كتَّاب إيلاف

هل يجوز للمؤمن أن يكون منافقا أو قاسيا؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يكاد الايمان ان يتلازم مع الصدق والشجاعة، هذا في الاقل ما تعلمناه في صغرنا حين كانت تبهرنا سيرة الرسول (ص) في صدقه وجرأته، والايمان مقرون ايضا بالبساطة، فالأوائل من الباحثين عن الحقيقة توجهوا الى الشمس والقمر والنار، يبتغون إلها حتى اهتدوا الى ما هم عليه الان من اديان مختلفة في شعائرها متوحدة في غاياتها. واذا نظرنا الى حياتنا ومجرى الايمان في ربوعها، نجد ان الناس في غالبيتهم قد أشاحوا عن الصدق في ايمانهم وتفننوا في ابتداع وسائل للتحلل من التزامات يوجبها دينهم، ما انتج انماطا من السلوك المنافق البعيد عن الايمان كصفة علوية يتسامى بفضلها المؤمنون فوق بشريتهم ونزعاتهم المادية. من ذلك اسوق امثلة واقعية لاتحتاج الى شرح أو توضيح: منذ ايام غادرنا شهر رمضان المبارك وقد عجبت لرجل مؤمن حريص على اداء الصلاة في اوقاتها، ان ينوي السفر لأنه لايطيق الصوم في اشهر الصيف ويبرر ذلك بانه حيلة شرعية، وكأن الله قال:سافروا كي لاتصوموا، مع علمه بان الاعمال بالنيات وانه لاجدوى من التحايل على ربه لانه يعلم مافي الصدور، واذا كان يكذب على خالقه فكيف يتعامل مع الناس؟
وفي رمضان ينسى معظم المؤمنين حكمة الصوم في حفظ الصحة والاحساس بحاجة الفقراء فيبالغون في مآدب الافطار ويزدادون تخمة، ويرفع التجارأسعار الغذاء وينتهي رمضان الى كونه شهر الاغنياء حيث لايجد الفقراء مايأكلون ويصومون فوق صيامهم. رجل كثير السفر بحكم عمله، يعقد زيجات مؤقتة بحجة الخوف من الوقوع في الفتنة، على الرغم من انه لايغيب عن زوجته سوى اياما ومع كونه ايضا من المحبين للامام علي الذي يؤثر عنه كراهته لتمتع المحصن (المتزوج). وفي باب زواج المتعة روت لي صديقة مهاجرة ماحصل لها مع احد رجال الدين وهو مالك لسوق صغير، كانت تبحث عن عمل وتعيل ابنتها فأرشدتها صاحبتها اليه لمساعدتها. حين التقته يبدو انها راقت له فوافق على تشغيلها في محله كمحاسبة ولكن بشرط ان تقبله كزوج مؤقت لانه لايستطيع النظر اليها دون مسوغ شرعي . شرح لها انواع الزواج المؤقت الثلاثة: منه ما كان بالنظر فقط أو باللمس أو بالمعاشرة الحقيقية، وكل ذلك مقابل مهر أو أجر كما يسميه الفقهاء. فوجئت المرأة بطلبه ورمقته بنظرة ساخرة، قالت له ان صيغة النظر فقط تلائمها لكن مهرها غال لاأقل من مليون دولار، صرخ بها منتفضا: انت مجنونة بالتأكيد لماذا ادفع لك وبامكاني ان انظر اليك كما اشاء فانت متبذلة (غير محجبة). هذا الرجل امام شهواته نسي ان الله امره ان يغض من طرفه ويتعفف. رجل آخر في الخمسينيات من عمره، متزوج وله اولاد يعقد زيجة مؤقتة مكتفيا بان يقول لقرينته بانها زوجته امام الله و يجدد العقد كل عام، اقول بماذا يختلف هذا السلوك عن الزنا؟ فالزانية والزاني لايعلم بهما الا ربهما الذي يعلم مافي الصدور، وهما ايضا مؤمنان، لكنهما لم يقويا على صد اغراء النفوس. تاجر واسع الثراء يتزوج خلال اسفاره زواجا سياحيا ثم يترك زوجته الصبية بعد شهر او ايام معدودات، ويأتي غيره وغيره والنتيجة تصبح اللواتي اظطرتهن الحاجة الى مثل هذا الزواج الذي لايختلف عن زواج المتعة الا بالاسم، يصبحن بلا مستقبل، فاقدات لاحترام المجتمع المنافق. هذا عن الرجال فماذا عن النساء المؤمنات: امراة في ديار الغرب تتزوج مؤقتا من رجل فقير ويصادف ان تزورها صديقتها فتجده عندها، تسألها من هو فتجيب بانه خادمها!! تكذب على الرغم من انها تؤمن بان زواجها محلل بنظر بعض الفقهاء. واحدة اخرى تنفصل عن زوجها صوريا لتتيح له ان يتحايل على الضمان الاجتماعي ويحصل على دار ثانية، يؤجرها فيزيد من دخله، ينكشف امرهما بان تفاجئهما المسؤولة بزيارة ليلية، تجد زوجها عندها الذي يفترض ان يعيش بعيدا عنها، تسألها فتجيب بانه صديقها. تعجب الزائرة وهي مسلمة باكستانية، تزجرها بالقول: كيف يكون لك صديق وانت مسلمة ومحجبة؟ ومن افظع صور النفاق ما سمعناه عن فتوى ارضاع الكبير، التي تنسف كل مباحث الفقهاء عن الحجاب، هم يأمرون النساء بتغطية شعرهن ويجيزون لهن في الوقت نفسه كشف صدورهن بل وارضاع الرجال، اعتمادا على حديث يتمسكون به ولا يجرأون على مناقشته. أليس في كل ما تقدم احتيال تشمئز له النفوس؟ لاعلينا بمن احتال على ربه وافطر في رمضان ليتبع فتوى عالم أفاق يزين له مايريد، فالامر ليس بخطير وربما جلب فائدة لثلاثين فقيرا، يطعمهم المفطر كفارة عن تركه الصيام، لكن الاهم هو العلاقات الاجتماعية ومايشوبها من تلاعب بالدين والحقيقة، فاذا كان الزواج المؤقت والعرفي والمسفار أوالسياحي والفريند، كل هذه الصيغ اذا كانت جائزة بنظر بعض فقهائنا أو علمائنا فلماذا لايكونوا واضحين ويقرون بان العلاقات في الغرب، التي يصفونها بالاباحية، لاتختلف عنا سوى ان الغربيين اكثر صراحة منا ويسمون الاشياء باسمائها، بينما نحن نلوي اعناق الكلمات ونكثر من اسماء (الزواج) والحقيقة ان جميع الانواع المتقدمة ما هي الا زيجات متعة، التي يحرمها اغلب الفقهاء. وعن القسوة حدثوا ولا حرج فهناك من العلماء من اجاز العبث الجنسي بالبنات الصغيرات، في اطار مايسمى بالخطبة والعقد عليهن، فالرجل من حقه ان يخطب حتى الرضيعة ويستغلها كيفما شاء الى ان تبلغ التاسعة وعندها يعاشرها معاشرة الازواج.
وفي هذا الشأن احيل القارئات والقراء الى مناقشات تجري على الصفحات الالكترونية، بين مواقع سلفية واخرى شيعية، فالاولى ترى ان استغلال الصغيرات جائز بالنسبة للجواري (ملك اليمين) ولبناتهن، وليس لنظيراتهن من بنات النساء الحرائر، ويتهم السلفيون أعداءهم الشيعة بانهم يجيزون العبث بشكل عام، ويستشري الخلاف بينهم دون ان يلتفتوا الى فداحة الجرم بحد ذاته سواء كانت ضحيته أمة ام حرة. أي منا لايشمئز من تدنيس طهارة الطفولة ولايثور حين تتعرض ابنته لابسط اعتداء؟ في دول الغرب يطلقون على هذا السلوك الذي يسوغه بعض العلماء (جريمة) ويعاقبون عليها اشد العقاب فمالنا نتحدث عن الاخلاق ونسكت عن سلوك شنيع؟ وفي كتب التراث كالطبري والكامل، تتناثر اخبار الفتوحات المصحوبة بالغنائم من البشر وبخاصة االنساء، ويروى عن القائد موسى بن نصير انه اصطحب معه عند عودته الى الشام، ثلاثين الف عذراء كسبايا من الشمال الافريقي. وبمعنى معاصر فان هذا العدد من الفتيات جرى اغتصابهن بشكل جماعي لانهن ببساطة اصبحن ملك يمين المسلمين، افليس هذا هو مافعله جنودالصرب بفتيات البوسنة، ولنتصور ان الجنود الاميركيين قاموا بجمع الآلاف من المسلمات في افغانستان او العراق واخذوهن الى بلادهم، ألا يحاكون بذلك أسلافنا الفاتحين؟ لكنهم لم يفعلوا رغم قسوتهم في حروبهم، الا يبدو غزاة الغرب ارحم منا؟ ومن الملاحظ ان علماءنا ومؤرخينا لم يعتبروا العلاقة بين المالك والأمة اي السبية، غير مشروعة باعتبارها قائمة على الاكراه، بل باركوها وشرعوها وفتحوا لها المباحث في كتبهم الفقهية. هنا قسوة لاشك فيها فالأمة فتاة انتزعت من اهلها وبلدها واغتصبت في ديار المسلمين، لكن هناك نفاق ايضا فالدين الذي يعاقب على الزنا بين طرفين متراضيين،كيف يجيز فقهاؤه الاغتصاب؟ مظهر آخر للقسوة يتجسد في سلوك بعض المسلمين، ثلاثة رجال يقتلون امهم الارملة (قضية في السبعينيات) لانهم شكوا في سلوكها فيعاقبهم القانون العراقي بالسجن ستة اشهر، مستفيدين من العذر المخفف في جرائم الشرف، على الرغم من ان القانون نفسه يعتبر قتل الام والمساهمة الجنائية ظرفين مشددين للعقوبة. كل القوانين العربية تأخذ بالعذر المخفف في هذا النوع من الجنايات اذا فاجأ الرجل زوجته أو أحدى محارمه في حالة تلبس بالزنا، وليس للمرأة مثل هذا العذر اذا فاجأت زوجها، كما لايحق لها ان تحرك الدعوى ضده الا اذا فاجأته في دار الزوجية.

ومنذ التسعينيات وحتى الآن ازدادت هذه الجرائم في العراق على نحو خطير، وصار قتل النساء على الشبهة لكن العلماء لايستنكرونها، مع علمهم بانها منافية لاحكام الاسلام، يتجاهلون دورهم في ارشاد المسلمين وقول كلمة الحق. ولدعاة الشرف اقول:اذا كان من حقهم قتل زوجاتهم ومحارمهم، فلماذا شرعت شهادة الاربعة لاثبات الزنا ولم شرع اللعان، ولمن لم يسمعوا بهذا المصطلح، اسوق هذا التوضيح: عندما يتهم رجل زوجته بالخيانة عليه ان يجلب اربعة شهود، فان عجزيشهد اربع شهادات بالله إنه من الصادقين، والخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين. أما الزوجة فتدافع عن نفسها بان تشهد اربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة ان غضب الله عليها ان كان من الصادقين. ويعني كل ذلك ان الزوجين يتلاعنان لدرأ العقاب عن المرأة المتهمة فكأن الآية القرآنية تحمي الزوجة من عقوبة الزنى، بينما يواصل ادعياء الايمان اهدار دمها، مذنبة كانت ام بريئة. وفيما يروى عن الرسول (ص) انه قال لرجل لاعن زوجته: اذهب فلا تحل لك ابدا. مااوردته كان امثلة قليلة من كم هائل يثقل حياتنا. ولو اصغينا الى كل ما يقدم في الفضائيات من مواعظ لوجدنا ان جانبا كبيرا منها يندرج تحت باب النفاق والقسوة. ان الايمان يرقى بالنفوس الى مدى غير محدود وهو بالتاكيد لايتفق ونزعات الافاقين من الرجال والنساء، وقد آن الاوان لعلمائنا الذين يتحكمون في كل مفاصل حياتنا،ويتدخلون بكل صغيرة وكبيرة، ان يعيدوا الفضيلة الى مكانها الصحيح ويمسحوا الغبار عن وجه الحقيقة، وبذلك ينهضوا بالاسلام من جديد كما كان عند بداية الدعوة نقيا خالصا من الاضافات التعسفية التي لحقت به عبر القرون.
كاتبة عراقية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
كبد الحقيقة !!
د . عبد الكريم -

مقال في قمة الروعةو الصدق..هذا أقل ما يقال.. شكرا يا بدور على هذا الجهد.

تعليق
ناطق فرج -

رغم أني أتفق مع ما تناولته الكاتبة الفاضلة، إلا أن لا جديد في هذا الموضوع، فقد اُشبع طرحاً. الموضوع مُمل حتى إن الملل ملّ منه! العلّة مشخّصة منذ زمن بعيد يا سيدتي. نحن اليوم بامس الحاجة إلى ((علاج)).

اؤهنئك يا بدور
اشور بيث شليمون -

كل ما تقولينه صواب مائة بالمائة ولكن اليس الاسلام المسؤول الاول والاخير على كل هذه التصرفات مجرد سؤال بسيط ?

إلى آشور بيث شليمون
ناطق فرج -

دعني اُضف إلى معلوماتك القيّمة ((جداً)) شيئاً جديداً، ألا وهو أن: المسؤول عن هذا الهوس والانحرافات والخرافات هم المسلمون أنفسهم وليس الاسلام! ويطيبُ لي أيضاً أن اضف إلى معلوماتك القيمة ((جداً جداً)) شيئاً آخراً، ألا وهو أن: هذا الهوس والانحرافات والخرافات (التي سميتها تصرفات) موجودة في جميع الأديان وفي جميع المجتمعات. إذ هناك مَنْ يسرق تحت غطاء الدين. وهناك مَنْ يعتدي على الأطفال تحت مظلة الدين. وهناك مَنْ يقتل الآخر باسم الدين. وهناك مَنْ يُزيّف وعي الناس باسم الدين. وهناك مَنْ يعمل على اهانة آدمية أو انسانية الانسان باسم الدين. ولله في خلقه شؤون وشجون!

تحياتي
البصري -

رحمة الله والديك على المقال الجميل اذا امكن كتابة مقالات من هذا النوع لانه يقع على الجرح بالعراقية

مجتمعات المتخلفة
عمر/كردستان العراق -

هناك عدة عوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية يجمعهما العنف والكراهية والاستغلال والبطش. يجب ان نرى الدين ليست في زاوية الضيقة، بل نتعاملها بشكل الحضاري مع تقدم الحاضر. واني أوافق مع آرائك الطيبة السيدة بدور. اتمنى الموفقية والنجاح.

أخلاق العقل
ali amzigh -

الإيمان لم يصنع يوما الإنسان الجيد، وفي العالم ملايين الأفراد الملحدين بأخلاق راقية وسلوك متميز، مستمد من القيم الإنسانية، ومن أخلاق العقل، التي تكرّم الإنسان لذاته، بينما كرست الديانات أخلاق الخوف، القائمة على الطمع في الثواب والخوف من العقاب، بما يفتح المجال لممارسة كل أشكال النفاق.

إلى Ali Amzigh
ن ف -

احسنت. تعليق جميل. شكراً لك.

بدون عنوان
رمضان عيسى -

ان المجتمع يكون مجتمعا فاسدا وغير انساني اٍذا لم تحكمه قوانين انسانيه تحترم حياة الاٍنسان بغض النظر عن لونه ودينه وجنسه , ولما كان لكل شعب مقدسات وميثولوجيا متوارثه وتظهر في سلوكيات الأفراد من آن لآخر فمن المستغرب أننا نجد الكثير من هذه المتوارثات لا تحترم لاالاٍنسان ولا الأطفال ولا المرأه ولو تركت هذه المتوارثات تفعل فعلها لانطلقت غرائز الناس حتى تقضى على المجتمع وكثير من الناس من يربط سلوكه بالجغرافيا فاٍذا سافر الشخص خارج بلده _.... _ مثلا ،فمن حقه أن يفعل ما يريد ويتزوج تحت مسميات مختلفة كأن يقول لاٍمرأة قولي لا اٍله اٍلا الله فاٍنك ستكونين مسلمة وتكونين زوجتى ويفعل بها فعلته ولم يدر أنها ستلاحقه بحملها قائلة هذا زوجى ، وقد حدث هذا فعلا ... الغريب حقا أننا نرى الكثير يختفى خلف الشكل الدينى أو هو فعلا من أتباع أحد الديانات الكتابية - ولا أبتعد عن الحقيقة اٍن قلت الاٍسلامية –نرى هؤلاءيقومون بأعمال يخجل منها من لديه أدنى درجة من الأخلاق, في الخفاء أو في السفر وهنا يخطر على بالي سؤال : هل الوصايا الاٍلآهيه والعقاب والنار و و....غير كافية لتعليمه السلوك الجيد والأخلاق الحسنة ، أم أن الدين به منافذ لفعل هذا ، وهذه المنافذ غير معروفة للجميع ؟

وما خفي اعظم
رعد الحافظ -

الاخت الكاتبة بدور زكي محمد..اعترف ان هذه اول مرة اقرا لك مقال ,ودون ان اكتب عبارات الاعجابلانها ستطول ونحن الشرقيين معروفين بمبالغتناساكتفي بالقول باني افخر الان اكثر من ذي قبل باني عراقي واننا شعب حي يملك مثلك كاتبة شجاعةمثقفة..كل الامثلة التي اوردتيها صحيحة وقد سمعنا بها ولم تبالغي ابدا في عرضها , وساكتفي باضافة مثال اخر..في باكستان الاسلامية قبل عدة سنوات كان هناك حادث شنيع اشتهر عالميا وهو قيام 14 رجل شرطة باغتصاب امراة مسكينة قادها حظها العاثر الى طريقهم وكانت حجتهم انها قريبة لرجل خصم لهم ..تصوروا السبب ؟؟