أعطوه ألف دينار ومائة بعير أو مائة جلدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
السلطة شئ مبهر وأحيانا تعمى العيون والقلوب والأفئدة، وفى العصور الحديثة فإن الفرق بين البلاد المتقدمة والمتخلفة هو فى طبيعة العلاقة بين السلطة والشعب، فى كيفية تداول السلطة، كيفية الفصل بين السلطات المختلفة (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وكيفية إختيار السلطة.
والشعوب تنتظر وتتوقع الكثير ممن هم فى السلطة سواء فى البلاد المتقدمة أو المتخلفة، وأيضا يلقون باللوم على تلك السلطة عن أى فشل فى أى ناحية من نواحى الحياة إبتداء من مشكلة المرور ونهاية بالهزائم العسكرية ومرورا بسوء أنظمة التعليم، وكلما زاد تركيز السلطة فى أيد معدودة كلما زادت مسئولياتهم وكلما زادت أخطاؤهم أيضا وكلما إزدادت فرص الفساد، لذلك قيل أن السلطة المطقة تسبب فسادا مطلقا، وأى سلطة مهما كانت ليست فوق مستوى النقد والمراقبة لأن الكمال لله وحده، وهنا يأتى دور المثقف كضمير للأمة فى التنبيه ودق أجراس الخطر كلما لاحظ إنحرافا وفسادا فى أى من السلطات، وحديثا إضيفت إلى السلطات الثلاث سلطة رابعة هى سلطة الصحافة والإعلام وأحيانا تبدو أخطر وأهم من أى سلطة من السلطات التقليدية المعروفة لصوتها العالى، ولأنها كما يبدو سلطة فوق المحاسبة فى كثير من الأحيان، وظهرت فى السنوات القليلة الماضية سلطة سوف تكون أخطر السلطات جميعا وهى نوع من السلطة الشعبية وذلك عن طريق الإنترنت، فهذا الإختراع العظيم أتاح لمن لا صوت لهم أن يكون لهم صوت عن طريق مواقع الإنترنت والمدونات والبريد الإلكترونى، وهذه السلطة الشعبية الجديدة تحتاج أيضا إلى ضوابط وروابط وإلا تعرضت كأى سلطة لا رقيب عليها إلى الإنحراف والفساد، لذلك نرى فى كثير من مواقع الإنترنت وقد تحولت إلى مجرد مجلات حائط لتوزيع الشتائم والإتهامات على الجميع، وهنا أيضا يظهر دور المثقف فى توجيه النشء وفى مراقبة السلطة الجديدة.
وفى البلاد المتخلفة يحاول الحاكم أن يجمع كل السلطات بين يديه، فهو الذين يعين القضاه ووكلاء النيابة وهو الذين يعين أعضاء السلطة التشريعية فى بعض الأحيان وهو الذى يعين رؤساء تحرير بعض الجرائد والمجلات، وهو الذى يعين رؤساء بعض المحطات التليفزيونية، والحاكم بهذا يتحول سواء بقصد أم بدون قصد إلى نصف إله، فهو الآمر والناهى، والعاطى والمانع، والمستبد والرحيم، والقاضى والسجان والمحامى والجلاد، والكل فى الكل.
لذلك فإن دور المثقف فى البلاد المتخلفة أخطر كثيرا من دور المثقف فى البلاد المتقدمة والتى إستقر نظامها السياسى من سنين طويلة، فالمثقف إذا إراد حقا أن يكون ضمير الأمة عليه أن يقترب أكثر من شعبه، فمعظم المثقفون فى البلاد المتخلفة يعيشون فى بروج عاجية بعيدة عن شعوبهم ويتكلمون بلغة مخالفة للغة شعوبهم والكثير (وأنا واحد منهم) قد يأس وهاجر ولا يزال يتكلم من برج عاج "مستورد" هذه المرة، وعلاقة المثقف بالسلطة فى البلاد المتخلفة أقوى كثيرا من علاقته بشعبه وهى علاقة أشبه بالحب والكراهية فى آن واحد، والمثقف يدعى فى معظم الأحيان كراهيته للسلطة وفى نفس الوقت ينام ويحلم أن يكون جزأ من تلك السلطة، ويهرول إذا نادته السلطة التى كان يهاجمها بالأمس، ويقول:"أنه لا يتأخر عن تلبية نداء الوطن"، وعلاقة المثقف بالسلطة تترواح بين التصادم فى بعض الأحيان وهذا قديم قدم هجاء المتنبى لكافور الأخشيد وقطع ألسنة بعض الشعراء طويلى الألسن فى الزمن القديم، وفى المقابل هناك المثقف الممالئ للسلطة والذى يفطر ويتغدى ويتعشى مع السلطة وهذا أيضا قديم قدم مديح المتنبى لسيف الدولة و "أعطاه ألف دينار ومائة بعير"، ووجدنا بعض المثقفين وقد أكلوا وشربوا على كل الموائد، ولم يهمهم من صاحب المائدة طالما أن هناك أكل وهبر لحم على المائدة، والسلطة من جانبها تحاول دائما أن تستخدم إسلوب سيف المعز وذهبه فى التعامل مع المثقف، فالمثقف فى نظر السلطة (غلبان) ممكن شراؤه أو أن (غلبان) دماغه ناشفة وممكن تكسير تلك الدماغ الناشفة عن طريق السجن أو عن طريق قطع الأرزاق أو المنصب أو تشكيلة وتوليفة من كل هذا.
وتصورت أن القصة التالية قد حدثت فى كل زمان ومكان فى شرقنا العزيز:
رن جرس التليفون فى ساعة متأخرة من الليل فى منزل الدكتور المثقف (جدا) فهمى الزعبلاوى:
- آلو الدكتور فهمى الزعبلاوى.
- أيوة أنا، مين معايا؟
- دقيقة واحدة خليك معايا على الخط.
....
ويسمع صوت آخر حريمى يقول:
- الدكتور فهمى الزعبلاوى؟
- أيوه أنا، إيه الحكاية وإنتو مين بالضبط؟
- دقيقة واحدة ياأفندم القائد الملهم على الخط معاك، دقيقة واحدة.
وهب الدكتور فهمى واقفا على حيله وأرتدى الروب فوق بيجامته فلا يصح أن يراه الريس الكبير بالبيجاما!!
ويسمع الصوت الجهورى الفخم والذى سمعه فى التليفزيون مرات ومرات.
- أيوه يادكتور إزيك، وإزى الأولاد؟
لم يصدق الدكتور فهمى أنه يتحدث مع الذات الرئاسية مرة واحدة، ولأول مرة قدر رهبة سيدنا موسى عندما تكلم إلى الله فى طور سيناء، وتلعثم قليلا ثم قال:
- الحمد لله ياأفندم الأولاد وأبو الأولاد بيبوسوا إيديك.
- أنا عاوزك تعدى علىّ فى المكتب بكرة الصبح شوية.
- المكتب فين ياأفندم؟
- المكتب بتاعى ياأخى، أنا على العموم ح أديك السكرتيرة وهى تشرح لك كل حاجة، وأشوفك بكرة، وبدون أن يقول له حاضر ياأفندم أو شئ من هذا القبيل سمع الصوت الحريمى مرة أخرى، وأعطته التعليمات عن كيفية لقاء القائد الملهم.
ووقف الدكتور فهمى للحظات ممسكا بسماعة التليفون على إذنه ولا يريد أن يضعها مكانها خشية أن يكون القائد الملهم مازال على الخط، ويكون بذلك يقفل السكة فى وشه والذى من شأنه أن يقفل كل السكك فى وجه الدكتور فهمى وعائلته.
وبعد دقائق وضع سماعة التليفون بجوار التليفون وتوجه إلى غرفة النوم فوجد زوجته نائمة، فهزها بشدة فقامت مذعورة تتلفت حولها وتحاول أن تجد نظارتها حتى تتعرف لمن أيقظها بهذا العنف فى منتصف الليل، وقالت له:
- إيه خير يافهمى، حد من الولاد جرى له حاجة؟
- لأ.. مش حتصدقى إيه إللى حصل؟
- إيه خير؟
- أنا لسه دلوقت مكلم الريس فى التليفون.
- ريس مين، رئيس الجامعة؟
- جامعة إيه إنت رخرة، الريس الكبير، القائد الملهم.
- قصدك الريس... الريس..؟
- أيوه وسمعت صوته فى التليفون، وطلب إنه يقابلنى بكرة الصبح.
- خير يافهمى أحسن يكون ناوى يعمل فيك حاجة، أصلك دائما بتكتب عن ضرورة تبادل السلطة، وأنه لا تقدم بدون ديموقراطية، ولا ديموقراطية بدون تبادل للسلطة ولا تبادل للسلطة بدون إنتخابات حرة، ولا إنتخابات حرة بدون رقابة دولية.
- لأ.. لو الريس كان ناوى يعمل فىً حاجة كان بعت البوليس يقبض علىّ.
- وتفتكر يكون عاوزك ليه دلوقت؟
- مش عارف؟
- أنا سمعت إن فيه تعديل وزارى جديد، أكيد عاوزك عشان الوزارة.
- يسمع من بقك ربنا ياسهير.
- طيب وكلامك وكتبك عن الديموقراطية وتبادل السلطة؟
- ما فيش مشكلة، أنا حأحاول أعمل التغيير المنشود من الداخل، وإذا أنا بقيت فى قمة السلطة يبقى ما فيش داعى لتبادل السلطة خالص!!
- والله عندك حق يافهمى
- وبعدين أنا عارف مصلحة الشعب، والشعب لم ينضج بعد لفهم وإستيعاب الديموقراطية، فما زلنا نعيش فى عصر القبلية والعائلات والعشائر.
- والله كلامك بينقط سكر يافهمى رغم إنى مش فاهمه نصه.
ولم ينم الدكتور فهمى ساعة على بعضها، وفى الصباح أرتدى أفضل الثياب وتعطر بأطيب العطر وحلق ذقنه بالموس الجديد، وأرتدى كرافتة كان يدخرها لمناسبة سعيدة، وفوجئ زوجته تقول له وهى تحاول أن تختار ألفاظها:
- أنا رأئى إن أنت مزودها حبتين يافهمى.
- مزودها فى إيه مش فاهم؟
- يعنى مش ضرورى الشياكة إللى زيادة عن اللزوم دى.
- قصدك إيه؟
- الريس ضرورى يظهر أنه أكثر الناس أناقة وأكثرهم شبابا وصحة، ما فيش داعى للشياكة الزيادة عن اللزوم دى.
- إنتى والله لعبتى الفار فى عبى.
وقام بإرتداء بدلة أقدم ولكنها تليق ما زالت تليق بلقاء الريس، بدون أن تجرح "شياكته" أو تنافسها، وقبل أن يخرج قال لزوجته:
- إدعى لى يا سهير.
- ربنا يوفقك يافهمى، والنبى ماتناس تكلمه عن الواد عمر إبننا إللى ماجابش مجموع عشان يدخله كلية الطب!!
samybehiri@aol.com
اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
التعليقات
كلم فهمي
فهمي -و النبي تكلم فهمي يكلم الريس يوفر العيش البلدي .... رئيس موزمبيق طبعا يجعل كلامنا خفيف عليهم
عشت يابحيري
محمد القيسي -ثمانين في الميه من مثقفينا تنطبق عليهم هذه التمثيليه..واعطيك مثلا من العراق..العشرات منهم تراهم يتباكون على صدام (الشهيد) وكيف اغتاله القتله.. هؤلاء نراهم على الفضائيات وكلهم كانوا معارضين لصدام ويسبونه ليل نهار وبعد السقوط...جاءت الاحزاب الشيعيه الدينيه الجائعه والشرهه للسلطه واخذوا معظم المناصب الدسمه ولم تعطي ئيئا منها للمناضلين السابقين فاخذ هؤلاء بالانتقام وسب السلطه الجديده حتى ان كان هذا يعني تحويل طاغيه مجرم دموي الى شهيد مظلوم..ولا حاجه للتذكير انهم سينقلبون مجددا ضد صدام لو اعطوهم شيء من مال الله
من كتف لكنف
د.عادل حامد -لقد وصلت الى النتيجه التي يعرفها الكثير وهوان اكثرهم من المثقفين ومن اصحاب الفكر والمباديءالتي يصدحون بلاش ينعقون بها ليل نهارفي اذان العامه والهبل قصدي الطيبين من شعوبنا العربيه سرعان ما يتغيرواويرموا بهذه الشعارات وراء ظهورهم ويصرخون بعالي الصوت انهم كانوا سذج وجهله اذا ما نظر اليهم الزعيم بعين فيها ذره واحده من الرضى .لهذا فان ثقة الغلابه في هؤلاء المناضلين والمثقفين اصبحت في ادنى مستوياتها بل اصبحوا ينظرون اليهم انهم طابور خامس وسادس وعاشر ايضا .ولا تعتب على فهمي الزعبلاوي فله العذر ان غير مبادئه في نفس الليله لان المناصب والفلوس بتغير النفوس .فهناك الف فهمي زعبلاوي بل واسخم منه ...
المثقف الوهمي
محمد المشاكس -هناك فرق بين المتعلم وبين المثقف. ينصب المثقف نفسه فمن الواضح دكتاتورية الطرح. علاقة مثقفي الوطن العربي، أي من يكتب بالعربية، بالدكناتوريات مشينة. ليس هناك صحافة حرة في الوطن العربي فلذلك فمعظم نتاج المثقفون مؤدلج. معظم المايسمى بالمثقفين هم من المتعيشون على بيع الكلام العشوائي.
بين ظالم و مثقف
عبد البا سط البيك -الحاكم الجائر يحتاج الى أدوات يستخدمها في أداء سياسته و تحقيق مهمته ..و لا بد له من أن يعتمد على طبقة المثقفين حتى تسير الأحوال بشكل مناسب . ليس من الصعب البحث عن مثل هذه الطبقة و إغرائها بالنفوذ السياسي و المال لتصف الى جانب الحاكم الظالم مهللة و مكبرة له ومسبحة بحمده آناء الليل و أطراف النهار .في معظم الأنظمة الظالمة نجد طبقة المثقفين هي التي تحاول دعم شرعية النظام و تثبيت كيانه و البحث عن المشروعية لقيامه. الطبقة المثقفة و خاصة من رجالات الجامعات لها قصب السبق في الحصول على مناصب قيادية و هذا يمثل نصف عيب ..لكن العيب الأكبر يتمثل بوجود شخصيات ذات وزن و مكانة علمية رصينة لها مؤلفات كثيرة و باع طويل في الكتابة عن الديمقراطية و حرية المواطن و التعددية السياسية تنقلب في ليلة و ضحاها غن ما كانت تبشر به لتصير من كبار القيادة السياسية للنظام الجائر .. و الأكثر سوء هو المبررات التي يسوقها أولئلك المنقلبون على ميراثهم الفكري المنكوب ..
علاققة قائمة ومستمرة
السيناوي -طالما السلطة تعتبر نفسهاممثلة للرب وهي ظلة ان لم تتماهي معة والشعب عبيد احساناتهافستبقي العلاقة بين المثقف والسلطة علاقة بانتظار المهاتفة ولاجديد لحين باتي!