غزّة بين الإعلام والإعدام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ولا شكّ في أنّ حماس كانت ذات شعبية كبيرة واهتمام واحترام لدى الرأي العام على مختلف الأصعدة، وكان ذلك يبدو جليّا للعيان على أنّ حماس صاحبةُ حقّ، وصاحبةُ قضيّة، وصاحبةُ مشروعٍ نضاليٍّ لا يُمكن لأحدٍ الطعن بمصداقيته وخاصّة زمن الشهيد الشيخ أحمد ياسين الذي لم يعقه عن النضال عند الحاجة، والاعتدال السياسي عند الضرورة لا قضبان المعتقل ولا الأسر داخل الكرسي المدولب، إلى أن كان انخراط قيادي حركة حماس في غمار العمل السياسي الذي أودى بهم إلى أروقة السلطة الفلسطينية المشوّشة باستمرار والتي ازدادت تشويشا متعاقبا على امتداد المراحل والمواجهات الفلسطينية المجانية المتفاقمة التي لم ترضي في واقع الحال سوى المستثمر الإسرائيلي لفواتير الدم الباهظة التي لا تُسدد إلا على حساب الشريان الفلسطيني دائما.
ويبدو أن تداخل سلطة حماس المعزولة، بالسياسة المتشنجة والمغلقة على الدوام، ناهيك عن افتعال المشاكل المزرية مع إسرائيل خرقاً للهدنة بين اتفاق تهدئة وآخر، كل ذلك نجم عنه بلبلة مؤذية للضمير العربي الموهن منذ نصف قرن ويزيد، ومخزية لطبيعة الانتماء الآخذ في الاضمحلال والتفكك والشرذمة، ليظل رجال حماس ضاربين عرض الحائط كلّ الانتقادات التي توجّه لهم عربيا ودوليا وفلسطينيا وإسرائيليا أيضا.
ولعلّ إدمان نكهة الوجاهة والسلطة والقبض على مفاتيح الاقتصاد على هزاله، المتمثّلة في الإمدادات المتقطّعة بين تهدئة وأخرى في غزّة، أتاحت لرجال حماس المغالاة في المواقف، والمبالغة في توتير الأجواء، وخاصّة أنّ الخلاف يأخذ شكله التصعيدي مرحلة طلسمية تلو مرحلة أكثر إبهاما، وتصعيدا "بوهيميا " غير مدروسٍ وغير واعٍ أسفر عن مواجهات متكررة بينه وبين السلطة الفلسطينية المتمثلة بفتح، وعن قصف عشوائي للداخل الإسرائيلي يترتب عليه أضعاف أضعاف الردود والأفعال والمواقف والتحذيرات والعواقب والصفعات التي يتلقاها الأطفال قبل الكبار، والمرضى قبل الأصحاء، والمؤيدين قبل المعارضين لحماس، حتى صار الغزّاويون برمّتهم مشروع قرابين لحركة حماس لا سواها، وليتهم يوفون بالغرض، وتتمّ التسوية حتى وإن كانت على جثثهم ودمائهم وشقائهم الذي لا يحدّ ولا ينتهي، وكأنّ الأزمة في غزّة مكتوب لها "حماسويا " أن تظلّ قائمة ومستمرّة ومتجدّدة لاستكمال رصيد الشهداء والمعتقلين والعاجزين والمشردين والساخطين والناقمين والحاقدين والوارثين للصراع الأبدي الذي اشتُقّ من خبرة ودراية وتصميم عن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي حتى يتعزز بالصراع الفلسطيني- الفلسطيني!
وليست هذه أولى إشارات التعجّب التي تتموضع عفوا عبر السياق، بل لطالما كان العجب مواكبا لأحوال الصراع العربي- الإسرائيلي، وذلك بتوفير مناخات خصبة لتكاثر علامات الاستفهام والتعجّب والجدل الصامت أو البيزنطي في أحسن الأحوال، على شكل مهاترات إعلامية مفتوحة، أو مناورات "شوارعية " مذمومة، أو مؤتمرات خطابية مترفة تحصل في بلدان طامعة بالضوء حتى وإن كان على حساب العتمة الدامسة التي يَغرق فيها المستقبل الفلسطيني. لتظلّ شعلة التفاؤل مجرّد فلاشات خاطفة تكرّسها عدسات الصحافة وأضواء الفضائيات. وتظلّ بالمقابل الخلافات الفلسطينية، الشروخ الداخلية، الممارسات التعسفية، كلّ ذلك جملة واقعية ممنوعة من الصرف على طاولة العلاج الفعلي والحلّ الجذري.
في حديث عابر جمعني مع أحد الوافدين حديثا من زيارة ميدانية إلى غزّة المحاصرة وهو مثقّف مصري ومدير مسؤول لإحدى المؤسسات المختصّة في الدراسات الإستراتيجيّة، وأتحفّظ عامدة عن ذكر الاسم، خشية أن أكون سببا في أي إحراج أو أي ضرر قد يلحق به، وقد حدّثني عن جولة موسّعة قام بها بين مفاصل "غزّة " المدينة المشلولة بالحصار الداخلي والخارجي على حدٍّ سواء، وكان الهدف من زيارته أن يكوّن خلاصة معينة تكون نواة لدراسة إستراتيجية موسّعة، مفادها أنّ الوضع في غزّة مأساوي للغاية، وخلص يقينا أنّ حماس "حريصة" على استمرار تصدير المشهد المأساوي المرسوم لسكان غزّة حرصا قسريا، يُمكن اللجوء للعنف إن لزم الأمر، قاطعته مباغتة: تقصد العنف مع الجانب الإسرائيلي، أجاب على الفور: بالعكس، البعض يغمغم في قرارته إسرائيل أكثر وضوحا في الوقف، وأحيانا أكثر ليونة في التداول، سألت بدهشة عارمة كيف: قال مثلا: الخارج عن إرادة حماس بعدم موافقتها على سياستها مثلا هو قيد التصفية الجسدية عن أقرب حاجز تنصبه حماس، بينما بوسعه أن يتخطّى الحاجز الإسرائيلي وجلاّ ما بوسعها اعتقاله في حال كان سببا في حال تسبب الشغب وما إليه. قلت: لكن الانتخابات أسفرت عن شعبية واسعة لحماس. قال: للأسف هذه الشعبية التي تتحدثين عنها تشكّلت تحت وطأة الترهيب والترغيب والتهديد والضغوط إذ أنّ معظمها واقع تحت سيطرة مباشرة من قِبَل حماس ونطاق خياراته محدود جدا، فليس أمامه إلا أن يكون مع حماس فيسلم، أو أن يكون ضد نفسه في حال قرر مغالطة حماس، أو معارضتها.
أجبته: لكن من الواضح أن صمود الشعب الفلسطيني في غزة خير دليل على تأييد حماس. أجاب: عندما صمد شعب الجنوب في حرب "حزب الله " مع إسرائيل عام 2006، هل كان صمودا اختياريا أم انتحاريا؟. قاطعته: كيف، أجاب: من صمد مات تحت القصف، ومن نجا، كان بفضل الهروب إلى المناطق اللبنانية التي أثبتت معنى التضامن، أو إلى الدول المجاورة التي حصدت ثمار الجولة. فالبطولة لم تحمي المنشآت ولم تحفظ البيوت والذكريات فيها.
هذه هي السياسة، لعبة الوقت المُستقطع في ظلّ غياب كَتَبةُ التاريخ، أو ربّما في ظلّ غياب التاريخ نفسه، بعدما سئم التكرار والإعادة، وغباء الشعوب وغيبوبتهم المزمنة. www.geocities.com/ghada_samman
ghaydanah33@live.com
التعليقات
اتمنى وفقط
عربي -اتمنى من القائمين على هذا الموقع نشر مقال واحد فقط واحد يتبنى وجهة نظر حركة حماس ولكن هيهات دائما ما تحارب حركة حماس ومواقفها بهذا الموقع الذي نتمنى ان يكون حيادي حتى لا يتهم بأنه موقع مأجور..........
رؤيا
جهاد -ما لفت نظري هو تلك الجرأة العالية في المقال في محاولة للخروج من حماسية المفردة، ومحاولة وضع الاصبع فوق الجرح ومحاولة خلق رؤيا اقرب الى المنطق وبعيدة عن الصراخ والتخوف من ردود الفعل المأخوذة بالحالة العامة، قد اختلف مع الاخت غادة في بعض الجزئيات لكنني لا امتلك الا ان احترم هذا الطرح الذي حاول ان يكون اقرب الى المنطق والموضوعية ليقول ان شعبنا آن له ان يخرج من سطوة الزعامات المفروضة بحد النار والحديد ويحق له ان يمارس نضالهدون اوصياء ودون اعمال جزئية ومراهقات الخاسر فيها هو شعبنا بالضروررة
شكر
محمود مغربى -تقديرى لك ايتها المبدعة غادا السمانوكم أتمنى أن تخرج غزة من هذا النفق المظلملتستعيد الكثير..مقال يفتش وينقب عن الكثيرويظهر الصورة...
غادا وسمان ايضا
ســامي الجابري -اجزم قاطعا لو اعيدت الانتخابات اليوم في غزه ستفوز حماس بالاغلبيه الساحقه, يقينا اقول ان السيده غادا وهي ليست بكل تأكيد الروائيه العربيه الكبيره غاده السمان وان كانت قد استعارت بعضا من اسمها طمعا في جذب القراء لمقالاتها , لم ترغب عامده ان تتبني وجهة نظر الشخصيه المصريه المبهمه التي اقحمتها في مقالها وحملتها كل تبعات النقد والتجريح لحركة حماس لانها تعلم بكل تأكيد ان الحقيقه هي العكس مما قالت, لانه لو صح ماتدعي لما قبل الشعب الفلسطيني في غزه ان تبقى حماس ليوم واحد تحكم قبضتها عليهم, ولعلمنا من ان ابناء غزه سيثورون بوجه كل من يريد ان يتاجر بارواحهم, لكن مايتحمله الشعب الفلسطيني في غزه يتحمله معهم ابناء حماس ويستشعرون مرارته قبل غيرهم, لذلك ان تعمد سيده الى فبركة وجهات نظر عربيه ضد حماس ليس بالمقبول ابدا وعليها ان تصرح برأيها لكي نعلم من يريد ان يحمل الضحيه وزر الجاني.
كتبت فاصبت
مواطن من غزه -لك كل التحيه ايتها الكاتبه الصادقه لقد اصبت عين الحقيقه بل ان مايحدث فى غزه اسوء بكثير مما يعرفه الانسان العربى البسيط عن هؤلاء القوم ويكفى ان نقول ضربهم المبرح لحجاج بيت الله الحرام وضربهم حتى الموت للطالبات فى جامعة الاقصى واغلاقهم للمعابر باطلاق فراقيعهم على اسرائيل من اجل ترويج تجارة الانفاق التى يشرفون عليها وتساعدهم اسرائيل فى ذلك اما صراخهم عن غزه المحاصره فلااحد يستفيدمنه سواهم تاتى المساعدات باسم الشعب وتذهب لعناصرهم فقط والذى لايلزم يباع فى الاسواق ان كل من هو غير حمساوى هو كافر وياليتهم مسلمين لك كل التحيه لانك لست من الاخوان المسلمين كى تلونيهم بغير الوانهم
ممتاز
القبس -أشكر الكاتبة على هذا المقال الرائع، وأؤكد لجميع قراء إيلاف أنه لا يمكن إلتماس موضوعية الكاتبة في هذا المقال إلا إذا كنت تعيش في غزة أو لك عزيز يعاني في غزة.ِ
غزة واٍنحسار الأحلام
رمضان عيسى -لاشك أن غزة تعيش المأساة باٍمتياز ،بل وأكثر من ذلك فالغلاء مسح كل مدخرات الناس وكل شخص _ما عدا أغنياء الأنفاق _ يعيش كل يوم بيومة ،فماذا يقول : اٍن فساد فتح الطاغي حتى النخاع أوقعنا في أحلام حماس العقائدية _ ولا أقول الوطنية _ فالوطنية، فلسطين شىء والعقائدية الاٍمارة والخلافة شيء آخر ، والأحلام العقائدية ليس لها سقف ولا مدى ممكن أن تقف عنده ، فمثلا الخلافة في الحكم ليس له شكل واضح ممكن تطبيقه في هذا الزمن وشعاره الدائم عدم الاٍعتراف باٍمكانية الاٍختلاف وتكفير الغير وكل ما غيري خطأ ولن تسمع غير النداءات المتطرفةلتطبيق الشريعة _ حتى قبل تحرير الأرض _ وستنمو أرضية لديكتاتورية الحزب الواحد كما كانت فتح بل وأعنف ولن يكون لا للديمقراطية ولا للوطنية أي صدى لأن الطريق السياسي سيغدو أكثر ظلامية من ذي قبل وسيعيش الشعب الفلسطيني حالة رد الفعل الاٍعلامي . ومن الناحية الاٍقتصادية لن تستطيع حماس أن تفعل شيئا فليس من أجندتها والبلد متروك تحت رحمة التجار وجشعهم ، والهم الشعبي هو لقمة العيش ونسيان ما عداه ولكن سيبقى الشعب لأجل غير مسمى يعيش حالة الاٍنشقاق النفسي وحالة فقدان الاٍتجاه واٍنحسار الأحلام .
غادا السمان
تيسير نصرالدين -هناك قدرة لغوية عالية لا ينكرها أحد لكن بالمقابل هناك دهاء سياسي بين السطور
معجزه !!
الخديوي -غادا دي معجزه بجد فهي بتاع كلو يعني عبقريه بكل المواضيع عشان كده ياريت تؤلف كتاب يكون عنوانه : كتاب مالا يكتب من سياسه ودين وفن وملعب .ياخوانا صلوا علنبي.
صدقت في كل حرف
احمدحسني غزه -الي المدافعينعن حماس كفاكم لانكم ستحاسبون والله علي دفاعكم عن الباطل والله كتبت تحت اسم مستعار خوفا من بطش حماس والله تم خداعنا تحت اسم التغيير والاصلاح والله الي كل معلق دافع عن حماس سياتي يوما اما ستندم او تصف نفسك بالجهل الم تسال نفسك عن مسرحية الشموع في المجلس التشريعي كيف كان الميكرفون يعمل كيف عتمه والمايك شغال كفي يا عرب حماس عندها جهابذة الاعلام النفسي ويضحكون عليكم يا عرب الم تسالوا انفسكم يا مدافعين عن حماس اين المعارضة ولا كلنا مؤيدين هل يوجد صوت معارض واحد ياناس اتقو الله والله والله انهناكجمساويين اصبحوا يربحون اكثر من الوليد بن طلال ويقيسون ربحهم بالساعة عبر تجارة الانفاقي اناس نحن ابناء غزه اغلير منتمين نعيش في كرب لا نتستطيع ان نتكلم لولا نافذة انت نتحدث بها شكرا لك ايتها الكاتبه وشكرا للمتضامن الذي راي الحقيقة بعينه وللعرب نقول كل واحد مؤيد لحماس فكر بعقلك ومثال بسيط اقرا علي شريط اخبار فضائيتهم اللعينه ان موت مرضي غزه بسبب منع مقاطعة رام الله ارسال دفاتر جوزات السفر طيب مش انت حكومه اعمل لحالك جوازات يا ناس فكرو شوية هي عبد الستار قاسم بيشتم في السلطة كل يوم من نابلس ليش ما يتم عتقاله ولا تصدقو اي حمساوي
أوضاع ومواقف متناقضة
محمد عبد السميع عامر -نع أحترامي لكل الاراء التي وردت تعليقا علي مقال الاستاذة غادا الا ان موقف حماس من التغبرات العالمية و الاقليمية لفلسطين مازات دون المستوي المطلوب .. فهي لم ترقي ان تتفاعل مع الازمات الاقتصادية العالمية .. وأعترت نفسها حالة خاصة ... ومازلت الميديا ( الحمساوية ) تعيش علي تاريخ قديم لا يهم كثيرال من المراقبين
من بريدي
د. فواز الشعار -الحوار الذي دار بينك وبين المصري إذا كان قد حصل يدل على أن المصري هو واحد من الحزب الوطني الحاكم في مصر الذين انتقدوا المغامرين في تموز وكل مارأيناه من الصمود الأسطوري للجنوبيين مقاتلين ومدنيين كان تمثيلية أخرجها الحاج عبدالله قصير في أروقة استديوهات المنار، وكأن هؤلاء الذين انتصروا على الصهاينة كانوا يقاتلون بمعزل عن أهلهم في الجنوب وكانوا يصوبون البنادق إلى رؤوس أمهاتهم وهن يحضرن لهم سندويشات اللبنة والزعتر. وكل هذا الصمود الأسطوري لأبناء غزة هو بفعل الرشاشات المصوّبة إلى صدور الغزيين وهم يقاتلون الاحتلال. وإذا جاء التهديد والوعيد بنتيجة لمرة أو مرتين ، فهل يأتي بها دائماً؟لم أتوقع أن تكون كتابتك بهذا الانحياز والبعد عن الموضوعية واستخدام الخطاب التحريضي في وقت تنحو كل الفئات إلى التفاهم.