الاقتصاد بين عولمة الإرهاب وعولمة السلام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ومنذ مطلع التسعينيات من القرن العشرين حذّر الكثيرين من علماء الاقتصاد من الآثار السلبية المحدقة بالبشرية جراء "الاحتكارات " والظلم الذي أطلقه "النظام العالمي الجديد "، حيث أدت "الليبرالية الاقتصادية "التي طالبت بتحرير التجارة الدولية من كافة القيود وبتحرير حركتها وتحويلها من القطاع العام الى الخاص، الى تحويل العالم والدول الى "مجموعة شركات" متنوعة الجنسيات، يملكها في معظم الاحيان " الحكّام" الذين يخوضون الحروب لضمان "أسواقهم" ؛ وفي دوامةٍ من العنف تدور رحى الحرب بين اركان العنف حيث يسيطر أصحاب الشركات ورؤؤس الاموال، على مركز صنع القرار التي تتحكم في الاقتصاد العالمي وتحرك الاستراتيجيات العسكرية، وكل ذلك على حساب الشعوب.
انها ببساطة تحويل الدول الى "مافيات ارهابية"! عنف المافيات!
فماذا ينتج عن عمل المافيا هذه؟ نجد ان الوسائل والنتائج ستكون "عنفية " و"ارهابية ".. ونسجل في هذا السياق النقاط التالية:
اولا: تراجع الديموقراطيات في كل دول العالم: فالنظام العالمي والعولمة الاقتصادية عدوها الاول الديموقراطية، لان كبرى الشركات تزيح السلطة السياسية أو تشتريها وتصبح القاعدة "كل فرد وله سعره" فالناخبين هم موظفون في شركات " الرئيس " المنتخب! وهم يهتفون له في حملاته الانتخابية، ويصبح التنافس على السلطة السياسية في الانتخابات هو مجرد تنافس على النفوذ الاقتصادي..
ثانيًّا: تكريس الصراعات والاعمال العسكرية: بما يضمن "فتح اسواق استهلاكية جديدة وتحريك "الركود " في سوق الأسلحة، وتحقيق المكاسب الاستثمارية بالدول المنكوبة، واعادة توزيع ادارة الثروات من جديد بما يضمن استمرارية عمل المصانع وحصولها على المواد الأولية.
ثالثًا: تدمير البيئة: بشكل مباشر وغير مباشر عبر استنزاف الموارد الطبيعية واستخدام الاراضي لطمر النفايات السامة واستغلال الغابات والثروة الخضراء وانبعاث الغازات السامة المسببة للاحتباس الحراري hellip;.
رابعًا:انهيارالانسان وحقوقه: وهو تحصيل حاصل لمنطق الاحتكار، فالانسان ككيان روحي ونفسي متكامل لا مكان له في هذه المنظومة المادية، وهو مجرد "رقم استهلاكي" على جدول الاقتصاد العالمي يتم التعامل مع صورته المادية فقط وبعده الجسدي، تصبح المرأة فيه كائنا سليكونيًّا غبيًّا مستهلكا يحقق المتعة لاهثًا وراء عمليات تغيير الخلق، والرجل فيه "فرعونًا" يسعى لامتلاك "المال" المؤدي للسلطة الجانية للأرباح!
خامسًا: عنف وسائل الاعلام والاعلان: التي تشكل الخيط الرابط الذي يتخلل شتى اعمال العنف، حيث انها تخضع بالكامل لسلطة "رجال الاعمال المعلنين " الذين يوجهون الاحداث المحلية والعالمية والسياسية والاقتصادية بما يتناسب مع مصالحهم! فتلون الاخبار وتُبدل الأحداث وتَنقلب المفاهيم ويتصدر الاعلامي النجم المطيع لاستراتيجية "فضائيته"، ويصبح المثقف الانساني الواعي في خبر كان! مافيا السياسات الخارجية: الشمولية السياسية متراس للرأسمالية!
فأين نحن "ابناء الشرق الاوسط " - الجديد اوالقديم- على خريطة "نظام الاقتصاد العالمي" وما هو مدى تأثرنا به؟
بطبيعة الحال فإن السياسات الخارجية والعلاقات الدولية خضعت لا سيما في الاعوام الاخيرة لسلطة ومصالح "الشركات العالمية العملاقة "! وتشكلت المحاور الاقليمية والدولية على اساس اقتصادي تجاري أكثر من مقتضيات التضامن الدولي تجاه الشعوب لا سيما تلك التي تتعرض لانتهاكات حقوق الانسان، وهُمشّ دور الامم المتحدة وتراجع أداؤها!
وشُنّت الحروب هنا وهناك خلف قناع مكافحة الارهاب، في وقت كانت تريد ضمان مصالح اقتصادية ليس إلا، ولا تعنيها "المسائل الانسانية " برمتها وان اتخذت من الشعارات"الانسانية " ذريعة لها.ومن حقنا ان نتساءل عن تلك العلاقة الجدلية القائمة بين "الدول العربية " والانظمة العالمية " و كيف " ان الانظمة التوتاليتارية" الشمولية في العالم الثالث التي تدعي "الاشتراكية" كانت هي الشريك الاول في " للرأسمالية السلبية" والوقود الداعم لها؟ إن النظر بذكاء وروية لمنطق الامور يحتم علينا إعادة النظر في منظومتنا "الاقتصادية - السياسية "، بالكامل ولا نظننَّ اننا في ظل ممارسات الانظمة العربية الموجودة حاليًّا يمكن ان " نَسْلَم اقتصاديا " فالاقتصاد لم يكن يوما بعيدًا عن السياسة او منفصل عنها، وهذه الانظمة باعت مصالح شعوبها بالجملة والمفرق منذ زمن بعيد، من أجل الحفاظ على الكرسي وهي قبضت الثمن سلفًا وعلى "داير بارة "، ف"العربان" يحكمون وهم على فراش المرض والموت، وما من أحد بمزحزحهم عن عروشهم! ويود أحدهم لو يعمر ألف سنة!
لا شك في أن الدول الراعية "للعولمة الرأسمالية " حرصت كل الحرص على ضمان استمرار "الانظمة الشمولية " و"الانظمة القبلية" في منطقتنا، لانها حققت بذلك مكاسب جمة اهمها:
توقيع العقود التجارية والاستثمارية والتي حولت المنطقة الى سوق الاستهلاكي الاول في العالم
وضع الدول بحالة تبعية غذائية من خلال السيطرة على المحاصيل الزراعية وتصنيعها، في ظل غياب الأمن الغذائي والدوائي عن مشاريع التنمية!
الاستغلال السيئ للبيئة والموارد الطبيعية: فالدول الصناعية تستخدم دول العالم الثالث مكبًّا لنفاياتها السامة، ومكانًا جيدًا لانشاء مصانعها في ظل انخفاض اجور اليد العاملة وتنامي عمالة الاطفال علاوة على انها تحيّد اراضيها عن التلوث البيئي فتنقله بمشاكله الى اراضي الاخرين!
تحول الانظمة الى شركات: ففي الوقت الذي اعلنت فيه "الدول النفطية " تحالفها الصريح والواضح ومنذ البداية مع "ثالوث النظام العالمي الجديد " وكانت لاعبًا أساسيًّا في العولمة الاقتصادية وهي منذ البداية تعتمد "نظام قبلي" في الحكم يكرس مبدأ "سلطة "الزعيم المالك للمال "، فإننا نجد ان الدول العربية الأخرى التي ادعت طيلة سنواتها الماضية واتهمت الآخرين ب"الامبرالية " وتغنّت ب" الاشتراكية " ردحًا من الزمن! قد تحولت بعصا سحرية الى " الخصصة"!
فالدول العربية كلها بما فيها الاشتراكية والبعثية تحولت الى "شركات خاصة" يملكها " الزعيم " وتوابعه ؛ وما مصر "عبد الناصر" وسورية "البعث" عنا ببعيد! واصبحت الاشتراكية عرين الرأسمالية وامست الدول الشمولية متراسًا لفساد الرأسماليين! وفي صورة غريبة غير مسبوقة صار النظام الجمهوري ملكي يوَرّث!إذن نحن امام انظمة اختلفت شعاراتها وتنوعت مصالحها وغير انها في "انتهاك حقوق الانسان " سواء! أما من الناحية الاقتصادية فكلها مرتبطة بشكل او بآخر بمنظومة العولمة، وان محاولة بث الاطمئنان في نفوس العباد من خلال "الاعلام الموجه من قبل السلطات " واستضافة "اقتصاديين قبضوا ثمن "مقابلتهم التلفزونية "سلفًا " قبل ان يدلوا بدلوهم ويبشروا الناس بان "الاجواء الاستثمارية ممتازة، وان الاوضاع المالية على أحسن مايرام، لا يغني عن حقيقة ارتباط "المصارف العربية والخليجية بشكل عضوي ب"المصارف الأم"، وان انهيار الاخيرة سيؤثر عليها حتمًا، علاوة على ارتباط عملاتهم بالدولار بشكل مباشر وان انهياره يعني تأثرعملتهم، فثبات سعر الصرف لا يلغي حقيقة فقدان القيمة، إضافة الى تأرجح أسعار النفط واحوال البورصات وانهيار اسعار الاسهم لا يخفى على أحد. عولمة بديلة! عولمة مملكة الانسان!
أمام انهيار اسطورة العولمة الاقتصادية كيف يمكن رؤية الاقتصاد من خلال الانسان؟ يقول جون ماري مولر أنه:"من الاهمية بمكان ألا تقتصر حركة مقاومة مساوئ العولمة على مجرد رفضها: إذ لا بد من طرح "عولمة بديلة " alter-mondialisation حيث من الممكن جعل العولمة فرصة حقيقية للانطلاق نحو تقريب الشعوب وحشد الطاقات من اجل سيادة الانسان وحقوقه.فالممانعة المدنية تكون بإعلام " الساسة" علنًا وبشكلٍ مباشر، بضرورة تبني منظومة اقتصادية تحقق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية، منظومة يكون الانسان محورها وهدفها تحقيق حقوقه، والعمل بتكاتف كيلا يحتكر البعض منافع الثروة وان توزع المغانم بشكل عادل دون ان تلغي مبدأ الملكية.
ان احد اهم الخطوات هو السعي الى إقامة منظومة سياسية "انسانية"، نعم إنسانية! وقوامها الديموقراطية التي من شأنها أن تتيح الوصول الى عدالة نسبية من خلال توزيع عادل للمكاسب الاقتصادية، والعدالة لا تعني "التساوي " بطبيعة الحال، وذلك لا يتحقق الا بإضفاء بُعد أخلاقي و روحي ، واعطاء معنى جديد مغاير لذلك السائد القائم على "المادة فقط".
نتطلع الى عولمة " القيم الانسانية " و عولمة "السلام"، القائمة على احترام الانسان وحريته وحقوقه، واحترام الطبيعة والحفاظ على البيئة، ومنع الحروب من الاندلاع وتحقيق السلام، وادراج الأخلاق في العمل السياسي والاقتصادي، رأسمالها الانسان الحرّ... فلسفتها تقوم على كونية الانسان... وهدفها تقريب شعوب العالم وتلاحم انظمته وتساندها وتناغم ثقافاته وتحقيق اكبر مشاركة ممكنة بين شعوب الارض. كاتبة لبنانيةMarwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com
التعليقات
ذو حدين
متابع -مما ادخل الفرح الى صدري هو اني وجدت من يتابع كتابات جون ماري مولر ! في الدول العربية ! كاتبة لاشك نبيهة جدا- العولمة ذو وجهين احدها قذر والاخر ايجابي ... وقليل من نجده يجمع الامور بهذه الصيغة ...نعم هذا هو الحس الموضوعي - موضوع شيق
هل من يسمع؟
سلسبيل -من أرقى المواضيع التي قرأتها في إيلاف!! كلام سليم ودقيق وعادل وواقعي وموضوعي ومرضي للطموح الإنساني ! الجزء الأخير هو ما نحتاجه فعلا أنا معاك في هذا العرض المتكامل والمستوفي لما هو حاصل فعلا ولما يجب ان يكون حتى يرتاح ويهنأ الجميع!
تقدير
حمد الجراري -لك التحية والتقدير على هذا العلم الوفير والقلم المبدع والربط الموضوعي والاختيار الموفق للمواضيع انت بحق في المجال الاقتصاد ي وربطه بالسياسي وابستنتاجاتك الذكية تثيرين اعجابي فلا اقدر الا ان اقول لك التحية وربنا يوفقك- حمد الجراري
الإنسان
خوليو -عندما يكون الإنسان هو محور الكون وجميع الأعمال الاقتصادية والاجتماعية والأدبية تعمل متكاملة لإراحة ذلك الكائن من جميع النواحي، ستبدأ البشرية بالسير نحو السعادة،فإذا كانت السعادة على الأرض هي الهدف، يكتشف الفرد الوسيلة للوصول إليها، وعندها نكون قد بدأنا باكتشاف النهج الإقتصادي والاجتماعي والبيئي لتحقيق عولمة تبدأ من خدمة الفرد وتعود في النهاية إليه، الحرية الشخصية وحرية الكلمة والسماع للرأي الآخر وإلقاء أدوات العنف في أعماق البحار والحوار والتداول والبحث عن مفاتيح السعادة الأرضية، هم السبيل للوصول للنظام العالمي الأصلح، ولربما ضارة نافعة، فهذه الأزمة الإقتصادية قد تفتح عيون أصحاب الضمير لإصلاح ماخربته المافيا العالمية وممثليها في منطقتنا.
تعليق
عصام -متوهم هو من يعتقد ان الأنسان يستطيع الوصول الى دراك الكمال فيما يفعله وفيما يسن من الأنظمه والقوانين