كتَّاب إيلاف

بائعو الفلافل والأزمة المالية العالمية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
-1-
أكاد أجزم بأنني قد قرأتُ وسمعتُ معظم التعليقات في الإعلام العربي عن الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في أمريكا قبل أسبوعين، وانتشرت في كافة أنحاء العالم، وسببت الكثير من الكوارث والانهيارات المالية لكثير من الدول والمؤسسات والأفراد. وسبب اهتمامي بمتابعة هذه الأزمة تداعياتها وانعكاساتها على مستقبل البشرية عامة. فالفقر المادي يعني في حال من الأحوال فقراً في العلم وتباطؤاً في التنمية، وتقصيراً في العناية الصحية والطبية، وتراجعاً في التعليم، وبالتالي زيادة في الجريمة لعدم وجود الأموال الكافية لمكافحة الجريمة والإرهاب. وهذا كله يعني تغير في البُنى الاجتماعية، وتغير إلى الأسوأ في الدول الفقيرة التي هي الآن على حافة الهاوية ولا تريد غير (زقة) صغيرة لكي تندفع إلى قاع الهاوية.

-2-
بفضل انتشار المواقع الاليكترونية الكثيرة على الانترنت من اليمين واليسار والوسط، أصبحت هذه المواقع فاغرة أفواهها كحيتان المحيطات لابتلاع أي كلام من أي مبتديء في الكتابة. ولا يهم أن يجيد هذا المبتديء اللغة التي يكتب بها أو أن يكتب بلغة سليمة. فتدفقت على مواقع الانترنت مئات المقالات اليومية، لتملأ أفواه هذه المواقع. وأصبح لدينا آلاف الكتاب، الذين تجاوز عددهم في بعض الأحيان أعداد القراء. فأصبح الكتاب أكثر من القراء. وأصبحت تقرأ لكتاب لم يسبق لهم أن كتبوا كلمة واحدة في حياتهم، وكانت درجاتهم في مادة (الإنشاء) في المدرسة لا تتجاوز الخمسين في المائة أو أقل في معظم الأحيان. فمعظم القراء العرب الذين أصبحوا في عصر الانترنت كتاباً، لم يسبق لهم أن قرأوا كتاباً، ولعل هذا ما يؤكد لنا أزمة كساد الكتاب العربي، وأزمة النشر التي نحن فيها وأن العرب لا ينتجون في صناعة الكتاب غير أقل من واحد بالمائة بالنسبة للنتاج العالمي. ولكن المواقع الإنترنتيّة رغم هذا تبلع هذه الكتابات بسهوله كما تبلع الحيتان كل ما تجده في طريقها.

-3-
انقسم العرب وكتابهم إلى أقسام مختلفة حيال الأزمة المالية العالمية التي انفجرت في أمريكا وانتشر أثرها إلى كافة أنحاء العالم. وكانت هذه الأزمة فرصة كبيرة، لكي يُشمِّرَ كل كاتب وكويتب وككتوب عن ساعده ويغوص في محيط هذه الأزمة. فتمَّ تناول هذه الأزمة من قبل منهم غير مختصين في المجال الاقتصادي وربما لا يعرفون نتيجة حاصل ضرب (ستة X سبعة). ولكن (أهي) زفة، فلنشترك في الرقص والغناء فيها.
أما الذين كتبوا في هذه الأزمة فيقسمون - كما قلنا - إلى أقسام مختلفة منها:
1- رجال الدين والسياسيون المتديّنون من أمثال إسماعيل هنيّة، الهانيء بـ "خلافة الأنفاق الإسلامية"، اعتبروا أن ما حصل في الأسواق الأمريكية والأوروبية خاصة سخط من الله وعقاب منه جلَّ جلاله. وقال إسماعيل هنيّة في خطبة حماسية في غزة في حفل توزيع الجوائز على حفظة القرآن الكريم: "إن ما يحصل في أمريكا وأوروبا غضب من الله على هؤلاء الكفار الذين حرموا الشعب الفلسطيني من المال والطعام..الخ". وكانت خُطب شيوخ الدين على منابر المساجد في صلاة الجمعة في مختلف أنحاء العالم العربي على هذا النحو من العواطف الدينية المثيرة، وعلى هذا النحو من الشماتة أيضاً. وكان هؤلاء أشبه ببائعي الفلافل في الأحياء الشعبية.
2- كتّابٌ غير متخصصين في المجال الاقتصادي أخذوا عند وقوع الكارثة بجمع معلومات عنها من هنا وهناك، والكتابة المجانية حول هذه الموضوع. ولم يصدر عنهم أي تحذير أو كتابات استباقية تحذر من وقوع هذه الكارثة. وحال هؤلاء كحال بعض رجال الدين، الذين يفتون في كل موضوع، ولم نسمعهم مرة يعتذرون الإجابة عن أي سؤال، بحجة أنه ليس من اختصاصهم. وقرأنا في الأيام الأخيرة عَلكاً في الشؤون المالية والاقتصادية لكتاب متخصصين في الشؤون الدينية، والدفاع عن الأقليات الدينية. ولكنهم بقدرة قادر، أصبحوا يفقهون بالاقتصاد، أكثر من فقه جرينسبان (رئيس الاحتياط النقدي الفيدرالي الأمريكي السابق).
3- كتابٌ قوميون وماركسيون غير متخصصين في الاقتصاد، ولكنهم وجدوا في هذه الكارثة الاقتصادية فرصة للانتقام من أمريكا والسخرية منها ومن نظامها الرأسمالي جراء ما فعلته في العراق خاصة. ودعا بعض هؤلاء الكتاب وخاصة الماركسيون منهم إلى إعادة قراءة كتابات كارل ماركس وخاصة كتاب "رأس المال". في حين دعا القوميون والبعثيون خاصة إلى إعادة قراءة كتابات ميشيل عفلق ومنيف الرزاز، وأكرم الحوراني، وغيرهم من منظري حزب البعث. وهؤلاء جميعاً، كان ينطبق عليهم مثل: (إن طاح الجَمَل كثرت سكاكينه).
4- قلة قليلة جداً من الاقتصاديين المتخصصين هي التي كتبت وتكلمت كلاماً علمياً وواقعياً عن الأزمة. وقالت ما ملخصه أن الرقابة الدقيقة في أي نظام رأسمالي أو اشتراكي أو إسلامي كان، هي الضمانة الوحيدة لنجاح النظام الاقتصادي. وأن غفلة الحكومات عن الرقابة الدقيقة للأسواق والمصارف هي التي أدت إلى الكارثة الحالية التي لم تكن خاصة بأمريكا وأوروبا وإنما عمّت العالم كله نتيجة لغفلة الرقابة الدقيقة. ورغم هذا فإن اللوم كل اللوم وقع على رأس الإدارة الأمريكية الحالية التي غُمز من طرفها بذكر مئات المليارات من الدولارات التي انفقت في حروب أمريكا ضد الإرهاب في العراق وأفغانستان.
-4-
القلة القليلة من الكتاب الليبراليين الواعين لذواتهم، هي التي أحجمت عن الحديث في الأزمة الاقتصادية. فهم الذين يعرفون قدرهم. ورحم الله أمريء عرفَ قدره. فهم علموا، بأن علم الاقتصاد بلغ من التعقيد والصعوبة مبلغ علوم الذرة في هذه الأيام. فالاقتصاد لم يعُد دكان "السمَّان" في بلاد الشام، كما لم يعُد "مطاعم التابعي الدمياطي" التي تبيع الفول والطعمية في مصر. فيما حسبت الفئات الأخرى المذكورة أعلاه، أن حديث الاقتصاد أكثر سهولة من الحديث عن صناعة وبيع الفول والفلافل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
new
سعودي حر -

\ أنت مختص بشتم السوريين

إلى من يهمه الامر
ناطق فرج -

لم أقرأ المقالة بعد.. إلا أن التعليق الأول أوحى لي بأن العرب لا يميزون بين انفسهم وبين حكامهم. ولتوضيح الواضح أقول: العربي هو المواطن المغلوب على أمره. هو الذي لا يجرأ على التعبير عن رأيه.. إنه مجرد رقم...إلخ. أما الانظمة فهم مجموعة من البلطجية ليس إلا!!

تعليق
نادر قريط -

أظن أن السيد النابلسي يقول كرجال الدين: لاتتدخلوا في شؤون المقدس وتفسيره فهي إحتكار لهم.. فالمثقف الذي يبدي وجهة نظر في قضايا الحياة ليس بائع فلافل. كل من قرأ السويسري جون سيغلر ;المفوض السامي; يعلم شيئ عن أزمة النيوليبرالية، وكل من تعرف على فان سيكر ( حامل نوبل للإقتصاد;يعرف الطريق المسدود لإقتصاد السوق،وكل من يعرف مبادئ الرياضيات يعرف أن الإقتصاد النيوليبرالي قام على تلاعب بأسس تلك الرياضيات والضرورات.. فعندما يُصبح قيمة التبادل المالي في سوق المضاربة البورصة يوميا ثلاثة أضعاف قيمة التبادل السلعي بين القارات فإننا أمام إقتصاد شبحي ، وعندما تصبح الميديا وماكينة الدعاية والإعلان الإقتصاد الأول وتسبق إقتصاد البترول وتفوقه رأسمالا فإننا أمام إقتصاد وهمي ...ما حدث في الآونة الأخيرة هو فضح لهذه الكذبة، النيوليبرالية.لذا أجد الكتابة في هذا الشأن أمرا عاما وهو أفضل من التقلب والدفاع عن الوهابية حينا وعن الأقباط حيناثم شتمهم عندما تنتفي الضرورةوشكرا

نرجسية
مراقب -

ماهذه النرجسية ياسيد نابلسي هذا المديح المبطن لنفسك بل انه الصارخ والفاضح ينتقص كثيرا من قيمة المقال

الرقابة الحكومية؟؟؟؟
ابن رشد -

لقد ذكرالكاتب (وأن غفلة الحكومات عن الرقابة الدقيقة للأسواق والمصارف...)والاصح هو ان حكومة بوش تؤمن باعطاء الحرية المطلقة لرأس المال وعملت على الحد من تدخل الحكومة. اذا اصل المشكلة ليست (الغفلة) ولكن السياسة الايدولوجية المتعمدة لليمن المتطرف الذي اعطى الحرية المطلقة للبنوك وطبق سياسة (Laissez faire ). اما بخصوص الماركسية فطبعا انها اثبتت فشلها في كل البلدان ولكن هذا لايمنع ان نستفيد من كثير من النقاط الايجابية فيها. وشخصيا اظن ان افضل نظام هو الراسمالية الاوروبية التي جمعت بين الراسمالية وكثير من النقاط الايجابية في الاشتراكية. نقطة اخيرة ذكر المقال(ان كتاب ماركسيين وقوميين...دعواالى إعادة قراءة كتابات كارل ماركس وخاصة كتاب ;رأس المال;)وهنا احب ان اضيف ان موضوع غلاف مجلة اميركية كبيرة كان(Kapital )ولقد كتبت كابيتال بحرف الكاف حسب الهجاء الالماني تشبها بعنوان كتاب ماركس , اي ان الكثيرين يفكرون بالماركسية وليس بعض العرب فقط.

النقاب هو الحل
زبيدة بنت حارث -

النقاب هو الحل لمشاكلنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمالية.

أنت رائع دومًا
فلسطيني -

في الحقيقة قرأت الكثير عن الأومة المالية العاصفة في العالم.. ويوم أمس قرأت مقالة لـ ;ككتوب& عن الوضع المالي، والذي وجد بهذه الأزمة منفذا لأحلامه بأن النظام الاقتصادي الاسلامي هو البديل .

اصحاب الكروش
رعد الحافظ -

من اكثر النكات التي نسمعها هذه الايام بوجود الازمة المالية العالمية هي ان يخرج عليك بعض اصحاب الكروش ممن يسمون (القطط السمان ) وقد سبق لهم ان مارسوا كل انواع السلوك للاغتناء من دم وعرق الناس ويقولون الحل هو الاقتصاد الاسلامي وهي فعلا كلمة حق يراد بها باطل , فما اجمل سياسة الاسلام لو طبقت فعلا , الزكاة وحدها فيها الحل الشامل ناهيك عن الكسب الحلال بمحاربة الربا ,لكن المشكلة هي التالية خلال اكثر من 1400 سنة لم يطبق هذا النظام الا سنوات قليلة ايام الخلفاء الراشدين ربما, ثم عاد الانسان الى طبعه في الفساد والغنيمة السهلة. واكبر دليل هم هؤلاء السمان انفسهم ولا داعي لذكر الاسماء

عاااجل ! للعميـــــد
طـــــــــارق ر -

اخبرنا يا عميد عن راى الليبراليين الجدد فى موضوع (شبكه تبادل الزوجات )!التى ضبطت مؤخرا بالقاهره ! وهل ما يفعلوه يُعتبر من الحريات التى ينادى بهاالفكرالليبرالى الجديد ! فهل هى من الحريات الشخصيه ايا كان ! ؟وقبل ان اخوض فى الكلام الساخر بمدونتى !عن الموضوع ارسل لك تعليقى هنا يا عميد لاستوضح !!وحتى لا اظلم اللبرره ! .ام حكايه الاقتصاد فرئيسك بوش سبب البلاوى ! من خراب ودمار !.والاقتصاد يلزم ان يخضع لثوابت وهى موجوده فى الاسلام!!.وانا من عشاق الفلافل البديل الصحى للهمبورجر والهوت دوج أليس كذلك ! متعك الله بالصحه وابعد عنك الكلسترول..والهم والغم فيما سيحدث فى الفكر الليبرالى فى انتخاب رئيسك الجديد

حل بسيط وسريع
سناء قاسم -

شكرا زيبدة رقم 6 سوف ارتدي الحجاب غدا واعالج أزمة الائتمان الاقتراضي واوفر ضمانات للمودعين في البنوك وسأنعش الاقتصاد وافرض الاستقرار على الأسواق المالية وبعد غد سأرتدي النقاب واقوم بانقاذ الاقتصاد العالمي واحل مشكلة البطالة والفقر في العالم.

الأمر الواقع
علي أمزيغ -

السيد النابلسي ليس عاجزا عن الكتابة و الإفتاء في الأزمة المالية، لكنه لا يريد أن يسلم بالأمر الواقع، المتمثل في مسؤولية الإدارة الأميركية، عن هذه الأزمة.

نهاية الليبرالية
كريم -

الازمة المالية التي يعيشها العالم اليوم هو نهاية الليبرالية البوشية وصقور البيت الابيض الدين تناسوا الاقتصاد والمال وبدأوا في خوض الحروب والقتل والتهجير.

تثنية
بهاء -

1- أتفق مع تعليق الأخ نادر قريط. 2- شهدت مبيعات كتب ماركس قفزة كبيرة بألمانية (نقلا عن خبر بإيلاف)3- أن مسببي هذه الكوارث التي يدفع ثمنها فقراء العالم بشماله وجنوبه، هم من يدافع عنهم أدعياء الليبرالية العرب، الإدارات الأميركية المهووسة بالقوة والمال منذ ريغان وحتى نيرون العصر الجديد جورج بوش 4-