كتَّاب إيلاف

المصالحة المسيحية في لبنان: من الجدّ... إلى الحفيد

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لا يمكن لوم الوزير السابق سليمان فرنجية على تأخير المصالحة بين تياره من جهة وتيار "القوات اللبنانية" ممثلا بالدكتور سمير جعجع من جهة أخرى. المصالحة قد تحصل متى كان هناك قبول سوري بها. ولذلك، ليس مستبعدا أن يكون هناك ردّ أيجابي اليوم أو غدا أو بعد غد، متى حضر الوحي. تعلّم فرنجية الحفيد من تجارب الماضي وتعلّم خصوصا من التجارب التي مرّ فيها جده عندما كان رئيسا للجمهورية بين العامين 1970 و1976. في النهاية، لا يستطيع الحفيد الأقدام على خطوة جريئة من دون ضوء أخضر سوري كونه يعرف جيدا معنى عدم تنفيذ التعليمات التي ترده من دمشق. ثمة من يقول أن سليمان الحفيد يعرف أكثر من ذلك بكثير ويعرف خصوصا، أن مجزرة أهدن التي ذهب ضحيتها والده ووالدته وأفراد عائلته في الثالث عشر من حزيران- يونيو من العام 1978، ما كانت لتحصل لولا غض النظر السوري عنها. كانت القوات السورية منتشرة وقتذاك في كل أنحاء لبنان، بما في ذلك منطقة الشمال. لم يكن مسموحا لها فقط بأن تكون موجودة في المناطق التي حددتها أسرائيل التي وضعت في العام 1976 "الخطوط الحمر" للدخول العسكري السوري إلى لبنان في السنة الأخيرة من عهد الرئيس سليمان فرنجية. كيف كان ممكنا وصول مقاتلي "القوات اللبنانية" إلى أهدن بالسهولة التي وصلوا بها لولا نوع من التعامي السوري، أو لنقل نوعا من التواطؤ أملته الرغبة في أيجاد جرح عميق بين المسيحيين يولد شعورا مستمرا بالحقد وبضرورة الأخذ بالثأر جيلا بعد جيل. أكثر من ذلك، متى وضع المرء جانبا الحسابات الشخصية، لأكتشف أن سمير جعجع لم يشارك في الهجوم على مكان أقامة المرحوم طوني فرنجية وأفراد عائلته. كان في عداد المهاجمين، لكنه أصيب بجرح عن طريق الخطأ قبل الوصول إلى أهدن حيث أرتكبت المجزرة عناصر من "القوات" بقيادة شخص معروف جدا ما لبث أن تصالح معه سليمان الحفيد... بمجرد أنتقال هذا الشخص إلى المعسكر السوري!
ما نشهده اليوم ليس جديدا. ممنوع أن تكون هناك مصالحة مسيحية- مسيحية، مثلما أنه مطلوب أن يكون هناك دائما أنقسام بين الدروز أنفسهم وبين السنة أنفسهم وبين الشيعة أنفسهم، حتى لو بدا حاليا أنهم موحدون ظاهرا. مطلوب أن يكون هناك حتى أنقسام بين العلويين في لبنان... تلك هي السياسة السورية التقليدية تجاه لبنان والتي يعرفها سليمان فرنجية الحفيد عن ظهر قلب، نثرا وشعرا، أستظهارا وقراءة. ولهذا السبب وليس لغيره تأتي الأعذار يوميا لخلق مبررات تفاديا لأتمام المصالحة. ولذلك ايضا يستخدم النائب ميشال عون الذي لا يتقن سوى دور الأداة لدى الأدوات السورية في عملية عرقلة المصالحة.
ثمة حدث سأرويه بصفة كوني شاهدا عليه لأظهار كيف أستطاع النظام السوري تطويع قسم من آل فرنجية منذ فترة طويلة والحد من أي قدرة لديهم على المناورة والتمتع بهامش معيّن من الحرية. صحيح أن العلاقة بين عائلة الأسد وعائلة سليمان فرنجية الجدّ قديمة وتعود إلى منصف الخمسينات من القرن الماضي. لكن الصحيح أيضا هذه العلاقة دخلت في منعطف جديد قائم على طغيان وجود رئيس ومرؤوس وذلك منذ العام 1973. في أيار- مايو من ذلك العام، أشتبك الجيش اللبناني مع المقاتلين الفلسطينيين في أنحاء مختلفة من لبنان، بما في ذلك محيط منطقة الفاكهاني حيث كان مقر القيادات الفلسطينية في بيروت، وبينها مقر ياسر عرفات الذي أنتقل مع غيره من القادة والمقاتلين إلى الأراضي اللبنانية من الأردن من دون الحصول حتى على حق المبيت في الأراضي السورية. توقفت المعارك بعد وساطات عربية. وكانت المفاجأة أتخاذ النظام السوري قرارا بأقفال الحدود مع لبنان ردا على تصدي الجيش لما كان يوصف ب"التجاوزات الفلسطينية". كان الهدف الضغط على لبنان وأفهام رئيس جمهوريته أن المعادلة تغيّرت وأن القرارات الكبيرة المتعلقة بلبنان تتخذ في دمشق. بعد أسابيع عدة على أغلاق الحدود، وكان ذلك في الصيف، بدأت مفاوضات بين الجانبين من أجل أعادة فتح الحدود. أجريت المفاوضات في فندق "بارك أوتيل" في بلدة شتورا اللبنانية. مثل لبنان وزير الخارجية وقتذاك المرحوم فؤاد نفاع. ومثل سوريا السيد عبدالحليم خدام وكان لا يزال وزيرا للخارجية. في ختام اليوم الثاني من المفاوضات التي كنت أتولى تغطيتها بصفة كوني مندوبا لجريدة "النهار"، أقترب مني ضابط لبناني برتبة نقيب من جهاز الاستخبارات (المكتب الثاني) من مهماته المشاركة في حماية الفندق وتأمين سلامة الأتصالات بين الوفد اللبناني المفاوض والخارج . سأكتفي بأيراد الحرف الأول من أسم الضابط وأسم عائلته، أي م. ص. قال لي الضابط، وهو من مدينة زحلة القريبة من شتورا، بالحرف الواحد : أنك تضيع وقتك هنا. المفاوضات أنتهت بعيدا عن خدّام ونفّاع. المفاوضات الحقيقية حصلت ليل أمس بين طوني فرنجية (نجل الرئيس اللبناني ووالد سليمان الحفيد) ورفعت الأسد شقيق الرئيس السوري. اللقاء عقد سرّا في فيلا الشيخ بطرس الخوري في شتورا. صار هناك أتفاق على كل شيء. سيعاد فتح الحدود قريبا وحصل السوريون على ما يريدون...
كانت خلاصة ما قاله الضابط م. ص. أن القرارات الكبيرة في لبنان تتخذ من الآن فصاعدا في دمشق وهذا ما فهمه جيّدا رئيس الجمهورية الذي كان أسمه سليمان فرنجية. وهذا ما يزال عالقا في ذهن حفيده. عندما كتبت الخبر ل"النهار" لم يكن وقتذاك في الصحيفة من يستطيع فهم أهميته وأبعاده. ولذلك جرى طمسه لأسباب مرتبطة بالجهل والسطحية إلى حد كبير... وربما لأني كنت في بداية حياتي الصحافية!
منذ ذلك الحدث، صيف العام 1973، لم يتغير شيء في لبنان أن بالنسبة إلى السياسة السورية أو بالنسبة إلى كيفية التعاطي مع سليمان فرنجية، من سليمان الجدّ... إلى سليمان الحفيد. لم يعد مجال لأي سوء فهم أو ألتباس. هل من يستغرب الآن لماذا لا مجال لمصالحة مسيحية- مسيحية ولماذا توضع العراقيل في وجه المصالحة عن طريق أدوات سورية أو أدوات للأدوات وصلت إلى حد تبرير أغتيال ضابط طيار في الجيش اللبناني كل ذنبه أنه حلّق فوق الأراضي اللبنانية؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
إلعوبة
F@di -

ليس فرنجية الابن هو الوحيد الذي ذهب والداه ضحية الحرب الاهلية في لبنان هناك مئات الالوف مثله وكان هناك مجازر في الجبل وغير الجبل وها هم المسيحيين وغير المسيحيين قد نسوا وغفروا لبعضهم البعض ولكن المسألة ليست حقد فرنجية الحفيد بل مسألة توابع وازلام لنظام الشام الذي لا مصلحة له في إستقرار لبنان لأن إستقرار لبنان هو بمثابة تهديد لإستمرارية هذا النظام.

القصة قديمة
حبيب زعرور -

أستاذ خيرالله، هل ينطبق هذا التحليل على كافة الزعماء اللبنانيين اللذين يطلق عليهم ;موالون لدمشق;أما حقيقة الأمر التي لم تشأ أن تقولها فهي أن كافة الزعماء اللبنانيين مرتهنو الارادة لجهة خارجية، وإن كنت تتحدث اليوم عن حافظ الأسد وسليمان فرنجية، فماذا عن أيام عبد الناصر وقبله؟؟؟ تلك هي السياسة في لبنان يا أستاذ خيرالله، وتحليلك اليوم يأتي ليصب الزيت على النار المشتعلة. الحقيقة هي أبعد من ذلك بكثير، انها لعبة الأمم القديمة تتكرر اليوم، ولبنان ليس خارجاً عن أصول تلك اللعبة. ويبدو أن الشاطر من يدفع أكثر ويقبض أكثر. انها ليست أحقاد متوارثة بل لعبة سياسة الخيانة وخدمة المصالح المستمرة دون توقف في لبنان. أما عن قصة ضابط المخابرات في شتورا، فلدى الناس ملايين القصص المماثلة التي لا تخدم أي تحليل لواقع الحال في لبنان اليوم.