التعليم للحياة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لم تحظ الاستعارة بكثير من التقدير من قبل النقاد والباحثين العرب، بإستثناء البعض منهم أمثال د.عبدالله الحراصي، مما نتج عنه إحلال لمناهج المنطق التقليدي فى دراسة الاستعارة التي هي بطبيعتها كسر وإلغاء لكل منطق، حيث أنها رؤية غير مسبوقة لتشابه لم يكشف من ذى قبل بين شيئين فى هذا الكون المملوء بالمتناقضات والمفارقات.
نقطة الضعف الأولى، والحاسمة، هي عدم تجدد اللغة العربية بمصادر الحيوية والتطوير لكي تشتمل على المعارف والآداب والفنون العصرية والعلوم الحديثة. ونتيجة لهذا الجمود، أصبحت الكتب والمقررات الدراسية والمناهج التعليمية في عالمنا العربي تمتلئ بالعديد من الاستعارات الميتة Dead Metaphor -، التي لا تحرك ذهن الطفل ولا تستثير خياله.
والاستعارة الميتة - كما قال نيتشه - هي تلك الاستعارة التي استخدمها الناس لفترة طويلة من الزمن بحيث اصبحت شائعة جدا، وبالتالي لا نشعر فيها بالفرق بين الموضوع والصورة، نتيجة الاستخدام المتكرر والمبتذل والمستهلك للألفاظ.
ان الاستعارة ظاهرة ذهنية قبل أن تكون ظاهرة لغوية، أو قل أن الثانية تجلياً للأولى. معنى ذلك أنها لا تقوم على "التشبيه" - كما هو شائع - وإنما على "التشكيل"، فهي ليست فقط أسلوباً بلاغياً، لكنها طريقة تفكير تتم بها إعادة تشكيل الخرائط الذهنية والمفاهيمية، وكسر دوائر الإدراك الجامدة، أي أنها أداة لتطوير المفاهيم والنقلات المعرفية، كما أنها وسيلة للإدراك ولخلق الواقع، وليست مجرد وصف أمين له، وهذا المعنى يختلف عن معنى الاستعارة منذ أرسطو.
والسمة الأساسية التى تميز الاستعارة هى القدرة على مفاجأة القارىء أو السامع وإدهاشه و إثارة خياله، وبذلك يتجاوز الوعى الحدود الدلالية للغة. ان الأساس إذن هو قدرة الاستعارة على الإدهاش، لتفسح الطريق أمام التساؤل والتأمل، ومتى اندثرت هذه السمة أو ابتذلت لم يعد التعبير استعارة hellip;
ولأن الاستعارة إبداع دلالي متفرد فإنها لغويا تتعلق "بأداء" المتحدث وبأسلوب الكاتب أيضا، وليس بـ " مقدرته " اللغوية التى تشمل معرفة المتحدث القاموسية وغيرها، ولان الاستعارة اداء دلالي غير مسبوق فلا يمكننا ان نجد استعارة ما فى القاموس، لأن القاموس هو بيت ما يمكن تسميته بالقانون الدلالي التى تأتى الاستعارة لتكسره وتخلق مجالات دلالية جديدة لاتحتويها القواميس.
من هنا كانت الحاجة ملحة إلي توظيف الإبداع المعاصر، وما يحمله من صور ورؤي واستعارات جديدة في مناهج التعليم والإعلام والثقافة، وهو ما يؤكد أن العلاقة بين " اللغة " و" الهوية"، متجددة بإستمرار بتجدد الإبداع، أو قل أن "الهوية" ليست كامنة في الماضي أو في بطون التراث، بقدر ما تتشكل في الصيرورة، وتأتي من المستقبل.
والاستعارة الحية والمتجددة يمكن أن تزود الطفل برؤية عميقة لما وراء ظواهر الأشياء أو لماهية الأشياء وجوهرها، فهي استخدام مبدع للغة يزود البصيرة بقدرة غير عادية للنفاذ الى أصل الأشياء وهو ما يمثل الحقيقة فى مقابل الواقع.
والمبدأ الذي تقوم عليه الاستعارة الحية، هو أن "عقل الطفل نار تتوهج وليس وعاء يملأ "، وهو ما أكدت عليه نظرية عالم النفس السوفييتي الشهير فيجوتسكي(Vigotski) من أن الطفل الإنساني يولد ولديه مدى من القدرات والإمكانيات، وأن وجود آليات وحوافز ومثيرات في التعليم والتعلم، يمكن أن تصل بالطفل إلي أقصى ما تسمح به قدراته، كما أنها تسرع من معدل نموه العقلي، وإكسابه مختلف عمليات ومهارات التفكير والإبداع، وأهمها:
1- مرونة التفكير.
2- الوعي بالتفكير والقدرة على وصف خطواته.
3- توفر روح الدعابة والمرح.
4- القدرة على طرح وإثارة التساؤلات.
5- الاستعانة بالمعلومات واستخدامها في الوقت المناسب.
6- استخدام الحواس.
7- الدهشة وحب الاستطلاع والاستمتاع بحل المشكلات.
8- إدراك متميز للواقع بمستوياته وتعقيداته.
9- نظرة متجددة للأمور.
10- اكتشاف الروابط وايجاد العلاقات بين الأشياء والمواقف والأشخاص.
11- التمتع بدرجة عالية من الإبداع.
ان الاستعارة تخبرنا بإختصار: كيف نتعلم في سياق متخيل، ونستخدم الحواس مع التفكير والتأمل والتذكر، وكيف نوظف الإبداع في التعليم ليصبح تعليماً للحياة وفيها ، وليس "عنها " كما هو متبع.
أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
dressamabdalla@yahoo.com
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات
مقال أكثر من رائع
الجبرتي -وصفة ممتازة لعلاج اوجه القصور في نظمنا التعليمية ، تشرك المبدعين والعلماء والفنانين والكتاب في وضع المقررات وصياغة الأهداف ، بعد ان ترك الامر للتربويين فقط وكانت النتيجة ما آل اليه التعليم علي امتداد العالم العربي . مقال أكثر من رائع . شكرا يا دكتور .
موجه أول
أحمد عمران -الاستعارة هي احدي آليات تطوير الوعي وتنشيط الخيال واضافة نوع من البهجة بواسطة الفن . موضوع جميل جديد في بابه ، كيف نستفيد منه في التعليم ؟ أرجو الإجابة من الكاتب او أحد المتخصصين .أحمد عمران موجه أول لغة عربية بإدارة كرداسة
ملوك الاستعارات
خوليو -إذا كانت الاستعارة = Metaphor ومعناها حسب قواميس اللغات هو تحويل تفسير الكلمات الواضح لتصورات، فنحن ملوك الاستعارة : يصبح كلمات خطاب السياسي الملهم الضروري الواضحة الدلالة،تصورات في نظر النقاد، ولم يقصد هو هذا القول:فإن قال لأزورنكم عند الفجر، فهو لايعني السجن، الاستعارة تنقذه، يعني ضيافتنا، وإن قال قائل، واضربوهن، فهو لايعني الضرب، بل الهجرة بالأرض الواسعة، وإن قال بيان وزراء الخارجية العرب أن وزراء الرئيس اللبناني المنتخب سيكونوا بيضة القبان في ترجيح القرارات، جاء تفسير ملوك الاستعارة يعني المساواة في المشاركة في الحكم، وإن قال قائل وقرن في بيوتكن، هذا يعني تحريرهن من نظرة الذئاب البشرية، درءاً للفتنة، الاستعارة نجّت شارب الخمر من عقاب الخليفة المنصور شارب الخمر أيضاً، لأن رائحة فمه شبيهة برائحة الخمر، النتيجة صفر في التقدم ، لن نستطيع معالجة مشاكلنا فهي ليست مشاكل كما يتصور البعض، بل شبه لهم.
إلي خوليو
أحلام مستغنمي -إليك عزيزي خوليو قائمة مختصرة بالاستعارات السياسية :رب العائلةكبير العائلةالراعيالقبطانالريانالملهمالزعيمالقائدوغالبا كل الرؤساء والملوك والحكام من فصيلة الأسد والنمر والفهد وهم مباركين ينتمون إلي سلالة الأنبياء.
أفكار جريئة
مدمن إيلاف -المحبوبة ايلاف عودتنا علي الأفكار الجريئة الرشيقة . واليوم كتاب إيلاف يؤكدون هذه المعاني وأكثر . خالص تقديري لإدارة الموقع وللعبقري عثمان العمير .
التعليم هو المستقبل
علي بابا -التعليم ليس ميدانا لبرمجة عقول البشر وتشغيلهم فقط . إن التعليم وسيلة وجود الدولة الحديثة والمستقبل الحر. فالمستقبل دوما على قدر التعليم. إنه عماد وأساس الدولة السليمة والمجتمع السليم، والتطور والحداثة.أشكرك دكتور عصام لأنك تفتح آفاقا جديدة لدولة الحداثة التي جعلت من التعليم تعليما للحياة
د.عصام
الفحام -أتابع مقالاتك منذ بدأت في الكتابه لأيلاف.مقالاتك تتميز بوضوح الأفكار وتسلسلها بسهوله تصل للقارئ العادي.تعجبني جدا القفازات الحريريه التي ترتديها عند الكتابه!ولكن في بعض الأوقات أطمع أن أري الأشياء بمسمياتها علنا.فان لم تتكلموا أنتم فمن سيتكلم؟ وأن لم تقودوا أنتم فعلي مصر السلام! ألم يحن الوقت بعد؟ أرجوك أبدأ.
والله زمان
يحي محمود -طلقات فكرية من عيار متميز .... مبروك لإيلاف هذا المستوي الرائع الذي ينافس بكتابه الحياة والشرق الاوسط والعرب والاتحاد والسفير والزمان ... والله زمااااااااااان يا صحافة بجد
إسمحوا لي أن أحتلف
محمد المشاكس -مقال رائع . من الواضح تراجع اللغة العربية في الوقت الحالي وذلك لسببين بسيطين وهما العقم الذي أصاب اللغة العربية خلال الحكم العثماني وذلك خلال فترتي الحداثة ومابعدها في الغرب ومن المسؤوليين عن تطوير اللغة العربية. فمن ضعف اللغة العربية في إيجاد مرادفات للمصطلحات الفلسفية المعرفية أتى هذا الضعف. فمثلا ماهو المرادف لمفهوم : Hybridفي الغة العربية. ثم أتى المثقفين وأشباههم ولم يفيدوا الشعب بشيء . من هنا المشكلة. من إيجاد مرادفات فلسفية لما تم تطويره في العالم الحديث يأتي تقدم الفكر. أكرر لم تواكب اللغة العربية التقدم اللغوي والفكري للعالم الحديث.
مقال مباشر
د. كارم الحوفي -أري أن المقال واضح وشفيف ومباشر : يجب تطعيم اللغة العربية بالإبداع والفنون والعلوم المعاصرة . يجب تنشيط مجامع اللغة العربية واستعانتها بالأدباء والفنانيين . الاهم من ذلك الاستعانة بالصور الجمالية اللغوية من عناوين وصياغات تسخدم في الميديا اليوم . وفي ايلاف علي سبيل المثال قد تقرأ عنوانا يلخص ويكشف في رشاقة المضمون بل ويحرك الذهن لمضامين أخري وأفكار جديدة ..... وصلت ؟
من المستحيل قبول عرب
كركوك أوغلوا -تسمية الأشياء بمسمياتها ؟؟!!00وأتفق ما جاء برد خوليو 00