كتَّاب إيلاف

سياسة الذاكرة وفن الإنتظار

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"الذاكرة في أصلها الحضرة بالقرب من..... هي أن نظلّ مشدودين إلى.... لا إلى الماضي وحده، وإنما إلى الحاضر، وكلّ ما سيأتي، كلّ هذا يلتقي في وحدة الحضرة التي تتخذ كلّ مرةٍ طابعًا خاصًّا " هايدغر

إذا كانت حريّة الكائن الإنساني مطلبًا وجوديًّا أساسيًّا، فإنها تكمن في تلك المقدرة على الانفتاح اللامتناهي مع مفردات الكون، واللاتناهي نحو فكر محدد، كما تنبني على طرح جديد لإرادة المعرفة قائمة على على فك الارتباط بنمط واحد من انماط الزمان وهو نمط الماضي، و شكل واحد من اشكال الواقع، فإن كلّ هذه المفاهيم تبعد هويّة الكائن عن الخشبية والثبات والانعزال المنغلق... وتساهم في دفع الإنسان نحو الابداع الامر الذي يحقق تقدم فعلي في مسيرة الأمم ويؤدي الى نماء الأوطان.

وفيما نحلم ونعمل ونتطلع نحو هذا الأفق ونسعى إليه بالكلمة الحرّة والفكر المستنير، من خلال إضفاء وتحفيز الوعي عند الأفراد، للتحرر من أسر النماذج المعلّبة المفروضة، نجد ان الأوضاع المترديّة في الدول داخليًّا، وضبابية المواقف الرسمية العربية خارجيًّا، تدفع بالشعوب الى ثلاجة المجهول وتُلقي بالمواطن العربي في قاعة الانتظار، موجِّهة بذلك ضربة قاضية لكل الأحلام التي يمكن أن تزهر في يوم ما.

فعند متابعة الاحداث السياسية والاقتصادية والثقافية الحاصلة في واقعنا العربي، والذي شهد في الآونة الأخيرة تأزمًّا واضحًا وتدهورًا إنسانيًّا فاضحًا، بدءًا من أزمة الحصارالماديّ اللاإنساني المفروض على غزّة، مرورًا بأزمة الرئاسة اللبنانية وموجة الاغتيالات التي تدفع بالوضع نحو الهاوية وشفير حرب أهلية، وصولا الى الفلتان الأمني في العراق، وعند تحليل المشهد شعبيًّا على المستوى الداخلي وخارجيّا على صعيد العلاقات الخارجية، نجد أن الاتجاهات كلها تصب لمزيد من "تأجيل" الأزمات ودفعها الى "ثلاجة المجهول".

الأمر الخطر في سياسة الثلاجة تلك، هو انّ الانسان في تلك الأنظمة أضحت عملية الانتظار جزءًا من مكونات هويته الأساسية، لذلك فهو لا يواجه الأزمات بل يحتجب عنها بذريعة انتظار، لقد فقدت الشعوب القدرة على مواجهة أزماتها المعيشية ناهيك عن السياسية والاجتماعية والفكرية.
لقد توقف الزمان بالنسبة لهؤلاء في لحظة تاريخية، وأضحى وجود "عدو" أمرًا ملازما للتفكير في كل الأمور، و أن هناك مؤامرة دائمة مستديمة مستمرة في كلّ الأوقات.

الاشكالية إذن تقع في ان وجود العدو صار جزءًا من الهوية، سواء كان هذا العدو عدوًَا متخيّلا أم عدوًّا حقيقيًّا، و"العدو" هو الذي يُحدد الهوية التي يضعها كحاجز وسياج عالٍ بمقابل الآخر، كما أصبح وجوده وسيلة مستأنفة لتأجيل الضرورات الداخلية ومطلبات الشعوب، الأمر الذي جعل الاوضاع الداخلية متعفّنة، و ذريعة دائمة من قبل السلطات، لاعلان حالة طوارئ مستمرة... فالانتظار يطرح كحلٍ للمشكلات التي لا يرغب المسؤولين في معالجتها ومواجهتها من جهة، كما انه مخدر ممتاز للشعوب من جهة اخرى...

وفي هذا الاطار نجد في التصريحات الرسمية الخارجية والتصريحات الداخلية للمسؤولي الداخل، والسجالات السياسية الدائرة ضمن أطياف الشعب الواحد، ان سمة اللامباشرة واللف والدوران هي محور الخطاب علاوة على بنى التفكير، الامر الذي جعل "الانتظار" والوقوف خلف "الستائر"، هو الطريقة المثلى لتأجيل الأزمات، علاوة على مفعول الوهم الذي يبعثه "الستار" عندما لا يُنظر إليه كحاجز.
ان عدم الوضوح المشار اليه في السياسات الخارجية العربية والتشرذم في المواقف من المبادرات، وابقاء الأمر على حاله وتجميد مشاريع التنمية، والتطنيش عن الانسان وحقوقه، من خلال ممارسة القمع المعلن والمقنع، بحق الشعوب، سيؤدي في نهاية المطاف، الى انهيار مفاجئ وانفجار شعبي سيخرج عن السيطرة، وستتداعى عندها مملكة الانتظار وتتحول الى انفجار عنقودي يشتمل على سلسلة لا متناهية من الانفجارات المتراكمة.

أتساءل دومًا الى متى سنبقى نفكر في أزماتنا بدلا من ان نفكر بها؟ كيف لنا كشعوب وأمم ان نتحررمن العلب الفكرية والأحزاب التي تحاول الطائفية والعنصرية ان تضعنا به فتخنقنا وتقتلنا؟ كيف لنا ان نفك حصارنا المادي ونحن اسرى حصار فكري مبرم؟ كيف لنا ان نتحرر من اسر "النموذج المتخيل"؟ متى سنستطيع تجاوز "النقطة التاريخية" ونخرج من ثلاجة الزمن؟ متى ستكون إشكالية الزمان قضية جدية من قضايا فكرنا العربي؟ متى سنخرج من قاعة الانتظار؟
الكارثة كلّ الكارثة ان لا يكون ثمة نتيجة بعد طول الانتظار....

كنت أقرأ الأسبوع الفائت قصيدة بالفرنسية مترجمة عن اليونانية للشاعر الإغريقي قسطنطين كافافيس، الذي عاش في الاسكندرية أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين تُعدّ خير تجسيد لحالة الانتظار الذي نعيشه، انقل للقارئ بعضًا من ابياتها وهي بعنوان " في انتظار البرابرة":
ما الذي ننتظره في ساحاتنا العامّة؟
سيأتي البرابرة اليوم!
لماذا هذا الجمود في مجلس الشيوخ؟
لماذا استيقظ امبرطورنا مبكرًّا،
ولماذا يجلس على العرش مرتديًّا تاجه؟
سيأتي البرابرة اليوم!
والامبراطور ينتظر لاستقبال رئيسهم
حقا لقد استعد ليقدم له قرطاسًا
حفر عليه العديد من الألقاب وأسماء الشرف...

وفي نهاية القصيدة يشرح سبب انتشار الفوضى:
لأن الليل جاء ولم يأت البرابرة
ويقول بعض العائدين من الحدود
أن لم يعد هناك برابرة
والآن ماذا سيحصل لنا إذا لم يكن هناك برابرة؟؟
فقد كانوا في شكلٍ ما، حلاً ممكننًا

__________________

1- Martin. Heidegger (1889 - 1976) : " La question de la technique " - Essais et confeacute;rences, Gallimard 1958
2- Constantin Cavafis (1863 - 1933) - Alexandrie - Egypte - En attendant les barbares et autres poegrave;mes traduits du grec par Dominique Grandmont2Gallimard - publication- 2003

كاتبة لبنانية
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تعليق
د. سمير رحباني -

انني اعتز بالاخت الكاتبة مروة ولكن اسألها ما علاقة الفيلسوف هايدغر بموضوعها - ؟ ولماذا نسخت واحدا من كتبه المهمة لتقول انها اعتمدته ونسخته مفقودة والمنشورة منذ العام 1958 . ثم اذا كانت الكاتبة مروة قد نشرت ترجمة لقصيدة كافافيس في -------- فما معنى قولها في المقال : كنت اقرأ الاسبوع الفائت قصيدة بالفرنسية مترجمة عن الاغريقية للشاعر الاغريقي قسطنطين كافافيس ؟؟ ارجو منها احترام عقل القارئ العام ان لم تحترم عقل القارئ المختص راجيا من ايلاف العزيزة نشر تعليقاتي وتصويباتي (لبعض كاتباتها وكتابها الشباب )

الكتاب ليس مفقود
Maysa -

تحية للكاتبة وشكرا لها لأنها تمتلك قدرة ربط مميزة بين المفاهيم الفلسفية وتستطيع ان تسقطها على الواقع الاجتماعي.. وانا باحثة في هذا الميدان ... بالنسبة لكتاب هايدغر فهو ليس مفقودوموجود في المكتبات الجامعية وهو مرجع فلسفي متوفر ، ولست ادري ان طبع مرات اخرى ام لا وهل هو متوفر في الاسواق ...شكرا لايلاف

freedom
jordanian -

what about religion and tradition, don`t they make us slaves

انني اتحدى
د. سمير رحباني -

من انت يا ميسا ؟ اخشى تكوني الاخت مروة تدافع عن نفسها وتمجدها . الكتاب طبعا كبع عدة طبعات وترجم الى الانكليزية ولغات اخرى ، ولكن قصدت طبعة 1958 التي ادعت الاخت الكاتبة انها استخدمتها واتحداها ان استخدمت تلك الطبعة المنشورة قبل خمسين سنة ، بل واتحدى الكاتبة والمعلقة ان كانت قد استخدمت هايدغر اصلا شكرا لايلاف

د. رحباني ، مهلا !
humanist_ar@yahoo.co -

تساؤلات رحباني لا تشكل أي إتهام مشروع ضد الكاتبة كريدية.وكان عليه أن يجيب على تلك التساؤلات،وأن يوضح فكرته، بدلا من طرحها بهذه الطريقة السلبية .أما عن إحترامها لعقل القارئ،فهذا ما لا يحق لرحباني أن ينفرد فيه ويتكلم بإسمنا.وخاصة وأنه ليس وحده قارئ"مختص" ويقصد بذلك متخصص. فالكاتبة كريدية تواظب على طرح المواضيع الجوهرية وتعالج القضاياالتي تخاطب عقل القارئ بل والإنسان بشكل عام،وإن كتاباتها تتميز بروح إنسانية وبروحيةالمحبةوالخير والإيجابية تجاه الإنسان وما يعانيه ويتعرض له.القارئ "المختص" رحباني لقد أسأت اختيار السيدة كريدية لتجريب سهامك.فهي تستحق كل تشجيع وكل متابعة وتأمل في كل حرف تكتبه في مقالاتها المميزة.وأنت مطالب أكثر من غيرك لتقدير هذه الكاتبة الرائعة . وفقها الله.

هايدكر
نزار -

تساؤل مشروع من احد المعلقين وانا اجيبك في الواقع ليس لهذا الفيلسوف دخل بالموضوع ولكن يبدو انك لا تعرف ان الكتاب العرب يحبون ان يقحموا دائما عبارات لفلاسفة مشهورين لكي ناخذ انطباع بانهم مثقفون ويعرفون كل شيء عموما الامثلة التي ذكرتها الكاتبة لبنان غزة العراق لم تذكر الاسباب الرئيسية للمشاكل في هذه المناطق الساخنة وهي الايادي الخارجية التي تلعب من وراء الكواليس ومن امامها ولم تذكر التحسن الواضح الذي حدث في العراق بعد ان رفض اهله الوصاية الخارجية وبداوا يحاربون التدخل الخارجي العربي وغير العربي لان الغرض منه هو تدمير هذه البلدان وبقاء دول معينة على الساحة نتمنى من لبنان ان يتبع نفس الاسلوب العراقي في حل ازماته

مرة اخرى
د. سمير رحباني -

اين الاساءة ؟ كل ما هناك قمت بتصحيح واعطيت رأيا وتكلمت مع الكاتبة كأخت . لماذا هذه العصبية من قبل واحد فقط هو نفسه يكتب ويرد اسألكم بالله ايها القراء الكرام اين علاقة هايدغر بهذه المقالة ؟ ان الكاتب عليه ان يحترم نفسه ليحترمه الاخرون كنت اتمنى ان توضحون لي ما معنى هذين المصدرين بالفرنسية والكاتبة نشرت قصيدة الشاعر الاغريقي مترجمة ولا نعرف هل قامت هي بترجمتها ام قام بذلك غيرها فهي لم تذكر ذلك في مقالها . لا تضجري اختى العزيزة فمقالك ضعيف جدا مع تمنياتي لك بالتوفيق وهي ليست سهام وانما تنبيه ونقد ولم اسيئ اليك بل احسن اليك ان تكوني في مرة اخرى افضل مع تحياتي لايلاف

حبذا لوتحررت الكاتبة
كركوك أوغلوا -

من حجابها ؟؟!!00لأن الحجاب هو رمز العبودية للمرأة بأمتياز !!!000الفلسفة لاتفيد أحدا , وأنما العبرة والجرأة بالتغلب على العادات والتقاليد التي تجعل من المرأة نصف عقل ونصف ميراث وشهادة وربع زوج ووو0000وشكرا لأيرف الغراء للنشر و لأنني أصلا أدافع عن حقوق المرأة في الحرية من عبودية لحقوق الرجال المقدسة 000

الحالة تعبانة يا
أحمد -

الحالة تعبانة يا ليلى وأمل بالتحسن مفيش. من أمراضنا الإدعاء بالعلم والمعرفة. ومما يبقي على هذه الأمراض الدعم والواسطة التي تسبب عدم وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب. مع الشكر لإيلاف

يادكتور
محمد المشاكس -

لاتتعب نفسك يادكتور مع أن كلامك صحيح وعلمي تماماً فسوف يأتيك البعض ويهاجموك ويشتموك وبالطبع لن يناقشوا الفكرة التي تطرحها أمامهم. السؤال هو ماعلاقة الرفيق هايدغر بالكلام المنشور أعلاه؟ وماهو علاقة الشعر المنقول من لغة ثالثة بالموضوع؟ هل من مجيب قبل أن يشطح البشر بأفكارهم ويصبح هذا المنبر أداة للحروب الدينية بدلاً من الفكرية التي تقدم الإنسان.

حول كلمة باحث
محمد المشاكس -

تعد كلمة باحث/باحثة الوجه الأخر لعملة نقدية سوف تزال قريباً من التداول ألا وهي مثقف/مثقفة. عن ماذا تبحثون؟ وماذا وجدتم حتى الآن؟ الجواب هو: لاشيء. الرجاء الإجابة من قبل أحد الباحثين.

إلى من يهمه الامر
ناطق فرج -

يُعد تبسيط البسيط من المشاكل الحقيقية. ساحاول جاهداً أن أخوض في احداهن. لا يختلف إثنان على ان الشاعر كافافيس هو شاعر اغريقي. حدث وأن تُرجمت له قصيدة (في انتظار البرابرة) إلى الفرنسية. مَن ترجمها إلى الفرنسية؟ لا أعلم! وبما أن الكاتبة كريدية تعيش في فرنسا فذلك يعني أنها تتقن اللغة الفرنسية. وها هي تقول في المقطع الأخير من مقالتها: كنت أقرأ الأسبوع الفائت قصيدة بالفرنسية مترجمة عن اليونانية (انتهى). السؤال الذي حيّر الالباب هو: منْ ترجم هذه القصيدة من الفرنسية إلى العربية؟ هناك احتمالان: الأول، أن الكاتبة هي نفسها من ترجم القصيدة من الفرنسية إلى العربية (وهذا هو ما اعتقده) ولم تشير إلى ذلك تواضعاً. الثاني، هو أنها (القصيدة) تُرجمت من قبل مترجم آخر (ربما هو الدكتور سمير الرحباني) ولم تذكره كريدية لغاية في نفس يعقوب (وهذا ما استبعده). وإلا كيف يُبرّر الدكتور غضبه؟ علماً أنه دكتور (مختص).