كتَّاب إيلاف

السلاح النووي و أسطورة الأمن القومي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"لقد زرع إنسان الألفية الثالثة الهول والمآسي في قلب كوكبنا الأرضي الوادع.... حتى أدماه ...متذرعًا باسم المعرفة او العلم أو المادة ... حتى غدت الأرض... عبارة عن تجمعات أمنية لوحوش بشرية يريد كلّ منها تحقيق أمنه الذاتي من خلال نزع الأمن عن بقية البشر .... ومن خلال السيطرة والامتلاك ...مدخلا الشعوب في خرم سلطته العمياء "

إن أخشى ما يمكن ان نخشاه في عصرنا هذا هو اندلاع حرب نووية، وهي من أشد الأمور مأساوية لأنها تنذر بكارثة إنسانية حقيقية، وأزمة عالمية شاملة، تطال كافة وجوه معاش الكائن الإنساني، وآثارها المدمرة تتجاوز كل ما يمكن أن يتوقعه الباحثون، سواء على الجانب الصحي ام البيئي ام الاجتماعي ام الاقتصادي ناهيك عن الآثار التي تصنف بأنها غير مادية غير أنها لا تقل خطورة عن سابقاتها وهي الآثار النفسية والروحية والانطولوجية.

ولعل اجتماعات ما يعرف بمجلس الأمن عجزت عن ضبط الأمور النووية بالشكل الذي يسمح مع الوقت التوصل الى مرحلة يصبح فيها كوكب الأرض بكامله منزوع من السلاح النووي، و لم يعد بامكان الساسة التقليديين منهم التوصل الى صيغة تحدّ من الأضرار الكامنة والمتوقعة من جراء حيازة الأسلحة النووية هنا وهناك، بذريعة ما يعرف بالأمن القومي.

فالدول العظمى منحت نفسها حق اقتناء السلاح النووي، وحرّمته على غيرها، وإسرائيل تُطور قدراتها النووية بذريعة الأمن القومي لها، وايران اليوم تسارع إلى تثبيت حقِّها النووي السلمي كما يُعلن مسؤوليها، علّها تحدث توازن في الصراع الدائر في الشرق الأوسط.

ونجد ان معظم السجالات تنصب حول المزايا والأولويات لـ"الثوابت" الاقتصادية والتكنولوجية" المتحققة من المفاعلات النووية، وهي امور في معظمها تحقق ايجابيات قصيرة المدى، غير أن المعضلات الحقيقية الكبرى تكمن في: ماذا سيحصل على المدى البعيد فيما لو تحكم غير العقلاء في سلاح كهذا؟؟

إن حقيقة المشكل يكمن في بنية العلاقات المعقدة للشعوب نفسها والأجدى بنا ان نسأل أنفسنا: ما هي جدوى المفاعلات النووية وعملها؟ وما هي الآثار البعيدة المدى المتحققة؟ وكيف يمكن لكوكب الأرض أن يعيش بسلام في ظل اعمال تضر بالبيئة والبشر؟؟؟
وذلك بدلا من ان نسأل أنفسنا: من يحق له اقتناء الأسلحة النووية ومن لا يحق له؟؟؟

إن الأمر يحتاج بالدرجة الأولى وقبل كل شيئ إلى انقلاب عميق في القيم والأفكار والعمل السياسي والمؤسسات على مستوى دول العالم كافّة، إن علماء الإستراتيجية يعتبرون ان معيار تحقق السلام هو في غياب الحروب، وهذ مدلولا ليس دقيقًا لأن هناك صراعات كامنة دائمة وهي كالنار تحت الرماد، فالأسباب والأدوات المؤدية الى حروب طاحنة متوافرة في ظل غياب دائم للعدالة الدولية وفي ظل انتشار الأسلحة المادية، وفي ظل تكريس حاد للاختلافات والنزاعات الثقافية والفكرية.

وغالبا ما ينزع الساسيين والعسكريين على حد سواء، إلى إدراك كل قضايا الدفاع كقضايا تكنولوجية بحتة متغاضين عن كل الاعتبارات العقلية والروحية والنفسية والاعتبارات الأخرى المكونة للكائن الإنساني، أضف الى ذلك فإن شؤون الأمن والدفاع تدرس من خلال،"كتل النفوذ" power blocks، ومن خلال "الأفعال وردودها"، ومن خلال مبدأ "الخلاء السياسي" political vacuum...وهي كلها تضع الإنسان في محور الآلة ودائرتها.
وانه آن الأوان لأن نسعى لأن نتحول بتفكيرنا جذريًّا، لرفع الشقاء عن انفسنا كبشر وتغيير نظرتنا الى العالم، فننتقل من محور الآلة المختزل الى المحور الكوني المتكامل، وهي نقلة من رؤية آلتية mechanistic مجتزأة تتختزل الكائن الإنساني بالبعد المادي الإستهلاكي إلى رؤية كلانية holistic متكاملة وإيكولوجية تتعاطى مع الإنسان بأبعاده كافة بما فيها الروحية.

إن الرؤية الحالية التي يعمل ساسة العصرالحالي في دائرتها تعاني الكثير الاختزال وذلك عندما يواصل الساسة والعسكريون التحدث عن الأمن القومي!!! فعن أي أمن يتكلمون في ظل وجود أسلحة نووية تهدد كوكب الأرض بأسره؟؟؟
إن مفهوم الأمن القومي أضحى أكذوبة كُبرى تقدم للشعوب للتضليل ليس إلا، من خلال الإيحاء للشعوب بأن أمن شعب ما لا يتحقق إلا إذا انتزع الأمن من بقية الشعوب، والساسة يتصرفون على اساس أن ما يعرف بالأمن قومي لا يتحقق الا اذا جعلنا الأقوام الأخرى المحيطة تشعر بالخوف، فالمحافظيين الجدد يعملون على أساس أن أمن الولايات المتحدة لا يتحقق الا من خلال امتلاك كل اسباب القوة التي تجعلها تتحكم وتتلاعب بأمن شعوب الأرض، واسرائيل تلوح دائما بأن أمنها مهدد و لا يتحقق أمنها القومي الذاتي الا من خلال جعل الشرق الأوسط كله يرقص على كف عفريت.

وتتألف هذه النظرة الآلتية المختزلة إلى العالم من عدد من الأفكار والقيم، من بينها الاعتقاد بأن الكون منظومة آلية مكوَّنة من لبنات بناء أولية، والنظرة إلى الجسم البشري كآلة، والنظرة إلى الحياة في المجتمع كصراع تنافسي من أجل الوجود، والاعتقاد بالتقدم المادي غير المحدود الواجب إحرازه عبر النمو الاقتصادي والتكنولوجي، والاعتقاد بأن مجتمعاً تكون فيه الأنثى خاضعة في كل مكان للذكر مجتمع يمتثل لقانون أساسي في الطبيعة.
إن التفكير العسكري التقليدي يعتبر أن خير حل للنزاعات يتمثل في التدخل التكنولوجي ولا يأخذ بالحسبان الكمون الذاتي التنظيم للناس والأمم - أنظر العراق، فلسطين/إسرائيل، أفغانستان، البوسنة، كوسوفو، مقدونيا، وأمثلة أخرى عديدة.
أما السياسيين فإنه يتغاضون عن علل النزاع واسبابه الحقيقية مركزين بدلاً من ذلك على السيرورات الخارجية؛ على الأفعال المرئية للعنف الفردي، بدلاً من العنف المؤسَّسي institutional المنظَّم الخفي.

لذلك فإن غالبية السياسيين الساحقة تتعامل من هذا المنطلق أنه بوسعنا أن نزيد من أمننا بأن نجعل الآخرين يحسون بعدم الأمن. ولما كانت التهديدات التي تقوم بها أسلحة اليوم النووية تنذر بإبادة الحياة على الكوكب، فإن التفكير الجديد حول السلام يجب أن يكون بالضرورة تفكيراً شاملاً. لقد ولَّى زمان مفهوم الأمن القومي برمَّته في العصر النووي، ولم يعد في الوسع الآن القبول بأقل من الأمن العالمي.

إن فقدان التوازن الذي الذي نعانيه خطير. وإن من أقسى عواقب هذا الخلل في التوازن خطر الحرب النووية المتصاعد، الناجم عن إفراط في التشديد على توكيد الذات والسيطرة والنفوذ، والتنافس المفرط، والهوس المرضي بـ"الانتصار" في وضع فقد فيه مفهوم الانتصار برمته معناه، لأن الحرب النووية لا منتصر فيها.

إن المقاربة الكلانية إلى السلام تقوم إلى حد كبير على إيجاد طرق صحيّة، غير عنفيّة، لحل النزاعات؛ نظرة نابعة من أن الإنسان جزء من منظومة كونية لا متناهية ينبغي عليه ان ينسجم معها، ويحقق من خلالها التوازن البيئي والصحي، وسوف يعني هذا، أول ما يعني، تنمية نظرة كلانية إلى شبكة النماذج الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تنشأ عنها النزاعات.

إننا نحتاج إلى قراءة كوكبنا الأرضي بشكل يتجاوز كلّ القراءات السابقة، تكون قراءة أفقية وعامودية قائمة على المعرفة العلمية من جهة، وعلى الحدس والروح من جهة أخرى، إنه العلم الذي لا ينفصل عن الشعر والبحث الذي لا ينفصل عن الحب، وهذه الرؤية قادرة على اختراق كافة انواع حدود الثقافات والقوميات والتواريخ والسياسات والديانات.... إنها نظرة تحرر الانسان من كلّ ما يُقيّده وتتيح له الإندماج مع الكون في انفتاح كلّي للذات الانسانية التي لا تكتمل الا بالآخر من خلال مجتمع انساني واحد متعدد في آن منسجم مع المحيط الأوسع وهو الكون

وحالما يتم فهم هذا النموذج، يصبح بالوسع استعمال مدى واسع من المناهج لحل ما يعرف بالنزعات لأن الكثير من مكونات الأزمات تحلّ تلقائيًّا من خلال تلك الرؤية . لقد أمضى علماء النفس الإنسانيون، ومعالجو الأسر، والعاملون الاجتماعيون العقود في الثلاثة الأخيرة يدرسون ديناميَّات الجماعة، وطوَّروا طيفاً كاملاً من تقنيات التعامل مع عوامل الشدّة والتشنج وحل النزاعات. ولقد آن الأوان لتطبيق هذه التقنيات على المستوى السياسي - قومياً، بين الأمم، وعلى نحو عالمي شامل.

كاتبة لبنانية
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
Marwa_kreidieh.maktoobblog.com

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف