سوروس ودو سوتو وغالي
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ويبدو أن هذا الكلام قد لامس الجدار المكهرب للقضايا الاقتصادية التي أثيرت في مصر قبل وقوع الأزمة المالية العالمية مباشرة، مثل تسقيع الأراضي والارتفاع الجنوبي لأسعار العقارات ومواد البناء، فضلاً عن مشروع قانون الضرائب العقارية الجديد، كما أنه سلط الضوء مجددًا علي الإمكانيات والموارد غير المستغلة، والأموال المهدرة بالمليارات في هذا المجال الحيوي، والتي لم تنتظم بعد داخل الاقتصاد الرسمي للدولة.
ويذكر الكتاب أن فريق معهد الحرية والديمقراطية في ليما عاصمة بيرو، وهو ثاني أهم مركز للتفكير في العالم، حسب الإيكونومست، والذي يترأسه دو سوتو، توصل إلي أهمية تسجيل العقارات كضرورة ملحة لاستفادة الفقراء من برامج الإصلاح الاقتصادي التي تتبعها دولهم، إذ إن قيمة المدخرات لدي الفقراء "خمسة أسداس البشرية" هائلة، أربعون مثل جميع المعونات الأجنبية التي تم تلقيها، في جميع أنحاء العالم، منذ عام ١٩٤٥.
وفي مصر مثلا تساوي الثروة التي تراكمت لدي الفقراء خمسة وخمسين مثل مبلغ جميع الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي سجلت فيها، بما في ذلك فناة السويس والسد العالي، بيد أنهم يحتفظون بهذه الأصول - حسب دو سوتو - في شكل معيب: بيوت بنيت علي أراض ملكيتها ليست مسجلة بالشكل السليم، دور أعمال لا تأخذ شكل الشركات، كما أن مسؤولياتها غير محددة، وصناعات قائمة حيث لا يستطيع الممولون والمستثمرون رؤيتها.
ونظرًا لأن الحقوق في هذه الممتلكات ليست موثقة علي النحو السليم، فإن هذه الأصول لا يمكن تحويلها بسهولة إلي رأس مال، ولا يمكن مبادلتها خارج الدوائر المحلية الضيقة التي يعرف الناس فيها بعضهم ويثقون ببعضهم بعضا، ولا يمكن استخدامها كرهن لضمان القروض، كما لا يمكن استخدامها كحصة في استثمار ما. هذا هو أحد الأسباب التي يسوقها دو سوتو لأهمية دخول القطاع غير الرسمي في التعاملات الرسمية للاقتصاد، وتسجيل ملكية الأصول ورؤوس الأموال التي يملكها الأفراد خاصة الفقراء حتي يستطيعو الاستفادة من حقوقهم والحصول علي نصيب أكبر من التقدم الاقتصادي بل وتسريع النشاط والنمو الاقتصادي للدولة.
وفي الدراسة المهمة التي قام بإعدادها ياسر صبحي، المحرر الاقتصادي بجريدة الأهرام، ونشرت في أكتوبر ٢٠٠٥، بمجلة الإصلاح الاقتصادي التي تصدر عن مركز المشروعات الدولية الخاصة المنبثق عن غرفة التجارة الأمريكية بواشنطن، تفاصيل مهمة عن دو سوتو، الذي قام بدراسة النظام في مصر من خلال المركز المصري للدراسات الاقتصادية، بدأها بدراسة عن قطاع العقارات غير المسجلة ورأس المال غير المستغل، ثم قام بعد ذلك - وبناء علي طلب الحكومة المصرية - بدراسة شاملة أيضا مع المركز المصري للدراسات الاقتصادية تم خلالها حصر القطاع غير الرسمي في مصر والخطوات التي ينبغي اتخاذها لجذب القطاع غير الرسمي من خلال إزالة المعوقات وتحفيزه، لإدماجه في المعاملات الرسمية للاقتصاد.
وأظهرت الدراسة التي أعدها المركز بعنوان "رأس المال غير المستغل ومحدودو الدخل في مصر" أن التقدير الأولي للأصول العقارية المصرية يشير إلي أن ٩٢% من المساكن في المناطق الحضرية و٨٧% من الحيازات في المناطق الريفية تعد غير رسمية، وتمثل نحو ٢٤٠ مليار دولار. وأن ما يقرب من ٩٠% من السكان يعيشون ويعملون داخل مساكن غير مسجلة رسمياً، كما أن أكثر من ٨٠% من السكان يقيمون داخل حيازات ريفية غير رسمية، وتشير الدراسة: "إلي أنه من المثير للانتباه أن فئة قليلة هي التي تدرك أن الفئات الفقيرة تمتلك معظم الأراضي والأعمال في الدولة، ولكنها في الوقت نفسه تفتقر إلي حقوق الملكية الرسمية لهذه الأصول"، وطالما ليس في وسع الغالبية استخدام أصولهم في السوق، نظراً لكونها غير مسجلة رسمياً، فإن الغالبية لن تتمكن من إدراك معظم المنافع الناتجة عن عمليات الإصلاح علي مستوي الاقتصاد الكلي، ولا الاستفادة منه.
فضلاً عن تركيز رأس المال في أيدي حفنة قليلة، وإذا لم تتمكن الغالبية من تكوين رأس مال والمشاركة في فائض القيمة والوصول إلي الأسواق الآخذة في الاتساع، من الأرجح أن يؤدي هذا التناقض للتصادم بين الطبقات، وإذا ما توقفت برامج الإصلاح الاقتصادي عند تثبيت المتغيرات النقدية والمالية والحد من اختلال الأسواق، فإنها لن تكون بمثابة أداة للتغيير..
وستستمر وجهة النظر أن الإصلاح الاقتصادي لا يفيد سوي الأغنياء والذين يملكون رأس المال بالفعل. إن اقتصاديات السوق، حسب دو سوتو، ليست في حقيقة الأمر سوي مؤسسات وجدت لتسهيل تبادل الممتلكات التي تمت حيازتها بصورة قانونية، وأن السبب في عدم نجاح ما يطلق عليه اقتصاد السوق المفتوحة في الشرق الأوسط، لا يكمن في عدم تقبل المواطنين لفكرة الأسواق، وإنما في أنه لم تكن لديهم مطلقاً حقوق ملكية رسمية كافية تتيح إمكانية قيام اقتصاد سوق متطورة. ولذلك، فإنه من الناحية السياسية لا يمكن توفير الدعم الشعبي اللازم لعمليات الإصلاح الاقتصادي في الأجل الطويل إلا إذا توافرت لغالبية السكان سبل خلق رأس المال وإمكانات النفاذ إلي الأسواق، المعترف بها قانوناً.
بقي أن نعرف أن معظم هذه الأفكار الاقتصادية ولدت من رحم الفلسفة المعاصرة، فكما تأثر الملياردير جورج سوروس بأفكار الفيلسوف كارل بوبر، عن المجتمع المفتوح، تأثر دو سوتو بفلسفة ما بعد الحداثة في التوصل إلي نظريته الاقتصادية الجديدة، وهو يعترف بإفادته من الفلسفة الفرنسية، متمثلة في "ميشيل فوكو" و"جاك دريدا"، خاصة فكرة التأثير المتبادل بين المركز والهامش، فكما يؤثر المركز في الهامش، يتأثر بنفس القدر بكل ما يحمله هذا الهامش من سلبيات وإيجابيات.
ولأن العشوائيات في بر مصر هي هذا الهامش، أو قل الهوامش التي تحاصر المركز، في كل محافظات ومدن مصر المحروسة، ويتركز فيها الاقتصاد الموازي، ولا يدخل معظمه في عجلة الاقتصاد الرسمي، فقد كان الدكتور يوسف بطرس غالي، وزير المالية، الذي اختير مؤخرا رئيسا للجنة السياسات المالية والنقدية التابعة لصندوق النقد الدولى، موفقاً للغاية في طرحه قبل وقوع الازمة المالية العالمية بأشهر قليلة، لمشروع قانون الضرائب العقارية الجديد، إذ أن الغرض منه لم يكن البحث عن موارد مالية جديدة للدولة عبر الضرائب العقارية، بقدر ما كان حصر وتسجيل وتوثيق كل شبر علي أرض مصر، ثم دمجه داخل الاقتصاد الرسمي للدولة، بموجب هذا القانون الذكي الذي تأخر كثيراً، وهي مهمة تكسرت عليها رؤوس الوزراء والسياسيين منذ 1952.
وقد نختلف أو نتفق حول تقدير قيمة هذه الضريبة الجديدة، لكن إصدار هذا القانون أصبح ضرورة ملحة لحصر المليارات المهدرة، من أراض، أخذت بوضع اليد، ومرافق مستباحة، من مياه وكهرباء وطرق، وأشياء أخري، في ظل أزمة مالية عالمية تعصف بأقتصاديات معظم دول العالم، بما فيها مصر.
dressamabdalla@yahoo.com
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف