وللخالق في خلقه شؤون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لا تختلف أساطير الخلق عن بعضها في الجوهر، وإنما تختلف في أسماء الآلهة والجزئيات. وأقدم أسطورة شرقية للخلق (سومرية) تقول: إن (إنليل) إله الهواء هو الذي فصل الأرض عن السماء، فصل (كي) عن (آنو). وإن (آنكي) هو الذي خلق من الطين الإنسان ليخدم الآلهة، وعلمه الفنون والزراعة وطرق الحياة.
وثاني أسطورة شرقية (بابلية) تقول إن (مردوخ) قتل تنين الشر وفوضى الكون (تيامات) وشقها نصفين، نصف جعله الأرض، ونصف جعله السماء. وإن (أيا) قد خلق من دم وعظام وطين الإنسان ليخدم الآلهة، ويغذيها بذبائحه، وعلمه كل الأشياء.
وفي قصة الخلق التوراتية، خلق الله آدم من تراب. وآدم من الأديم وتعني التراب. وفي ملحمة كيرت الكنعانية تعني الكلمة الجنس البشري وليست اسما لرجل بعينه. وفي قصص الخلق كلها خُلق البشر من تراب، ومن طينة واحدة. فلماذا ليسوا على نمط واحد، وصورة داخلية واحدة؟
لا شك أن طول الزمن وشظف العيش والحاجة والفاقة وحب الحياة، أحدثت في الإنسان الكثير من التحولات والتبدلات التي أثّرت في صبغياته وجيناته، وأوجدت على مدى الأجيال هذه الفوارق الجوهرية في السمات الداخلية للبشر، وفي تنوع اهتمامات وقوى وتوجهات الناس.
فمن الناس من اهتم بالمعنوي، ومنهم من اهتم بالمادي. ومنهم من شغلته النوعية، ومنهم من ظل عددا، يجري خلف الكمية، ويكمل النصاب. وصار فيهم المجدد، والمقلد، ومن يهتم بالهامش، وتكفيه الصورة. ومن لا يلتفت إلا إلى المتن، ولا يشغله غير الأصل. كما ولد فيهم من اهتم بالقشور، ومن اهتم بالثمار. ومن اهتم بجمع المال والنثريات، ومن اهتم بجمع الكتب واللوحات والاسطوانات. ومن يزرع البطاطا في حديقته المنزلية، ومن لا يزرع إلا الورد والريحان.
إن الاختلافات والتباينات بين الناس كثيرة عديدة، ويستحيل حصرها أو ضبطها طالما استمرت وتشعبت الحياة. ومن خلال معلوماتنا القليلة نلحظ التضاد بين ناس وناس. بين جاهل مغرور، ومتواضع تواضع العلماء. بين من يعشق مواويل الندب والعويل، ومن يعشق موزارت وباخ وموسيقى الأفلام.
بين من تكبر الصغيرة في عينيه، ويغرق في شبر ماء. ومن تصغر الكبيرة لديه، وينام ملئ جفونه عن شواردها. وبين من يغرد خارج السرب، ومن يسبح مع التيار.
ومن الناس أيضا من يرى النصف الفارغ، ومن يرى النصف الملآن، ومن يتعلم من عثراته، ومن لا تعلمه ويلات الزمان. ومن يستيقظ من غفلته باكرا، ومن يقضي العمر في الكهوف، أو لا يستيقظ إلا بعد فوات الأوان. ومن يشكو همه لزوجه، ومن يشكوه للجيران.
ومن الناس من يرى الخمر ذنبا، ومن يراه مشروب أهل الجنة والأبرار. ومن تشرب كل ليلة نخبه، ومن يسقيك كأس المر والغدر والجنون والهذيان.
ومنهم من يبتكر شعرا، ومن يهين الحروف واللغات. ومن يسعى للشهرة، ومن يكتب للخير والحق والجمال. ومن يلوي أعناق الحقائق، ومن استعبدته الحقيقة فأطلق لها العنان.
ومن الناس من يرى الوطن ترابا وصخرا، ومن يراه كرامة وأمنا. ومن يعشق الموت، ومن يعشق الحياة.
وذاك الذي لا تذكره العباد بخير أو بشر، وذاك الذي تكتب عنه الصحف والدوريات، وتقدم بأعماله الأطروحات لنيل الدرجات الجامعية.
ومن الناس من يتبارك بلمس ثياب بعض الرجال، ومن يرى أولئك الناس سذجا، وهبوا عمرهم للجن والذلة والخرافات.
ومن الناس الثرثار، والذي يسبق نطقه سمعه، ومن يتقن فن الإصغاء، وذاك الذي يستمتع بالأخذ، وذاك الذي يستمتع بالعطاء. وكذلك من هو فاجر وتاجر، وصادق وكاذب، وأديب وخجول. ومن يرى الناس كالنار يتدفأ بهم ولا يقربهم، ومن يرى أن الجنة بلا ناس لا تُداس. ومن الناس من يأكل لحم الآخرين، ومن يشهد لأهون الأسباب زورا، ومن لا يقول غير الحق ولو على رأسه. ومن يعبر عن مشاعره بصدق، ويفعل ما يقول. ومن يطعن في الظهر، ويظهر ما لا يضمر، ويقول ما لا يفعل. ومن إذا ما أكل من صحن بصق فيه، وإن شرب من بئر بال فيه، ومن إذا أكرمته ملكته للأبد.
Saadkhalil1@hotmail.com
اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
التعليقات
اسئلة وتفكير
خوليو -انليل الإله السومري الذي فصل كي(الأرض) عن آنو(السماء)قصة الخلق المدونة على لوح طيني وبالخط المسماري منذ حوالي 5 آلاف سنة من يومنا هذا، أي قبل 3 آلاف سنة من وجود ابراهيم أبو أنبياء الديانات المسماة سماوية، أليس من الأحرى أن يكون ابراهيم هو البادئ بالتبشير بوجود الله(غير انليل طبعاً) قبل أن يكتب الإنسان السومري تصوره للحياة والكون؟وسؤال آخر بالمقلوب، أليس من المعقول والأرجح أن ابراهيم أبو أنبياء الديانات المسماة سماوية، والذي جاء بعد 3 آلاف سنة من قصة الإله انليل ولابد أن يكون قد اطلع على هذه الملحمة، فكلاهما من نفس المنطقة، أعجبته الفكرة، فأحدث تغييراً بالأسماء؟ سؤال من علماني مع الاحترام للجميع. فإذا كانت الأمور على ماتقدم فهل نستحق أن نقتل بعضنا بعضاً؟
التطابق هو اثبات
د. رأفت جندي -قصة الخلق واحدة واختلفت فيها الاسماء باختلاف الاشخاص والاماكن, اليس هذا دليل علي ان قصة الخلق التي دونها موسي كانت قد اعطاها الرب الاله لبشر آخرين ودونوها بطرقهم ولغتهم المختلفة ولكن موسي دونها في التوراة. هذا دليل علي تطابق الاجداث وصدقها وليس العكس. ولكن الاختلاف يأتي بعد ذلك وبالتحديد في خلاص البشرية بعد سقوطها.
تعليق
أبو سفيان -ربما يكون الطابع الأدبي للمقالة سببا لقفزة غير مبررة، إذ لم أجد رابطا بين فكرة الخلق من طين ( -) وبين أفكار عن سلوكيات وقيم (أخلاقوية)؟؟ يبدو لي أن الكاتب( أديب خجول حقا ) ويصب شتائم مهذبة على من( --------) ومن ( ---------) وهذه إشارات أسقطها لا وعيه على أولئك الذين تعرضوا لمقالته السابقة .على كل أجد النص تعبيرا مهما عن فضاء العقل العربي، المسكون بالثنائيات الأخلاقوية ( خير ، شر)( نور ، ظلام ) وهي نفس البيئة التي أنتجت ميثولوجيا الشرق القديم. ففي زمن الحداثة والنسبية لابد لنا أن نبتكر دلالات لغوية تعبّر عن( نسبية الأخلاق ) خصوصا وأن هنالك من --------- في البئر مرارا ويستمر في الشرب منه
ومن الناس من وهبوا
كركوك أوغلوا -عمرهم للجن والخرافات (نص من المقالة التي أتفق معها تماما , ويا حيف على ضياع تلك الأعمار والحياة للوهم وللعدم ) ؟؟!!00فمنذ أساطير وخرافات السومريين ولا نزال ضحايا0000000000!!!00
,ولله في خلقه شؤون
ميلادميلاد -نصيحتي للكاتب ان يقراء القران كثيرا وانا مع مضمونه
تعقيب
صالح الطاهر -المشكلة مع هذا الكاتب أنه لا يعرف ما يريده , فكيف للقاريء أن يعرف ما كان يراد به معرفته , أنا أميل إلى الاعتقاد بأن أصحاب الثنائيات البليدة لا يقدرون على خلق الجدل الفكري مع الذات أولا ومع الآخر تاليا , ولذا تراهم يختارون مدح الحكام والأنظمة من جهة , وتأثيم وتبكيت وتبخيس الجمهور من جهة أخرى, وهذا ما فعله كاتب المقالة في سابقته حيث انهال مدحا على النظام السوري والآن ينهال ردحا على الناس , أيها الكتاب إحذروا فصدقيتكم على المحك !
الخلق في القرآن 1
مؤنس -الخلق هو الإيجاد في اللغة، وفي تهذيب اللغة للأزهري: الخلق: ابتداع الشيء على مثال لم يسبق إليه، وقد قال أبو بكر الأنصاري: الخلق في كلام العرب على ضربين، الإنشاء على مثال أبدعه، وفي مفردات الراغب: الخلق: أصله التقدير المستقيم ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل إلا احتذاء. وفي مقاييس اللغة: خلق: أصلان، أحدهما: تقدير الشيء.. وفي معجم ألفاظ القرآن؛ خلق الشيء يخلقه خلقاً: أبدعه من غير أصل ولا احتذاء، وخلق الشيء يخلقه: صوّره، يقال: خلق الأديم إذا قدّره كما يريد قبل القطع، أي قاسه ليقطع منه قربة أو ما أشبه. واستعمل القرآن (الخلق) للإشارة إلى المعنى المصدري كما في قوله (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم) (سورة الكهف: 51)، وللدلالة على المخلوق كما في قوله تعالى: (وزادكم في الخلق بسطة)(سورة الأعراف: 69)، وفي ما يصلح للمعنى المصدري معنى المخلوق كما في قوله تعالى:(إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) (سورة آل عمران: 190).
الخلق في القرآن 2
مؤنس -وفي الحقيقة إن الأصل في (خلق) كما في المعاجم هو (التقدير)، وهذا قبل التنفيذ كما هو معلوم، فقد جاء في الفروق اللغوية (الفرق بين الفعل والخلق والتغيير إلى الخلق في اللغة التقدير، يقال: خلقت الأديم إذا قدّرته حقّاً أو غيره وخلق الثوب وأخلق لم يبق منه إلا تقديره. فالخلق حسب هذا المنطق قبل التنفيذ، لأنه تقدير؛ أي تشخيص خصائص وأبعاد وطبائع، وهكذا!! ولكن في القرآن الكريم نلتقي بدخول الفعل (خلق) وهي تشير إلى واقع مجسّد... كما أن كلمة (خلق) في القرآن تأتي وهي تعطي معنى الإيجاد الفعلي!!قال تعالى: (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض... ) (سورة الأنعام: 1).قال تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حُرم) (سورة التوبة: 36).قال تعالى: (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) (سورة النحل: 4).قال تعالى: (خلق كل دابة من ماء) (سورة النور: 45).قال تعالى: (وهو الذي خلق من الماء بشراً) (سورة الفرقان: 54
الخلق في القرآن 3
مؤنس -).فالخلق هنا الإيجاد بلا أدنى شك، ولما كان الأصل هو (التقدير)، نستطيع أن نقول: وكما استظهر بعضهم أن الخلق في القرآن هو الإيجاد وفق خصائص معينة أو محددة تتطابق مع إرادة قاضية قاصدة!!هذا هو مدلول (خلق) في الكتاب العزيز.ولكن معنى (خلق) لا تعني الإيجاد الفوضوي، الإيجاد الكيفي، بل بلحاظ خصائص معينة، وهذا الخلق على ضربين:أحدهما: إيجاد على نحو مخصوص من مادة سابقة.قال تعالى: (خلق الإنسان من نطفة... ) (سورة النحل: 4).قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً... ) (سورة الروم: 21).قال تعالى: (والذي خلق الأزواج كُلها... ) (سورة الزخرف: 12).ثانيهما: إيجاد على نحو مخصوص من غير سابقة..قال تعالى: (خلق السماوات والأرض بالحق) (سورة الأنعام: 73).وكل الآيات التي تتحدث عن خلق السماوات والأرض إنما تشير إلى ابتداعها حيث لم تكن موجودة...