أديان مرنة، وأخرى صلبة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
من أبرز الممثلين لهذا الحوار الفيلسوف الألماني يورجن هابرماس شيخ الفلاسفة وضميرالغرب الحي، ورفيق دربه وبلدياته بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر (أو الكاردينال راتزنجر سابقا) أستاذ اللاهوت والفلسفة.
ويبدو أن تاريخ الفلسفة الألمانية ابتداء من " كانط " وحتي اليوم، وكأنه محاكمة تتم فيها مناقشة العلاقة الملتبسة بين الفلسفة والدين. فقد نجح كانط في رسم الحدود الواضحة بين الإيمان الأخلاقي الخاص بدين العقل، والإيمان الوضعي بالوحي، قبل أكثر من قرنين.
اليوم يطور "الفيلسوف والبابا معا" هذا التقليد الكانطي، كل بطريقته، من أجل عالم أفضل وغد أكثر تسامحا وحرية. يقول هابرماس المدافع الأكبرعن الحداثة، في وجه النزعات الظلامية والعدمية: "ان المدار (الأخلاقي والسياسي) الذي تفترضه الحداثة يملي تبادلا عقلانيا ما بين أصحاب التصورات والعقائد المختلفة. كما يتطلب من شركاء المدار العام، إدراج تصوراتهم ونظرياتهم هذه في (سياق نسبي)، وعلي قدم المساواة مع بعضها البعض.
الأهم من ذلك، أن علي كل صاحب نظرية أو تصور أن يحتكم إلى منظور الآخرين أيضا في تقييم نظريته أو تصوره، وهو ما يجعله جديرا باحتلال موقع مناسب في مدار التبادل العقلاني الحداثي."
هذا ما ترفضه الأصولية الدينية رفضا قاطعا، فالأصولية من حيث إنها الإطار النظري لأفعال العنف المنظمة اليوم، هي - بتعبير هابرماس - ردة فعل ضد الحداثة، حتى وان كانت ردة فعل حديثة، فهي وخلافا لما تقتضيه الحداثة، لا تؤمن بالنسبية، ولا يمكن أن تضحي بملكيتها للحقيقة المطلقة، فضلا عن انها غير مستعدة أن تدنس عقيدتها من خلال النظر إليها من منظور الآخرين.
وكتب هابرماس، عام 2004، في بحثه المعنون: "الدين في النطاق العام"، "آن التسامح" أساس الثقافة الديمقراطية، وهو مسار باتجاهين دائما، ولهذا لا ينبغي فقط أن يتسامح المؤمنون إزاء اعتقادات الآخرين، بما فيها عقائد غير المؤمنين وقناعاتهم، فحسب، بل إن من واجب " العلمانيين غير المتدينين " أن يثمنوا قناعات مواطنيهم الذين يحركهم دافع ديني.".
ويضيف: " مهما كانت مفاهيمنا الفلسفية العلمانية قوية ومقنعة ـ كفكرة حقوق الإنسان على سبيل المثال ـ فإنها تستفيد، من حين لآخر، من اتصالها المتجدد بأصولها المقدسة. ".
في المقابل يخطو البابا بنديكت السادس عشر خطوات حثيثة بإتجاه تأويل أكثر عقلانية للعقيدة المسيحية الكاثوليكية لتصبح أكثر مرونة وقابلية للتكيف مع مستجدات المجتمع ما بعد العلماني، أولا بتنقية الأجواء مع أصحاب الديانات والمذاهب والملل والنحل الأخري عن طريق الحوار. وثانيا بالانفتاح السياسي ومد جسور التواصل مع المجتمعات العلمانية الديموقراطية، داخل وخارج أوروبا، ففي زيارته الأخيرة للولايات المتحدة نوه البابا بحقيقة أن أمريكا لا دين للدولة فيها، وقال: إنها دولة علمانية ترحب بكافة الأديان والعقائد التي تتواءم في نموذج تعايش إيجابي يمكن لأوروبا أن تتعلم منه الكثير."
وثالثا بتصفية أسباب العداء بين رجال الدين والفلاسفة والعلماء، من جاليليو حتي داروين مرورا بجوردانو برونو وكامبانيللا والبقية تأتي.
فقد أعلن الأسقف جيانفرانكو رافاسي وزير الثقافة في الفاتيكان عن مؤتمر في روما يشارك فيه علماء ورجال دين وفلاسفة يُعقد في مارس المقبل عام 2009، بمناسبة الذكرى المئة والخمسين لصدور كتاب "أصل الأنواع" (1859) لتشارلز داروين. مؤكدا علي ان نظرية داروين لم " تتعرض لإدانة الكنيسة الكاثوليكية ولم يحظر كتابه قط ".
والواقع أن أهمية هذه النظرية وخطورتها تكمن في كونها علمت الأوروبيين كيف يفكرون في الأديان كظواهر تاريخية تناسب زمانا ومكانا ما، ولكنها إذا تجاوزت سياقها الأصلي الدائم التغير من حيث الشكل والمضمون، ستصبح " أساطيرها " في أغلب الظن غير مسايرة للزمان. وقد وصفت " المسز همفري وورد " هذه الحالة ب" الإصلاح الديني الجديد " وكتبت مايلي: " لقد غدونا أكثر واقعية ومرونة، فلقد أرتقي الأسلوب التاريخي، واكتسبنا القدرة علي الانتقال بعقولنا إلي أزمنة أخري ثم أدركنا أن التاريخ كل واحد، وأن الدين وتاريخ الكنيسة مجرد جزء للتاريخ الكلي لأي حقبة ولا يمكن فهمه إلا بالإضافة إلي الكل ". ومن ثم ساهمت هذه النظرية مساهمة قوية في مواصلة الحرب بين العلم واللاهوت من جهة، وفي بزوغ أوروبا علمانية جديدة، منذ نهاية القرن التاسع عشر.
ورغم أن النزاع حول داروين ونظريته قد أحتل فترات كبيرة من القرن العشرين، فإنه قد ازداد منذ نهاية الحرب الباردة عام 1989، حيث صدرت عشرات الكتب في الولايات المتحدة تحديدا، محورها نظرية التطور لداروين، أذكر منها علي سبيل المثال "غريزة اللغة"، "وداعا ديكارت"، "ماذا تفعل الأشياء بالكلمات" و "صراع الكائنات المنقرضة".... وغيرها. وثار الجدل من جديد حول تدريس نظرية داروين، وهل هو حلال أم حرام، صواب أم خطأ؟. وأسفر هذا الجدل عن صيغة توافق عليها الجميع، هي: من حق أي طالب علم أن يعرف رأي الدين ورأي العلم معا، ولا حجر علي حرية التفكير.
حتي " سارة بولين " المرشحة نائبة للرئيس الأمريكي ماكين، لم تفوت الفرصة وأعلنت أنها من أنصار داروين، وان نظريته يجب ان يدرسها الطلبة بحرية تامة. في نفس التوقيت، ظهرت بولين علي إحدي القنوات الدينية التليفزيونية مع رجل دين شهير وهو يخرج منها روحا شريرة!. وهو ما جعل بعض المراقبين لمعركة الانتخابات الأمريكية يمتدحون ذكاءها، بل وأكد بعضهم علي أنها هي التي سربت شريط الفيديو الديني ليعرض علي الأنترنت عبر اليوتيوب، حتي تبدو متعددة الاهتمامات، ترضي قطاعات كبيرة ومختلفة من المجتمع الأمريكي.
هذا هو واقع المجتمعات الغربية اليوم التي دخلت مرحلة ما بعد العلمانية.... وحتي لا يتسرع البعض في الحكم بأن الغرب أصبح أقرب إلي الدين والتدين والتديين، ليبرر حالة الهوس الديني عندنا، فإن الأمر شديد الاختلاف والخطورة، يتطلب شجاعة إعمال العقل والأمانة في نقد الذات.
فقد صنفت الأديان في العالم إلي نوعين، أديان مرنة تحاول البقاء بالتكيف المستمر مع المتغيرات والمستجدات في مجتمع كوكبي يتعلمن بإطراد. وأخري صلبة وجامدة، معرضة للصدام والكسر والانقسام والتناثر. وحسب تعبير هابرماس فإن المستقبل في المجتمع ما بعد العلماني " للدين العاقل ". ولا يستحق من الأديان صفة "العاقل" إلا الدين الذي يتخلى بسبب تعقله الذاتي عن الفرض القسري لما يؤمن به من قناعات، وعن الإجبار القهري للضمير الذي يمارس تجاه المنتمين إليه، وبالدرجة الأولى عن استخدامهم للعنف والإرهاب.
التعليقات
أوروبا والدين
خوليو -في جميع الدول الأوربية تدريس مادة التربية الدينية هو تدريس اختياري في المدارس العامة، أي أن آباء الطلاب الصغار لهم الحق في اختيار تدريس هذه المادةأو مادة الأخلاق الإنسانية لأبناءهم، وفي حالة اختيارهم مادة الدين تجد أن المواضيع تركز على تاريخ الأديان وظروف نشوؤها والشخصيات الرئيسية فيها، أيضاً هناك مدارس دينية تدرس الدين كما هو بكتبه لمن يريد أن يدرسه، الطالب الأوروبي بشكل عام يختلف بمعلوماته عن الطالب العربي، حيث يؤمن هذا الأخير بالحقيقة المطلقة المنزلة من السماء حسب زعمهم، على هذا الأساس نجد أن المجتمعات الغربية أكثر انفتاحاً ومرونة لتقبل أي فكر آخر دون أن تتبناه طبعاً، في هكذا جو يصبح التعايش أسهل والنقاش أكثر .
المرن و الصلب
بن يحيا -لا يجادل احد بأن الايمان هو مسألة اعتقاد و نية و ان العلم اساسه العقل و التجربة و الحس ...اما تقريب الاثنين فهو شيء صعب في حالات كثيرة و لكن هنالك نقط الالتقاء..نجد في القرآن ايات كثيرة تدعو الى استعمال العقل طريقا للايمان;إن في خلق السماوات و الارض و اختلاف الليل والنهار لأيات لأولي الالباب; الى اخره من الايات التي تدعو الى التفكر في ملكوت الله...الكنيسة التي حاربت اهل العلم و اتباع الديانات الاخرى اصطدمت مع الواقع و كان عليها ان تغير جلدها لظروف سياسة و ضغوط خارجية و داخلية..المسألة ليس ان تعترف او لا تعترف بنظرية الارتقاء البشري لدروين و لكن السؤال هو كيف يمكنها ان توافق بين معتقدها و هذه النظرية.؟؟ الى ذلك الحين سنرى كيف سيجيب البابا على اراء المؤمنين بالمسيحية الذين يقولون انهم دون العالمين مؤيدين بروح القدس..
فهم وليس تبرير
رمضان عيسى -10-أسباب ظهور العنف الديني هناك عدة أسباب لظهور العنف وبشكل ديني : 1ـ عدم حل مشكلة فلسطين . 2ـشراسة العنف الاٍسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين . 3ـارتداء تبرير اسرائيل لاٍحتلالها بالشكل الديني اليهودي . 4ـارتداء المقاومة الفلسطينية للشكل الديتي الاٍسلامي لتحرير فلسطين بعد فشل كل الوسائل الأخرى . 5ـ وقوف أمريكا لجانب اٍسرائيل في كل الظروف . 6ـ عدم فهم الغرب للعقلية العربية والاٍسلامية في حالة الظلم وردة الفعل .
وياريتكم تتعقلوا
GULGAMISH -ياابن يحيا كلامك ينم عن غاية كامنة وكفاكم من تكرار الاسطوانة المشروخة عن دور الكنيسة في وقت من الاوقات والذي اتى من تصرف بعض الباباوات لاسباب شخصية معادية للروح المسيحية الحقة التي لم تورط نفسها يوما في امور الفيزياء والكيمياء والاعجاز العلمي المغلوط انما اهتمت بالانسان وكرامته ولاتقل لي كما يردد حلفاؤك عن العهد القديم لان المسيح نفسه امر بازاحة الغبار والصلافة والقسرية التي اتسم بها وتجازوتها المسيحية بينما تلقفها الاسلام فاتمنى عليك ان تدرك وترى الحقيقة وتعلم ان المؤمن المسيحي قادر وقدر خلال كل العصور على التكيف مع الحياة وكان معطاء لماذا لانه لا يوجد في دينه ما يمنعه عن ذلك وما حدث في العصور الوسطى على مزاج بعض الباباوات الشخصية قد ولى بينما شيوخ الفتاوى عندكم تزيد من صلابة الاصفاد في ايديكم وياريتكم تتعقلوا
المقدس في التطبيق
رمضان عيسى -الاٍ يمان الديني هو تمحور حول المقدس جاعلا اٍياه بؤرة الاٍنطلاق الى كل مناحي الحياة , ولما كا ن المقدس بؤرة الاٍنطلاق فلا مجال للنسبية والمتغيرات والآخرين والحداثة والتجديد والتطور، فالمطلق في يده وغيره شيطان ، والاٍشكالية تبدأ من الميراث الشعبى والتماهي الاٍعتقادي مع المقدس ، مع المطلق وما يمليه عليه من سلوك رفضي بل وعدائي تجاه الخداثة والآخرين وبالتالي رفض أفكار التسامح والحرية والديمقراطية وحقوق الآخرين ، وأي تأييد لهذه الأفكار فهو موقف مؤقت سرعان ما يظهر ما تحته . وما يعنينا هو المقدس في التجربة من اتجاهين : الاول: أنظمة الحكم التي تعمل على تجيير المقدس لصالح ديمومتها في الحكم . الثاني :المقدس في السلوك الفردي الذي لا مجال عنده للدين العاقل بل العنيف . المقدس في التطبيق يأخذ قوته ليس من العجزعن التفسير فقط بل من قوة الميراث أيضا ، والخطورة في صعوبة التخلي عن الموروثات حتى لو تعارضت مع المعطيات العلمية والتجربة الحياتية والسبب هو أن جملة من الموروثات الفكرية كونت نوعا من الميثولوجيا ووجدت أنصارا من المستفيدين فدافعوا عنها وخصوصا الحكام لأتها تخدم مصالحهم وقتلوا بالسيف من يعارضهم ، وحسب تجربة الشعوب الحياتية فان لكل شعب ميثولوجيا خاصة به أى مقدسات نخصه هو ، وقد نجد من الشعوب يستهزىء بمقدسات وموروثات الشعوب الأخرى مع أن جملة موروثاته الميثولوجية لا تصمد أمام أدنى تفكير عقلانى ، وفي التطبيق العملي لهذا الاعتقاد بالمقدسات نجد أناس يموتون انطلاقا من ايمانهم بموروثات شعبية ارتدت صفة القداسة ، وبعد فترة من الزمن ليست بالطويلة يكتشف الناس أن الفكرة أو الاعتقاد الذى راح ضحيته آلاف من البشر كان خاطئا وزائفا , وما نراه من صراعات مذهبية ودينية تتماهى مع الدفاع عن المقدس هى نتيجة هذه العصبية الزائفة . وأخيرا نقول: ان الصراعات الدينية هى الأكثر تدميرا فى حياة الشعوب .
يابن يحيا
GULGAMISH -وان الروح القدس هذه هي التي رفعت المسيحية والمسيحيون الى اعلى قمم الحياة في جميع المجالات ولكن الغيرة والحقد تقتل صاحبها