اللعبة السياسية / لعبة رفع سقف المطالب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إن لعبة (سياسة رفع المطالب) تخفي مطلبا ليس هو المطروح بكل تفاصيله وبصريح عنوانه، وتشعبات فروعه، إنها سياسة غنوصية، مرواغة، لأنّها تستبطن في الحقيقة والواقع رغبة في مصلحة أقل منسوبا ومردودا أو متسوى من المطلوب علنا، وبالتالي، هي لعبة غائية... فن... وسيلة وليس غاية.
إن لعبة (رفع سقف المطالب) تستوجب من فارسها أو معتمدها أن يمتلك أوراقا تمكنه من إدارة هذه اللعبة الدقيقة، وبدون هذه الاوراق لا يمكنه الدخول في حلبة هذه اللعبة، وإلا ّ يعرض نفسه لخسارة فادحة. هذه الاوراق لا يمكن حصر هويتها ولا أفرادها ولا مصاديقها بطبيعة الحال، فقد يحتاج الآخر أي الطرف الثاني من اللعبة الى بطل اللعبة في قضايا مصيرية أو مصالح مهمة، تخص مستقبله باي شكل من الأشكال. فهذه ورقة في حوزة بطل اللعبة، يمكنه أن يعتمدها في ممارسة هذه اللعبة بشكل جيد وفاعل ومنتج، يلجأ إليها لرفع مستوى مطالبه، ولكن في نيته الحصول على مستوى أقل مما هو معلن، أبسط مما هو مصرح به... والنتيجة متروكة لمسير المعركة وتداعياتها ومجرياتها، وقد يملك اللاعب أوراقا داخل بلد الطرف المقابل، أجندة يمكن أن تضع الآخر في موقف صعب، مهما كان هذا الموقف، فهذه أوراق ضغط يمكن أن يلعبها بطل اللعبة في إدارة اللعبة بشكل يؤدي إلى نتائج لصالحه (صالح اللاعب) في المحصلة ا لنهائية، ولكن من العسير أن نقوم بعملية إحصاء لهذه الاوراق، فهي ليست ثابة، ولا نسخا تتكرر، بل ربما يفرز الزمن الكثير منها، بفعل التغيرات الهائلة التي يمر بها العالم، والتحولات الطارئة على الدول والأنظمة وأسعار المواد الخام والعلاقات بين الشعوب والامم والحكام، فهي أوراق غير محصورة، وليست معدودة. ولكن رغم ذلك، فإن تشخيص هذه الأوراق، وكيفية طرحها واستعمالها تحتاج إلى دراية وعلم وإطلاع، أي تحتاج إلى محترفين في العمل السياسي، وفريق عمل متشعب الاختصاصات وذات صلة بالفكر السياسي والعمل السياسي.
إن الإقدام على رفع مستوى المطالب من الآ خر، الأخر ا لذي هو المعادل الثاني في معادلة المعركة أو الصراع فن دقيق، وليست معادلة قائمة على التشهي والرغبة والخيال، بل على تقدير الواقع وحساب الممكنات بدقة وموضوعية.إ ن رفع مستوى المطالب بشكل خيالي، أو بما لا ينسجم مع الواقع، قد يحول اللعبة إلى حلبة موت، خسا رة، نتيجة مفزعة.
إن مُعتمد لعبة رفع سقف المطالب ينبغي أن يراعي ممكانته حقا، ويراعي ممكنات الآخر، وبدون هذه المرا عات يقدم على عملية إنتحار مفزعة.
إن اللعبة تنتمي إلى فن (الضغط) في بعض مشخصاتها، والضغط يجب أن نراعي فيه شروط عمله من دون أن يقود إلى الانفجار، وبالتالي، فإن هدف اللعبة هو الحصول على أكبر قدر ممكن من المصالح وليس إلى نهاية مفجعة ومؤلمة قد تكون في ضرر مقترح ا للعبة وبطلها قبل غيره.
إن من العقلانية بمكان في مثل هذه اللعبة الخطرة أن يطرح بطل اللعبة مطالب عالية من الطرف الآخر، الطرف المقابل، ولكن بشرط أن لا تكون تعجيزية، بل بشرط أن لا يأمل الطارح بجواب مفصل، جواب كامل، بل يطلب الكثير من أجل الحصول على ناتج معقول، أمّا إذا كان الطرح بغية الجواب على مستوى الطرح ومدياته وأبعاده وتفاصيله فتلك ليست لعبة، وإنما هي مواجهة مباشرة.
ليس من شك أن المطالب المرفوعة تتأثر قوة وضعفا، كثرة وقلة، خطورة وبساطة، بما يحصل في العالم والمنطقة وبما يستجد من حوادث ووقائع وتغيرات، ولذلك ليس هناك مطالب ثابتة هنا، بل هي تتسم بالمرونة، ومن فنون اللعبة كون المطالب مرنة، متغيرة، تصعد وتهبط، تكثر وتقل، وهكذا...
لأنها لعبة!
واللعبة مهما كانت هويتها تتسم بالمرونة، إنها مرواغة، متغيرة اللون والطعم والرائحة، لا تعرف الوفاء لثابت، ولا ثابت يعرف لها وفاء...
يجب أن نميز بين اللعبة والمغمامرة، إن بعض السياسين الجدد، ممن لا يملكون خبرة ولا دراية في الفكر السياسي والعمل السياسي، وممن تربوا على قيم المطلق، يلجأون إلى رفع سقف االمطالب في صراعهم مع الأخر، من دون أن يعرفوا رصيدهم من أوراق اللعب، ومن دون أن يعرفوا قانون اللعبة، ولذلك يشطحون في مطالبهم هذه، حتى تبدو بكل وضوح إنها تعجيزية، وهم لا يشعرون بذلك، فيمارسون لعبة الإنتحار لا لعبة رفع سقف المطالب، وبذلك يقتلون أ نفسهم ويقتلون ا لأ خرين،بما في ذلك شعوبهم بشكل وآخر.
التعليقات
مثال
احمد الواسطي -ومن الامثلة الحية في لعبة رفع سقف المطالب ما كنا نشاهده اثناء الحرب الامريكية الفيتنامية في سبعينيات القرن الماضي , فعندما كانت المفاوضات تجري بين المفاوض الفيتنامي بين الحين والحين برئاسة السياسي الفيتنامي [ لو دوك تو ] وبين المفاوض الامريكي وكان حينها مستشار الامن القومي الامريكي [ هنري كيسنجر ] كان المفاوض الفيتنامي يزيد من سقف المطالب ليس من فراغ ولكن وعندما تبدء المفاوضات بين الجانبين وياخذ السجال مجاله الارحب يبدء هدير الدبابات الفيتنامية يملأ الاجواء وتفرض القوة المهيمنة سطوتها على مجرى المحادثات مما يؤدي الى الاذعان الامريكي للجانب الفيتنامي واستمرت المفاوضات على هذه الوتيرة حتى ختمت بالهزيمة المنكرة للقوات الامريكية والسياسة الامريكية في الهند الصينية في ذلك الوقت وكلنا شاهدنا آخر طائرة سمتية امريكية وهي تقلع من على سقف السفارة الامريكية في عاصمة فيتنام الجنوبية آنذك [ سايغون ] وبذلك ختم رفع سقف المطالب بنصر فيتنامي كبير وهذا النصر مرغ انف القوة العظمى بالوحل وجعلها تعاني من أزمة نفسية لا زالت آثارها لحد الآن نشاهدها بأم اعيننا من خلال هروب القوة العظمى الى حروب هي هزيلة في كل المقاييس كحربهم في العراق وافغانستان , وهذه الحروب تذكرنا بما كان يقوم به في بغداد في الزمن الغابر من خلال تركهم عراك القوي والذهاب لعراك الخصم الضعيف .
لم يُهزم الامريكيون
عبدالرحمن الاعظمي -كانت كوريا الشمالية في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة تأتي كل يوم بمطلب جديد وتهديدات جديدةبضرب اليابان وكوريا الجنوبية بالصواريخ, ولكنها في النهاية خضعت للامر الواقع وقبلت بما قدمته لها واشنطن ووافقت على تفكيك منشآتها النووية..مقابل غذاء لشعبها المسحوقلم تكن فيتنام على خلاف مع أمريكا أذ هي لم تهدد مصالحها لا الاقتصادية ولا العسكرية, لكنها أصبحت طرفا في نزاع مأساوي مفروض عليها حين استخدم الاتحاد السوفييتي أراضي فيتنام لتكون جزءا من الصراع بين الكتلتين ابان الحرب الباردة.. ولكن لننظر الى نتائج تلك الحرب.. ما الذي حصل على صعيد العالم.. انهار الاتحاد السوفييتي وتفككت منظومته الاشتراكية وبقيت الولايات المتحدة تحتفظ بهيمنتها العسكرية والاقتصادية رغم خسائرها البشرية التي ينظر اليها الامريكيون على انها ثمن الدفاع عن المصالح القومية أينما كانت.. أما فيتنام فقد استعادت أنفاسها وأصبحت شريكا تجاريا للولايات المتحدة ومن يزورها الان يشهد مدى التطور في شتى الميادين خلال نحو 30 عاما.. السياسي الجيد يجب ان يحدد أهدافه بعيدة المدى ولا يكتفي (بانتصارات) مؤقته قد لا تعود بنتائج تسره.. فمن المنتصر في حرب فيتنام ومن سيكون المنتصر في الحرب على الارهاب؟ انتظروا عشرين عاما مقبلة وسترون النتائج حينذاك.. الازمة النفسية الاكبر هي التي يعاني منها السياسيون