في العراق: براغماتيون في المكاتب ومتشددين في الاستحقاقات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
وعلى امتداد فترة التحضير الأميركي للإطاحة بنظام صدام حسين، كان المسؤولون الأميركيون واضحين جدا في تحديد هدفهم الرئيسي: الإطاحة بنظام صدام طبقا لرؤيتهم هم، وبمواصفاتهم، لا كما تريد المعارضة العراقية. فقد ظلت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، ترفض بشكل قاطع، تشكيل حكومة عراقية في المنفى تأخذ على عاتقها إدارة البلاد بعد التخلص من صدام. وفي أخر اجتماع لقادة المعارضة العراقية في مؤتمر لندن الذي عقد في 14/12/2002 وحضره المبعوث الأميركي، زلماي خليل زاد، نشرت وسائل الإعلام تسريبات مفادها أن المبعوث الأميركي أبلغ قادة المعارضة بأن "دورهم ليس أكثر من مستشارين." وقبل ذلك التاريخ كان ريتشارد باوتشر المتحدث باسم الخارجية الأميركية قد أعلن (في 30/08/2002) بأن الحديث عن حكومة عراقية مستقبلية "سيكون سابق لأوانه."
وحتى نختصر فأننا نقول أن الولايات المتحدة أرادت أن تسقط نظام صدام على طريقة بعض مقاولي بناء المساكن "الانتهاء من بناء الدار وتسليم المفتاح لصاحب الدار."
حدث هذا، أم لم يحدث؟ نعم، حدث، وجاء الجنرال المتقاعد الأميركي جاي غارنر إلى العاصمة العراقية، كحاكم مدني. وبعده وصل مواطنه بريمر، وشكل مجلس الحكم، بعد أن أحتفظ لنفسه، أي للولايات المتحدة، بحق الفيتو ضد قرارات المجلس، والبقية هي ما نعرفه جميعا. وعلى امتداد هذه المراحل كلها، أي منذ أيام غارنر وحتى هذه اللحظة، والولايات المتحدة حاضرة في كل صغيرة وكبيرة داخل العراق. هذه حقائق تعرفها الطبقة السياسية العراقية الحاكمة أكثر ألف مرة من غيرها. لكن البعض من الساسة العراقيين، وقد حانت الآن لحظة استلام "المقاول" الأميركي لأجوره وتسليمه "المفتاح" لأهل الدار، يريد أن يوهمنا أنه كان يظن أن الولايات المتحدة سيارة إسعاف، أو جمعية خيرية كتب على واجهتها: مستعدون للمساعدة مجانا، 7/7 وطوال ساعات اليوم. أو لعل هذا البعض كان يفكر ب"استعباط" أميركا والضحك على ذقنها، فيدفعها إلى "المستنقع" العراقي، وبعد أن يلملم أوضاعه ويرتبها جيدا، مستفيدا من الوجود الأميركي، يبدأ هذه المرة بإملاء شروطه عليها. ولكن، حتى إذا سلمنا بصحة وسلامة تفكير كهذا، فهل أن الوضع العراقي الحالي مهيأ لمثل هذا الموقف؟
لو كان العراق الحالي يملك شروط الوحدة الوطنية الفيتنامية في ستينيات القرن الماضي، أو يملك تماسك الجبهة الوطنية الجزائرية التي كان المفاوض الجزائري يتكأ عليها أثناء مفاوضات التوقيع على اتفاقية أيفان، ولو كان الوضع العراقي الحالي يشبه ذاك الوضع العراقي الذي كان سائدا عام 1920 أبان الاحتلال البريطاني، أو في أيام ما بعد ثورة 14 تموز 1958 لقلنا، نعم. لكن العراق الحالي يشبه كائن رخوي، لا عمود فقري يسنده، ولا قوائم يقف عليها، ولا رقبة يديرها شمالا وجنوبا، مثلما يشتهي ويقرر، فقواته العسكرية خليط من مليشيات متصارعة، ووحدته الوطنية تنام على الشكوك المتبادلة وتستيقظ على المخاوف المتبادلة، وأمواله مرهونة لدول العالم، وديونه ما تزال تحتاج لجهد جبار لإطفائها، وقراراته السيادية مرهونة ببقائه في خانة البند السابع، وحدوده تستطيع فرقة كشافة من طلاب المدارس الابتدائية في أي دولة من دول الجوار أن تجتاحها.
ثم، أين ذهبت سياسية أل" ريلبولتيك REALPOLITIK " التي كان الساسة العراقيون يطبقونها في تعاملهم مع الولايات المتحدة، أيام كانوا في المعارضة العراقية، وحتى خلال الفترة التي أعقبت سقوط النظام العراقي السابق؟
كل رجال الطبقة السياسية العراقية،باستثناء تنظيم القاعدة وعتاة الصداميين، تصرفوا مع الاحتلال الأميركي، أو القوات متعددة الجنسيات، لا فرق، كأمر واقع، يستوي في ذلك من يحكم منهم الآن ومن يعارض، من يؤيد عقد الاتفاقية العراقية الأميركية ومن يعارض توقيعها، من ينتمي إلى اليسار أو إلى اليمين، المتطرف والمعتدل، في الجانب العربي والكردي والتركماني. فمنذ بداية انطلاق العملية السياسية (أثر دخول القوات الأميركية وإطاحتها بالنظام السابق) شاركت فيها جميع القوى السياسية، وشرعت هذه القوى تنشط علنيا وبادرت إلى فتح مقرات لها، وأصدرت مطبوعات خاصة بها، وبدأت تعرف بنفسها، بما في ذلك هيئة علماء المسلمين والتيار الصدري اللذان يعارضان حاليا إبرام الاتفاقية العراقية الأميركية. وكل ذاك كان يحدث في ظل التواجد الأميركي. وعندما تحولت "العملية" السياسية إلى تجربة حكومية (مجلس الحكم)، وبعد ذلك حكومة مؤقتة، وبعدها حكومة مدعومة ببرلمان واصلت هذه القوى، ربما باستثناء هيئة علماء المسلمين، المشاركة. وخلال جميع هذه المراحل فأن الأمور كانت تجري في ظل الاحتلال، أو في ظل تواجد القوات المتعددة الجنسيات، وليس في غيابهما. أي أن جميع القوى السياسية العراقية ظلت تتصرف مع الاحتلال الأميركي بطريقة REALPOLITIK، أو بطريقة ميكافيلية أو براغماتية، تماما مثلما تصرفت أطراف المعارضة العراقية مع الولايات المتحدة أبان حقبة حكم صدام، يدفعها إلى ذلك تحقيق المصلحة، وليس الدافع الأيديولوجي، مهما كان. تجرع كأس السم
ونحن هنا لا نبرر، إنما نوضح، ولا نصدر أي حكم، إنما نسجل حقائق تعيننا على فهم مواقف بعض القوى السياسية إزاء الاتفاقية المبرم عقدها بين العراق والولايات المتحدة. فهذه القوى التي تقود البلاد، أو بعضها، ترفض التوقيع على الاتفاقية بصيغتها الحالية بدافع "احترام السيادة" العراقية.
لنقبل هذا المنطق، ولكن لنسأل تماشيا مع هذا المنطق نفسه: أين كانت "السيادة" العراقية منذ 9/ نيسان/2003 وحتى هذه اللحظة؟ ألم تشارك هذه القوى ذاتها في العملية السياسية، وتشترك في الحكومة وفي البرلمان طوال السنوات الماضية منذ سقوط النظام السابق؟
قد يكون الجواب الذي تطرحه هذه القوى التي تقود البلاد وتعارض للاتفاقية هو: كان هدفنا هو ضمان مصالح بلادنا، ومن أجل ذلك تصرفنا بطريقة سياسية واقعية، ولم يكن أمامنا خيار أخر.
حسنا. ما هي الخيارات المطروحة الآن، في حال تم رفض الاتفاقية وتأزمت الأمور مع الولايات المتحدة؟ لا خيار سوى العودة إلى المربع الأول، والعراقيون خبروا جيدا ماذا يعني المربع الأول، وماذا تعني العودة إلى نقطة الصفر. فلماذا، إذن، هذا الإسراف في الحسابات الخيالية؟ وهل لدول الجوار دور في دفع بعض الساسة العراقيين لاتخاذ مواقف متشددة إزاء الاتفاقية؟ وبصيغة أكثر وضوحا، هل لإيران دور في هذا التشدد، كما تقول وتكرر الولايات المتحدة؟ لا يكشف أحد سرا عندما يقول أن هدف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أقله حاليا في ظل تأزم العلاقات الإيرانية الأميركية، يكمن في إغراق أميركا داخل المستنقع العراقي، وإلحاق الهزيمة بها، بأي ثمن. والمسؤولون الإيرانيون أنفسهم لا يكفون عن التصريح بما يضمرون، وكلما شعروا بأن الجانبين العراقي والأميركي يقتربان من الحل النهائي، كثفوا تحذيراتهم للعراقيين من مغبة التوقيع. وعندما تسعى إيران لتحقيق هذا الهدف، فإنما لضمان مصالحها القومية، كما تراها هي، أولا وأخيرا. ولكن التجربة الإيرانية، منذ السنوات الأولى للثورة، علمتنا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تدر ظهرها نهائيا للسياسة البراغماتية، كلما وجدت نفسها مضطرة لصعود هذا المركب. ودوننا التحالفات المتغيرة التي أقامتها إيران الإسلامية على الصعيد الفلسطيني والعربي والدولي. ثم، لماذا ننسى "كأس السم" الذي قال الإمام الخميني أنه أضطر لتجرعه، عندما أوقف الحرب العراقية الإيرانية، أثر تيقنه أن لا فائدة من الاستمرار في المكابرة، علما بأن إيران كانت تعرف حق المعرفة أي ضرر سيلحقه صدام حسين بحلفائها من القوى السياسية العراقية التي كانت تعارض وقتذاك النظام الصدامي؟ والجميع أدرك الآن كم كان ذاك القرار واقعيا، حتى لا نقول حكيما، وكم ساعد الجمهورية الإسلامية في بناء نفسها، حتى تحولت الآن إلى قوة إقليمية كبرى.
فلماذا لا يستفيد المسؤولون العراقيون من "الواقعية" الإيرانية، ويدافعون عن المصالح العليا لبلادهم، وفقا للظروف الملموسة التي تمر بها بلادهم، لا وفقا للخيال؟ ولماذا يتعاملون مع الاتفاقية على طريقة استعراض عضلات غير موجودة، أصلا، في الجسد العراقي؟
التعليقات
نقاط
ناصر -اود ان اثير النقاط التالية :1- الم يكن الشعب العراقي طائفيا بوم صوت للطائفيين .؟2- هولاء - - سيعودون رغم فشلهم للفوز بالانتخابات وذلك بفضل الاموال والجهود والمخابرات الايرانية التى ستفعل المستحيل من اجل بقائهم .3- الم يحن الوقت لتكوين جبهة وطنية عراقية لاسقاط الحكم الحالي العاجز والعميل لايران ؟
طائفيةعمالة
حمدي ابو البقصم -تصرفات مقتدي الذي هو هدية ال صدر الى الشعب العراقي الذي اوى هذه العائلة التى هاجرت في القرن التاسع عشرات من همدان لتستوطن العراق يلدها الجديد .نقول الم تكن تصرفات مقتدى الذي قتل من العراقيين السنة اكثر مما قتل صدام من كل العراقيين .اليست تصرفات ومظاهرات واعتصامات واعدامات واغتيالات مقتدى كلها تصب في مصلحة الام ايران .الا يصح القول ان الطائفية تساوي عمالة؟
خوش طائفي
ناجي -حتى تعيش في العراق الجديد لازم اسمك ما يكون فيه كلمة نكريتي بس اهم من ذلك ان يكون اسمك موسوسوي او كازمي او خراساني حتى تعيش في هكذا عراق لازم يكون عندك اسم يدل على طائفتك .والا انت موخوش ولد .عراق جديد عراق طائفي عنصري ( شيعة وكرد ).
كن صريحا
عراقية -اذا كان الكل يبحث عن مصالح بلاده وهذا حق مكفول للجميع من الذي سيتكفل بتحقيق مصالح العراق لم يكن الكاتب واضحا في تحديد موقفه لم يقل لنا ببساطه ما هو تقيمه للاتفاقية وهل الطبقة السياسية الحالية مؤهلة لتحقيق الحد الادنى من ارادة الشعب العراقي وهل ترى ان في قبول الاتفاقية حلا جممكنا لعراق واحد والسؤال الاهم ما مصلة امريكا بعقد اتفاقية مع العراق وهو بهذا الواقع البائس على كل الصعد ها هي جمعية خيرية؟
أتفق مع (ناصر) رد1
كركوك أوغلوا -مجرد مزايدات أنتخابية , ونفس المعاهدة ستوقع بحذافيرها !!..ونفس الزمرة (شيعية /سنية/كردية) سيتم أنتخابها ؟؟!!..
السنة والشيعة
عيم ابو اللوز -يتهم الشيعة السنة بانهم استفردوا بالحكم لمدة سبعين سنة .وانتقاما سيقوم الشيعة بالاستفراد بالحكم لنفس الفترة .العالم يسير بقطار صاروخي نحو الشمال الاحسن .اما العراق فيدور حول نفسه يجتر الاساطير والخرافاات ويستبدل عمائم من لون الى اخر .هل هنالك شى في جينات العراقيين يمنعهم من التقدم؟ نعم انها جينات الطائفية والعنصرية والقومية والقبلية والمناطقية فهذا نجفي وذاك تكريتي ينزل واحد من كرسي الحكم ليصعد لة متربص اخر .انها لعبة الدوران حول الكراسي والبلد باقى مكانه .