قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
غالبا ما تقوم الدول بالإصلاحات الاقتصادية الجذرية فقط عقب تعرضها لازمة حادة تجعل الإبقاء على السياسات السابقة مستحيلا. لكن الأزمات تؤدي أيضا إلى إتباع سياسات خاطئة، مثلما حصل عقب الانهيار الكبير للعام 1929 عندما اتبعت معظم الدول التدخل المفرط للحكومة و زادت من نفقات الموازنة أملا في إعطاء دفع للطلب و من ثم تحقيق نمو اقتصادي مرتفع عملا بتوصية "لورد كاينز" اكبر اقتصاديي القرن العشرين تأثيرا. و من هنا يأتي السؤال الذي نود الإجابة عليه في هذا المقال: ما هي السياسات الخاطئة التي من المحتمل أن تتبعها الدول العربية كرد فعل على الأزمة المالية الحالية؟ من المهم التنويه إن الأزمة الحالية لن تؤثر كثيرا على البنوك العربية. في دول الخليج، سوف يقتصر الأمر على تحمل بعض البنوك خسائر نتيجة انكشافها على قروض الرهن العقاري الأمريكية (مثل بنك الخليج في الكويت) أو الاستثمار لدى بنك استثمار "ليهمان بروذيرز" الذي أفلس (مثل بنك الخليج الأول). لكن هذه الخسائر تبقى محدودة جدا. معظم البنوك في الدول غير النفطية لن تتأثر ببساطة لان انكشافها على العالم الخارجي يكاد لا يذكر. و هذه نقطة ضعف لا قوة، إذ ثبت أن النظام المصرفي المنفتح على المنافسة الخارجية (أي الوجود الفاعل للبنوك الأجنبية في الدولة) يحسن من قدرة الاقتصاد على رفع نسبة نموه السنوية بنقطة واحدة تقريبا. لعل الخطر الأكبر حاليا يتمثل في احتمال عزوف الدول العربية على انفتاح قطاعها المصرفي و المالي بدعوى الحفاظ على الاستقرار. بينما من المفترض أن يكون هذا الانفتاح من الأولويات نتيجة ما اعتبره تقرير للبنك الدولي "قطيعة" بين القطاع المالي و احتياجات القطاع الخاص في الاقتصاديات العربية (*). ورد في التقرير: " بالرغم من وجود سيولة كبيرة إلا أن جزءا بسيطا فقط من القطاع الخاص خارج منطقة الخليج يمكنه الحصول على الائتمانات المصرفية. و حتى في الدول التي تتمتع بقروض هامة للقطاع الخاص، نجد أن معظم الائتمانات تتركز في يد أقلية. كما تؤكد الاستبيانات أن 75% من استثمارات القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا يتم تمويلها من داخل المؤسسة بالأرباح غير الموزعة. على هذا لأساس نجد أن نسبة طفيفة من الأصول التي تتراكم داخل المنطقة يتم توجيهها إلى استثمارات منتجة. كما أن أسس القطاع المالي السليم و الضروري لتحقيق التنمية المستدامة، بما فيها أسواق السندات و الأسهم و أدوات التوفير و الادخار الأخرى تكاد تكون منعدمة خارج منطقة الحليج". كما تعاني البنوك العربية من معضلة أخرى و هي وجود نسبة كبيرة من القروض المتعثرة، التي بلغت حسب آخر البيانات المتوفرة لدى صندوق النقد الدولي: 25% في مصر، 8% في المغرب و 17% في تونس، و هي نسبة من المفروض ألا تتجاوز 6%، حسب المعايير الدولية. و مثل هذه النسب المرتفعة من الديون المشكوك في استخلاصها تمثل قنبلة موقوتة و تعكس عدم قدرة البنوك العربية في الظروف الحالية على اتخاذ الإجراءات و الإصلاحات الأزمة للسلامة المالية. اثر الأزمة التي عصفت بالصين فيما سمي آنذاك بــ"مجزرة ساحة تيان ان مان" كان رد الحكومة الصينية الموفق المضي قدما بالمزيد من الإصلاحات التي جلبت الاستثمار الأجنبي و طورت الصادرات الصينية للأسواق الأجنبية، و الخطر الأكبر اليوم أن تستخلص الحكومات العربية الدرس الخطأ من الأزمة المالية الحالية و تعمل على الإبقاء على الأنظمة المالية المنغلقة التي تسيء للاقتصاد الوطني و تحمل في طياتها مخاطر أزمات كبرى في المستقبل.
(*) يمكن الاطلاع على التقرير في موقع البنك الدولي على الانترنيت،
و هو بعنوان:
Economic Developments and Prospects: Financial Markets in a New Age of Oil, 2006. كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي
ِAbuk1010@hotmail.com