المراهقة والديمقراطية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي في اليابان
لفت نظر الأوساط السياسية المهتمة بالمنطقة، تغير خطاب المعارضة في البرلمان البحريني. فلقد نقلت صحيفة الوطن في التاسع والعشرين من ديسمبر 200، رد سعادة الشيخ علي سلمان، رئيس كتلة الوفاق النيابية البحرينية، على سلوك العنف لبعض الشباب في الشهر الماضي. فقد نصح سعادته الشباب بالابتعاد عما يؤدي للانفلات الأمني في ظل خيار الإصلاح الديمقراطي، مؤكدا بضرورة الحفاظ على الأمن. وبأن العنف لا يولد إلا العنف والإرهاب، بينما يوجه حوار الحكمة لفهم اختلافات الرأي، ويبعدها عن الخلاف، ويبني جسور الثقة، ويشجع عمل الفريق، لتزداد إنتاجية المجتمع وتطور اقتصاده. كما وجه سعادته سؤال للشباب فقال: "هل يجب أن تصبح الوفاق كالطفل الضائع تلحق بكل من يخرج في الشارع ويخترع برنامجه؟" وأكد في جوابه بأن جماهير الوفاق لن تكون مجرد خشبة تغرز فيها الأفكار المخترعة، ولا الوقود لهذه الأفكار. ولن تجر الوفاق لمعركة لا تؤمن بها، ولن تجر الأمة بكاملها لطريق بسبب تحرك.... جنود للأمام.
وقد أكد سعادته بأن خيار الإصلاح والعمل السلمي، والذي استغرق مدة ليتبلور ويتم تبنيه، "أصبح خيارا استراتيجيا،" مع إيمانه بأهمية "العمل التدريجي" في الإصلاحات الديمقراطية، ولكن نصح بتجنب الإبطاء. وحذر الشباب من خطورة الاندفاع العاطفي بالعمل الثوري الذي قد ينعشهم في الخيال ثم ينزلهم للواقعية بخسارة مصالحهم بتضييع الوقت في الانفلات. وستستمر الجمعية في العمل على استدامة الحريات والحقوق، والتي أعتبرها محطة إستراتيجية ومحورية كي يتمتع الناس بحق التنظيم والتعبير بحرية، وبحق الاعتصام والمسيرات وبكل الحقوق السلمية. ونصح بالابتعاد عن العنف، بعد اختيار "طريق الديمقراطية منهجا" لاستدامة الحريات، والاعتماد على السلوك الديمقراطي في التعبير. كما حذر بأن فقدت هذه الديمقراطية التي تستمتع بها البلاد ستعود البلاد لعشر سنوات للوراء، وعلينا البدء بجولة جديدة من إرهاصات العنف في ظل قراءة الواقع المحلي والإقليمي والدولي المعقد والتي لا يعلم نتائجها إلا الله. "ولنعود من بعد معركة طويلة إلى النقطة نفسها، لنطالب من جديد بالحريات التي نعيشها اليوم والتي ستكون المحور الأساسي."
كما أكد بأن من الممكن ممارسة الخيار الإصلاحي بتهيئة الأرضية المناسبة للجمعيات وإفراد المجتمع للمطالبة بحقوقهم واهتماماتهم، حيث هناك قنوات مفتوحة للعمل السياسي والاجتماعي للمواطنين. وبأن خيار الإصلاح يستند على العمل الجاد الدؤب، وبتحديد الأولويات واختيار الأساليب المناسبة لمعالجتها. ومن الضروري التحرك "بأدوات الواقع وليس بأدوات الشعر فقط أو أدوات الانفعال،" وبالعمل على خلق أدوات القوة السلمية لدفع هذه الأولويات. وأنهى خطابه بالقول: "هذا هو الخيار حسب فهمنا وقناعتنا، كما ناقشنا هذا الأمر على مستوى الوفاق والنخبة. فهذا النوع من العمل يراكم الايجابيات ويزيل من السلبيات ويؤدي لعملية الإصلاح للتقدم إلى الأمام." وباختصار شديد فقد نصح رئيس المعارضة البرلمانية الشباب بالاهتمام بالتعليم والعمل المتقن، والابتعاد الانفعالات العاطفية، وعدم استخدام العنف المرفوض عالميا كوسيلة للتعبير، والاعتماد على الأدوات الديمقراطية المتوفرة. كما طالب الشباب بالصبر والتأني لأن الإصلاحات الديمقراطية بطبيعتها تدريجية، ورفض التغيرات الثورية المفاجئة التي أثبتت التجربة غلاء تكلفتها الاجتماعية والاقتصادية، وسلبية نتائجها الطويلة الأمد.
وقد لفت نظري تعليق لأحد القراء يقول فيه: "أود أن أشكرك على طرحك يا شيخ وأسلوبك الراقي والمنطقي الذي افتقدناه حقيقة لدي قوى وجمعيات المعارضة بأكملها، بسبب تعصبهم ... وأود أن يتعلم المغرر بهم من الشبان المتهور والمراهق، بما يستمعوا له من أصحاب النوايا... ممن يستقلون طاقتهم الشبابية ومرحلة غرورهم وعنادهم، أن يتعقلوا ويدركوا بأن ما يقومون به من تعبئة خاطئة تضر بمصلحة الوطن والمواطن. ودعوتي لكل من له نية صادقة بوطن أفضل، أن يتعقل ويطالب بحقوقه بالطرق المشروعة والمنطقية، وليس بجر الشارع للحرق والخراب. فانا أوجه دعوة للجميع بان يتعلموا من شيخهم علي سلمان ولا يكونوا لقمة سائغة ...فيحاولون جر الناس والمجتمع بأكمله للهاوية." فيتهم هذا التعليق المراهقين بالتهور في تعاملهم مع الديمقراطية. فهل فعلا مرحلة المراهقة هي مرحلة تهور؟ وهل من الممكن أن تستغل الاندفاعات العاطفية لهؤلاء الشباب؟ وكيف يمكن أن يتعامل المجتمع مع هذه المعضلة، ويقي شبابه من سلبياتها؟
يحدد الطب مرحلة المراهقة بالفترة بين الطفولة والبلوغ، والتي تبدأ من سن الثالثة عشرة ولتنتهي مع نهاية سن الثامنة عشرة. وهي مرحلة انتقالية مضطربة، فترة الانفجار الهرموني والهياج العقلي وثورة الانفعالات العاطفية. ويحتاج التعامل مع هذه الفترة بالحكمة والاتزان، وبالتعاون بين البيت والمدرسة والمجتمع. وهي الفترة التي تستفيد منها التنظيمات المتطرفة لتجنيد الشباب وغسل عقولهم، لذلك من المهم أن يعي المجتمع ورجال السياسة والحكومة والبرلمان أهمية وخطورة هذه الفترة في التوجيه والتعليم للوقاية المجتمعية من العنف والإرهاب.
وتوصف علوم الطب تغيرات انتقالية مضطربة جسمية وجنسية وذهنية ونفسية وعاطفية في هذه المرحلة الحرجة من حياة الإنسان. فيبدأ تغير التفكير الذهني من مرحلة ما هو واقع الطفولة المحسوس، إلى واقع ما هو الممكن. فيتطور تدريجيا تفكير الاحتمالات، لينمو لتفكير تجريدي يعتمد على المنطق لتحليل الوقائع المجتمعية. كما تتطور قدرات الاستبطان المسئولة عن مراقبة أسلوب التفكير الذهني والتعامل العاطفي. ويزداد إنشغال المراهق بنفسه، ويحس بأنه تحت مجهر المراقبة وتقيم الآخرين. ويتطور تفكير البعد الواحد لتفكير متعدد الإبعاد، فتتغير النظرة المطلقة للأشياء إلى نظرة نسبية. كما تزداد التساؤلات والحوارات وتقاوم الحقائق التقليدية المطلقة. وتتجلى التغيرات العاطفية بالطريقة التي تزداد ثقة المراهق بنفسه وقدراته للعمل بمفرده. ويزداد النقد الذاتي والإصرار بالانفراد في اتخاذ القرارات الشخصية، والاستقلالية عن القيود المجتمعية. وتحتاج مرحلة المراهقة لاهتمام تربوي وتعليمي مدروس، لخلق التوازن المطلوب في تعليم العلوم الطبيعية والروحية، لتهيئة الشباب للاستفادة من التطورات العلمية والتكنولوجية لخلق عالم السلام والديمقراطية والازدهار، بعيدا عن العنف والإرهاب. ولوقاية الشباب من الأفكار الانتهازية المجملة بالثورية والروحانية الكاذبة، يحتاج الشباب للتدريب للتعامل مع المعضلات الحياتية بتوازن يجمع بين الواقعية والمثالية وبتوسطهما السلوك الأخلاقي البعيد عن الحقد والانتقام، والمرتبط باحترام حقوق الإنسان وباتزان التعامل مع البيئة. ولنتذكر بأن فلسفة "العين بالعين لم تؤدي الا لتحول العالم لعالم أعمى" بالحقد والعنف والقتل والانتقام. كما نحتاج لتطوير التواصل الاجتماعي بتنمية الذكاء العاطفي لنستبدل الحقد والانتقام بزرع بذور الصبر والتحمل والعفو والعطف والمحبة. لنبعث سعادة الأمل والحياة من جديد بدلا من ثقافة الموت، ليبدأ الشباب بالسؤال من جديد "ماذا قدمت لوطني وشعبي، وكيف سأشارك في بناء حضارة الألفية الثالثة."
ويجدر التنبيه بأن الأمراض النفسية والعصبية المتزايدة الانتشار، قد تبدأ أعراضها بالتمرد المجتمعي والعنف. وقد يختلط هؤلاء المصابين مع الشباب المسالم في المسيرات، فيقومون بالكسر والحرق. فإمراض الانفصام والعصاب النفسي وجنون الاضطهاد تترافق بتخلف شديد في الانفعال العاطفي، وإحساسات سمعية وبصرية كاذبة، والانفصال عن الواقع، وتخيلات بالاضطهاد والتعرض للقتل، وضمور في الخلايا العصبية. كما تكشف الأبحاث العالمية بأن نسبة انتشار مرض الكآبة ازدادت عشرة أضعاف منذ الستينات. وأنخفض سن ظهور أعراضه إلى سن الرابعة عشرة، ويترافق بزيادة الانتحار بين المراهقين، ليمثل اليوم 2% من أسباب الوفاة، ليتقدم بذلك جرائم القتل. ويعتبر هذا المرض السبب الثاني لانتحار المراهقين في الولايات المتحدة، بينما ارتفعت نسبة الانتحار بين طلبة السويد لأكثر من 260% منذ الخمسينيات. لذلك من الضروري التعرف على هذه الفئة من المراهقين وتحويلهم للعلاج. والسؤال لعزيز القارئ: هل لعبت الأحزاب السياسية الدينية دورا في الوقاية من العنف والإرهاب، بخلق ثقافة متوازنة بين المادة والروح، أم عوضتها بثقافة الديمقراطية الطائفية؟ ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان
اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
التعليقات
السبب النظام الأبوي
Noor -تعود سلوك العنف إلى أساليب التنشئة الأسرية للأطفال.تشير دراسات الأسرةالعربية إلى شيوع أنماط التربية المتسلطة التي تسعى إلى بناء شخصيات مطواعة تميل إلى الإذعان والتبعية وتعويدالطفل العربي على الخضوع للكبار وطاعةالسلطةعبر أجواءأسرية تشيع فيها السلطةالأبويةالصارمةوأساليب قهرالأبناءوالقمع النفسي والاحتقار والسخريةوخلق الإحساس بالدونية والشعور بالنقص.من جانب آخر،فان العلاقة بين الأب والأم هي الإستعباد,حيث أقرالإسلام للزوج حق "القوامة" لتأديب زوجته حيث الأب يمثل القوة والسلطة فيما تمثل الأم الطاعة والخضوع.ولأن الوالدين يشكلان الأنموذجين للأبناءفان الطفل يقلد الأب والطفلة تقلدالأم. فينمو عن طريق التقليد تهيؤ نفسي لأن يأخذ الذكر دور الأب وتأخذالبنت دورالأم.وحين يبلغ السادسة من العمر تأتي المدرسةالعربية لتعزز أنماطا من السلوك المازوشي,تقوم على تكريس علاقات السلطةالخاصة بالنظام الأبوي،وأن ما يتعرض له الأطفال من قهر وتسلط تربوي يضعهم في دائرة استلاب شاملة.لذا فانه يصاب بنوبات من الغيظ الجنوني تدفعه إلى أن يتفنن في إنزال العذاب بمن يراه مذنبا بحقه،التذمر من السلطة التي هي سبب محنه وفواجعه.