اوباما وخطة مارشال الشرق أوسطية
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد أن عانت الشعوب من إرهاب وحروب العقود الماضية، وبعد أن حولت تكنولوجية الاتصالات والمواصلات العالم لقرية أرضية صغيرة، وبعد أن تلاشت مفهوم قطبية الدول العظمى، وبعد أن أكدت أزمة الوول ستريت بأن العالم يحتاج لشراكة التعاون لحل تحدياته المالية والاقتصادية، وبعد أن انتخبت الولايات المتحدة رئيسها الجديد، بدأت تتبلور تصورات لدبلوماسية القرن الواحد والعشرين بقيادة الولايات المتحدة. وقد عرضت كوندوليزا رايس تصوراتها لهذه الدبلوماسية في مقال بمجلة فورين أفيرز في شهر جولاي الماضي. فناقشت في دراستها أهمية أيجاد العلاقة الصحيحة بين مصالح بلادها ومصالح باقي دول العالم، وأصرت على أهمية بناء الديمقراطية كأسلوب للحكم كجزء من المصلحة الوطنية لبلادها، لاعتقادها بأن الديمقراطية ستقي من الإرهاب وستخلق الاستقرار وتجلب العدالة والثراء والقوة. وأكدت بأنه تعتمد ديمومة أمريكا على تزاوج قوتها مع قيمها الأخلاقية، بترابط الواقعية والمثالية لتقود دبلوماسيتها المستقبلية. والسؤال: ما هي أسباب الاهتمام الأمريكي بديمقراطية العالم؟ وما هي الصيغة المقترحة لهذه الديمقراطية؟ فهل ستكون ديمقراطية مفروضة بالقوة ومستوردة من الخارج، أم ستنبع من واقع المجتمع وقيمه؟ وهل سيتم تطويرها بتدرج في الثقافة المجتمعية، وتنفيذها بتزاوج التناغم بين الشعوب وقياداتها، ودعمها بإصلاحات اقتصادية وقانونية؟ وكيف يمكن الوقاية من تحولها لديمقراطية طائفية عشائرية؟
لقد حاول كنيث بولوك، مدير مركز الأبحاث الشرق ألأوسط بمؤسسة بروكلين الأمريكية، أن يجاوب على هذه الأسئلة في كتابه الجديد، طريق خارج من الصحراء - الإستراتيجية الكبرى لأمريكا في الشرق ألأوسط، والذي يعرض فيه دراسة تحليلية لخلاصة أراء مخططي السياسة الخارجية الأمريكية. ويؤكد الكاتب بأن هدف هذه الإستراتيجية، المحافظة على المصالح الأمريكية المرتبطة بتطور اقتصاد العولمة المحتاج للاستقرار، وخاصة في الشرق الأوسط، الذي يمتلك الجزء الأكبر من احتياطي العالم من النفط والغاز الطبيعي. ويعتقد الكاتب بأن الوسيلة الوحيدة لاستمرار تغذية الاقتصاد العالمي بالطاقة هي الوقاية من الانقلابات وذلك باختيار الديمقراطية طريقا. وعلق بالقول: "في اعتقادي بان علينا توجيه سياستنا الخارجية بقيمنا الأخلاقية ومصالحنا الإستراتيجية، وبأن نؤمن بأن مصالحنا الإستراتيجية البعيدة المدى مرتبطة بشكل مباشر بالتزامنا بقيمنا وبأنها ليست ذنب نخجل منه، بل علينا المحافظة عليها بكل ما نملك من عزة، وهنا تندمج الواقعية التي أؤمن بها بمصالحنا ومثالياتنا." وطرح الكاتب سؤاله العظيم بالقول: "السؤال العظيم الذي نواجهه اليوم، هل نحن مستعدون أن نساعد دول الشرق الأوسط في طريقهم للخروج من الصحراء التي حاصرتنا جميعا، وإذا قررنا ذلك، فيجب أن نستعد لان تبقى هذه المنطقة اكبر وجع دماغ لسياستنا الخارجية للنصف الأول من القرن الواحد والعشرين، وإذا لم نقرر، فمن الأفضل أن نكون مستعدين لان تبقى هذه المنطقة احد اكبر وجع دماغ لسياستنا الخارجية لجميع الأزمنة القادمة." والسؤال المحير ما الذي يقلق الغرب للخوف على استقرار منطقة الشرق الأوسط؟
يحلل المؤلف القلق الأمريكي حول استقرار المنطقة، ويربطه بالتحديات الاقتصادية التي تواجهها بسبب سوء تهيئة التعليم للقوى المنتجة لسوق العولمة، وتخلف إدارة الثروة، وعدم تطور الصناعات التكنولوجية الغير نفطية، وبالازدياد المفرط في النمو السكاني، وقلة الإنتاجية، وزيادة البطالة. وتخوف بولوك من تزايد عدد سكان الوطن العربي من 78 مليون في عام 1950، ليصل إلى 307 مليون في عام 2000، ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد إلى 375 مليون في عام 2010. ومع ارتفاع نسبة التكاثر السكاني إلى 2.7%، لم يتغير نصيب الفرد من الناتج المحلي ألأجمالي خلال العقدين الماضيين، والذي من المفروض أن يرتفع سنويا بمقدار 4.7%. وهناك تزايد في عدد العمالة وبنسبة 3.7% سنويا، ولم تترافق هذه الزيادة بتطورات صناعية تكنولوجية، تمتصص هذه العمالة، لذلك زادت نسبة البطالة في المنطقة إلى 12%، وارتفعت بشكل خاص بين الشباب إلى 25 %. والمشكلة الأخرى التي تعاني منها المنطقة هي ضعف منافسة هذه العمالة في السوق العالمية بسبب قلة إنتاجيتها، مما أدى لقلة المشاريع الاستثمارية الخارجية، وانخفاض الصادرات الغير نفطية لأقل من 50% خلال الفترة من عام 1980 وحتى عام 2000. فمجموع الصادرات الغير نفطية لحوالي 325 مليون في الوطن العربي لا تضاهي ما تصدره دول صغيرة كالفلبين أو إسرائيل. وتقدر تقارير البنك الدولي لعام 2005 بأن إنتاجية المنطقة تصل لحوالي 3% من الإنتاجية العالمية، بينما يمثل نسبة السكان فيها 7% من سكان العالم، فالإنتاجية الإجمالية لجميع الدول العربية لا تعادل نصف إنتاجية كوريا الجنوبية.
وقد اقترح كنيث بولوك إستراتيجيته تدريجية للإصلاح تبدءا من الداخل، وبمساعدة دولية، وتشمل تحولات إصلاحية كاملة من إصلاحات اقتصادية، وتطوير التعليم، وابتكار نظام قانوني فاعل يخلق بيئة احترام للأنظمة والقوانين، وإعادة هيكلة النظام السياسي ضمن المبادئ الديمقراطية، بالإضافة لتطوير بيئتها الاجتماعية، لكي تتآلف مع هذه التغيرات وتتحمل تأثيرات العولمة المرافقة. ويقترح الكاتب بأن يبقى دور الولايات المتحدة ودول العالم محدود، وذلك بتوفير الظروف المناسبة لكي تقوم شعوب المنطقة وقياداتها بهذه الإصلاحات حسب ظروفها وقيمها وأخلاقياتها وثقافتها، وبدون التدخل من الخارج، لكي يتحقق الاستقرار والعدالة والازدهار والثراء.
وقد علق الصحفي الأمريكي وليم بفاف في مقال بجريدة اليابان التايمز في الثالث من شهر سبتمبر الماضي، على هذه الإستراتيجية المقترحة بالقول: " والذين يؤيدون السناتور أوباما يتحدثون عن خطة مارشال جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، والمشابهه لخطة كوندوليزا رايس للحزب الجمهوري، لرفع المنطقة من ماسيها، لتصبح أكثر ديمقراطية، وصديقة لأمريكا وإسرائيل...لقد سمعنا ذلك من قبل، فالولايات الأمريكية غير قادرة بالقيام بذلك، ومشكلة الشرق الأوسط ليست النقود. وأعتقد بأن القيادة القادمة ستقوم بالتحاور مع أصدقائها وتتجنب سياسة الابتزاز والبلطجة، وسترجع علاقات ثقة مع المنظمات العالمية وستستفيد منها، وستحمي حدود جورجيا والاوكرين، وستكون صارمة مع روسيا، وستحمي مصادر الطاقة، وستحارب الظلم أينما تجده، وحتى لو أدى ذلك للحرب، لخلق عالم أفضل."
لقد لخص باراك أوباما تصوراته للدبلوماسية الأمريكية الجديدة في خطاب فوزه للرئاسة بالقول: "لولائك الذين يتابعون خطابي هذه ا لليلة بعيدا عن شواطئ بلادنا، من البرلمانات والقصور، ومن خلال المذياع في بقع منسية على الأرض، أقول: قد تكون قصصنا فردية، ولكن قدرنا مشترك، وهناك فجر جديد بين الإيدي لريادة أمريكية. ولولائك الذين يريدون أن يمزقوا العالم، أقول: سنهمزكم. ولولائك الذين يريدون السلام والأمان، أقول: سندعمكم. ولولائك الذين يتساءلون: إن كان الفنار الأمريكي يحترق بأكثر إضاءة، أقول: لقد أثبتنا الليلة مرة أخرى بأن القوة الحقيقة لامتنا لا تأتي من قوتها العسكرية أو ثرائها، بل من القوة الدائمة لمثالياتنا وهي الديمقراطية والحرية وتوفر الفرص وأمالنا الدائمة. وعبقرية أمريكا الحقيقة هي في استعدادها لكي تتغير... لقد سرنا أشوطا طويلة، وعانينا الكثير، وباقي هناك الكثير لتحقيقه. ولنسأل أنفسنا: ما الذي سيشاهدونه أطفالنا لو عاشوا للقرن القادم؟ وما التطور الذي سنحققه؟ وهذه فرصتنا، بل لحظتنا التاريخية للإجابة. فها هو زمننا لنوفر لمواطنينا العمل من جديد، ولنفتح أبواب الفرص لمستقبل أطفالنا، ولنعيد ازدهارنا، ولنروج لأسباب السلام، ولنسترد الحلم الأمريكي، ولنعيد التأكيد على الحقيقة الأساسية، بأننا، بين الكثيرين، نأمل ونحن نتنفس."
والسؤال لعزيزي القارئ: هل ستنفذ حكومة أوباما خطة شرق أوسطية مشابهة لخطة مارشال الأوربية، التي وحدت أوروبا الغربية، وأنقذتها من تبعات دمار الحرب العالمية الثانية؟ وهل سيثق شعوب المنطقة وقياداتها بهذه الإدارة، ويعملوا معها بتناغم وجد لتحقيق هذا الحلم المنتظر؟
سفير مملكة البحرين في اليابان
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف