أحزاب الخضر والسياسة الاوربية
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
العدالة الاجتماعية (Sozialgerechtigkeit) هي تعبير واسع الانتشار في الأدب السياسي الالماني، وتعني على الصعيد التطبيقي كما في بلدان اوربية اخرى مثل السويد والدنمارك وهولندا إعادة توزيع جزء من الثروة المتحققة من الناتج الإجمالي لصالح العاطلين عن العمل والمرضى.. الخ.
و رغم أن الامتيازات التي يحصل عليها هؤلاء قد تعرضت إلى تقليص محسوس في السنوات الأخيرة إلا أن القانون بشكل عام يوفر قاعدة لتوفير الاساسيات من سكن مدفأ وملابس وتكاليف معيشة وضمان صحي.
التراجع الذي تعرضت له القوانين الخاصة بالرعاية الاجتماعية له أسبابٌ عديدة منها ما هو موضوعي يتعلق بازدياد عدد العاطلين عن العمل أو غير الراغبين فيه ، وتدفق الاجانب من غير القادرين على العمل لفترة قد تكون طويلة اما بسبب صعوبة دمجهم بسوق العمل بسبب اللغة والتأهيل التقني أو بسبب عدم رغبتهم في العمل أصلا وتفضيلهم البقاء ضمن نظام الرعاية الاجتماعية والعيش على تلقي الاعانات الخاصة بذلك، هذه الاسباب وغيرها قد شكلت عبئا على اقتصاديات البلدان الأوربية التي تعمل بهذه القوانين فلجأت الى تقليصها وحدت من الهجرة اليها.
هناك تحديات اخرى واجهتها الانظمة التي تعمل بالضمان الاجتماعي مرتبطة بظروف العولمة والتنافس على الأسواق، فوجود عدد كبير من العاطلين عن العمل وغير الراغبين فيه والمرضى.. الخ يؤدى إلى فرض ضرائب على القادرين على العمل يستخدم جزء منها لتمويل غير العاملين، يعني هذا ان الشخص العامل في المجتمع الالماني مثلا يُعيل جزئيا شخصا آخر لا يعمل لسبب ما من خلال جزء من الضرائب التي يدفعها، وتصل الضرائب الإجمالية في مثل هذه البلدان الى 40% من مجموع الراتب الاجمالي مما يدفع بالكثير من الكوادر العلمية وخصوصا في صفوف الشباب إلى البحث عن عمل في دول اخرى توفر لهم تسهيلات ضريبية كما في الولايات المتحدة.
لكن الشركات الكبرى قد لا تدفع الضرائب وتحصل على إعفاءات بسبب أن الاموال المستعملة في توسيع الانتاج وتحسين الاداء تعفى من الضرائب وبذا فإن الشركات الكبرى تستطيع استخدام جزء كبير من مداخيلها في توسيع الانتاج الذي يعود عليها مرة اخرى بالفائدة وبالمزيد من الارباح دون أن تضطر إلى دفع أية ضريبة.
وفي قعر المجتمع الاوربي نجد أن محدودي الدخل والفقراء لا يدفعون الضرائب أيضا بسبب أن مداخيلهم لا تدخل ضمن الحدود التي توجب ذلك.
و بذا فإن العبء الضريبي سيكون على كاهل الطبقة الوسطى والموظفين والعمال من الذي يتمتعون بمهارات عالية ورواتب جيدة ، كذلك يقع جزء من هذا العبء على كاهل المتعهدين الصغار وأصحاب الشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة.
شكل النظام الضريبي عبئا ليس على المواطن فقط بل ايضا على سعر المنتج وقدرته على المنافسة، فكلفة المنتج التي سببها ارتفاع سعر قوة العمل في اوربا يجعل من هذه المنتجات غير قادرة على منافسة مثيلاتها في دول اروبا الشرقية والصين مثلا، لذا عملت بعض الشركات على نقل مصانعها إلى بلدان مثل هنغاريا من اجل تقليص النفقات ورفع قدرة هذه المنتجات على المنافسة كما حصل لفرع شركة نوكيا في المانيا مما دفع بالمزيد من العمال الى البطالة.
لذلك فإن التوفيق بين المسعى للمحافظة على القوانين التي تدعم العدالة الاجتماعية، وهو ما يعمل عليه الخضر وحزب اليسار بشكل خاص في ألمانيا ، يصطدم مع العمل على المحافظة على وتائر عالية من النمو الاقتصادي.
و جوابا على تصريح لاحد قادة الخضر بأن ليس من الضروري العمل على تحقيق النمو الاقتصادي بأي ثمن قال خبراء اقتصاديون: بلى يجب أن يتم تحقيق زيادة في معدلات النمو الاقتصادي بأي ثمن.
ويبقى السؤال: هل التوزيع هو الهدف النهائي للاقتصاد ام النمو وهل يمكن التوفيق بينهما؟
هذا سؤال اشكالي بمعنى الكلمة لان التوزيع الذي يتضمن أي شكل من اشكال العدالة يجب أن يقوم على قاعدة من النمو المتواصل للإقتصاد ولكن هذا الشكل من التوزيع يقلل من كفاءة الاقتصاد وبذا فإن السؤال يحمل تناقضه الداخلي.
و كانت الانظمة الاوربية قد ردت على مثال التعثر الاقتصادي للبيروقراطية الاشتراكية في دول المنظومة الاشتراكية السابقة بمثال العدالة الاجتماعية الذي شارك في وضعه في الغالب اشتراكيون ديمقراطيون يتضمن شكلا من أشكال المزاوجة بين الاقتصاد الخاص واقتصاد السوق مع اعادة توزيع جزء من الناتج الاجتماعي.
أما الاقتصاد الرأسمالي حسب النموذج الامريكي فإنه يمثل حرية كبيرة امام الاستثمار واقل ما يمكن من الحدود ومن الضرائب ومن التدخل الحكومي وقد لخص رونالد ريغان فلسفة الاقتصاد الحر من وجهة نظر امريكية بمقولته الشهيرة: "Government is not a solution to our problem, government is the problem."... الحكومة ليست حلا لمشاكلنا، الحكومة هي المشكلة.
و حتى الآن لا يزال جورج بوش مصرا على نفس مبادئ الاقتصاد الحر الذي يتجنب أي شكل من اشكال التدخل الذي تعمل به اوربا ، فقد تعامل مع المقترحات التي طرحها ساركوزي باسم اوربا بسلبية وعلى انها يمكن أن تقبل كاجراءات مؤقتة وليست سياسة ثابتة وأصر على الاستمرار على مبدأ الاقتصاد الحر كما عبر عنها رونالد ريغان في مقولته آنفة الذكر.
وعلى الضد من ذلك فإن الاقتصاد الرأسمالي الاوربي الذي يسود اغلب دول اوربا يعمل على توفير شكل من الحماية والعدالة الاجتماعية مع المحافظة على المبادرة الشخصية وحرية السوق المحكومة بقدر من التدخل الحكومي في مجال التنظيم وخصوصا في النظام المصرفي ثم بداهة مقدارا اكبر من الضرائب... الخ
يسعى منظرو الاشتراكية الكلاسيكيون الى جعل هذين الشكلين من الاقتصاد نمطا واحدا بحكم انه كلاهما يعتمد على الاقتصاد الرأسمالي والملكية الخاصة ولكنهم يهملون الفرق في التوزيع الذي يكون في كل الاحوال في مصلحة الانسان، أي انهم يهملون (لاسباب عقائدية تنافسية) فارقا مهما لمصلحة الانسان المعلن كهدف لهم.
يشكل اقتصاد الصين نمطا من الاقتصاد فريدا من نوعه بسبب تكيفه مع الوضع العالمي واندماجه بالسوق من جهة وبقاءه من حيث التوزيع يحمل ملامح الاقتصاد الاشتراكي الذي ينطوي على مرونة عالية وقدرة على التكيف.
ليس من المعلوم أي شكل من هذه الاقتصاديات سوف يخرج من الازمة الحالية بقدر اقل من الضرر ويثبت جدارته، ولكن المؤكد أن مقاربات عالمية وقواعد عامة تتلائم مع العولمة واقتصاد السوق العالمي لا يمكن تجنبها. ما الذي بإمكاننا أن نتعلمه من مثال أزديمير؟
في المانيا توجد جالية عربية وعراقية بشكل كثيف منذ اواخر السبعينات خصوصا، وبالرغم من ان هذه الجالية قد نشأت متأخرة نسبيا عن نشوء الجالية التركية الذي يعود إلى الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية إلا أن الجيل التالي من المهاجرين العراقيين والعرب وقد ولد وترعرع هنا، رغم ذلك ليس بوسعنا الآن ولا في المستقبل القريب أن نرى بين ظهرانينا من هو مثل أزديمير، أي بكلمة اخرى أن نرى من يستطيع أن يشغل مركزا سياسيا مرموقا.
فالعراقيون والعرب مندمجون مع رؤاهم الخاصة وليس مع رؤى الآخرين ، ليس بوسعهم في الغالب أن يتصالحوا مع ما يراه الآخرون، ليس بوسعهم استيعاب ان العالم اوسع من همومهم المحلية وأن هذه الهموم لا يمكن حلها بالسخط على المجتمع الدولي والشتم المستمر لما نرى إنه افتقارٌ للعدالة ، هذا التفهم والاستيعاب الذي لا يمكن أن يتم إلا بالدخول في نسيج المجتمع وبناءه السياسي ، إلا بفهم آلية هذه المجتمعات ولن يكون ذلك الا بحدوث انقلاب كبير في الذهنية العربية والعراقية المهاجرة ولن يكون ذلك على الصعيد الشخصي الا بالحصول على المعرفة الضرورية القائمة على الدراسة الجادة والمعرفة الممتازة بلغة وثقافة البلد المضيف.
و لقد لعبت الحزبية الضيقة والانانية التي ربت اتباعها على عدم القدرة على استيعاب الرأي الآخر دورا في تشتت الجالية العراقية على وجه الخصوص وبالمقارنة مع وافدين من بلدان أخرى كانت هناك دائما المصلحة الوطنية والولاء الوطني الذي يتجاوز الولاءات الفرعية ما يكون هاديا ومرشدا للوافدين، اما على الصعيد العراقي فقد تم ترحيل الخلافات الحزبية الى الخارج بل انها اكتسبت تشنجا اضافيا مقارنة بما هو عليه الوضع في الوطن.
و سواء كان العراقيون اتباع سلطة او اتباع معارضة فقد كانوا دائما يرفضون أي شكل من أشكال الحلول الوسط وتغليب ما هو وطني على ما هو حزبي، وينسحب الخلاف حتى على المنتمين إلى احزاب متشابهة او متحالفة او مشاركة في السلطة أو في العملية السياسية ، فالخلافات عميقة وغير قابلة للاصلاح تقريبا بين اطراف اليسار نفسها وبين الاحزاب الاسلامية بل وبين اجنحة هذه الاحزاب التي تسود فيها لغة التخوين وإلغاء الآخر.
و تتجلى المأساة في عدم قدرة الساسة العراقيين المتواجدين في البلدان الاوربية على توسيع افقهم السياسي رغم طول مكوثهم في هذه البلدان اعتمادا على التجربة الاوربية التي يلتقي فيها ممثلو اليمين واليسار تحت قبة واحدة تسود اجواءها لغة الحوار، وحين يكون على السياسي العراقي أن يعمل في حزب اوربي فلن يكون ذلك إلا في حزب مشابه لحزبه الاصلي في الوطن لا يضيف له شيئا ولا يتعلم منه شيئا.
أما القسم الغالب من العراقيين والعرب فإنهم يعيشون في عزلة تامة عن النشاط السياسي بسبب المعاناة التي واجهوها من احزابهم ومن السلطة ويفضلون بر الامان الذي وصلوا اليه اخيرا. خاتمة
في هذا العالم المتلاطم تشكل تجربة اوربا حقلا مهما للدارسة يشير إلى أن من الممكن لها ان تلعب دورا اكبر بكثير من دورها الحالي في المجتمع الدولي كنموذج، ولكن اوربا لا تستطيع أن تستقل كليا عن علاقتها عبر الأطلسي أي مع الولايات المتحدة (لاسباب تحتاج إلى بحث مستقل) وانما بالتنسيق معها من أجل حل افضل لمشاكل عالمنا، واذا ما كانت اوربا قد قدمت مثلا جديرا بالاحتذاء في مجال البيئة فإن بمستطاعها أن تكون ذات دور اكبر وأكثر فاعلية وتوازنا في السياسة الدولية، تشير الدلائل إلى أن المقدمات لذلك قد تتوفر وتفعّل بانتخاب باراك اوباما كرئيس للولايات المتحدة. ولتحقيق دور اوربي اكبر تحتاج اوربا إلى أن تكون موحدة اكثر، منشغلة بما هو مشترك، هذا الأمر قد تحقق إلى حد كبير في التعامل الأوربي مع الازمة المالية والاقتصادية العالمية ودلل على شعور قادة اوربا ومؤسساتها بالمسئولية الجماعية أكثر من أي وقت مضى. munir_alubaidi@web.de
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مقال جيد ولكن
نـــ النهري ـــزار -طرح جيد للاوضاع في اوربا وامريكا ولكن اين هي وجهة نظر الكاتب هل هو مع الخضر مع اليسار ولم يطرح لنا رايه ايضا في موضوع النمو الاقتصادي والضرائب. وبكلمة اخرى ان الكاتب وقف موقف المتفرج