ورغم كل هذا التجاهل لأرواح هؤلاء، تخرج الحكومة السودانية محتجة على التضامن معهم، راغبة بالمزيد من الموت لهم لاجمة افواه وانوف العرب الاخرين الذين دُجنوا منذ ان تخلص العرب من استعمار كان قد وزع اراضيهم باتفاقية "سايكس بيكو" ليُستعمروا من قبل شخصيات وعوائل شكلت حكومات عربية ضربت الناس بأيدٍ من حديد وهي تصيح الله اكبر والعزة للعرب..
لم نر اي عزة للعرب منذ عام 1948 حتى الان سوى بالأدبيات والأشعار والأغاني الحماسية، الا اذا كانت العزة المقصودة هي عزة الملوك والرؤساء العرب واتباعهم.
نعم انها عزتهم وحدهم، عزة الجالسين في قصورهم على الكراسي تحف من حولهم اسلحة الحرس والمخابرات وتفوح عليهم عطور الجواري من بنات العرب وأجيري الثقافة والاعلام والضمائر المباعة آلاف المرات..
أين عزة العرب اليوم؟
واين الامة العربية الواحدة؟ واين كلمات تعلمناها منذ الطفولة في دروس وكتب التربية الوطنية في مدارسنا مثل اغاثة الملهوف، والتضحية والإيثار، والنخوة، والشهامة العربية، وغيرها من كلمات تخرج من القواميس لتبقى سجينة كتب المدارس الى الأبد؟
منذ زمن ليس بقصير قد بان الخيط الابيض من الخيط الاسود، واستبدل الاستعمار باستعمار بلدي، اصلي غير مستورد ليختلط الامر على البقر من الشعوب الرازحة تحت نير الأمية والجهل والتجهيل الذي يمارس عليهم.
لقد احكمت الديكتاتوريات قبضتها على الشعوب مستعينة برجال الدين الذين اشترتهم مقابل ان يكونوا احد أهم اسلحتها غير المرئية، اسلحة تحميها، تتغلغل بين صفوف الناس بكل بساطة، في دور العبادة والشوارع وفي كل مكان، لتخدرهم وتبقي على الامية السياسية على ان لا تتجاوز حدود الخطوط الحمراء التي وضعتها السلطات لهم لتنفرد بقرارتها كما يحلو لها، انها لا تختلف عن المستعمر في شيء سوى انها تدين بالدين الاسلامي وتتحدث اللغة العربية وتتفاخر باصولها العائدة غالبا الى نبي الأمة كما يدعون، عدا ذلك فان الاستعمار الغربي أخف وطأة على الشعوب من دكتاتوريات اليوم، وكل من يقول غير ذلك فليتذكر التضامن العربي بين الشعوب العربية زمن الاستعمار الغربي كيف كان؟
وكيف تبكي مصر على بغداد وتبكي بغداد على دمشق والكل يبكي الجزائر، وكيف كانت هذه الشعوب تثور وتنتفض تضامنا مع بعضها ضد الاستعمار، لكن الدكتاتوريات هي التي قتلت روح التضامن حينما قمعت كل تدخل وكل رأي لهذه الشعوب وابعدتها عن المساهمة بالقرار السياسي لتسود روح اللامبالاة وتتجرد من انسانيتها ازاء مايحصل لسواها من البشر، الدكتاتوريات هي سبب كل عللنا فهي من اشاع الخوف وغذى الانتهازية والنفعية وهي التي جوعت الشعوب حتى بات القرش يتحكم بمواقفها وعاداتها وعواطفها..
فهل بعد اليوم ننتظر من شعوبنا المخدرة بشتى انواع الأفيون ان تساهم كبقية الشعوب المتحضرة ببناء قواعد وقوانين واتفاقيات دولية تنظم علاقات السلطات بالشعوب وعلاقات الشعوب ببعضها على أسس انسانية تحترم حق الحياة لكل الناس على الارض طمعا بعالم اكثر امنا وسلاما؟
Balkis8@gmail.com


أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف