رمزية أوباما
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لم ينتخب الأمريكيون أوباما عشقاً للون بشرته؛ بل لأن أمريكا تكاد تغرق في تركة ثقيلة من الأزمات والمشاكل. وهكذا اندفع الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع بدافع إنقاذ بلادهم من معضلة مصيرية. ومع أن السود ازدوجت عندهم المشاعر إذ ذهبوا إنقاذا لبلادهم وإنقاذا لإنسانيتهم التي لم تنصف طوال تاريخ الدولة الأمريكية، لكن يبقى الهدف الأول لهذه الانتخابات هو: أمريكا الوطن، أمريكا الوطن الرمز الذي يستحيل تفسيره. الله والوطن، كل تفسير لهما إنما هو تقليل لقيمتهما غير المحدودة بحدّ. هما نقيضا التفسير والتحديد. وتلك هي ميزة العظمة، أنهما كلما وضعتهما في خانة وجدتَ الخانةَ جزءاً منهما. وهذه حالة لا يمكن أن ندركها نحن العرب؛ لأننا جعلنا الوطن جزءاً من الحاكم أو بالأحرى ذوبنا الوطن تماماً في الحاكم. وفي مقابل ذلك، على مستوى العقيدة، ذوبنا الله في: الخليفة، الإمام المفتي، رجل الدين عموماً، وأخيراً القائد السياسي الإسلامي. كل ذلك، بسبب افتقارنا إلى التحرر الشخصاني ( أعني كامل الشخصية عقلاً وروحاً وجسداً). على حين أن هذه المفاهيم لا تختلط مع بعضها لدى الإنسان الحرّ. كل مفهوم قد حقق ذاته ومعناه عبر إرث تاريخي وثقافي ووجودي طويل.
لكنّ في هذه الانتخابات ثمة درساً، إذ انتصرت وتفوقت الديمقراطية على عِقْدتَيْ: العِرْق، والعقيدة الدينية، وتلك من مزايا العقل المتحرر من العبودية. ومن المؤسف، أنه في الوقت الذي يتحقق هذا الانتصار المبدئي للديمقراطية التي تُوصَف عادة في الخطاب الإسلامي المعاصر بـ: الكفر، فإن تراجعاً مستمراً للقيم الإنسانية يهيمن على الحياة العربية والإسلامية عموماً. الخطاب الإسلامي الذي تؤسسه قيادات إسلامية سياسية أو شرعية أو فكرية، إنما هو خطاب لم يصل بعد إلى لحظة وعي أن يتحرر الإنسان من العبودية. فَهْمُ الدين؛ الإسلامي تحديداً، على أنه محض عبودية، هو القاعدة التي تتناقض تماماً مع جوهر الإنسانية الذي يفترض أنه لا يتعارض مع جوهر الدين. أوباما خاطب مؤيديه بعد فوزه: أمريكا تتغير اليوم؛ بمعنى أن العقل الإنساني الحرّ سجّل انتصاراً على عقدة تاريخية لم تكن تتناسب مع روح التقدم والرقي العقلي الذي أحرزته البشرية طوال تاريخ كفاحها الوجودي. كأنه يقرر أن أمريكا تكتشف، أو أن أمريكا تؤسس معياراً، أو تصكّ وثيقة من وثائق حقوق الإنسان.
على الرغم من أني شخصياً، أعتقد بأن ثمة عوامل خارجية ساعدت باراك أوباما على الفوز، لكن مع ذلك فإنه كان شخصاً واقعياً، وذا بلاغة تتقمص روح المنصب الرئاسيّ بطريقة آسرة، وتتجذّر مع المشكلات التي ترعب المواطن الأمريكي. كان يوصل أفكاره بهدوء ويذيلها بابتسامة ربما هي الوعد بالأمل والثقة. هذا العامل الشخصي، الذي عززه أوباما بفكر وسطي غير خاضع مرجعياً إلى اليمين أو اليسار، قد ساعده في تعزيز الثقة لدى الناخب الأمريكي الذي سئم من قيادة الرئيس المقولب بإطار أيديولوجي مسبق. أوباما يعيد الاعتبار إلى أمريكا البراغماتية، امريكا التي تريد أن تعمل مع الواقع بروح تواقة إلى المستقبل. جون مكين لم يكن موفقاً على الإطلاق في حملته إذ طبع نفسه بطابع المستَفَزّ، أو المرآة التي تنعكس عليها سياسة الإدارة الأمريكية خارجياً وداخلياً. منذ البداية، أفتقر إلى نشاط السياسي الذي يفترض أن ينهض بأعباء الأمة الأمريكية، وافتقر إلى حكمة السياسي التي تكسبه مزيداً من الثقة لدى الناخب. الجمهوريون وقعوا في الخطأ القاتل عندما اختاروا جون مكين ذا الإيقاع السياسي البطيء والثقيل مقارنة باوباما ذي الإيقاع المتناغم بمرونة مع تطلعات الناخب. وفي الوقت الذي وصل فيه الناخب إلى ذروة اللحظة التاريخية في حزم أمره واختيار رئيسه، كان الاقتصاد الأمريكي يمرّ بأسوأ مراحله في عهد الجمهوريين، وكان هذا عاملاً خارجياً ذا طبيعة رمزية تجعل أوباما: المنقذ، والحلم الأمريكي بأوسع صوره ومضامينه.
العرب، ولاسيما أصحاب العواطف القومية والإسلامية، تفاعلوا مع الفوز من باب الشماتة السياسية، وهكذا هم في كل دورة انتخابية، سرعان ما يشمتون، ثم بعد ذلك يباشرون تجهيز خطاب العداء ولغته وطرائقه مع الرئيس الجديد لأن الخلاف حاصل بين الطرفين نظراً لوجود نمطين من العقل: العقل الحرّ، والعقل المستعبَد. وهكذا هم لا يعنيهم معنى التغيير الذي أوجزه أوباما بعبارة من ثلاث كلمات لكنها غنية في مضمونها السياسي والإنساني. أمريكا تتغير؛ أي أنها تقدّم للعالم صورة مشبعة برمزية أن يقرر العقل الحرّ شكل السياسة، أن يلغي ثنائية التسمية: أبيض وأسود، إلى كلمة جوهرانية أخرى مشبعة بقيم متحضرة هي: الإنسان.
لكن، في الوقت الذي تحرق فيه أمريكا واحدة من أبرز الثنائيات الوجودية، فإن العرب يعيدون إحياء كل الثنائيات القذرة التي تعمل على تمزيقهم. هناك في أمريكا، قاد تمزيق الثنائية العنصرية إلى كرسي الحكم، وهنا في العالم العربي يقود إحياء النزعة الثنائية التصنيفية العنصرية إلى كرسي الحكم أيضاً، لكنّ ثمة فرقاً بين هذا وذاك، هو الفرق نفسه بين عقل حرّ وآخر مستعبّد.
nazem1965@yahoo.com
التعليقات
نصدق كذبتنا
رعد الحافظ -تحية طيبة ل د.ناظم عودة واقول ..نعم ياسيدي عقولنا للاسف مازالت مستعبدة بكل اصناف التخلفوالاوهام , والاغرب من ذلك اننا غالبا ما نردد شعارات طغاتنا وقاتلينا ..انظر مثلا بسيطا وهو الاتفاقية العراقية مع امريكا ..لم يبقى احد الا وادلى بدلوه فيها(وكأنها نهاية العالم) وفي النهاية يأتيك سياسيو العراق وبرلمانيه والعجيب ان غالبيتهم (جاؤوا مع الاميركانمن المنفى) ويرفعوا شعار صدام..لا لامريكا .انظر معي يا كاتبنا العزيز , نحن شعوب تختلق اكاذيب وتصدقها . فمثلا لم نرى لحد الان دولة في العالم ديمقراطية ومتعاونة مع اميركا وهي متخلفة او في الحضيض ( ), بينما نحن العراقيون نتبع اليوم شعارات صدام وايران ونحن نعلم من هؤلاء..
اتركهم يا ناظم
youmna -اتركهم يا ناظم هذه الشعوب العربية والاسلامية يحركها الفتاوي من القرضاوي والبكري ومن هم على شاكلتهم ولا شيء غير ذلك
قفزات خيالية
عادل الربيعي -ياسيدي الذي يحكم عقولنا هو كل انوع التطرف والعنصرية- والفتاوى تتناغم مع هكذا نمط من التفكير فليس غريب ان العبودية تقود عالمنا هذا واعتقد ان هذا العالم الذي سبقنا بقرون نحو التحرر المفاهيمي والعقلي معا والتكنلوجي ايضا لا يسعنا اختزال سر هذا التطور باسطر فالخوض بهكذا موضوع يحتاج الى مجلدات لتفسير سر تخلفنا المتاْصل منذ ازمان بعيدة وسر تطورهم وارتقائمفي شتى المجالات واعتقد انها قفزات لا زلنا نحبوا اليها بحياء ونحتاج الى عشرين جيل وبمناهج علمية مدروسة كي نصل اول الطريق وبس--------
أتفق مع رعدالحافظ!!.
كركوك أوغلوا -وشكرا للكاتب وأيلاف الغراء
new
اوس العربي -الحقيقة ان الذين احتفوا بالديمقراطية الامريكية التي جاءت مولود من اب اسود وام بيضاء ـ فات عليهم انها ديمقراطية خاصة بالامريكان والسيد اوباما في رأي كثير من الامريكيين الافارقه يشبه العم توم في الرواية المشهورة الذي يمتن على سيده الابيض ان ابقاه على قيد الحياة ؟!! على كل حال فات على الذين احتفوا بالديمقراطية الامريكية ان امريكا لها تاريخ طويل واسود في قمع الشعوب والثورات واجهاض الاصلاح واغتيال المصلحين حتى من داخلها كلنا يتذكر ازالة نظام مصدق الجمهوري لصالح الاستبداد الشاهنشاهي وفرق الموت التي عملت في اسيا وافريقيا وامريكا الوسطى والجنوبية لمطاردة واغتيال وازالة النظم الشعبية الوطنية المنتخبه وفي عالمنا العربي يذكر لها تواطئها ضد نظام عبدالناصر الوطني وتواطئها مع النظم الاستبدادية ومدها باسباب القوة من معدات قمع واستنطاق خبرة وتدريبا لاحظوا ان التغيير الديمقراطي في اوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق تم بأقل قدر من اسالة الدماء بينما احتاج التغيير في العراق مثلا الى اطنان واطنان من القنابل الذكيةوالغبية وقتل مليون عراقي وتشريد اربعة ملايين وتيتيم وترميل ملايين العراقيين والعراقيات وان العراق صار ارضا مستباحة لكل فرق الموت وتم ايقاظ كل الثارات القديمة واحراق العراق لماذا هل لان سكان الاتحاد السوفيتي بيض ومسيحيون ونحن سمر ومسلمون ؟!!!