مواطنة في أزمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لا يتضمن الدستور الأمريكي نصا حول اللغة الرسمية للدولة، وتلك لم تكن هفوة بل قرار قصدي دعي إليه أبو الفيدرالية الأمريكية " توماس جيفرسون "، لأنه لم يرد لذلك الدستور ان يحتوي علي أي نص يوحي بالإقتصارية العرقية أو الفئوية.
أضحت اللغة الانجليزية لغة سائدة ووسيلة للتواصل بين شعوب أمريكا بحسبانها أكثر اللغات تقدما وأوسعها شيوعا، علي المستوي العالمي، بين كل اللغات التي كان يتحدث بها المهاجرون مثل : الهولندية والألمانية والإيطالية والإسبانية ولغات أهل الشمال الاسكندناوي. كما أصبحت الانجليزية وسيطا لصهر كل الثقافات الوافدة في بوتقة واحدة، لأن الناطقين بها من أهلها كانوا يعدون أنفسهم كيانا قائما بذاته علي أرض تجمع بينهم وبين غيرهم، لا امتدادا لكيان آخر وراء المحيط الأطلسي مما سهل عملية التمازج، وأفسح الطريق أمام " المواطنة الديموقراطية ".
وحين حذر صامويل هنتنجتون في كتابه " من نحن؟ "، عام 2004، من تغيير الهوية داخل الولايات المتحدة نتيجة للانفجار الديموجرافي لأهالي دولة المسكيك، وهو ما يعرف بـ "مكسكة" أمريكا، والتي أفرزت ثقافة ثنائية اللغة، مشيرا إلي أنها ستتحول مع الأيام إلى نظام سياسي وسلطة ثنائية، ظهرت عشرات الكتب التي تنتقد هذا الزعم، وتؤكد علي أن التعدد والتنوع الثقافي في ظل المساواة السياسية، هو أهم ما يميز أمريكا.
ولذلك لم تجابه أمريكا، كغيرها من الدول، سواء كانت عظمي أم صغري، مشكلة الأقليات، خاصة مع زحف العولمة وانتشارها. فإذا كان تعبير الأقلية، في الأدب السياسي والدستوري، يشير إلي مجموعة غريبة تعيش في حمي وطن أو قوم يرعونها وهي، بالضرورة، منقوصة الحقوق والواجبات، فإن هذا التعبير لا يعني شيئا في بلد بوتقة، يتميز دستوره بالمساواة، نصا وفعلا، بين مواطنيه جميعا. فأنت لا تستطيع، بهذا الفهم، الحديث - من الناحية الدستورية - عن الأقلية الزنجية في أمريكا، فهؤلاء أصحاب حق في الأرض لهم ما لأهلها كلهم من حقوق وعليهم ما علي أهلها جميعا من واجبات.
أضف إلي ذلك ان تعبيري الأقلية والأغلبية اصطلاحان احصائيان لا معني لأي واحد منهما دون توصيف : فقد تشير الأقلية والأغلبية إلي الدين، وقد تشير إلي اللغة، وقد تشير إلي المنبت العرقي، وقد تشير إلي الجنس (الرجال والنساء). لهذا فإن الاختيار الانتقائي لمثل هذه الاصطلاحات لن يفيد الوطن أو" المواطنة " في شئ بل يوقع الناس في محنة أبدية، فإن اختيار واحد، مثلا، الدين لتمييز أهل البلد فما الذي يمنع الآخر من اختيار الأصل العرقي.
وحسب "مونتسكيو" في كتابه "روح القوانين" أو الشرائع، فإن المساواة بين المواطنين هي الفضيلة السياسية الأساسية. إذ أن مفهوم الوطن يقترن عنده بمفهوم المساواة، المساواة في الحقوق، والمساواة أمام القانون، أو قل "المساواة السياسية"، ولذلك كان حب الوطن أو حب المساواة فضيلة سياسية. أي أن المساواة السياسية بهذا المعنى مقدمة لازمة وشرط ضروري للمساواة الاجتماعية.
لقد جعل "الوطنية" صفة للدولة وتحديد ذاتي لمواطنيها، وهي على الصعيد القانوني ترادف "الجنسية" وحسب "حنا أرندت" فإن الجنسية هي "الحق في أن يكون لك حقوق" إذ أن جميع من يحملون جنسية دولة معينة هم مواطنوها، بغض النظر عن انتماءاتهم الأثنية أو اللغوية أو الثقافية أو الدينية أو المذهبية، وبصرف النظر عن اتجاهاتهم وميولهم الفكرية والأيديولوجية والسياسية.
ويمكن القول أن الوطنية هي التحديد الأخير لمواطن دولة ما، وهو تحديد لا ينفي أو يلغي عن هذا المواطن انتماءه الإثني أو اللغوي أو الديني أو المذهبي، ولكنه ينفي أن يكون هذا الإنتماء "ما قبل الوطني" هو ما يحدد علاقته بالدولة، ويعين من ثم حقوقه التي هي واجبات الدولة، وواجباته بما هي حقوق الدولة وحقوق المجتمع. علي العكس مما حدث، ويحدث الآن مع الأقليات في معظم دول الشرق الأوسط، وبات يهدد فكرة الوطن ومفهوم المواطنة في مقتل. فبعد أن أستقر مفهوم المواطنة في طبيعته وحدوده، مع توطيد دعائم الدولة القومية، أصبح الآن مفهوما إشكاليا، أو ان المواطنة بسبب التغيرات الأخيرة علي الصعيد القومي والعالمي أصبحت تعيش حالة هشة، أو أنها " مواطنة في أزمة "، حسب تعبير د. علي ليلة في كتابه القيم " المجتمع المدني العربي، قضايا المواطنة وحقوق الإنسان "، مكتبة الأنجلو المصرية 2007.
والأزمة هي الحالة التي تسبق الإنهيار أو العافية، ومن ثم فإن أزمة المواطنة في الشرق الأوسط يمكن أن تؤدي إلي انهيار هذه المنطقة فتتقلص وتتراجع إلي أطر أو حدود الجماعة الإثنية، وإما ان تكتسب العافية فتتسع إلي نطاق انساني أرحب، خاصة وان العالم يسير في هذا الاتجاه. " فقد اخترقت العولمة مبدأ الإقليم كنطاق جغرافي وفضت الرابطة بين السلطة والمكان "، ولا مناص من أن تعمل دول هذه المنطقة علي الارتقاء بحالة " المواطنة الديموقراطية "، واستكمالها وتهجينها بأفضل العناصر التي تتيحها العولمة، حتي لا تظل المواطنة باقية في حالة أزمة، أو أن تنهار.
أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
Dressamabdalla@yahoo.com
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات
الجوقة اياها ؟!
الايلافي -وبانتظار ردود البكائين على حائط ايلاف اللبرالي ؟!! جوقة صبية الكراهية ؟!!
تحية
مدمن ايلاف القبطي -المقالة عزيمة تعبر عن كاتب متمكن ومحايد تستحق كل الاحترام واشكر لة اصرارة علي قول الحق ورجولتة في الصدق لكن يا دكتور عصام الواحد زهق وللاسف لم يجد الاقباط حلي الا في الامل في الله والامل في الهجرة يوما ما وفي غضون ما لا يقل عن 50 عام لن تجد فية قبطي واحد في مصرونرتاح ونريح وتخلص اللعبة وورونا بقي الجنة علي الارض زي جنة افغانستان انشاء الله وللاسف المسلمين الصامتية مشاركين بصمتهم
كاتب محترم
مؤمن بإيلاف -وبدون حلفان الراجل ده كاتب محترم يجيبهلهم من كل زاوية من أمريكا لحد ماليزيا لكن تقول أيه في التعصب والكراهية للآخرين والمختلفين في الديانة والثقافة .
إبعدوا هذا المسيء
حليم سبتي -تعليق الايلافي يذكرنا بتعليقات برسوم الايلافي واوس ورشاد وباقي جوقة الكذب والغزو والاجرام, ياريت يوجد عاقل ومنطقي يخلصنا من تعليقات هؤلاء التي تثير الاشمئزاز وتقزز النفوس, وشكرا
كونسلتو نفسي
سوسن تاجي -لم اشعر كمواطنة أمريكية أحمل الجنسية بأي فرق بيني وبين أي مواطن إلا بعد الهجوم الارهابي علي بلدي الذي اعتز وافخر به أمريكا . المشكلة انني حين اعود الي مسقط رأسي أشعر بالغربة وبالحقد عليه والغيرة وكل الامراض كأني من كوكب آخر وأري في عيون الجميع حسد لما أنا فيه وكراهية لأمريكا وهذه حالة تحتاج لكونسلتو نفسي .
أبادير وكميل
أكرم مسيحة -مقال مستنير لكاتب وطني يحترم فكره وقلمه لأنه ليبرالي حقيقي وليس مزيفا . وهذا ليس دفاعا ولاتقريظا وإنما مسؤولية كبيرة عليك يا دكتور بعد أن أختلطت الأمور وتضخمت ككرة الثلج والخاسر هي القضية القبطية .نعم هناك مواطنة جديدة تتخلق الآن ولا تحتمل مزايدات من أقباط المهجر ولا من أجهزة النظام الحاكم ولا من الإخوان المسلمين .دعونا نتفق علي أننا بحاجة لعقد اجتماعي جديد وشكرا لكل المعقبين والمعلقين .
كلنا مشاريع للذبح
رشاد القبطي -لا ادري لماذا يحتكر التيار القبطي المتطرف المواطنة ويبدو انه المعني بكل مقال عنها ان ملاييين المصريين يعانون من الاضطهاد والتهميش والقمع والقهر الذي لم يستوقف هذاالتيار المتطرف الانعزالي وكأنه يتشفى بهم ، ملايين الشباب المصري يعاني ولا يستطيع النابه والذكي والمستحق فيهم ان يحصل على وظيفة لان للامن رأي في الموضوع وقد اكتشف ان جده الاكبر سار في مظاهرة ايام عرابي ؟ ! ان اجندة التيار القبطي المتطرف تتجاوز المواطنة الى استئصال الاخر تماما بإعتباره دخيل ووافد وهم اصحاب الارض كما يزعمون وقد كان قبلهم اليهود وهم وافدون على مصر كغيرهم من شعوب الارض ان تعاطف التيار العلماني اللبرالي مع قضاياهم كما يزعمون لن يشفع لهم وليتذكر كل علماني وليبرالي يصطف معهم محاكم التفتيش الاسبانية التي لم ترحم حتى من تنصر من المسلمين كل المسلمين مشاريع ذبح حال وصول هذا التيار الى السلطة وهم لايخفون هذا ويبشرون به في ادبياتهم وتعليقاتهم الطائفية .
سؤال
سماح برهان -نعم هناك نوع جديد من المواطنة الإنسانية ستعم العالم وما يحدث الآن هو موجهة بين القديم والجديد وهي عنفية أكثر مما يتصور البعض لكن هل ستنجح الأقليات في الشرق الأوسط في فرض أجندتها وسط هذه الظلامية الممتدة في ربوع العالم العربي ؟
خلط وجهل
أسعد -مالك أنت ومال عمنا عدلي أبادير والبرنس كميل حليم ؟ ألم يضعا القضية القبطية تحت دائرة الضوء ؟ ألم يحركا المياة الراكدة من الظلم بعد 50 عاما عجافا ؟ ألم يحن الوقت بعد لاحترام الرأي الآخر الذي لا يوافقنا يا أكرم باشا ؟
أرحمونا
موفق -مع كل مقال يتنابذ الأصوليون والعلمانيون وهذا صحي جدا طالما في حدود الأحترام اما ان يفرض أحد الوصاية علي الجميع فهذا مرفوض ويجب أن نتفق علي رفضه مث رشاد القبطي ومدمن إيلاف المسلم والقبطي والبين بين كأمير مسيحة ... أرحمونا بقي وأفهموا المقال المكتوب يمكن يخرجكم من حالة التعصب دي .
الاعتذار مقدما
سيد خليل -الكاتب مهموم بتأصيل المواطنة الديموقراطية ولا يتحدث عن التمييز الايجابي ولا كوتة للأقباط . دعونا نناقش ما جاء في المقال من أفكار لأن أغلب المعلقين مدججين بمسبقيتهم الجاهزة وآراءهم المعلبة سلفا مع الاعتذار للجميع مقدما
تحياتي للكاتب ولكن
ابو الرشد -دكتور عصام انت رجل دمث الاخلاق ، لكننا لم نسمع من الاقباط انكارا لتصريحات التيار المتطرف من بينهم الذي لا يطالب بالمواطنة ولكن بطرد كل المصريين العرب والمسلمين ان كل المسلمين في مصر مشروع ذبح اوطرد حتى العلمانيين واللبراليين وا لمتعاطفين معهم لان اسمائهم عربية ولانهم مسلمين حتى ولو كانوا علمانيين وليبراليين ولان كما يعلن التيار المتطرف القبطي المهجري خاصة احفاد الغزاة ؟!!