استحالة التحديد
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
قبل عشرين عاما، أصدر "ديك هيبدايج" - D. Hebdige كتابا مهما حول ما " بعد الحداثة "، تحت عنوان: (Hiding in the Light: On Images and Things) عام 1988، يسلط الضوء بشدة علي ما نعيشه اليوم، قال فيه: " أن ما بعد الحداثة هى الحداثة الخالية من الأحلام ومن الآمال التى مكنت البشر من احتمال الحداثة. فما بعد الحداثة هى حالة من (فقدان المركزية) - Decentring، ومن التشعب والتشتت، نساق فيها من مكان إلى مكان عبر سلسلة من السطوح العاكسة كالمرايا المتقابلة (1).
أما السمة المميزة التى أنتقاها الناقد الأمريكي - المصري الأصل "إيهاب حسن"- الذي يعد أبرز الرواد المعتمدين لحركة ما بعد الحداثة - لتمييز ما بعد الحداثة، فهى (استحالة التحديد) الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان وضع أية خصائص محددة لها، وبالتالى تعريفها تعريفاً دقيقاً، وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف بينها وبين "الحداثة".
وقد أثار "حسن" فى كتابه: The Postmodern Turn, Essayes in post modern theory and culture. (التحول ما بعد الحداثي: محاولات فى نظرية وثقافة ما بعد الحداثة)- وهو عبارة عن إسهاماته المتعددة عبر عشرين سنة، والتى جمعها فى هذا الكتاب - أهم مشكلة فى تعريف ما بعد الحداثة وهى " استحالة التحديد" هذه- كما تؤكد مارجريت روز- ويسرد "حسن" مجموعة من المشكلات التصورية، ويري أنها جوهر ما بعد الحداثة، فى الوقت نفسه، منها:
إن لفظ " ما بعد الحداثة" يتضمن فكرة "الحداثة"، وهى الفكرة التى يقصد تجاوزها أو نقضها، أى أن اللفظ ذاته ينطوى على خصم له. كما أن لفظ "ما بعد الحداثة" يشير الى التوالى الزمني، ويوحي بالتأخر الزمني في الوقت نفسه. ويتساءل "حسن": أهناك تسمية أفضل من عصر "ما بعد الحداثة": أنسميه مثلاً، العصر الذري، أو عصر الفضاء أو عصر التليفزيون، أو العصر السيموطيقي أو عصر التفكيك، أم نسميه "عصر استحالة التحديد" (2).
لا يوجد إجماع بين النقاد على تعريف واضح لمفهوم "ما بعد الحداثة".
مفهوم " ما بعد الحداثة" ذاته عرضة للتغير، كغيره من المفاهيم.
معنى هذا أن فترة ما بعينها هى استمرار وانفصال فى آن واحد، ومن ثم فإننا بحاجة الى أن ننظر إلى " ما بعد الحداثة" بمنظارين هما منظارا "التشابه" و "الاختلاف"، "الوحدة والتعدد"، "التبعية والتمرد"، كل ذلك لازم إذا راعينا التاريخ، وتفهمنا ما يحدث خلاله من تغيير.
إن لفظ "الفترة" بصفة عامة ليس بـ "فترة" على الإطلاق، بل هو " بنية" تمتد فى الزمان وتتشعب فى "لحظة" معينة فيه. لقد كونا نموذجاً لـ " ما بعد الحداثة" فى أذهاننا، فرض علينا أنماطاً محددة من الثقافة والخيال، والعديد من الكتاب واللحظات التاريخية من ناحية أخرى، أى اننا كما يقول "حسن": " أعدنا خلق أسلافنا.... بحيث أصبحنا نرى بعض قدامى الكتاب بوصفهم متوافقين مع تيار ما بعد الحداثة، بينما نرمي البعض الآخر بـ "الحداثة" وهنا تحديداً تبرز إحدى أهم المشكلات في دراسة " ما بعد الحداثة"، وهي: من الباحثين يختار من الكتاب بوصفه من كتاب ما بعد الحداثة؟ وما هى دوافع هذا الاختيار؟ (3)
أما الفيلسوف الأشهر الذي نعي خبر موت عصر الحداثة، وأعلن عن ميلاد عصر "ما بعد الحداثة" فهو الفيلسوف الفرنسي " جان فرانسو ليوتار" - Lyotard - كما سبق وذكرنا - وذلك فى كتابه الشهير: " الوضع ما بعد الحداثي:
تقرير عن حال المعرفة" La condition postmodern - Rapport sur lesavoir والذي نشر بالفرنسية عام 1979، ثم ترجم إلى الإنجليزية عام 1984.
هذا من جهة، من جهة أخرى نجد أن " آلان تورين " يقترح في كتابه " نقد الحداثة " إعادة تعريف الحداثة كعلاقة يسودها التوتر بين العقل والذات، بين العقلنة وتحقيق الذات، بين روح النهضة وروح الإصلاح، بين العلم والحرية. وهو موقف بعيد عن حداثية اليوم التي دخلت في مرحلة الانهيار وعن ما بعد الحداثة التي يجول شبحها في كل مكان.(4)
هكذا يتضح أنه إذا كان تيار ما بعد الحداثة يقوم على أساس من هجوم مركز على قيم " الحداثة" الغربية، ومفاهيمها المحورية، بل ويذهب - كما فعل ليوتار - الى الزعم بأن مشروع الحداثة قد سقط نهائياً، بعد ان وصل إلى نهايته، وأخفقت الحداثة فى تحقيق وعودها، وعود عصر التنوير والعقلانية الغربية بتحقيق التطابق الكامل بين " العقل" و "العالم"، فإن هناك من يقترح نقد الحداثة وليس نقضها أو هدمها، ولكن من منظور جديد hellip; وهو ما سنتعرف عليه في المقال القادم. الهوامش 1-Dick Hebdige: Hiding in the Light: On Images and things (London and New York, 1988, P195.
2-Ihaab Hassan: The Post modern Turn-Essays in Post modern Theory and Culture (Columbus, oh, 1987, PP: 120-122.
3-Ibid: P. 124.
4-آلان تورين: نقد الحداثة، ترجمة: أنور مغيث، المجلس الأعلى للثقافة، 1997، ص 23.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
حديث التقليد
إنجي -نعم إستحالة التحديد ربما لأن الحداثة تأخذ مفهومها من أمر تنكره--بمعنى لتكون هناك حداثة فعليها..أن تنكر أمر لتؤكد آخر--كما لأنها ذات نمط حضاري متميز يناقض النمط التقليدي--بهذا ستصبح حداثة اليوم هي تقليد لحداثة الغد--كما يصعب تحديد الحداثة لأنها لا تحمل قوانين بل تحمل منطق--وشملت الحداثة مختلف نواحي الحياة--بكل ما هو مادي حتى طالت المعنوي بالإنسان كالعادات والأفكار--لكن هل وصلت للوجدان؟--وتلك قصة أخرى بتساؤل عن ماهية حداثة الوجدان0