كتَّاب إيلاف

جبران والديمقراطية الطائفية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

بداء العرب تطوير تجربتهم البرلمانية لينقلوا معالجة اختلافاتهم المجتمعية من ساحات المعارك لقاعات البرلمانات. ومن المحتمل أن تتعرض هذه التجربة البرلمانية الوليدة لانتقادات لاذعة وأن تمر بإرهاصات مرهقة. وسيكون من واجب حكماء المنطقة المحافظة على رزانة قيادة سفينتها أمام أمواج المحيط المتلاطمة، لتكتمل نضوجها السياسي ويتم الاستقرار المجتمعي، وتبنى جسور الثقة بين الحكومة والبرلمان، لتزداد الإنتاجية وتستمر التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فتواصل طريقها في المشاركة بالحضارة الإنسانية للألفية الثالثة.
وهناك تساؤلات كثيرة في الشارع العربي عن ماهية خلط الدين بالسياسة. فيتساءل البعض عن مدى مصداقية الحركات السياسية الدينية في وطننا العربي بتعاملها مع الديمقراطية. وهل قبلته منهجا استراتيجيا، أم تكتيكا مؤقتا لتنقلب عليه حينما تقوى عودها؟ وهل ستنقل هذه الحركات السياسية الدين من طقوسه الطائفية المحلية إلى آفاقه الإنسانية الواسعة؟ وهل ستستفيد من إيجابيات تجربة الأحزاب السياسية في تركيا، وسلبياتها في الأردن؟ وهل ستتعلم من التجربة الأوربية بنقل الدين من طقوس الكنيسة إلى أبعاده العالمية لتمزجه بالحضارة الإنسانية المعاصرة؟ والسؤال لعزيزي القارئ: هل سنحتاج لدراسة مختلف التجارب الديمقراطية العربية الوليدة لاستفادة من إيجابياتها والتعلم من سلبياتها؟
لقد بدأت مملكة البحرين طريقها للديمقراطية باتفاق شعب البحرين على ميثاق وطني مشترك للعمل السياسي المستقبلي. وقد حاولت هذه التجربة الجديدة معالجة الاختلافات المجتمعية بنقلها من أزقة العنف والإرهاب إلى قاعات حوار الحكمة. كما أبرزت هذه التجربة ايجابية الديمقراطية في تنوير العقول بحرية التعبير وصراحة المسائلة وإبداع التفكير. وليأذن لي القارئ العزيز أن أعرض شخصية بحرينية معارضة درست لعقد من الزمن العلوم الدينية في الخارج، ورجعت لتلعب دورها في تطوير ديمقراطية بلادها. وأرجو أن نتدارس أطروحات هذه الشخصية بدون حقد وأحكام مسبقة، وباستعدادنا لقبول الاستماع للرأي الآخر وتحمله ومحاولة تفهمه وحواره، بدون انفعالات عاطفية وبعيدين عن ثقافة الشتيمة.
لقد تحدث سعادة عضو مجلس الشورى السيد ضياء الموسوي في الشهر الماضي لصحيفة الأوان الكويتية عن تصوراته للواقع السياسي العربي وعن التوليفة بين الدين والحداثة فقال: "أؤمن بالدولة الحديثة لا الدولة الدينية، وذلك لان الدولة الدينية لا يمكن أن تكون في صف واحد مع الإبداع... كما أعتقد بأن اللبرالية ذات النكهات الأخلاقية والإسلامية قد تكون أفضل للعالم العربي، وهي البديل لمشاريع الحركات الإسلامية التي أراها لا تخلو من طوباوية فاقعة." وقد وجه سعادته الشباب للتفاؤل والعمل المتقن والمنتج وأكد بأن المتشائم لا ينتصر في معركة أبدا، فهو لا يرى ضوءا موجودا، بينما يرى المتفائل ضوء غير موجود. كما أبدى تخوفه من استلام التيارات الدينية للسلطة فقال: "أنا أسلامي، ولكني أخشى أن يحكمني أي تيار ديني، ولي تجربة في ذلك. الدول اللبرالية أكثر رحمة بنا من الدول الدينية. فمفهوم الدولة الدينية حديث اخترعته الحركات السياسية الإسلامية للوصول إلى السلطة، وهم لا يمتلكون تأصيلا تاريخيا أو تشريعا متماسكا لذلك، فأنا درست عشر سنوات فقها وأصولا، ولم أقتنع ولا بدليل واحد. وعندما يحكمنا الدينيون لن نرى الضوء. فكل شيء حرام، الموسيقى حرام، الإبداع القصصي حرام وعيد إلام حرام." كما ناقش معضلة التوعية الدينية في وطننا العربي فقال: "فكر الناس مخطوف نحو الأوهام، ونحن بحاجة إلى فلاسفة وليس خطباء، فبلادي أضاعها الخطباء. كما إننا نعاني من ثقافة الموت في العالم العربي، فخطباؤنا في صلاة الجمعة لا يتحدثون إلا عن أهوال يوم القيامة، وضغطة القبر، وثعبان أقرع يأتي في القبر. وهذا خلاف ما جاء في القران الكريم. القران متوازن ذكر نار جهنم وفواكه الجنة، فالتوازن مطلوب." ليؤكد بما حثت به الأديان للعمل والإنتاجية كأننا سنعيش للأبد، وبأهمية الاهتمام بالوقت الذي إن لم نقطعه سيقطعنا بالجهل والتخلف والفقر والعنف.
وناقش سعادته تحديات دراسة تاريخنا العربي الإسلامي، ومسائلة سلبياته والاستفادة من أخطاءه فقال: "المشكلة أن أكثر الإسلاميين مؤد لجون بشكل فاقع، فيخلطون بين ضرورات العصر، وتناقضات التاريخ في خلطات رمادية تضيع فيها مصالح الناس. إنهم يناقشون بعض القضايا التاريخية المطلسمة. إذا كنا لا نعرف ملابسات اغتيال كندي فكيف سنعرف ملابسات بعض الصراعات الصغيرة التي كانت دائرة قبل 1400 سنة؟ اليوم برلمانات العالم مشغولة بالمشاريع الحداثوية والاقتصادية، ونحن بعض برلماناتنا مشغولة بالبيضة والدجاجة، وسياقه المرأة للسيارة، وعن قانون الأحوال الشخصية الذي أصبح من ضروريات العصر." وكما حاول مناقشة الحلول الممكنة لتحدياتنا القادمة، وتجاوز سلبية مجتمعاتنا وقلة إنتاجيتها وتخلفها في متابعة التطورات العلمية فقال: "الحل في ولاية الإنسان على نفسه. فاليوم يقوم العالم على فكر لمؤسسات وليس فكر نظرية الرجل الوتد. الدولة المدنية هي الحل. الحضارة هي الحل.الفكر الإنساني هو الحل." كما أبدى قلقه من انتشار الأحزاب السياسية الطائفية وضعف السلوك الأخلاقي الإنساني في مجتمعاتنا العربية، وحاجتنا لأحزاب المواطنة فقال: "أنا لا أؤمن بحزب سني أو شيعي أو مسيحي أو يهودي. أنا أؤمن بحزب الكوكتيل وهذا لا يكون إلا في حزب الإنسان، لأن الإنسان هو انتمائي الأول والأخير. انظر كيف وحد غاندي النهضة الهندية، وكيف وحد مارتن لوثر كنغ السود في أمريكا، وكيف أسس مانديلا بلد للسلام؟" كما ناقش موضوع حرية المرأة والديمقراطية فقال: "لا أرى تعارضا فقهيا ولا تاريخيا مع أحقية المرأة لأن تكون حاكمة وقائدة شعب أو رئيسة وزراء أو رئيسة جمهورية." كما تحدث عن مشروعه المستقبلي لتنقية عقول الشباب من الطائفية لتستوعب إبعاد الحضارة الإنسانية وتطورها بتأليف كتب إنسانية تعمل على تنظيف الغرف الثقافية من المخدرات الفكرية المشوهة للدين. وأكد بأهمية القاسم المشترك بين الأديان لخدمة الإنسان وتهذيب سلوكه، وأحترام المعتقدات وتبادل الرأي بين قياداتها فقال: " كل الأديان تدعو إلى التسامح وعمل الخير للإنسان، وهناك التقاء في المشتركات فلماذا لا نعمل عليها؟ أنا أتشرف بدخول الكنيسة، فهؤلاء أبناء وطننا وإخواننا في الإنسانية أيضا...ومن منا ولد في النجف سيكون شيعيا ومن ولد في السعودية سيكون سنيا ومن ولد في روما سيكون مسيحيا وما أجمل أن نلتقي على المائدة الإنسانية. هل يمكن أن ارفض اديسون لأنه مسيحي، وغاندي لأنه بوذي، أو الراهبة تريزا لأنها مسيحية، لأنهم ليسوا من ديني؟ لنا ثوابتنا ولهم ثوابتهم ولكننا نلتقي في آلاف المشتركات."
وباختصار شديد، دعا سعادته لانتشال الدين من دائرته الطائفية الضيقة إلى أفاقه الإنسانية الواسعة. فقد أرسل الخالق جل شأنه رسله وأنبيائه لنشر الدين لخدمة الإنسان وإسعاده، لا لكي يستغله البعض لطموحاتهم السياسية، ويضعوا أغلالهم الفكرية حول العقول لترجع الناس لعهود ما قبل الجاهلية، والتي ناضلت الرسل لتخليص الإنسانية من مساوئها. فتلاحظ عزيزي القارئ كيف تعطي الديمقراطية الإنسان مساحة للتساؤل، وحرية التفكير للإبداع، ليراجع ما درسه ويحاول أن يستفيد منه في دراسة الاحتمالات الممكنة للتعامل مع معضلات مجتمعه الفكرية والدينية والسياسية والاقتصادية. ولو تحاور الجميع في مجتمعاتنا العربية بهذه الجرأة، وتساءل بدون قيود مكبلة للذهن، وفكر بحرية مبدعة لاستنارة العقول، ولبدائنا طريقنا نحو التقدم والازدهار من جديد. كما طرح سعادته سؤال صريح حول أهمية فصل الدين عن الحكم، والاستفادة من تشريعاته لفهم الواقع المعاصر، وأهمية العبادات في تطوير أخلاقيات السلوك. فالكثير منا يتكلم عن الطقوس الدينية وعذابات الآخرة، والقليل منا من يركز على السلوك الإنساني في التعامل مع أفراد المجتمع والطبيعة التي وهبنا الخالق جل شأنه خيراتها. فالتحدي الخطير الذي يواجه مجتمعنا العربي اليوم هو الطائفية واستغلال البعض لها لتفتيت وحدة الأمة. فما الحل؟ فهل الحل الرجوع للإيمان بالمواطنة؟
فالمواطنة الحرة تحتاج لإخلاص الإنسان لوطنه، والالتزام بدستور بلاده، وتقديره لقيادته الدستورية، واحترامه ومساواته لكل مواطن يحمل جنسية بلده، بدون النظر لدينه أو طائفته أو أصله أو فصله. ولتكن أولوياته واجباته قبل حقوقه، وبسؤاله الدائم لما قدمه لوطنه. وليستطيع المواطن أن يقدم ويبدع وينتج سيحتاج لحاجياته الفيزيولوجية في الأكل والشرب والملبس والمسكن، وحاجياته النفسية من الأمن والأمان والعمل المنتج، ليستطيع من خلاله أن يبدع ويطور اقتصاد بلده. وليكون لكل مواطن الحق في التعبير عن رأيه بمسؤولية والدفاع عن مصالحه من خلال اختيار نواب برلمان مخلصين وذو كفاءة عالية للتعامل مع التحديات المجتمعية والعالمية، بعيد عن الجنس واللون والأصل والعقيدة والمذهب. ولنؤمن بأن العبادة هي واجب شخصي بين الإنسان وخالقه وليست طقوس للتباهي بها والاستفادة منها سياسيا. وقد نحتاج أن نناقش مع رجال الدين دورهم الجديد في عالم الألفية الثالثة، ومسؤولياتهم في خلق التوازن بين المادة والروح، ونشر السلوك الأخلاقي الإنساني، ومدى حدود التداخل بين رجال الدين والحكم والسياسة. كما نحتاج لتعريف قانوني لمن هو رجل الدين لكي لا يستغل كل من هب ودب الدين لمصالحه السياسية والدنيوية، وما دور رجل الدين في مجتمعاتنا العربية بالألفية الثالثة، ومن من رجال الدين سيتفرغ لمسؤولياته الدينية، بالنصح والإرشاد لنشر خلق الدين ومبادئه الإنسانية بين أبناء الوطن وتوسعة أبعاده الإنسانية العالمية. وبضرورة نشر ثقافة احترام المذاهب والديانات الأخرى، بعيدا عن لغة العنف والتفرقة الطائفية. ولننهي المقالة بمقولة لكاتب المهجر جبران خليل جبران متذكرا لبنان: "ويل لأمة كثرت فيها المذاهب وقل فيها الدين."
وليسمح لي القارئ العزيز بسؤال أخير: هل يحتاج وطننا العربي لتشريعات وقوانين تحرم الطائفية؟ وهل ستضم هذه التشريعات منع ممارسة الطائفية في السياسية والإعلام والخطابات الدينية؟

سفير مملكة البحرين في اليابان

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
كلام جميل ولكن
محمد المشاكس -

شكرآً ياسعادة السفير للكتابة عن بلدك البحرين ففي هذا دقة وشجاعة ولكن ياسعادة السفير ألاترى بأنك أهملت العدو الرئيسي للتطور ألا وهو الديموقراطية وعدم وجود الحكم الوراثي الذي هو صفعة في وجه التقدم والمساواة وصبيت جل إهتمامك على البعبع الديني وحملته أكثر من مما يجب من غير المساس بمسألة الحكم في البحرين مثلاِ.

بعض النقص
احمد سالم -

ضياء الموسوى شجاع قبل ان يكون موضوعى و صادق نعم هده قنبله وسط العشب الدينى لا يمكن لاحد ان يتناولها و لو كان فى العراق او ايران لاصبح فى خبر كان --- غير ان الموضوع ناقص لاهم عناصره و انا فى تقديرى لا يمكنك التعرض لهدا النقص لانه يتوقف عليه مستقبلك السياسى و هدا من حقك يا دكتور - الديمقراطيه فى البحرين هى تلك التى يريدها النظام مفصله على حجم النظام السياسى و عندما خاف النظام بحدوث خلل ماء فى الانتخابات لجاء الى المعالجه الفوريه و استورد مستوطنون و اجراأت غير قانونيه لضمان التوازن الطائفى بل تعداه لكسر المعادله لترجح لمصلحة الحكومه - اذن النظام + التيار الدينى الشيعى + التيار الدينى السلفى يلتقون فى هدف واحد و ان اختلفوا هدا الثالوث لا يسعى الى حياة مدنيه عصريه بل يسعى لتحقيق اجندة كل طرف و لو طال الزمن - الموسوى الشجاع يمكن ان يذكر تلك التيارات بوجود مولود صغير قد يكبر يوما ماء و يحقق طموحات وطنى .

Bravo
Sader Issa -

Thank you mr. Ambassadore. The Arab countries need a million people like you. Mebrook.