كتَّاب إيلاف

نحو انقلاب (فكري)!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أعتذر سَلفًا للقراء عن هذا المقال لانه "ثقيل الظل " كثير المصطلحات، غير اني كلما اتجهت " لتحليل واقع ما" ومشاركة القراء فيه وجدت نفسي أتساءل عن البُنى الاساسية المُحَرّكة للفكر الذي يَنبني عليه سلوك الانسان المنتج للواقع المأزوم، إذ لا يمكن أن نصل الى إبداعٍ نوعيٍّ ما لم نحدث انقلابًا فكريًّا عميقًا، وهذه كلّها اشكاليات "فلسفية" نَضطر للخوض فيها محاولين تبسيط المفاهيم قدر الامكان. إنّ عمليّة فَهم التعقيدات الثقافية و الاجتماعية والسياسية، لا يمكن أن تكون بمعزل عن فَهم البُنَى الفلسفيّة المؤسِّسَة للفكر الانساني، ولعلَّ سبر "الظَواهر" التي تَطفو في المُجتمعات الانسانية بما فيها "السياسية " و" الاقتصادية " وغيرها؛ تُظهِرُ انَّ الأحداث اليومية ليست إلا صورًا متنوعة لانعكاسات الفكر الذي يكتَنِزُ قدرًا لا يُستهان به من "العنف"، الأمر الذي يجعلنا نتساءل جديًّا حول جدوى توصيف هذه الاحداث وقرائتها وحتى تحليلها، دون التعرّض إلى بيت الدَّاء وهو "البنى المُؤسِّسَة لمملكة الارهاب في الفكر الانساني!" منطق عنيف!
لقد عاشَت الإنسانية قرونًا تؤمن أنَّ المنطقَ واحدٌ في كلِّ الأمكنة والأزمنة، وانَّ طبيعة الفكر كليّة عند بني البشر ومنهجيتها واحدة، وقد ساهم في ذلك سيطرة الفكر "الأرسطي " الصوري كقاعدة فلسفية اُرتُكِزَ عليها في مجالِ التطبيق، كما اعتُمِدَ على الفيزياء الكوانتية القائمة على مجموعة التناظرات والسببية الشاملة وغيرها من القوانين.
بطبيعة الحال فإن سيادة هذا المنطق القائم على عدم تلاقي "الأضداد "، المبني على مبدأ "عدم التناقض" - بحيث لا يمكن ان يجتمع الشيئ وضده-، أسَرَ الفكر البشري وأدخله في نفق الحتميات والاحكام المُطلقة، و حشر التفكير في زاوية "الثنائيات الضدّية " و قسَّمَ الأمور الى "قطبية" حادَّةٍ ناجمةٍ عن تفكير "خطّي" ذو بُعدٍ واحد. وتولَّد عند هذا المنطق التي تبنّته المؤسسات الدينية والمؤسسات السياسية واعتمدته الايديولوجيات بالدرجة الاولى، أمورًا عدة أهمّها:
اولا: تشريع النظرة الاستقصائية لكل ما يوصف بأنه "مختلف" وممارسة عنصرية مفرطة بحقِّه، في اطار يسوّغ العنف ويجعله مباركًا...ف "التقسيم الصارم للاضداد "الخير - الشر " "العدو - الصديق" "الكفر- الايمان " "الصواب - خطأ"... سوّغ اطلاق الاحكام المطلقة على من يُصنف بانه "شرير " وأجاز استعمال العنف والاضطهاد تجاهه.
ثانيًا:الاعتماد الكلي على "قانون السببية " وأن هناك لكل شيئ سببًا، جعل الانسان عاجزًا عن فهم "الصُدَفْ" بحيث لا يستطيع تفسير حوادث متزامنة لا يوجد بينها رابط سببي.
ثالثًا: هذا المنطق جعل الطبيعة خاضةً لقوانين الفيزياء، وبالتالي تكون عبارة عن مركّبٍ قابل لإخضاعات المنطق الرياضي ؛ عِلمًا ان الرياضيات الى الآن أعجز عن إيجاد صيغة تسمح بالانزياح من عالم الى آخر، لان مرورًا كهذا سيؤدي الى انقطاع القوانين والقواعد وانقطاع التصورات الأساسية التي ينبني عليها العمل الرياضي الكلاسيكي.
رابعًا: من ميراث هذا المنطق افتراض ان "الكون" آلة ميكانيكية مؤلفة من تفاعل مواد أولية قابلة للتوّقعات، وأن التاريخ يخضع للحتميات.
خامسًا: هذا المنطق يؤدي الى عملية الفصل الدائم بين الوجود الواقعي "المُحَايث" أي وجود ما هو موجود، والوجود "المُتعَالي " " وجود واجب الوجود".. مرآة "المنطق" المجتمع والسلطة:
هذا المنطق " الغبي" هوالسائد؛ وهو الذي حَكم ويتحكَّم الى الآن في "الافعال وردودها "، سواء كانت أفعالا صادرةً عن أشخاصٍ أو جماعاتٍ أو دول، وهو الذي أفرز منظومات اجتماعية تفاقمت أزماتها، والتي هي في جوهرها وليدة هذا "النموذج الفكري الرسمي"، تجلَّى في عنف سلطوي حاد - والسلطة هنا بمفهومها "الشيئيّ" لا "الاستراتيجي" - كما أدى الى تكريس الصراعات التنافسية من أجل امتلاك السلطة وادواتها التي تعني "البقاء"؛ و سوَّغ ذكوريتها، فوضع الاناث في مرتبة دُنْيَا، مع تصوير ذلك على انه قانون لاهوتي طبيعي ؛ علاوة على طغيان مبدأ المنفعة الآنية المباشرة القائمة على سلوك الكائن "الاستهلاكي"؛ كما شرّع الحروب والعنف تحت ذريعة ادعاء امتلاك الحقائق المطلقة في مناخ "ميتافيزيقي" مُبْرَم. نحو انقلابٍ فكري!
وفيما تشهدُ البشريةُ اليومَ، تسارعًا مضطّرِدًا وصُورًا جليَّة، توضح بأن العالم "مليئ بالتناقضات" وأنَّ المَسافة بين الأضداد قد تكاد تكون معدومة، فإن "المنطق الأرسطي" لم يعد يتماشى مع تعقيدات المرحلة،التي أثبتت بأنّ ما تعاطى معه الكائن البشري وقتا طويلا على انه "قوانين ثابتة " هي في حقيقتها ليست الا عادات "فكرية ثقافية " مكتسبة تنتجها تفاعلات البشر مع بيئتهم الثقافية والطبيعية بكل أبعادها الدهرية (الزمانية والمكانية).
وبناءً عليه فإن ما تعاملنا معه على أنه "حقائق ثابتة " ليس الا "متغيرات" تتغير باختلاف مستويات الواقع المتغير الذي تنتمي اليه، وما ثبات الاشياء الظاهرة الى عين تغيرها وتبدلِّها؛ فهذه الرؤية تضعنا أمام مفهوم مغايرٍ للحقيقةِ، وتجعلنا نُعيد النَّظر من جديدٍ في مفهوم "كمال الحق"، وعندها ستنفتح أبواب الإبداع الانسانيِّ على مِصراعيْهَا بعد أن أغلقَهُ المَنَاطِقة ردحًا منَ الزَّمن، عشنا فيه تحت وطأة عنف الثنائيات الضُدِّيَة؛ وعندها لا مانع ان تجتمع المتناقضات على صعيد واحد، كما تتجلى إمكانية اجتماع الصواب والخطأ في آنٍ واحدٍ وفي قضيّةٍ واحدة.
الامر الآخر ينعكس في مفهوم " الجزء والكلّ"، ففيما يكرِّس "المنطق الأرسطي مبدأ الفصل والتجزُّء، فإن وحدة الوجود تفتح افقًا مغايرًا عبر اتصال "الوحدة والكثرة"، فيكون الوجود نفسه هو سببًا وعلّةً لتعدديةٍ لا متناهية ولتفاوت آحاد الماهيات، وانّ للماهيات هويَّات لا محدودة، وان الاعيان متغيرة وان كانت ثابتة؛ لأنه على الرغم من أنّ للكائنات صورًا "استقلالية" ولها ذاتيتها، غير انّ الفصل بين الواقع المحايث (الموجودات) والواجد أوقعنا في طريق مسدود ومنطق همش البعد الأونطولوجي وحدّ من ابداع الكائن الانساني عبر انتزاع البعد الروحي منه.
نعم،هذا الفكر يجعلنا نعبر اشكالية "التاريخ" والزمان " فنتجاوزها لأن الزمان لا يكون موجودًا الا لانه "انقضى"!
انه انقلاب "فكري" انطولوجي إذن، ربما سيجد الانسان نفسه أمامه دون خيارمنه! وهو تحييدٌ لكل مفاهيمنا عن الزمان والمكان والانسان والوجود والهوية!
انها رؤية كونية تُلهم الكائن الانساني وترقى به إلى تخوم روحية لا حدود لها، وتضعنا على تماس بفضاءات فكرية لا متناهية.
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ترجمة
خوليو -

ترجمة عملية لهذه المقالة الفلسفية الجيدة نجدها في عمليةتحنيط الفراعنة المؤسس على فكرة العودة للحياة بعد الموت، فقلما كنت تجد مواطنأ في مملكة الفراعنة يرفض هذه الفكرة بل وكان يعاقب من ينبذها، وهذا كان ثابتاً عندهم، جثة الفرعون المحنطة تدور اليوم الكون كله و تؤكد للجميع أنه لم يعد للحياة بعد 5000 آلاف سنة، ولن يعود،ماكان ثابتاّ لم يعد كذلك اليوم، بعد ألف عام من اليوم، ماهو ثابت الآن من جنة ونار عند البعض، ستكتشف الأجيال القادمة عند الذين لم يكتشفوها بعد، أنها غير ثابتة وأن أجيالاً افنت عمرها وماتت معتقدة بثبوتها،هي الدنيا، كل خمسة آلاف عام يكتشف الإنسان أن الثابت لم يكن كذلك،ويا أسف على الذين قُتلوا وقتلوا في سبيل ثوابت ليست كذلك.

رجما بالغيب
نــــ النهري ـــزار -

لقد وصل العالم الان الى مراحل متقدمة ويفكر في اثبات نظريات متقدمة مثل الانفجار الكبير وغيرها ومازال هناك ناس في عالمنا العربي يؤمنون بالفكر الارسطي والافلاطوني والغزالي وغيرهم ممن اكل عليهم الدهر وشرب. نصيحتي للكتاب العرب بدل التشكيك بالرياضيات والفيزياء وغيرها من العلوم حاولوا ان تدرسوا هذه العلوم بجدية وان تتعرفوا على سلبياتها ان وجدت وتنتقدوها بشكل علمي بدل الرجم بالغيب

كلام صحيح
رواد -

كلام سليم 100 % نحن نرث المعتقدات دون تفكير - وبناءً عليه فإن ما تعاملنا معه على أنه حقائق ثابتة ليس الا ;متغيرات; تتغير باختلاف مستويات الواقع المتغير الذي تنتمي اليه، وما ثبات الاشياء الظاهرة الى عين تغيرها وتبدلِّها؛ فهذه الرؤية تضعنا أمام مفهوم مغايرٍ للحقيقةِ، وتجعلنا نُعيد النَّظر من جديدٍ في مفهوم كمال الحق، وعندها ستنفتح أبواب الإبداع الانسانيِّ على مِصراعيْهَا بعد أن أغلقَهُ المَنَاطِقة ردحًا منَ الزَّمن، عشنا فيه تحت وطأة عنف الثنائيات الضُدِّيَة؛ وعندها لا مانع ان تجتمع المتناقضات على صعيد واحد، كما تتجلى إمكانية اجتماع الصواب والخطأ في آنٍ واحدٍ وفي قضيّةٍ واحدة.-- نعم تجتمع الاضداد - بالفعل نغيير طريقة التفكير هو الحلّ-ولكن سنجد دوما من يسخف هكذا طرح الذي مازال بعيدا عن العرب !

الفلسفة الجدلية أولا
رمضان عيسى - فلسطين -

لفهم حركة وتطورالمجتمع والتاريخ والفكر الاٍنساني ، يجب العودة للفلسفة ، ولكن ليس أية فلسفة ، بل الاٍستعانة بالفلسفة التي تؤمن بأن العالم في حركة وتغير وتطور دائم وبلا توقف ، وأن حالة السكون في أي من نواحي الحياة المادية أو الاٍجتماعية أو الفكرية هي حالة نسبية , والفكر الفلسفي الذي يتقوقع حول دراسة أي من مظاهر الوجود أو الحياة الاٍجتماعية أو الفكرية بشكل منعزل عن مظاهر الحياة الأخرى في الزمان والمكان يصل الى نتائج أقرب الى الخطأ منها الى الصواب . اٍذا لا بد لنا من الفلسفة التى تؤمن بالترابط والتطوروالشمولية ، انها الفلسفة الجدلية ، أي الفلسفة التي تعتمد على قوانين الجدل وهي : 1- قانون وحدة وصراع الأضداد . 2- قانون التراكم الكمي يؤدي الى تغير كيفي . 3-قانون نفي النفي . هذه القوانين تفعل فعلها في كل نواحي الحياة المادية والاٍجتماعية والفكرية وذلك بالترابط مع عدة مقولات فلسفية جدلية مثل السببية والجوهر والمظهر والشكل والمحتوى والاٍمكان والاٍحتمال ومفهوم الحقيقة ونظرية المعرفة والتطبيق . هذه هي الفلسفة التي تجعلنا نفهم العالم بشكل علمي ونكسب مع كل تطبيق جزء من الحقيقة النسبية في جميع نواحي الحياة . اذا فالاٍنقلاب الفكري سيخرج سيارة الفكر الاٍنساني عن الطريق الذي تنشدة الاٍنسانية في سعيها الدؤوب نحو الحقيقة ،اذا لم يكن اٍنقلابا للتمسك أكثر فأكثر بالنظرة الجدلية للحياة .