الديمقراطية: عربةُ ام حصان؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
" العرب متنافسون في الرياسة، وقل ان يسلّم أحد منهم الامر لغيره ولو كان أباه أو أخاه أو كبير عشيرته، الا في الاقل وعلى كدر من اجل الحياء، فيتعدد الحكام منهم والامراء، وتختلف الايدي على الرعية، فيفسد العمران وينقص.. " ! ـ ابن خلدون ـ
مقدمة
بعد سنوات وسنوات من ترديد "الديمقراطية" لا غير.. وبعد عقود من سنوات حكم الطغاة الجائرين.. وبعد سنوات من موجة الانقلابات العسكرية والثورات الراديكالية، اجتاح مصطلح الديمقراطية اليوم كل مجتمعات العالم، فمنها من كان مؤهلا لها، ومنها من ينتظر توفر مستلزمات التغيير والتحول الى الديمقراطية وبناء المؤسسات.. اضافة الى ذلك استخدام المصطلح لمصالح معينة اثر ركوب الموجة الامريكية التي بدأت تبشر بالديمقراطية والحاجة اليها.. ان مجتمعات بعض دولنا غير مؤهلة ابدا كونها تعتبر الحريات الممنوحة مجرد مجالات للعبث والضياع، ولقد ارتكبت اشنع الاعمال والجنايات والخطايا باسم الديمقراطية.. وهذا من اكبر الاخطاء التي يمارسها البعض ممن يتشدق بالديمقراطية، وهو لا يدرك ابسط مستلزماتها احضار العربة من دون حصان.. اننا لو تأملنا طويلا في النص الذي كتبه العلامة ابن خلدون قبل اكثر من ستة قرون، لوجدنا ان القوة والسلطة هما من يتحكم ليس في سباق محموم، بل في صراع طويل ليس لدى العرب حسب، بل في كل مجتمعات الشرق الاوسط.
مستلزمات السير نحو الديمقراطية؟
انني لست يائسا تماما من عملية الديمقراطية في مجتمعاتنا ولست من الذين يزرعون اليأس ويبثون حالة العجز في القوى الطموحة للتحرر والتقدم، ولكن ثمة اسس مفتقدة لابد ان نعترف بها في دواخلنا قبل ان نلقي بتبعات فشلنا على غيرنا.. صحيح ان التجربة الامريكية في اشاعة الديمقراطية لا يمكن الاطمئنان لها ابدا، بسبب الصحوة الامريكية المفاجئة للدكتاتورية وعلى الطغيان في الشرق الاوسط، وكأن امريكا لم تشارك طوال خمسين سنة منذ بعيد الحرب العالمية الثانية في نشر الدكتاتوريات، وحبك المؤامرات، ومساعدة الانقلابات العسكرية، وتسلط العسكريتاريا، والسكوت على كل الاهوال والتجاوزات والحروب التي مرت بالمنطقة هي والدول الكبرى التي تحالفت معها، او كانت في حرب باردة او ساخنة معها.. دعوني اقول ما عندي وبعد هذا الجدل عن الديمقراطية ومدى نجاحها في مجتمعاتنا التي نعرفها.. دعونا نتأمل معا في الركائز الثلاث:
الركائز الثلاث:
1/ ان التجارب الديمقراطية لا يمكنها ان تولد مباشرة بعد طغيان عقود من الزمن.. بل ان ولادتها لابد ان تكون طبيعية وليست قيصرية، وتتبلور اثر فترة انتقالية، نظرا لما يحتاجه كل مجتمع من المجتمعات التي هي بأمس الحاجة الى الديمقراطية، وهذا امر معروف لدى القاصي والداني، اذ لا يمكن ابدا الدخول بأي تجربة ديمقراطية والمجتمع غير مهيأ لها ابدا.. هذه الركيزة الاولى وسواء قبلناها ام رفضناها، فالارادة الحرة لا يمكن شراءها ولا سحبها ولا خداعها، انها تعبير يترجمه الواقع بافضل صورة او باتعس اشكاله.
2/ اما الركيزة الثانية، فتتمثل بأن تكون عملية التطبيق للتجربة الديمقراطية مدنية صرفة ضمن دستور مدني وفي مجتمع مدني وعلى ايدي احزاب وقوى مدنية.. ان مجرد اللعب باسم (الديمقراطية) من قبل مؤدلجين دينيين، او عقائديين سياسيين، او قوميين شوفينيين، او احاديين مركزيين، او متعصبين طائفيين.. فسوف لا يكتب النجاح لأي ديمقراطية.. وعليه، مطلوب تأسيس حالة مدنية بعيدا عن اي مناخ سياسي بالاسم فقط، ولكنه ديني او عقائدي او مذهبي او طائفي.. وهذا ليس بعجز في الديمقراطية نفسها كآليات ومفاهيم وخطوات، بل العجز في حالات المجتمع السياسي الموبوء بالمطلقات.
3/ اما الركيزة الثالثة، فلا يمكن لنا ان نلعب بمصائر الشعب باسم (الديمقراطية) لنطلق ليس الحريات العامة، بل لنطلق كل الغوغاء من تحت الارض وجعل الانفلات بديلا عن الانغلاق، ونجعل المحاصصات بديلا عن المشاركات، ونجعل الانقسامات بديلا عن الوحدة الوطنية.. ان الديمقراطية ليست صورة مشوهة للحياة البدائية المشاعية التي تريد ان تجعل من نفسها حياة متقدمة دعاية واعلاما وان الواقع شيئ آخر.. لا يمكنك ان تقول بأن صندوق الانتخابات هو الرمز الحقيقي للديمقراطية، كما يجري تصنيفه في الخطاب السياسي المعاصر..فهذا زيف وكذب وافتراء من قبل القادة السياسيين والمفذلكين الاعلاميين.. بل ان تطبيق القانون هو اول اشارات الحياة الديمقراطية.
انني لا اهرب من واقع صعب جدا خلقته سنوات الطغيان واوبئة الماضي لكي الوم امريكا وغير امريكا انها سبب فشل التجربة الديمقراطية، وكأن لم يكن هناك قوى عراقية او غير عراقية (عربية كانت ام تركية وايرانية وغيرها) تطالب بالديمقراطية فكرا وسياسية وممارسة قبل الهجمة الامريكية السافرة على منطقة الشرق الاوسط.. وكأن ليس هناك فكر ديمقراطي عربي او غير عربي يناشد المجتمعات والدول بالديمقراطية.. وكأن ليس هناك اي نخبة من اساتذة او مفكرين وكتاب ومختصين دعوا الى التغيير السياسي والاصلاح الاقتصادي والتحديث الاجتماعي وتبديل المناهج وتقويم البنى السياسية والمطالبة بتغيير الاحزاب وانظمتها الداخلية قبل منادة امريكا للديمقراطية في الشرق الاوسط.
مشروع (الديمقراطية) بين التأهيل والتأجيل
علينا القول بأن الديمقراطية شيء والإسلام شيء آخر, اذ علينا أن نعلن لكل مجتمعاتنا بصراحة متناهية أن الدين لا يمكن توظيفه في الديمقراطية.. ولا يمكن للأحزاب الدينية أن تجّرب حظها في المسألة الديمقراطية ! وعلى الإعلام في الدولة الديمقراطية أن يكون مستقلا عن أي سلطة سياسية أو دينية.. وعلى الإنسان في المجتمع أن يكون حرا في خياراته كلها وأفكاره ومبادئه.. فهل هناك ثمة دولة في العالم الإسلامي قاطبة لديها الشجاعة في أن تقول هذا للمجتمع؟.
انني لا ارفض الديمقراطية أبدا، ولكن نحن بحاجة إلى زمن للتأهيل على الحريات والفكر الحر وعلى تربية الأجيال الجديدة على مفاهيم جديدة.. هذا لا يعني تأجيل النضال من أجل إقامة المجتمع المدني والتمتع بالحرية والديمقراطية ومنح الضمان الاجتماعي والعناية بالطفل ومنح حقوق المرأة، بل هو من أجل فهم العلاقة الجدلية بينها أولاً، وسبل خوض الكفاح ثانياً، وينبغي افتراض " الحالة " والتدرب عليها من اجل كسب تجليات هذا الفهم، وخصوصا في صياغة شعارات المرحلة النضالية ومهماتها الأساسية وخطابها الفكري والسياسي ثالثاً.
هنا علّي ان أوضح موقفي بكلمات وربما قد استفدت في بنائه من تجارب تاريخية درستها وتعمقت فيها على مدى سنوات طوال، اقول بأن اوضاع اي بيئة اجتماعية واحوال اي بلد تمر به كوارث ومصائب وفواجع وهو يعيش حالة حرب وفقدان امن وانسحاق ارادة.. الخ فلا يمكن بناء اي تجربة ديمقراطية ناجحة فيه مهما كانت الادعاءات، وهكذا علمتنا تجارب الشعوب، فالامر مكفول ومؤجل الى حين استقرار البلاد بفترات مؤقتة.. اما التأهيل، فغير ذلك، اذ لا يمكن بناء اي تجربة ديمقراطية من دون تأهيل المجتمع وخلق الوعي يالحريات والديمقراطيات واساليب الحياة الجديدة وقبول الاخر والاستفادة من الاخر.. ومحو الانغلاق. ان اي مجتمع من مجتمعاتنا غير مؤهل للديمقراطية ما دام الناس فيه يفتقدون ابسط انواع الحريات.. ان تجربة بعض البلدان ذات النظم الاسلامية بالديمقراطية، هي فاشلة بالضرورة لأن الاليات والمفاهيم الديمقراطية تتصادم اصلا مع اي حكم ديني للمجتمع. ان التأهيل ليس الالغاء، بل علينا بالفترات الانتقالية التي يستطيع فيها المجتمع ان يدرك النسب الدنيا من فهم الديمقراطية. وعندما افصل الدين عن الديمقراطية، فليس معنى ذلك حجبه عن الحياة، بل تكريسه لدوره الخلاق في بناء اخلاق الانسان وعلاقاته الروحية والحفاظ على تجلياته السامية. اما الديمقراطية، فهي مجرد تقاليد وادوات ونظم لاسلوب حياة متقدمة ومعقدة.
واخيرا: كيف نؤهل مجتمعاتنا نحو الديمقراطية؟
ان تكوين المجتمعات الديمقراطية بحاجة الى عشرات السنين، ولكن كم يحتاج تغيير البنية من زمن؟ سواء كانت اقتصادية ام اجتماعية ؟ ما دامت العملية ليست ميكانيكية وهذا ما قصدته، فاين وجه الخلاف ؟ اما بصدد الديمقراطية وتطبيقها في مجتمعات اسلامية فمما يبدو من آراء بعض انه يرفض اي تجربة ديمقراطية في مجتمعات غارقة بالمطلقات والتواكليات ولا يؤمن بالعمل والتغيير وكل من هذين المبدأين قد نص عليهما الاسلام، اي العمل والتغيير.. ان ثمة تجارب اسلامية في بعض البلدان العربية والاقليمية هي امثلة حية على تناقض كبير جدا بين تفكيرين وبين عقليتين وبين آليتين وبين وسيلتين.. وعليه، اما ان نطالب بتأجيل اي مشروع ديمقراطي في بيئة تعج بالتناقضات لأننا نخادع انفسنا ونضحك على انفسنا كما نجني على اجيالنا القادمة.. او نطالب بالتأهيل، ومعناه عندي: الفصل التام بين ما هو ديني وما هو مدني، ونعترف ان تجربة العراق مثلا لا يمكنها ان تتقدم في ظل دستور لا هو مدني واضح المعالم ولا هو ديني غارق في الماضي.. انني اعارض اي ازدواجية في التفكير والممارسة.. علينا ان نقف بعيدا عن كل مخلفات الماضي ولكن لكي نتقدم علينا ان لا نقف مهرجين في وسط التناقضات ولا ان نتخندق مع اي طرف ديني او حزب طائفي يتشدق باسم الديمقراطية.. ناهيكم عن خلاصنا من اي تجربة شوفينية ندرك كم ستكون اداة فاضحة لانقسام العراق.. وهذا ما ينطبق ايضا على اي بلد في منطقة الشرق الاوسط.
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانوينة
التعليقات
هم هم العرب !!!!!!!!
kamal/sweden -العرب يا سيدي ليس بمتنافسين على الرئاسة و كرسي الحكم بل قل متقاتلين و غرقانين لحد الركب بالدماءو منذالقدم على كرسي الحكم و التاريخ يشهد على هذه المذابح حيث بعض هذه المذابح تحولت من دينيوية الى دينية ولذلك ارى ان البلدان العربي من الصعوبة ان تتحول الى بلدان ديمقراطية طالما ان كل من يجلس على كرسي الحكم يضع خلفه رجال الدين و فتاواهم حسب مقاسه كلما احتاج الى ذلك و هم لا يقصرون بذلك طالما ان جيوبهم ممتلأة بما يشتهون ليس لخدمة الله و انما استخدامهم و تكريسهم الدين لخدمة القائد طالما ان اكثر من 60 بالمائة من العرب هم من الجهلة و الاميين و من هم يعيش تحت خط الفقر و لك يا استاذنا ان ترى ان جميع دول العالم الان تستقبل العرب فقط كلاجئين حتى من هم من دول هي الاغنى في العالم و كذلك لك ان ترى ان اغلب دول العالم الغير مستقرة هي البلدان العربية و الاسلامية و السبب معروف لدى الجميع و شكرا .
كلام جميل ولكن
محمد المشاكس -الديموقراطية هي العربة والحصان معاً. ولاأوافق الكاتب في تصوره أنه لامكان للديموقراطية في بلد يمر في حالة نزاع مسلح لأنه بالإمكان البداية من نقطة صفر وبهذا يمكن بناء حكم الشعب لنفسه بأسس حديثة مستفيداً من تجارب الأخرين وبمساعدة المجتمع الدولي مثلاً. أما عن فصل الدين عن الدولة وعن ربط هذا بالديموقراطية فهذا أمر شائك وصعب وخصوصاً في الشرق الأوسط المتدين. مقال جيد ومتمشكل بالطريقة الصحيحة.
ملاحظات
طارق -العدل أساس الحكم.... لا ديموقراطيه بدون سيادة القانون.... الاسلام لا يتعارض مع الديموقراطيه و لكن الفهم الخاطئ للاسلام قد يتعارض مع الحريه! .... لا اكراه فى الدين.... المجتمع المدنى يعنى أن الأحزاب السياسيه لا يصح أن تفرق فى قبول أعضائها على أساس الدين أو العرق أو الجنس و أيضا يعنى انفصال الجيش عن السياسه.... القانون يجب أن يضع حدا واضحا و صريحا لمدة الحكم و لضمان تداول السلطه
بين النظريه والتطبيق
نوري البحراني -كل التقدير والاحترام للاخ الدكتور سيار - المقاله تفتقر للتطبيق العملي - وهو كيفية الوصول الى حالة المجتمع المدني بدون الاحتكام الى صناديق الاقتراع ؟
الديمقراطية
عبدالرزاق فلاح -الديمقراطية ثقافة وممارسةوحرية وتحكيم راى الشعب وثقافة العرب ثقافة العشيرة والقبيلة ورايهم راي اسبداد وعصبية مقيته ورؤساءهم لايتنازلونعن الحكم الابالقتل او السجن او النفي ذلك ان فكرهم وعقلهم يتنافي وحرية الراى وقبول حكم الشعب