كتَّاب إيلاف

أقباط ومسلمون وفاشية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إذا أردنا مؤشراً دالاً، على مدى ما قد يحدث من تطور في منطقة الشرق الأوسط، فلاشك أن مؤشر وضع الأقليات، سيكون هو الأجدر بالاعتبار والتقييم، فمن العبث أن تتصور أي أغلبية، أنها يمكن أن تخطو خطوة واحدة باتجاه الحداثة، وما يصاحبها من تنمية ورخاء اقتصادي وحرية سياسية واجتماعية، وهي محكومة بنظم وعلاقات فاشية، تجعل من حياة الأقليات جحيماً، وتدفعهم للهجرة، حفاظاً على حياتهم، أو تأميناً لمستقبل أفضل وأرقى لأجيالهم.
من المتوقع في ظل ثقافة الشرق وعلاقاته ونظمه المستقرة منذ قرون، أن يسود الارتباك وإساءة القراءة والتحليل، أي مقاربة ولو حسنة النية، لتحريك الوضع المأساوي والمتكلس للأقليات، وفي مقدمتهم الأقباط، باعتبارهم الأقلية الأكبر عدداً في محيط الشرق الأوسط، وذلك في ظل سيادة الفاشية الثقافية والاجتماعية، التي من الحمق أو السذاجة تصور، أنها يمكن أن تستثني أحداً، سواء انتظم في صفوف أغلبية أو أقلية.
يبدو لنا مما يطرح في الساحة الإعلامية من مقاربات لهذا الموضوع، ومما نخرج به من مناقشاتنا في مجال المجتمع المدني، سعياً لحلحلة الوضع المتكلس في جميع مناحي حياتنا، أن هناك الكثير من سوء التفاهم أو سوء الفهم لبعضنا البعض، ولطبيعة الظاهرة التي نتصدى لمعالجتها، هذا بالطبع مع افتراض أننا جميعاً ننطلق من أرضية حسن النية، وليس فينا من يعمل على ترسيخ الوضع القائم، أو دفعه إلى ما هو أسوأ، كما ليس بيننا من ينطبق عليه توصيف "قبطي كاره لذاته"، ولا "مسلم كاره للأقباط".
سنحاول أن نرصد في تلك السطور بعضاً مما نعتبره إشكاليات ملتبسة، تحتاج إلى توضيح، نرجو ألا يضيف إليها في النهاية المزيد من الالتباس:
ينتهج كثير أو قليل من المنادين بحقوق الأقباط في مصر، منهج الدعوة إلى عدالة اقتسام الكعكة الوطنية، وهو ما نعتبره أسوأ مقاربة لهذه القضية، فالكعكة من الأساس مقددة، لا تصلح للأكل، ولا حتى بعد نقعها في الماء، فالحالة الاقتصادية متردية، والحياة السياسية فاسدة واستبدادية، لا يسمح ما يعرف بهامش الحرية فيها، إلا بحرية النباح، والحياة الاجتماعية متهرئة وراكدة، وأسيرة تقاليد انتهت صلاحيتها من قرون، فأي عدالة تلك يمكن أن يحصل عليها الأقباط، إلا إن كانت عدالة اقتسام الفقر والجهل والتخلف؟!
منهج التنازع على اقتسام الكعكة يدخل بنا إلى نفق مظلم، هو نفق صراع مكونات الوطن الواحد، في ظل ثقافة فاشية، يقف فيها الظالم والمظلوم على نفس الأرضية، وينطلقون من ذات المنطلقات.. هنا لا نكون بصدد الحديث عن دولة مدنية حديثة، ولا معايير عالمية لحقوق الإنسان، وإنما بصدد صراع بين كيانات لا تاريخية، تخوض صراعاً أعمى، يكون فيه الانتصار للأقوى أنياباً ومخالب، وتهزم فيه الحضارة والحداثة والإنسانية.
ينخدع البعض من المناصرين لحقوق الأقليات، بشرك ما يتصورونه حياداً تمليه المقاربة العلمية، حين يتصورون أن المعالجة العلمية تقتضي توزيع مسئولية الأوضاع المتردية بين طرفي المشكلة، وعدم تحميل أسبابها أو مظاهرها لطرف واحد، بغض النظر عن حقائق الأوضاع على الأرض، والتي يتم في هذه الحالة لي عنقها، لاستنطاقها بأن كلا الطرفين يتحمل مسئولية ما يجري.. هكذا نجد الكثيرين عند حديثهم عن التطرف المتأسلم في مصر، يدعون أيضاً أن ثمة تطرف قبطي، يجهدون أنفسهم في اختراع مظاهر ومعالم له، متسولين بذلك تقديراً من الطرف الأقوى، أو محاولة التقرب إليه بالنفاق والتزلف، عساه يصغي إليهم، ويتفضل بالموافقة على الاعتراف، ولو ببعض ما يرتكبه بعض المنتمين إلى دائرته من جرائم.. على هذا النهج يتم تسمية الاعتداءات والجرائم التي ترتكب في حق الأقباط "بالفتنة الطائفية"، وهو التوصيف الذي لا يصلح إلا لوصف حالة اقتتال بين طائفتين، وليس لوصف ما يحدث بالحقيقة على أرض مصر، من اعتداء غوغاء منتمية لطائفة، أو جماعات أصولية متطرفة، على أبرياء مسالمين من الأقباط، غير قادرين حتى عن حماية وجوههم، مما يكال لها من لطمات، وهي ما يصح توصيفه "بالاعتداءات الطائفية"، وهذا لا يعني أن الأقباط ملائكة، لكنه يعني ببساطة أن ما يجري من أحداث طائفية في مصر، وما يجري من تمييز، إن لم نقل اضطهاد، يلعب فيه الأقباط دوماً دور المفعول به، فيما تلعب الدولة والجماعات الأصولية والغوغاء دور الفاعل، وأي قول خلاف ذلك، لا ينتمي إلى حقائق الواقع، وإنما إلى تهويمات الهائمين في الخيال والتزييف.
يتصور بعض الأقباط والحالة هذه، أنه ليس على الأقباط ما يفعلونه، غير البكاء والصراخ، مطالبة بحقوقهم المهدرة، وأقل ما يقال عن مثل هذا التوجه، أنه اختصار مخل بالقضية، وقصور في الرؤية، يصل إلى حد الجريمة في حق الذات.. فإن كان الأقباط لا يرتكبون جرائم في حق الآخر، فهذا لا يعني أنهم لا يرتكبون جرائم في حق أنفسهم، وهي جرائم لا يصح تأجيل بحثها، لحين الحصول على حقوقهم من الآخر، على نمط الشعار الثوري البائد: "لا صوت يعلو على صوت المعركة"، الذي كان بمثابة كلمات حق يراد بها باطل، لتظل عوامل الفساد والاستبداد تمرح في مراع خصبة، ولتباعد بيننا وبين الحالة التي نسعى إلى تحقيقها، وهي الحرية والعدالة والحداثة.
يناهض بعض نشطاء الأقباط دعوة الجماعات الأصولية لتحويل النظام المصري إلى دولة دينية، ومع ذلك فهم يظاهرون بطريرك الإسكندرية، وهو يقف متحدياً لأحكام القضاء المصري، بالسماح بزواج المطلق، بدعوى أن الحكم في هذا الأمر لابد أن يستند للقوانين الإلهية، التي هي ما ينطق به قداسة البابا بالتحديد، وليس أي أحد سواه.. أليس الأقباط وبطريرك كنيستهم بهذا، يسلمون الخنجر جاهزاً ومسنوناً للجماعات الأصولية، لتطعن به الأقباط والمصريين كافة، بفرض أحكامهم وقوانينهم الإلهية على الجميع، وليكون من حقهم عندها، بصفتهم الأغلبية الكاسحة، أن يسيدوا قوانينهم على الجميع؟!
عندما يصمت أو يوافق نشطاء الأقباط، على الدور السياسي الذي تصر الكنيسة والبطريرك وأساقفته على لعبه في الحياة المصرية، معتبرين رجال الدين ممثلين لهم، ألا يضع الأقباط بذلك أنفسهم في ورطة لا خلاص لهم منها، إلا أن يقبلوا بما هم مقبلون عليه فعلاً، بأن يصيروا مجرد أهل ذمة، لا يشاركون في الحياة السياسية بصفتهم مواطنين، وإنما أسملوا قيادهم لرجال الدين، يتسولون لهم من الحاكم بعضاً من المزايا والهبات الملكية؟!
عندما يصطف الأقباط كقطيع خلف رعاتهم الدينيين، ويسجنون أنفسهم داخل الكنيسة، ويحرمون أنفسهم، ويحرمون المجتمع المصري معهم، من مجهوداتهم في المجال الاجتماعي والسياسي، بدلاً من أن يكونوا ظهيراً لقوى الحداثة والتطور، ألا يكونوا بذلك يعملون ضد مصالحهم وضد قضيتهم، بإدارة ظهورهم وخذلانهم لدعوة الحداثة، الكفيلة وحدها بانتشالهم، مع باقي مواطنيهم، من حياة ونظم القرون الوسطى؟ وهل يكون من يطالب الأقباط أن يعدلوا أوضاعهم وثقافتهم، لتكون معيناً لهم وللوطن، على تجاوز ورطته الحضارية الحالية، هو ممن يستحق أن نطلق عليه توصيف "قبطي كاره لذاته"؟!
كثيرة هي أخطاء الأغلبية في حق الأقلية، سواء كانت أخطاء الصمت السلبي، أم أخطاء ترتكب عن عمد لقهر الأقلية، وإلزامها أضيق الطريق، وكثيرة أيضاً أخطاء وخطايا الأقلية في حق نفسها أولاً، وفي حق وطنها، حين تعزل نفسها عن حراكه الاحتماعي والسياسي، معظمة من سلطان الاستبداد الكنسي، ومروجة لخطاب الخنوع وتغييب العقل، الذي لا يعزل الأقباط عن إخوانهم في الوطن فحسب، وإنما يعزلهم عن مسيرة الإنسانية في القرن الواحد والعشرين، ليظلوا أسرى خطاب ومقولات وعلاقات، انتهت صلاحيتها منذ عشرات القرون.
kghobrial@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مسلمين فقط
ابو الرجالة -

يا عم قول احنا لنا حاجة كل شئ للمسلم الجيش والشرطة والقضاء وهل سمعت عن مسيحي انصفة القضاء حتي ولو طلب تعويض عن ذبح ابية كما في الكشح وغيرة وهل سمعت عن ام اعادوا لها ابنتها القاصر لا حل الا بان نفكير فيما يجب عملة وليس الاستجداء فمخطط القضاء علينا لا تخطئة الا عين لا تبصر لا حل اما الهجرة او الاستبياع

معك حق
ابو الرجالة -

معك حق لكن مين يسمع فقد تم اختزال الاقباط في شخص واحد يسهل السيطرة علية وهذا ما لا يفهمة الاقباط لنهم مغيبون نحن لا نتعلم من التاريخ فسنخرج من التاريخ

المصرى -

السيد غبريال و السيد صاحب التعليقين الاول و الثانى نحن - كالعاده - سنكون الافضل و نستمر فى حب و احتضان اخواننا الاقباط فالسيد غبريال يعيش فى اوربا و لا يعرف شئ و لا يرى شئ فانا جيرانى مسيحيين و انا كل يوم عندهم و هم كذلك عندى لم اشتكى منهم و هم كذلك ااكل من اكلهم و هم يأكلون من اكلى حتى عندما مرض ابنى اول من كان فى ظهرى هم قبل اخوتى المسلمين و انا كذلك اما ما يحدث من الحكومه و النظام يا ابو الرجاله و يا سيد غبريال فهو على المسلم قبل المسيحى فالاسعار على الجميع ... بالعكس ما يحدث لاى مسلم ملتحى فى قسم الشرطه اكثر بكثير لما تتوقعه سيد غبريال كفاك حقدا و غلا و حاول فى مقالاتك القادمه ان تنادى بالمحبه و السلام

تشويش
نبيل يوسف -

.. الكثير من الكاثوليك في بلاد أوروبا العلمانية جدا لا يتزوجوا إلا في الكنيسة.. ومن منهم إذا طلق طلاق مدني وهو ما لا تسمح به الكنيسة الكاثوليكية.. لا يستطيع إذا اراد الزواج مجددا سوى اللجوء للزواج المدني.. ولم يقل أحد سيطرة بابا روما ولا سطوة الكنيسة وصراع الدولة مع الدين إلى أخره.. من لا يريد ان يتبع العقيدة الارثوذكسية لا يُكَفًر ولا سيطرة للبابا أو الكنيسة على أمور حياته في اي شيء وعندما يبالغ البعض في الخضوع للرياسات الدينية فهذا يرجع لطبيعة الشخص النفسية والثقافية..هناك فرق بين الدولة الدينية وبين الشعب المتدين..والخيار الثاني به مساحة من الحرية والمتدين اليوم لا ديني غدا وليس هناك عليه حد.

شريعة المتعاقدين
MICHO -

يا استاذ كمال عندما يقوم اثنان بالزواج فى الكنيسة القبطية يعلمون اثناء توقيع عقد الزواج انه لا يوجد طلاق اذا فالعقد شريعة المتعاقدين و لم يجبرهم احد على ذلك , ثانيا لم يحرم الاقباط انفسهم من المشاركه فى المجتمع فالحقيقة التى لا تريد ان تقولها ان الاقباط اجبروا على ذلك ,لانه ببساطه تحولت كل المؤسسسات فى الدوله الى دينيه اسلاميه و اصبحت تطرد الاقباط خطوه بخطوه فالى اين يذهب الاقباط ؟؟؟ و اصبح الملجأ الوحيد هو الكنيسة , اذا العيب لا يقع على الكنيسة او الاقباط بل يقع على الدولة و مؤسساستها التى لم تحارب مظاهر الفرز فى المجتمع

agree and disagree
BESHOY -

يا استاذ المفروض انك عارف ان الاحوال الشخصية يبت فيها بشريعة اهلها حتى الدول الغربية العلمانية بتعمل كده يعنى الاحتكام للانجيل مش بسبب البابا ده امر يخص الشخص وحياته التى تنظمها شريعته.اما فيما يخص السياسة فانا معك ان لا دور لرجال الدين فيها اما هذا او ذاك.اما عن اصطفاف الاقباط داخل الكنيسة فهذا امر فرضته الدولة من عقود فلجا لها الاقباط اذ لم يجدوا سواها حتى شباب اليوم لا يرحب بهم في اى مكان اولا لثقافة الجاهلية المتفشية وثانيا لانهم اعتادوا الا يروهم منذ زمن.فاصبحت الكنيسة بدال من الدولة فى شتى مناحى الحياه فالى جانب العمل الروحى تقوم بعمل خدمات اجتماعية(مساعدة الفقراء) والنوادى والرحلات والكشافة والبحث عن عمل وغيرها.فانا ارى انه من واجب الكنيسة ان تقف وراء شخصيات فبطية علمانية ذات كاريزما يلتف حولها الاقباط لتقود النضال السلمى للاقباط و انتزاع حقوقهم السياسية و الاجتماعية و غيرها بدلا من احراج رجال الدين

في غياب حريات مدنية
كركوك أوغلوا -

المرجعية الدينية هي البديل !!..فمن يحق له الجلوس بجانب الرئيس مبارك وشيخ الأزهر غير البابا شنودة ؟؟!!..حتى بطرس غالي ليس له موقع من الأعراب الآن ؟؟!!..