كتَّاب إيلاف

عطل في الاتصال

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

كشفت الأزمة الراهنة بشأن ملف حقوق الانسان، بين البرلمان الأوروبي والدوائر الرسمية في مصر، عن وجود " عطل في الاتصال "، حسب تعبير هابرماس . وسبب هذا العطل في تصوري هو أن هذه الدوائر لاتزال تستخدم نفس الآلة المفاهيمية والتأولية المستهلكة، التي لم تعد صالحة لفهم ما يحدث، ناهيك عن التنبأ به، فقد جاء رد الفعل " العصبي " للحكومة المصرية من منطلق عدم توقعها أن يصدر قرار بهذه القوة وهذه القسوة في اللغة وفي اللهجة المستخدمة من البرلمان الأوروبي.
كما كشف الفشل الذريع في إدارة هذه الأزمة، أن المسألة أكثر من مجرد عطل في الاتصال، إنه " خرق " آخذ في الاتساع في المنظومة الفكرية التقليدية، في طريقة فهمنا وتأويلنا لمفردات ودلالات عصر جديد، داهمنا علي حين غرة، خاصة فيما يتعلق بمفهوم " السيادة " الوطنية أساسا.
ويبدو ان المشكلة عندنا، لاتزال، تتمثل فيrlm;(المطابقةrlm;)rlm; بين سيادة الدولة وبين قدرتها علي أن تفعل ما تشاء rlm;، بينما القول بأن الدولة ذات سيادة لا يعني انها تستطيع ان تفعل ما يحلو لها rlm;،rlm; أو أنها متحررة من تأثير الآخرين .rlm; فقد تكون الدولة ذات السيادة مضغوطة من كل الجوانب، ومضطرة لان تتصرف بطرق كانت تود ان تتلافاهاrlm;، ولا تستطيع بالكاد ان تفعل أي شيء بالضبط كما تريدrlm;.rlm;
ان سيادة الدولة لا تنطوي مطلقا علي انعزالها عن آثار أفعال الدول الأخريrlm;،rlm; فليس هناك تناقض بين ان تكون الدولة ذات سيادة وان تعتمد علي الآخرين في الوقت نفسهrlm;.rlm; فنادرا ما تعيش الدولة ذات السيادة حياة حرة سهلة..rlm; كما لا تعني سيادة الدولة، أن تتنصل من التزاماتها وتعهداتها أمام الدول الأخري، أو أن تنتقي ما تشاء من هذه التعهدات لتطبقه، وتغض الطرف عن ما لا تريده، متي تشاء وكيفما تشاء. ان القول بان دولة ما ذات سيادة يعني فقط انها تقرر لنفسها كيف تعالج مشكلاتها الداخلية والخارجيةrlm;، في ضوء التزمانها الدولية وليس خارجها.rlm;
اليوم يعتبر كثير من الباحثين والمنظرين السياسيين ان مبدأ السيادة ليس معاكسا لتطور النظام الدولي فحسبrlm;، بل انه مضلل ايضاrlm;، لان جميع الدول مخترقة بصورة أو بأخريrlm;،rlm; ويجادلون بأن التطورات الاندماجية (التكامليةrlm;)rlm; مثل الاتحاد الأوروبيrlm;، والعملية برمتها المقترنة بالترابط والتداخل المعقد في ظل العولمة، جعلت ممارسة السيادة rlm;(ان لم تكن الفكرةrlm;)rlm; تنطوي علي مفارقة تاريخية أكثر تعقيداrlm;.rlm;
أضف إلي ذلك ان المشكلات والأزمات والتحديات الجديدة في العالم تتطلب نظاما لا مركزيا عالميا يرتكز علي دوائر أو مستويات أوسع من حدود وقدرات الدولة القومية ذات السيادة، بالنسبة إلي بعض الأمورrlm;، وأضيق من هذه الحدود والقدرات في أمور أخريrlm;، أو قل ان الدولة أضحت اليوم أصغر كثيرا من ان تقدر علي الأشياء الكبيرة، وأكبر كثيرا من ان تقدر علي الأشياء الصغيرةrlm;.rlm;
أكثر ما يغيب عن صانعي القرار في مصر، في الفترة الأخيرة، هو أن الخط الفاصل الذي كان يميز بين الصراعات الداخلية والصراعات الدولية قد اختفى, أو أوشك على الاختفاء، وهو الخط الذي بقي واضحاً طوال القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب الباردة, إلى حد كبير. وميز العلاقات الدولية، وبموجبه كان الجميع يعرفون قواعد اللعبة التي تم الاتفاق عليها بدءاً من معاهدة "وست فاليا" 1648.
فإذا كان نظام الدولة القومية الحديثة، اعتمد اساساً على مبدأ "السيادة"، وفقاً لوست فاليا، التي ربطت كلاً من السيادة القومية والهوية الوطنية بالصفة الإقليمية، أو قل ربطت السلطة بالمكان، وأصبحت للدولة حدود معترف بها من جانب الدول الاخرى، فإن هذا الأمر ظل على هذا المنوال حتى ظهر الناشطون غير الحكوميين الذي انتشروا في الأنظمة الدولية بسرعة رهيبة، مما أدى الى التقليل من شأن مبدأ "السيادة" نفسه عن محيط التأثير في النظام الدولي .
لقد حل الاستقلال (استقلال هؤلاء الناشطين) محل السيادة، وصار الأفراد والمؤسسات والحركات يناضلون من أجل نيل حريتهم واستقلالهم عن سيادة الدولة، بل التنافس مع الدولة في الهيمنة على المواضيع الساخنة، والتسابق في إبرازها أمام العالم عبر وسائل الإعلام والاتصالات.
ولأن أهداف تلك الأطراف المستقلة عن الحكومات لا ترتبط بمكان معين أو اقليم محدد، فإن مسألة "السيادة" الاقليمية اصبحت غير ذي بال، اذ أن اهدافاً مثل حماية البيئة او حقوق الانسان او الحرية الدينية لا تتطلب سيادة على منطقة معينة، بقدر ما تتطلب سيادة من نوع آخر: هو هيمنة هذه الأطراف على تلك الأهداف وترويجها إعلامياً.
هكذا تآكلت "السيادة" على جميع الجبهات, خصوصاً مع تطور حقوق الانسان, ومعايير التدخل لأسباب إنسانية، بل إن البعض يرى أن نهاية نظام الدولة الوست فالي وبداية عصر ما بعد وست فاليا مرتبط بانقضاء فكرة "السيادة" أساساً.

أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
dressamabdalla@yahoo.com

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
للأسف
د.صبري المناسترلي -

للأسف الدولة العربية خارج التاريخ والجغرافيا والزمن ضائع ولا قيمة له . تتصرف كما لو كانت في الستينيات وفي أفضل الأحوال في زمن الحرب الباردة . ربما هناك من يوهمها بان مسائل من قبيل الحريات وحقوق الانسان أمور داخلية ويمكن التغاضي عنها طالما مصالح الدول الكبري تسير في طريقها الطبيعي دون معوقات . لكن الجقيقة المرة هو ان هذا الكلام ; فخ كبير ; سيعجل بنهاية هذه الأنظمة في عهد الديموقراطيين ، وهو قريب .

يا خسارة !
شاهيناز -

المجلس القومي لحقوق الانسان في مصر أورد من الحقائق ما لم يقله الأوروبيون ، لكن التعصب الاعمي والتسرع في مهاجمة كل ما هو آخر حتي ولو قال نصف الحقيقة هو المسئول عما نحن وصلنا اليه ... يا خسارة يا مصر !

تصلب في الشرايين
علي بابا -

عفوا يا دكتور عصام فانت مهذب ورقيق ودبلوماسي ، اقترح أن يكون العنوان هو ; تصلب في الشرايين ; .... وعليكم السلام

مصالحة
الشيخ -

أرشحك يا دكتور لعقد لقاء للمصالحة بين أقباط الخارج والداخل والنظام المصري . فالعطل في الاتصال يشمل الجميع وأخشي ان يطول زمنا وحجما وعمقا . أرجوك أن تقبل هذه المهمة الصعبة ،وساعتها لا البرلمان الأوروبي ولا الكونجرس الأمريكي سيصدر مثل هذه القرارات المزعجة والمربكة .

حسبنا الله
حسن عبد الرحيم -

أكثر ما يغيب عن صانعي القرار في مصر، في الفترة الأخيرة، هو أن الخط الفاصل الذي كان يميز بين الصراعات الداخلية والصراعات الدولية قد اختفى, أو أوشك على الاختفاء، وهو الخط الذي بقي واضحاً طوال القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب الباردة, إلى حد كبير. وميز العلاقات الدولية، وبموجبه كان الجميع يعرفون قواعد اللعبة. لا يا دكتور حاجات كتير غايبة وأهمها ان الأيام دول ولو دامت لغيرك ما وصلت لك . حسبنا الله ونعم الوكيل

الفوضي
خالد السيد -

حالة من الارتباك تسود الحكومة المبجلة والمعارضة المهلهلة والشارع المصري . كله يطحن في كله . ومش باين شئ في الافق غير الفوضي .. فقط الفوضي في المرور والتصريحات والقرارات والفتاوي و....وربنا يستر علي البلد دي .

بالذمة ؟؟؟
محمود المسلمي -

أتعجب من الثورة العارمة علي قرار البرلمان الأوروبي وكأنه يفتري علي الحكومة ويكذب فيما يقول ويسرد من وقائع واضحة لكل ذي عينين ومن لا يري أيضا لأنه يسمع . يعني نظرية المؤامرة شغالة الله ينور ... طب بالذمة علي أيه ؟؟؟؟

ممكن ؟
مناكف -

ممكن يكون عدلي أبادير وجماعته ورا القرار ده ؟ ولا الإخوان في الخارج ؟ ولا جماعة كفاية ؟ ولا سعد الدين ابراهيم ؟ ولا .... ولا .... ولا .....

عزبة جدو
د. رأفت جندي -

الحل بسيط هو احترام حقوق الانسان ومعاقبة الخارجين عن القانون فقط, هذا صعب فقط علي حكومات اعتادت التصرف في البلد كأنه عزبة جدهم.

خلاف مفاهيم
خوليو -

على ما يبدوا أن مفاهيم الحكومات العربية ومن لف لفها لحقوق الإنسان، تختلف عن مفاهيم باقي البشر، الحكومات الغافلة أو المستغفلة عما يجري من حولها في العالم، والتي فهمت الحقوق بأنها عطاءات سماوية، ولكثرة تردادها لمفاهيمها الخاصة هذه، صدقت نفسها، وطبلت وزمرت هي والجوقات الدينية من حولها، أن هذه هي كل الحقوق، ولما فاجئتها منظمات المجتمع المدني بالحقوق الحقيقية المطبقة على الأرض، انشلت أطرافها ويقيت عاجزة عن التقدم، لايزال لسانها قادر على الجعجعة وتظن أنه بالجعجعة من دون طحن، تستطيع تقديم مفهومها الخاص للحقوق، وللدفاع عن نفسها تتمسك بالسيادة وبحبال السماء.وهذه هي أزمتها الحقيقية.

الرجل دة من مصر
مصرى -

الاستاذ عصام عبدلة كمصرى احييك .مصر بها من يفكر تفكيرا عاليا مواكب للعصر الذى نعيشة ويبين للجميع بان الذين يحكموننا مجرد جهال راسبى الاعدادية تخطاهم الزمن

اللغز!
الفحام -

نعم يادكتور عصام وأيضا لاتنسي أن العاملون في الخارجيه المصريه الأن هم خارج الزمن فلسفه وفكرا.فمازال السيد أبو الغيط يتحدث بلكنه ناصر الستينات علي الرغم من أنكماش الدور المصري وقدرته علي التأثير علي الأحداث العربيه ناهيك الدوليه.هذا من ناحيه ومن ناحيه أخري فان الجماعات الدينيه الأسلاميه ورموزها في الشارع المصري غير قادره علي قرأه الحاضر في مايخص بالذات حقوق الأنسان وكيف ان درجه تقييم أي دوله الأن مرتبط بشده بدرجه أحترامها لحق المواطن الذي يتجنس بجنسيتها بدون تمييز قائم علي الديانه وهي بحق مشكله كل الدول الأسلاميه وليس مصر وحدها لأنه يرجع الي النص والخطاب الديني الأسلامي. وليس أدل علي هذا ماشهدته المحكمه المصريه أمس عند نظر قضيه أحد المتحولين الي المسيحيه وهو الشهيد الحي (حجازي) وزوجته(زينب) وأبنته (مريم) وكيف رأي العالم خمسون محاميا من التيار الأسلامي يطلبون له ولزوجته الأعدام لأنه يطلب أدني حد يطلبه الأنسان وهو حق الأعتقاد! وتصبح (لاأكراه في الدين) من الغاز النص والقانون الذي يحتاج الي تفسير. تحيه د.عصام علي مقالك مره أخري.

النظام ;مهنج;
طارق -

يبدو أن هناك حفنه قليله من الناس فى العالم كله (مبارك و سرور و أبو الغيط و الشله اياها) لا تعلم أو تتظاهر أنها لا تعلم أنه لا يصح الا الصحيح و لا يجوز الدفاع عن الباطل و أنه لا يمكن خداع كل الناس كل الوقت! هناك خلط كبير بين مبدأ السياده التقليديه و مبدأ السكوت على المنكر.

صوت صادق
مهاجر يحبك -

والله يا عصام يا صديقي خايف عليك بجد وأشكر إيلاف المحبوبة الي اتاحت الفرصة لكل الأحرار للتعبير بجرأة عن أوجاعنا وأمالنا في هذه المنطقة الموبوءة ونحن في الغربة .خوفي لا يمنع اني معك وكل المثقفين الشرفاء . قول وعلي صوتك كمان وكمان . لازم حيوصل ويتسمع لانه صوت صادق .

أهل الكهف
مها الروبي -

ومن يبصر الحكام والقادة وأصحاب القرار غير المثقفين والكتاب وأستغرب اننا نزج بهم في المعتقلات امجرد كلمة صادقة معارضة لنا ز لماذا لا نستمع لهم قبل اصدار اي قرار ؟ وهل المستشارين بهذا السوء والجهل ؟ أليس بينهم عاقل مطلع يخبرهم بأن هذا يسئ إلي مصر في المحافل الدولية ؟يا سادة شكلنا بقي وحش جدا وكأننا جئنا من عصر سحيق كأهل الكهف ولا ندري شيئا عما جري ويجري

درس في السياسة
دكتورة امال -

مقالك يا دكتور درس في السياسة واتجاهاتها المعاصرة وعلاقتها بالمتغيرات الجيو ستراتيجية والدولية . أتمني الا نكرر أخطاء الماضي مرة اخري لان ردود أفعالنا ومواقفنا هي التي ستحكم علينا في أي خانة نصنف في قطار العولمة .وشكرا جزيلا يا دكتور مرة أخري

الطريف في الردود
متابع 2 -

الطريف في الردود العصبية، لأركان النظام، علي اتهامه بانتهاك حقوق الإنسان، المقرة في المواثيق الدولية التي وقع عليها، أنها تبدو في غاية البراءة، وكأن الأوروبيين اختلقوا هذه الاتهامات أو زعموها دون دليل أو سبب، ونسي أركان السلطة أو تجاهلوا الآلاف من الوقائع الثابتة، التي يشهد عليها، ليس فقط الخصوم السياسيين الذين كانوا دوماً هدفاً ثابتاً للاعتقال والتعذيب والمطاردة، وإنما حتي المواطن البسيط، الذي اعتاد المشي ;جنب الحيط; لا يشغل باله سوي الجري خلف لقمة عيش بائسة ومهينة!.. فحتي هذا المواطن الغلبان أصبح في السنوات الماضية هدفاً ثابتاً هو الآخر، لزبانية القهر وأساطين التعذيب، الذين تغولوا وامتدت أظافرهم إلي كل من يسكن أرض المحروسة، بلا خشية من عقاب!

سؤال بلا اجابة
مصراوي -

من يحكم مصر ويتقلد المناصب ويقود الدفة ... سؤال لا يبحث عن اجابة !

وضاعت القضية
قبطي مهجري -

وضاعت القضية يا ولدي ؟ وكل بيت منقسم علي ذاته يخرب كما قال السيد المسيح . بين كميل حليم ونجيب جبرائيل وعدلي ابادير ووليم ويصا ومجدي خليل ومايكل منير .... ويا فرحة الحكومة ويا وكسة حقوق الانسان

أروع ما فيه
نشأت نجدي -

أروع ما في هذا المقال ، هذه العبارة : كشف الفشل الذريع في إدارة هذه الأزمة، أن المسألة أكثر من مجرد عطل في الاتصال، إنه " خرق " آخذ في الاتساع في المنظومة الفكرية التقليدية، في طريقة فهمنا وتأويلنا لمفردات ودلالات عصر جديد، داهمنا علي حين غرة، خاصة فيما يتعلق بمفهوم " السيادة " الوطنية أساسا.

مستوي رائع
المراقب -

احيي إيلاف علي المستوي الراقي والرائع للموضوعات التي تقدمها ، فعلا أحسنت الاختيار والانتقاء والتبويب والتنسيق بحيث لم نعد نلجأ لأي موقع آخر .

اعتذار للذئاب
وصفي -

تحية للكاتب واخيه على المعلقين وخاصة المتعصبين الذين استغلوا المقال والموقع لنشر الاكاذيب والكراهية يحمد لهذا المقال والموقع انه كشف حقيقتكم المتوارية تحت شعار المحبة والتسامح وانكم زمرة من الذئاب تتلحف برداء الحملان مع الاعتذار للذئاب لانها لاتكذب ولا تكره ؟!!